الأحد، 30 ديسمبر 2012

تنمية التذوق اللغوي لدى الأطفال


التذوّق اللغوي والفني تربية ورعاية
بقلم: بشير خلف
      إن هذا الكلام يفيدنا أيّما إفادة في تربية التذوّق اللغوي عند الطفل من جهة ، وينبّه مـنْ يكتبون للطفل كي تكون أعمالهم التثقيفية والإبداعية تتوفّر على ما يساعد هذا المتلقّي على التذوّق اللغوي. ثمّة عوامل تساعد على تربية التذوّق اللغوي عند الطفل منها :
1 ــ كثْرة المُمارسة : لكي يتذوّق الطفل ألوان الموسيقى ، يجب إسْماعه كثيرا من الألحان . ولكي يتذوّق ما في الأدب من جمالٍ ، يجب إمْدادُه بكثيرٍ من ألوان الأدب الجيّد عن طريق القصص والقصائد والنصوص الجميلة .
2 ــ الطريقة المتّبعة في تعليم اللغة : وتعدّ الطريقة التي تُعلّم بها اللغة عاملا من عوامل التحصيل والتذوّق، وبطبيعة الحال إذا ما توافرت فيها الشروط التالية :
ـ أن تتيح للطفل فُرص التدريب على الممارسة اللغوية في مختلف المواقف، وتُزِيل عنه دوافع التهيّب والخجل
ـ أن تكون الظروف التي يتمّ فيها تعلّم اللغة أقرب ما تكون إلى الظروف الطبيعية .
ـ أن تخلق الرغبة في الممارسة ، وأن تشجّع المحاولات التي يبديها الطفل .
ـ أن تعتمد الوسائل المُثيرة والمواقف الحيّة، والمساعدة على تشخيص الأحداث والأوضاع، والعلاقات التي تُتّخذ منطلقا للتدريب على استعمال اللغة .
ـ أن تراعي طبيعة النموّ اللغوي عند الطفل، بحيث تركّز على الفهم أوّلاً والاستعمال ثانيا، وعلى التكامل بين التدريب المباشر والاستعمال التلقائي.
 3 ــ كثرة القراءة : وتظلّ القراءةُ من أهمّ وسائل إتقان اللغة ، وعاملاً من عوامل التدريب على استعمال وفهْم عناصرها . ولا تكون كذلك إلاّ إذا استثمرها المعلمون والأساتذة ، واتّخذوها مصْدرا لتعليم اللغة وتنمية التفكير ، وتربية التذوّق والتدريب على تحليل الأفكار المكتوبة ونقّدها والبحث عن مواطن الجمال في الفقرة والنصّ وتقدير قيمتها وأثرها في النفس .
4 ــ جهود الأطفال الإبداعية : كثيرا ما يستطيع الأطفال بخبرتهم المحدودة، أن يكونوا مبدعين بدرجة لا تخطر على بال الكبار؛ فالتوجيه الهادئ والحميمي والتقدير الجادّ لجهودهم الإبداعية في محاولاتهم كتابة القصص ، والقصائد ، والتمثيليات القصيرة وغيرها من أجناس الأدب، يقدّم مساعدة قيّمة في عملية استثارة تذوّق الأطفال للأسلوب الأدبي الرّاقي .
          إذا كان التذوّق اللغوي والفنّي عملية مكتسبة، فإن الالتفات إلى تنميته عند الطفل أمْرٌ ضروريٌّ، لأن مرحلته العمرية تُعين على عملية الاكتساب .. والمعلّم والأستاذ هما منْ يتركان بصماتهما في هذا المجال .
      إن تربية ملكة التذوّق اللغوي لدى المتعلمين ليست مرتبطة بزخم كثرة المعارف والتحصيل، إنما تدخل في المجال التربوي السلوكي..حقٌّا أرضيتها القدرة على قراءة النصوص، وفهم معانيها، والتغلغل في حناياها، ولكن ما يساعد على تربية التذوق اللغوي هو قدرة المتعلم على تحليل النص، واستكناه خباياه وما ذهب إليه الكاتب، بل والقدرة على نقْد النصّ ومحاورة كاتبه كمتلقٍّ واعٍ ..حينما يبلغ المتعلم هذا المستوى يكون قد اكتسب ملكة التذوق اللغوي ..وفي اعتقادي ومن خلال التجربة الميدانية أحسبُ أن العناصر التالية وغيرها قد تساهم في ترسيخ ملكة التذوّق اللغوي..:
1- تنشئة الطفل على سماع الكلام الفصيح.
2- تجنب لغة الطفولة البسيطة، وكذا التحدث باللغة الدارجة.
3- قراءة النصوص الفصيحة وحفظها.
4- تعلّم مبادئ التجويد والتمرس به.
5- مزاولة الفصحى قراءة وكتابة وتحدثاً .
6 ـ الاستماع إلى حصص أسبوعية في الشعر الفصيح، والنصوص النثرية المفعمة بالتراكيب الجميلة، قد تدخل في حصص المطالعة،أو تُبرمج لها حصص خاصة، غايتها تربية التذوق اللغوي والفني.
7 ــ أن تكون هناك حصص أسبوعية في مسرح الطفل تُمارس فيها لغة عربية فصيحة تُدرج فيها أبيات شعرية جميلة.
       إن التذوق اللغوي والفني بمفهومه العام هو قدرة الشخص على الاستجابة للمؤثرات الجمالية في النصوص الأدبية والأعمال والأعمال الفنية، حيث يعرف أحد الكُتّاب التذوق الفني بأنه "القدرة على الاستجابة للمؤثرات الجمالية بحيث تجعل مشاعر الشخص تهتز لها، وتجعله يعيش معها ويستمتع بها، ويجعلها جزءاً من حياته، ورصيداً يزداد على مر الزمن."
        فالتذوق اللغوي والفني وسيلة للسمو بذوق المتلقين للأعمال الأدبية والفنية إلى المستوى الجمالي من أجل إدراك جزئيات الجمال في إطار كلي، وتقدير الآداب والفنون،والأدباء والفنانين وإبداعاتهم المتنوعة في مختلف العصور.
       إن تعليم الجوانب الوجدانية وتنميتها في مجال تعليم وتعلم اللغة في واقعنا التربوي والتعليمي في بلادنا الجزائري كما في غيرها من بعض البلدان العربية بُــعدٌ غائب، بل هو بعدٌ مهملٌ بامتياز في مجال التعليم والتعلم،  وهذا بطبيعة الحال انعكس على بناء مناهج الأدب والبلاغة، والنقد في مدارسنا،وجامعاتنا.
       ما نشاهده الآن من انحطاط لغوي ظاهر للعيان يتمثل في عدم الخجل أو الحرج من استخدام ألفاظ نابية، أو غير لائقة لا بطبيعة الموقف ولا بطبيعة الجمهور ولا السياق،كما العجز المخجل لدى تلاميذنا وطلابنا في الجامعات من التحدث والتحاور بلغة عربية فصيحة جميلة ذات مستوى أدبي جمالي راقٍ؛ لأنْ لا الأسرة، ولا المؤسسة التعليمية، ولا الجامعة هيئت البرامج والظروف، والإمكانات المساعدة على اكتساب اللغة العربية الراقية، وتذوق جمالياتها، حيث اللغة ليست أداة للتواصل فحسب – وإن كانت هذه الوظيفة غايتها الرئيسة - إلا أن لها وظيفة أخرى لا تقل أهمية عن وظيفتها التواصلية تتمثل في الإحساس بالجمال والشعور به، وحسن التعبير عنه .
 المراجع:
1 ــ د.ماهر شعبان عبد الباري.التذوّق الأدبي/ دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.2009 عمّان.الأردن.
2 ــ أ.بشير خلف. الكتابة للطفل بين العلم والفن./ وزارة الثقافة الجزائرية.2007 .

        

تخفيف البرامج في الموسم الدراسي القادم


وزير التربية بابا أحمد يعلن عن تخفيف البرامج التربوية
أعلن وزير التربية الوطنية عبد اللطيف بابا أحمد أمس عن إطلاق حزمة أولى من الإصلاحات بغرض تخفيف المناهج التربوية، ضمن خطط الإصلاح التي يعتزم إدخالها في الفترة المقبلة، وتجسيد المجلس الوطني للبرامج التربوية و المرصد الوطني للتربية المنصوص عليهما في قانون التوجيه المدرسي الصادر في سنة 2008. وجدد بابا أحمد للقناة الإذاعية الثالثة الحديث عن تنظيم ندوة وطنية لتقييم الإصلاحات التربوية التي شرع فها قبل 9 سوات، مبرمجة في شهر جانفي أو فيفري المقبلين، بمشاركة خبراء وباحثين ومفتشين، مضيفا "أن الوقت حان لتقييم هذه التجربة لتدارك ومعرفة الأخطاء التي وقعنا فيها حتى يمكن استدراكها خاصة ما تعلق الأمر بتخفيف البرامج أو مراجعتها". و أكد الوزير أن "الوصاية تراهن حاليا على معيار النوعية بعد أن تم بلوغ الكمية، حيث تسعى الدولة لتهيئة الأجيال المستقبلية إلى المنافسة و الحصول على اكبر قدر من المعلومات و العلوم و التكنولوجيا لتمكين الجزائر من امتلاك موارد بشرية كفيلة بتحقيق التقدم و الازدهار و دعم التنمية في جميع المجالات".
و اعترف الوزير بوجود ضعف في إدخال التكنولوجيات الحديثة إلى المؤسسات التربية كإدراج الإعلام الآلي في النظام المدرسي مرجعا أسباب ذلك إلى تأخر الإدارة في تسليم المعدات و الأجهزة . و قال في هدا الشأن أن "الإدارة بحاجة إلى حركية كبيرة لمسايرة التطورات التي يعرفها العالم مضيفا أن قطاع التربية غارق في إدارة مصابة بالشيخوخة".
وأعلن من جهة أخرى عن إنشاء الأجهزة الاستشارية في القطاع التي نص عليها القانون التوجيهي للتربية على غرار المرصد الوطني للتربية والتكوين، ويعنى المرصد بمعاينة سير المنظومة التربوية بكل مكوناتها إلى جانب تنيب مجلس وطني للتربية والتكوين يضم كفاءات من قطاعات التربية والتكوين والتعليم العالي، مهمته مناقشة كل القضايا المتعلقة بأنشطة المنظومة التربوية.وقال بابا احمد أن هاتين الهيئتين نص عليهما القانون التوجيهي للتربية 04 -08 الصادر في 23 جانفي 2008 إلا أن هذه الهياكل لم يتم تنصيبها إلى غاية اليوم ،"وأكد الوزير أنه سيتم تنصيب هذه الهياكل ابتداء من جانفي 2013، مضيفا أن هّذه الهيئات لا تخضع لإشراف وزارة التربية الوطنية و بإمكانها تقديم انتقادات للقطاع، مشيرا إلى أن اللجنة الوطنية للبرامج الموجودة حاليا والتي تتكفل بتقييم و إعداد حصيلة القطاع "غير كافية".
وتحدث الوزير عن وجود خلل في تعليم اللغات عبر مختلف ولايات الوطن، وقال في هذا الصدد "أن بعض الأقسام لا يوجد فيها أساتذة في الوقت الراهن و هو ما دفع بالوصاية إلى استدعاء أساتذة متعاقدين لتعويض الأساتذة الذين أحيلوا على التقاعد إلى جانب دعوة الأساتذة المتقاعدين الذين أثبتوا جدارتهم أثناء سنوات الخدمة و لا يزالون قادرين على تقديم المزيد إلى العودة لمقاعد التدريس لسد النقص و العجز الحاصل في أساتذة اللغات" .
و طالب عميد جامعة سعد دحلب السابق بتحسين نوعية التعليم من خلال تكوين المكونين و هو ما سيمكن الأساتذة من تحسين مستواهم و مسايرة الطرق البيداغوجية الجديدة في التعليم. و أعاب على الإدارة في هدا الشأن عجزها عن تنظيم دورات تكوينية منتظمة لصالح الأساتذة خاصة و أن فترات التكوين تتزامن و عطل الأساتذة.

الخميس، 27 ديسمبر 2012



  «تراث الأجداد على لسان الأحفاد»    لإحياء التراث الشعبي
      «تراث الأجداد على لسان الأحفاد» هو الكتاب الذي استضافت له مؤسسة «فنون وثقافة»؛ أحمد فضيل الشريف في نشاطها الأسبوعي «أربعاء الكلمة»، وقد قدم قراءة له الشاعر عبد الرحمن عزوق، بحضور مجموعة من المثقفين.
      استهل عبد الرحمن عزوق في تعليقه على الكتاب، أن المؤلف لم يكن بعيدا عن الأحداث أو خارجا عن الإطار العام الذي يتحرك فيه، ويرى عزوق أن الكاتب استطاع تسخير حسه المرهف وقدرته على تجلية الموقف وطاقته الحماسية في الأحداث التي شاركت فيها الأمة، سواء في قصة أو رواية أو شعر.
وأشار عزوق في وصفه لهذا العمل التراثي إلى أننا نجد فيه المروءة والحس القومي، وتمثل أصوات الأدباء عنده الأجراس التي تقرع من عالمنا التراثي لتنبهنا إلى تجربة الأجداد وخلاصة أفكارهم وممارستهم الحياتية، لنتزود بها حينا ونعتبر بها أحيانا أخرى.
       الكتاب صدر عن دار التبيين بالجاحظية، من القطع المتوسط، تحت عنوان: «تراث الأجداد على لسان الأحفاد»، جمع فيه الأستاذ أحمد فضيل الشريف حكما وأمثالا وأحاجي ونكتا وبوقالات، فمن الأمثال انتقى لنا المؤلف 107 أمثال شعبية، شرح لنا فيها معناها ومغزاها، ومن الحكم، انتخب لنا الكاتب في مصنفه 42 حكمة شعرية ونثرية رأى فيها ما يتردد على ألسنة الناس في مجالسهم في الأفراح والملمات، أما فيما يخص الألغاز، فقد ساق لنا الكاتب 20 لغزا كانت تتداول في الأسمار لاختبار الذكاء والفطنة وسرعة البداهة، ومن الأحاجي الشعبية التي كانت تتداول في فصل الشتاء أمام مواقد النار والكوانين تحكيها الجدات، فقد أختار لنا الكاتب 34 أحجية، أما من جانب القصص والفكاهة والنكت، فاختار الكاتب      نكتة أردفها بـ 103 بوقالات، وكل ما جاء في هذا الكتاب يحفز على التثقيف الذاتي.
        أما فيما يخص المؤلف، فقد وجه كلمته للقراء، مذكرا إياهم أنه يقدم لهم ديوان الأجداد على لسان الأحفاد الذي هو أدب شعبي جزائري في حقل جمالي متنوع في لهجاته وأشكاله ومضامينه، ورأى المؤلف أن عمله هذا ما يزال في حاجة ماسة للجهد، لجمعه وتدوينه في شكل أمثال وأقوال وألغاز، وما ورثناه من تراثنا الشعبي الجزائري الذي يعد لوحة رائعة لا يقل في مضامينه ودلالاته وجماليته عن الآداب الأخرى.
         كما يرى المؤلف أن إحياء التراث الشعبي هو في حد ذاته إحياء للأمة بعد أن طمس تراثها عن عمد وقصد في بعض أدوار التاريخ، وعن جهل وازدراء بقيمته في أدوار أخرى، من خلال الحكم عليه من منظور فكري متعسف  بإحالته إلى شبه وكر لا قيمة له ولا علاقة له بحاضر الأمة ومستقبلها ووحدتها، ولا تزال إلى اليوم الذاكرة الشعبية تختزن نصوصا تفيض بحب الوطن، انطلاقا من مرحلة المقاومة، مرورا بالحركة الإصلاحية، فأحداث الثامن ماي إلى الثورة التحريرية، ويضيف الكاتب أن هذا التراث مليء بالعبر والعظات وعلينا أن نوظّفه ونجسد حكمه، وغيره في حياتنا اليومية، لنكوّن منها جيلا قوي العزيمة  والإرادة، دون أن ننسى أن في الكتاب ألغازا وفكاهات وبوقالات كلها تبعث على الراحة والنشاط.
       وبعد قراءة عدة حكم وألغاز وأمثال، أحيلت الكلمة للجمهور الحاضر، حيث أثنى على المؤلف الأستاذ أحمد فضيل الشريف على المجهود الذي بذله في جمع هذه النفائس التراثية، كما طلب منه البعض وضع فصول لكتابه هذا حسب كل نوع من الفن الذي جاء به، كفصل للأمثال، فصل للحكم وآخر للبوقالات، مع تعريف القراء بكل فن من الفنون المتطرق لها.
          للتذكير، الأستاذ أحمد فضيل الشريف من مواليد 1940 بفوكة تيبازة، تقلد عدة مسؤوليات سياسية من بلدية ومجلس شعبي ولائي وإدارية وغيرها من المسؤوليات، ساهم في عدة بحوث، وله ديوان شعر «ربيع الحياة وروح المناسبات»و «في رياض الأدب الشعبي» وقصة بعنوان «حب بين كفي القدر».

الأربعاء، 26 ديسمبر 2012

التراث بنظرة معاصرة


التراث بنظرة معاصرة وتكريم المرأة لا بد منه
 الفنان هو المتحرك الذي يرفض السكون، فيقرن فنه بالإبداع ويبتكر ألف تحفة وتحفة، ليمتع العقل بالجديد ويمنح القلب السرور ويترك بصمة في تاريخ الفن، وهكذا قام الفنان عبد الرزاق حفيان برسم وعزف والباس الصحراء في معرض “ديوان 2” المقام حاليا برواق “عايدة”، ولم يختلف الفنان نور الدين حموش في هذه الغاية، فقدم طقوس الديوان في حلة جديدة مزجت بين التقليد والمعاصر.
         ”ديوان2” يقام برواق “عايدة” (دالي إبراهيم) إلى غاية 25 من الشهر الجاري، تؤثثه أعمال الفنانيّن عبد الرزاق حفيان ونور الدين حموش، الذي نظم العام الماضي وبنفس الرواق معرضا حمل عنوان “ديوان” ليعود هذه المرة مع “ديوان 2” رفقة فنان آخر يحمل التراث في قلبه ويعبر عنه بنظرة إبداعية كبيرة، بالإضافة إلى تكريمه للمرأة في أعماله الفنية.
وبهذه المناسبة، قال الفنان العصامي نور الدين حموش لـ«المساء”، أنّه مولع بالتراث الأمازيغي إلى درجة جعلته يرسم الرموز والدلالات المعبرّة عنه بشكل مستمر. مضيفا أنّ من واجب كل فنان تقديم بصمته الخاصة حفاظا على التراث، خاصة غير المادي منه، ليقوم باختيار تراث “الديوان” ويعبرّ عن ملامحه.
        وصمّم نور الدين لوحة قماشية على شكل زربية بمربعات تحمل أسماء تردد في قعدات الديوان مثل “سردوك”، “سحور”، “سخون”، “فسوخ”، “مسكون”، “ثقاف”، “عتروس كحل”، “مضروب”، “قناوة”، “مخطي” وغيرها، ووضع فوقها شموعا، وفي هذا يقول “يعتبر الديوان وجها من أوجه التراث غير المادي وكنت أرافق والدتي في طفولتي إلى حلقات الديوان التي كانت تقام بالقصبة وتعتمد على طقوس معينة تعود إلى عادات أسلافنا، كما كانت تتم بعفوية في فضاء يلتقي فيه الأشخاص ويرقصون ويصرخون ويغمى على البعض منهم، وهكذا أردت أن أعيد نفس المبدأ لكن بطريقة معاصرة وفرحة”.
أما عن ولعه بالرموز والعلامات الأمازيغية، فكان ذلك منذ طفولته أيضا وشيئا فشيئا زاد تعلقه بها، خاصة حينما كان يزور أهله في المنطقة التي ينحدر منها “أزفون”، ويرى جمالها وهي تزيّن الأواني وأثاث البيت ليتغلغل أكثر في الثقافة الأمازيغية إلى درجة إصداره كتابا يضم خمسين رمزا أمازيغيا قام بوضع تعريفات شعرية لها.
      وفي هذا السياق، قال الفنان لـ«المساء”، أنّه ممتن للمرأة التي حافظت على الرمز، وكذا على سريته، حيث عبرّت المرأة الأمازيغية عما يحيط بها برموز، ونفس الشيء عن حياتها الخاصة، ولهذا فالرمز يمكن أن تكون له دلالته الخاصة كما يمكن أن يحمل في طياته الكثير من السرية والغموض”، وهكذا رسم نور الدين الرمز وزاد عليه الألوان الساخنة والنقاط وبعض الملصقات مثل الخيشة ومرايا صغيرة رمز للمرأة، كما رسم في اللوحات الكثير من الأبواب التي قال عنها أنها فاتحة خير وان لكل ديوان باب يدخل منه محبوه، لتكون أعمال نور الدين مليئة بالرموز والألوان، التي يقول عنها أنها تمثل الحياة بكل جوانبها.
       ويعتمد نور الدين أيضا على المواد المسترجعة لصنع أعماله مثل لوحة غسيل الصابون، التي حوّلها إلى تحفة مزينة بالرموز البربرية ويطغى عليها اللون الأخضر، علاوة على وضع حلي قبائلية عليها، أما الخشبة التي توضع عليها الثلاجة فتحولت بدورها إلى تحفة فنية، كل خشبة فيها بلون مختلف ورموز معينة أيضا وجاء في آخرها حبل يمكن أن نضع عليه حاملة المفاتيح، بالإضافة إلى تحف أخرى متمثلة في الأحذية والصناديق وآلات موسيقية وكل ما يراه الفنان مناسبا لتحويله إلى عمل فني. غير بعيد عن لوحات نور الدين، تصل إلينا نغمات موسيقية من التراث الصحراوي الأصيل، “فيا ترى هل استضاف رواق عايدة فرقا موسيقية صحراوية تزيد من رونق الفضاء وتمزج بين الفن التشكيلي والموسيقى؟”، لا ليس الأمر كذلك، بل تنبثق هذه النغمات من بعض أعمال الفنان عبد الحق حفيان وعلى سبيل المثال، رسمة لعضوين من فرقة بوعلي من تيارت على بندير، وفي داخل البندير وضع جهازا الكترونيا يطلق مقطوعات موسيقية للفرقة، وهكذا حدث التزاوج بين الموسيقى والرسم.
        وفي هذا السياق، أشار عبد الرزاق لـ«المساء”، إلى أنّ لكلّ عمل فني موسيقاه الخاصة. مضيفا أنّ الفن التشكيلي فن بصري صامت، أما الموسيقى فهي فن مسموع وغير مرئي، فأراد أن يجمع بين الفنين لتقوية الإحساس والخيال، أما عن انطلاقة هذه الفكرة فكانت في معرض بمرسيليا، حيث رسم الفنان بورتري لنساء منطقة القبائل وأولاد نايل على البندير ليواصل المسيرة في هذا المعرض عبد قيامه بأكثر من تجربة في هذا السياق حيث جرّب في بداية الامر جهاز “أم بي 3” في البندير إلا أن الصوت كان ضعيفا وبعد البحث توصل إلى تقنية جديدة تتمثل في نظام الكتروني يعمل ببطاقة ذاكرة وبطارية يمكن شحنها.
      وقال عبد الرزاق انه في العادة يختار موضوع الرسم قبل الموسيقى المصاحبة له، إلا انه يفكر في الإقدام على عكس هذه الخطوة وان يطور من تقنيته، كما عبر الفنان عن حبه للصحراء وبالضبط لمنطقة أسكرام من خلال عمل يضم رسم وجه امرأة ترقية على بندير قام بتغطيته بـ«شاش ازرق” (لحاف يغطي الرأس) وفي جانبه وضع منحوتة لقافلة جمال، أما في عمل آخر فوضع لوحة بأسلوب يمزج بين التصويري والتجريدي وفي أسفلها الصق منحوتة خشبية تعبر عن رقصة الحرب للتوارق.
وجاءت معظم أعمال عبد الرزاق مزيجا من عدة فنون وكلها تصب في موضوع الصحراء مسقط رأسه وإن جاءت بأساليب مختلفة، وفي هذا يقول “استعمل مواد عديدة في أعمالي كما اهتم بتكسير كل ما هو كلاسيكي واتباع ريتم جديد، أما عن حبي للصحراء فأنا من منطقة وادي سوف ومنبهر بكل ما هو جميل وبسيط أي بما تتميز به الصحراء”.
        كما كرّم الفنان من خلال معرضه، المرأة التي رسمها في أكثر من عمل واهتم أيضا بالحفاظ على التراث المحلي حيث وضع جزءا من ناي حقيقي ملتصق ببندير مرسوم عليه عازف الناي، كما وضع في عمل آخر قرقابو حقيقي، وفي هذا يقول “أنا أؤمن بمقولة مالك بن نبي الذي يقول لا بد على كل إنسان أن يحافظ على خصوصياته ويشارك عالمية الآخرين “ونحن في عام  2012 يجب أن نهتم بتراثنا ونتفتح على العالم في آن واحد”.

الصحافة المدرسية تشجيع للطاقات الابداعية


الصحافة المدرسية تشجيع للطاقات الابداعية
      في إطارالتوأمة بين اتحاد الكتّاب فرع تيبازة وفرع اتحاد الجزائرالعاصمة، افتُتح يوم 18 من هذا الشهر منتدى أدب الطفل، الذي صادف اليوم العالمي للغة العربية، والذي ألقى فيه الأستاذ عبد الرحمن عزوق، محاضرة تحت عنوان “الصحافة المدرسية”.
      أمام عدد من المثقفين الذين وفدوا من مدينة تيبازة والجزائر وبعض أساتذة التربية، ألقى الأستاذ عبد الرحمن عزوق، محاضرة حول الصحافة المدرسية، حيث سلط فيها الضوء على دور هذه الصحافة ونجاعتها في تربية التلميذ داخل المؤسسة التربوية، وترشيده للتعبير عن مواهبه وتفجير طاقاته الابداعية، من خلال الكتابات التي يكتبها والتوجيهات التي يتلقاها من أساتذته.
      ويرى الأستاذ عزوق، أنّ الصحافة المدرسية لها أدوار عديدة، تعني بوجه خاص المجتمع المدرسي.
ومن بين أهدافها التي تعمل على تحقيقها النمو العقلي والنفسي للتلميذ وتأطير شخصيته وتنمي فيه التنظيم وحب العمل والانضباط وتهذيب سلوكه، كما أنها - الصحافة المدرسية - تعمل على ربط التواصل والاتصال الاعلامي مع المؤسسات التربوية فيما بينها.
      ومن بين الأهداف التي تضعها نصب عينيها، خلق رأي عام موحّد في البيئة المدرسية، وتوسيع آفاق التلميذ الفكرية وتثمينها وتدريبه على حسن الأداء والدقة في الفهم.
ويرى عبد الرحمن عزوق، أنّ العمل الصحفي المدرسي الناجح أساسه الإشراق الصحيح، ليعطي ما يمكن إعطاؤه في صورة أفضل.
    وبعد تدخل الأستاذ عزوق، أحيلت الكلمة للجمهور الحاضر، حيث تدخّل بعض الأساتذة الذين هم شيوخ في التربية، و تقلّدوا في سلك التعليم من معلمين إلى أساتذة ومدراء ومفتشين. ومن المعقبين على الأستاذ عزوق، الأستاذ عبد الله خمار، الذي أثار قضية العنف في المدارس وأسبابه التي أصبحت متفشية في مدارسنا، حتى أصبح التلميذ يضرب أستاذه وهذا ما نطالعه في الصحافة الوطنية.
ويرى الأستاذ خمار، أنّ للمدير دورا فعّالا في النشاطات المدرسية، لأنه هو الذي يوفر النشاط المدرسي، ويرى الأستاذ عبد الله خمار أنّ أسباب العنف تكمن في الطاقة التي يحوزها التلميذ وهي طاقة متفجرة، ولهذا لابد من امتصاص هذه الطاقة في الصحافة المدرسية واعطاء التلميذ حيّزا للتنفيس، حيث يفرغ شحناته الابداعية، ولا ينبغي أن نحوّل مدارسنا إلى سجون.
      وأعطى الأستاذ خمار مثالا على ذلك، أنّ هناك كثيرا من المجلّات المدرسية تبقى مرهونة لدى النظّار، بينما تتحول مجّلات أخرى إلى ممارسة المقص، حيث تحذف مواضيع وتزّاح أسماء التلاميذ ولا يبقى إلّا اسم المدير وهذا ما يؤدي إلى فشل مثل هذه الأعمال المهمة، ولهذا نرى أنّ دور المدير مهم جدا، ولا ينحصر في الاجتماعات والرسائل والإدارة، لأنّه هو رأس المدرسة إذا لم يكن مديرا تربويا، لا يستطيع الأساتذة أداء دورهم، فالمدارس تحوّلت إلى سجون فهي في حاجة إلى نشاطات مثل المجلة، زيارة متاحف، رحلات لامتصاص طاقات التلاميذ، حتى لا تنفجر فيما هو سلبي.
       وبعد المناقشة، قرأ بعض الأطفال نصوصا شعرية وقصصية تعبيرا عن مواهبهم وقدراتهم الابداعية، في إطار منتدى أدب الطفل في حصته الأولى بين الفرعين، حيث يتم تنشيط حصتين في الشهر.

الخير شوار يقدم كتابه الجديد " عرائس العنكبوت "


الكاتب القاص الإعلامي الخيّر شوّار يتحدّث في منتدى “صدى الأقلام”:‏
جمع الصحفي لمقالاته في كتاب لا يدخل في تقاليد الصحافة الجزائرية
 عاد الكاتب الإعلامي الخيّر شوّار إلى إصداره الأخير “عرائس العنكبوت”، خلال منتدى “صدى الأقلام” الذي ينظمه المسرح الوطني الجزائري، حيث تحدث عن مضمون هذا العمل وظروف إنجازه...
قال الخيّر شوّار عن عنوان “عرائس العنكبوت”، أنه “عندما تقع قطرة الغيث على بركة الماء وفي لحظة لقاء الماء بالماء يتشكل ما يشبه الكرية التي سرعان ما تنحل، وكان ذلك من أجمل المناظر التي تحتفظ بها ذكريات الطفولة وكنا نسمي ذلك التشكيل بـ(عرائس الماء)، ولم يكن عمر العروسة الواحدة يتجاوز الثواني المعدودات، وربما كان ذلك مكمن السر، فلحظات الفرح بعمر تدفق مياه الزمن تكاد لا تتجاوز اللحظات، مقابل شلالات الآلام والأحزان”.
أما عن كلمة  “العنكبوت”، فتدل على الانترنت، حيث حمل هذا المؤلف مقالات تهم الشأن العام وقضايا أخرى عن الجزائر في السياسة والاجتماع وقراءات في الكتب، نشرها الخيّر شوّار في مواقع إلكترونية مثل “ميدل ايست أون لاين” و”كيكا” و”آرام” ومجلة “أصوات الشمال” و”ضفاف الإبداع” و«المثقف” و”دروب”، بالإضافة إلى المدونات الشخصية والصديقة، وهنا يتوقف شوّار ليرفض الجدل القائم بين النشر الورقي والإلكتروني، حتى أن بعض مقالاته التي نشرت في هذا الكتاب، نشرت أولا في الصحافة المكتوبة. وفي هذا السياق، أشار الخيّر إلى أن مقالاته الإلكترونية وجدت ضالتها أخيرا في كتاب ورقي ليأمل في أن يحظى هذا الكتاب بالإشادة في الشبكة العنكبوتية، بالمقابل، اعتبر الكاتب أن النشر في العالم الإلكتروني يأخذ به إلى التفاعل المباشر مع القارئ عكس الكتابة الصحفية التي بدورها لديها خصوصيات أخرى.
أما عن أسلوب الكتابة الأصيل، فقال الخيّر أن الأصالة هي أن ينطلق الكاتب من الذات، التي يجب أن تتحاور مع الآخر، أي مع المحيط، بالمقابل، يرى أن الكتابة غير الأصيلة هي تلك التي تستورد قوالب جاهزة وتحاول إقحامها في المؤلف.
«ماذا عن مخيال القرية الذي يُعرف به الكاتب (ابن القرية)؟”، يجيب الخيّر أن تعلقه بقريته ليس تعصبا منه؛ بل لأنها جزء من ذاته، أما عن لحظة الإبداع فهي – حسبه - تلك التي تدوم أجزاء من الثانية ولكن بقاءها يبقى في الذاكرة، وهي أيضا لحظة فارقة من العبث أن نمسك بها. مضيفا أن الإبداع الحقيقي هو ذاك الذي يتناول السخرية والفكاهة أيضا بدل الاقتصار على الهم والنكد. وهو ما يفعله الكثير من الكتاب الجزائريين. مؤكدا على ضرورة أن يعكس الأدب، الحياة التي تجمع بين الجد والهزل، ليكون في الأخير عبارة عن كوكتيل إذا تم بناؤه بشكل طبيعي سيشكل نصا جيدا والعكس صحيح.
واعتبر  المتحدث  انه لم يكتب شيئا إلى غاية اللحظة أو انه لم يكتب ما كان يريده. مضيفا انه لا يعرف ماذا سيكتب مستقبلا أو إن كان سيكتب أو لا. مضيفا انه حينما يكتب في الصحافة يصعب عليه أن يكتب في الأدب وهذا لضيق الوقت، وعندما يتوقف عن الكتابة في الصحافة تحدث له تراكمات فيكتب في الأدب. أما عن الكتابة المسرحية فقال أنه يهابها فحينما يقرأ لسعد الله ونوس أو بيكت أو يونسكو، يشعر بالعجز فيما يتعلق بالكتابة المسرحية.
وقال الخيّر شوّار أن جمع الصحفي لمقالاته في كتاب لا يدخل في تقاليد الصحافة الجزائرية. مستطردا أن  هناك من ينظر إلى هذا النوع من الكتابات نظرة دونية. ليضيف في الأخير إجابة منه عن سؤال “المساء” حول نوعية لحظة الشروع في الكتابة، هل هي لحظة ألم أم فرح؟ بأنها باختصار “لحظة ألم”.
للإشارة، صدر للخيّر شوّار، العديد من الكتب من بينها: “زمن البكاء” و«مات العشق بعده” و”حروف الضباب” و«علامات” و”عرائس العنكبوت”.

الجمعة، 21 ديسمبر 2012

الجمال في القرآن الكريم


                                 
الجمال في القرآن الكريم
بشير خلف
      الإحساسُ بالجمال، والميلُ نحوه نزعة فطرية متجذّرة في أعماق النفس البشرية ؛ فالنفس الإنسانية السويّة تميل إلى الجمال وتشتاق إليه ، وتنفر من القُبْح في شتّى صُوره، وتنأى عنه بعيدا .
      إن الطبيعة الإنسانية تنجذب إلى كل ما هو جميلٌ ، وقد ورد عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : " إنّ الله جميلٌ يحبّ الجمال ". والإحساس بالجمال والْـولَهِ به، والاعتناء به، والتجمّل ، واقتناء الشيء الجميل ، سلوكاتٌ قد يقوم بها الإنسان تلقائيا بفعل الميْل الفطري المتجذّر في أعماق النفس .. ويتضح ذاك حتّى من أعْـتى المجرمين والقتلة في لحظات صفاء مع النفس .
    شاء الله سبحانه وتعالى المبدٍعُ البديعُ ، الخالق أن يجعل من الجمال في شتّى صوره ـ وما أكثرها !، وما أعْظمها !! ـ مَناطَ رضا وسعادة لدى الإنسان .
 تذوّق الجمال حقٌّ مُشاعٌ
    إن استصاغة الجمال حقٌّ مُشاعٌ لكلّ إنسان، والأكيد أن تذوّقَ الجمال والتنعّمَ بصُوره ، والتمتّعَ بمجالاته اللامتناهية في حياتنا ، يختلف بين فرْد وآخر، وبين جماعة وأخرى، ومن أمة إلى أخرى، ومن عصْرٍ إلى آخر ..لكنه اختلافٌ محدودٌ قد يمسّ جانبا من الجوانب، أو عنصرا من العناصر التي تشكّل القيمة الجمالية، أمّا الجوهر فقيمةٌ ثابتةٌ ارتضتها كلّ النفوس.
الجمال ثالث ثلاثة من القيم التي شغلت الفكر البشري منذ بدأت المسيرة الإنسانية على ظهر الأرض لتحقق الرسالة التي من أجلها خلق الله الإنسان، وهي العبودية الخالصة لله وحده، هذه القيم الثلاثة هي: الحق والخير والجمال.      
والجمال له جانبان: حسّي ومعنوي، وقد أخفق الفكر الإنساني تماماً في وضع مقاييس ثابتة لكليهما.
القيم الجمالية في القرآن الكريم
         لكنّ الذِكر الحكيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، يتناول هذه القيمة تناولاً محكماً، سديداً، راشداً، يجعلها تسهم في سموّ المجتمع البشري، ودفعه إلى تحقيق رسالته الكريمة. ولقد ورد لفظ "جميل" و"جمال" في ثماني آيات من القرآن الكريم، منها موضع واحد عن الجمال الحسّي.
وتحدَّث في المواضع السبعة الباقية عن الجمال المعنوي والخُلُقي.
 جمالٌ معنويٌّ وجمالٌ حسّيٌّ
           الجمال في هذا الكون الفسيح أكبر وأكثر من إدراك الإنسان الفاني ، الضعيف، العاجز عن الإلمام بكل شيء ، فالكون أوسع من أن يحيطه الإنسان بعقله المحدود .. والأشياء التي تنتظم هذا الكون الفسيح ، إمّا أن تكون أجساما لها طولٌ ، وعرضٌ ، وعمق ، كالإنسان والحيوان ، والسماء والأرض، والشمس والقمر ونحوهما، وإمّا أن تكون معانٍ ، كالأقوال والأفعال والأسماء ، والصفات ونحوها ، واستنادا إلى ذلك يمكن تقسيم الجمال إلى قسميْن :
 جمالٌ حسّـيٌّ
         وهو الذي يّدرك بالحسّ كجمال الطبيعة في سمائها  وأرضها ، وشمسها وقمرها ، وليلها ونهارها ،وبرّها وبحرها ، وكجمال الإنسان من حيث تكوينه ... وقد ذكر القرآن الكريم كثيرا من مظاهر الجمال ، مُشيرا إلى جماله الحسّي كي ينتفع به الإنسان ، ويشكر ربّه الذي سخّر له الكون وما فيه ..قال الله تعالى:(والأنعامَ خلقها لكمَ فيها دفْءٌ ومنافعُ ومنها تأكلون ، ولكُمْ فيها جمالٌ حين تُريحون وحين تسرحون، وتحملُ أثقالكمْ إلى بلدٍ لم تكونوا بالغيه إلاّ بشقّ الأنفسِ إن ربّكم لرؤوفٌ رحيمٌ، والخيلَ والبغالَ والحميرَ لتركبوها وزينةً ويخلقُ ما لا تعلمون .){ سورة النحل}
     وقال الله تعالــى عن الإنسان : ( لقد خلقْنا الإنسان في أحْسن تقويمٍ .)وقد فسّر العلماء قوله : " أحْسن تقويم " بقوله تعالى: (يا أيها الإنسانُ ما غرّكَ بربّـِكَ الكريمِ الذي خلقكَ فسوّاكَ فعدّلكَ في أيّ صورةٍ ما شاءَ ركّبكَ .){سورة الانفطار} ، فهذه الآية وتلك تعبّران عن الهيكل الجمالي الذي بُـنِي عليه الإنسان ، فالجمال سمةٌ بارزةٌ في الإنسان مثلما هو مبثوثٌ في غيره من الموجودات .
 جمالٌ معْــــــــنويٌّ
          ويشتمل على أمورٍ كثيرة لا تُدركُ بالحسّ والمشاهدة ، ولكنها تُدرك بالعقل الواعي ، والبصيرة النافدة ..من هذه الأمور الجمالية المعنوية :
1 ــ الأقوال : فالجمال المعنوي موجودٌ في الأقوال الحسنة ، والألفاظ الطيّبة ، قال الله تعالى:
( ومَنْ أحْسنُ قولاً ممّنْ دعا إلى اللهِ وعمِلَ صالحا وقال إنني منَ المُـسلمين.){سورة فُصّلت} فقد جعل الله الدعوة إلى الإسلام ، والنطق بكلمة الشهادة مِن أحسن الأقوال وأجملها ، فدلّ ذلك على أن الجمال موجودٌ في الأقوال التي يقولها الناس ، وفي الألفاظ التي ينطقونها ، لا من حيث تركيبها اللفظي وصياغتها البلاغية ، ولكن بالنظر إلى ما تحمله من المعاني والمدلولات
2 ــ الأفعـال : والفعل قرينُ القول، بل إن القول إذا لم يقترن بالفعل لا يبلغ الكمالَ في الحُسْن والجمال ، ولذا ذكر الله تعالى في الآية السابقة قوله: (وعمِل صالحا) ، إذ القول وحده مهما كان جميلا لا يكفي صاحبه ما لم ينضمّ إليه فعلٌ ... فالجمال يوجد في الفعل كما يوجد في القول .
      من خلال تقسيم الجمال إلى جمال حسّي ، وجمال معنوي ، يمكن استعراضُ ميادين الجمال ، ومجالاته التي هي :
3 ــ     الطبيعة : بكل ما تحتويه من أرضٍ وسماءٍ ، وإنسانٍ وحيوانٍ ، ونبات وجمادٍ ..هي كلها مواطن فسيحة للجمال الطبيعي، والقرآن الكريم حين تناول الطبيعة ، لفت نظر الإنسان إلى كثيرٍ من دقائقها ؛ على سبيل المثال يقول الله تعالى: (إنّ في خلْقِ السّمواتِ والأرضِ واخْتلافِ اللّيلِ والنهارِ والفُلْـكِ الّتي تجري في البحرِ بما ينْـفعُ الناسَ وما أنزلَ اللهُ من السماءِ منْ ماءٍ فأحيا به الأرض بعد موتها وبثّ فيها من كل دابّة وتصريف الرياح والسَّحاب المُسخّر بين السماء والأرض لآياتٍ لقومِ يعلمون .){سورة آل عمران}
      إن هذا المشهد العظيم لوحةٌ رائعة ٌ من الطبيعة ، التي لا تحدّها الأبعادُ والأنظارُ ، يسْرح فيها العقل ، والبصر يتملّيان السّحْـرَ والجمال . ويقول تعالى في هذه الآية الكريمة ، مُرشدا إلى الجمال : (أفلمْ ينظروا إلى السماءِ فوقَهمْ كيف بنيناها وزيّناها ومالها من فروجِ .) {سورة ق}
4 ــ     الإنسان : إن الإنسان ميدانٌ آخرُ للجمال ، يتخلّله الجمالُ منذ مرحلة تكوينه ، ونشأته إلى مرحلة نُضْجه وتكامله ؛ بل إن الجمال من أبرز سمات الإنسان التي نوّه بها القرآن الكريم في أكثر من آية للدلالة على قدرة الله تعالى وإبداعه .
 الجمال فينا وحولنا
       إن الإنسان العادي السويّ مثلما يشاهد الجمال في عالم الطبيعة يشاهده ويتذوّقه في الأشياء الجميلة التي يقتنيها ، ويلْحظُـه في الإبداع الفني الذي يصنعه كالعمارة التي يبدع فيها المهندسون ، والطرق الفسيحة التي تحاذيها من الجانبين مساحات نظيفةٌ  ظللتها أشجارٌ وارفةٌ ، وزيّنتها  زهور ، وورود تفوح عطرا ..مساجدُ تألقت بعمارتها الإسلامية المميزة ، كما أن الإنسان السويَّ يشاهد الجمال ، وينعم به في اللوحة الفنية ،في  الملابس الزاهية ، في ترتيب غُرف المنزل ، في الكُتب المزخرفة ،في الخط ،  في ترتيل القرآن الكريم ،في زخارف ونقوش الأواني ، والأبنية ، والفُرُش ، والزرابي ، في الإيقاع الموسيقي الأصيل والصوت الشجي ، في الوزن الشعري العذب ، في الكلام الحسن ، في الحوار الهادئ ، في الاحترام المتبادل ، في فنّ الإصغاء للغير ، في حُسْن التعامل مع الجار ، مع الأقارب ، مع الزملاء في العمل ، في آداب الأكل ، في سلوك النظافة في داخل المنزل وخارجه ، في الحفاظ على البيئة .
      وكما نشاهد الجمال ونتذوقه في الإبداع الذي يصنعه غيرنا ونصنعه نحن أيضا، فإن موضوعات الجمال التي كرّم الله بها عباده في الطبيعة أفسحُ، وأجملُ ، وأكثر جاذبية ؛ حيث يغمرنا الجمال في عالم الأزهار والطيور وسفوح الجبال، وجداول الأنهار، وشلالات المياه المنحدرة ، وكثبان الرمال الذهبية ، ومغيب الشمس ، وفي شكل الإنسان الذي قال الخالق عزّ وعلا في شأن تكريمه : } وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا ً{  (الاسراء:70) وقال أيضا : }  لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ{  (التين:4) ..
      كما نسعد بالجمال ونحن  نتذوقه في سماء الليل الصافية ، وفي النجوم المتلألئة ليلا، وفي القمر يغْـمرُ الكون بضيائه ..نتذوّق الجمال في الغيمة ، في قوس قزح ، في الضباب وهو يدثر ما حولنا بغلالة شفافة منعشة ، نتذوقه في نزول الغيث ، وتجمُّع قطراته وهي تنساب والأرض تتشرّبها في نشوة ..الجمال نتذوّقه في عيون الضِّباء ، وفي عيون المها وابتسامات الأطفال ، في ألوان الأسماك ، وشاطئ البحر ، ورماله الذهبية ، وأمواجه ..في حقول الزرع المترامية ، في السنابل الناضجة وهي متمايلة بما حملت من ثمار الخير ..في الخضار بألوانها المختلفة ..في الأشجار المثمرة ، وتدلّي الثمار بألوانها وأشكالها اليانعة الشهية ، في عراجين النخلة وهي مدلاّة ، مثقلة بحبات التمر في لونها الذهبي الرائق الشفاف ..وفي الأزهار بألوانها وأريجها .. وفي ملكها الورد بدون منازع.
 الفطرة الإنسانية تهفو إلى الجمال
      عموما ، فالجمال قد يكون متعلقا بالإنسان ، أو الحيوان ، أو النبات ، أو الصخور ، أو الجبال ، أو البحار ، أو السماء ، أو حتى السحب وتشكيلاتها ، تهاطل الأمطار ، تساقط الثلوج ، أو التعبير الإنساني خاصة في الفنون المختلفة ، وقد يكون مرتبطا بالجانب المادي ، أو الحسّي ، وقد يكون متعلقا بالجانب العقلي أو المعرفي ، أو التأمّلي .. قد يتمثّل في حالات صامتة ، أو حالات متحرّكة ، أو في مزيجٍ من الصمت والحركة ، وقد يكون في وجْهٍ جميل ، أو جسد جميل ، أو مسرحية جميلة ، أو مقطوعة موسيقية جميلة ، أو فيلم جميل ، أو لوحة فنية جميلة ، أو حديقة طبيعية جميلة لم تطلها أيادي البشر ، أو حديقة تولاّها الإنسان بالرعاية والاهتمام .

المراجع
1 ــ القرآن الكريم.
2 ــ الجمال رؤية أخرى للحياة.بشير خلف.طبْع دار الهدى عين مليلة 2009
2 ــ.بشير خلف.الجمال فينا وحولنا. طبْع دار الهدى عين مليلة سنة 2009
3 ـ موسوعة الجمال في القرآن الكريم.موقع جواد الإسلامي.
4 ــ الدكتور عبد الحكيم العبد.الجمال في القرآن الكريم.مدخل وأطر من الكتاب والسنة.


  الغزو الفكري وهْمٌ أم حقيقة كتب: بشير خلف       حينما أصدر المفكر الإسلامي، المصري، والمؤلف، والمحقق، وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأ...