الاثنين، 24 فبراير 2014

السلفية الوهابية صناعة مخابراتية؟

السلفية الوهابية صناعة مخابراتية؟
 بقلم: عدة فلاحي
يبدو أن الأجهزة المخابراتية هي صانعة التاريخ السياسي للأمم منذ أقدم العصور سواء في الدول المتخلفة أو العالم المتطور والمتمدن ولا ضير في ذلك مادام يحقق نتائج إيجابية، ودون ان نذهب بعيدا، يمكن القول أن المستعمرات الفرنسية والبريطانية ما كانت لتتوسع لدرجة أن بريطانيا سميت "بالإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس" لولا خدمات المخبرين الذين توفرت لديهم عدة مهارات وقدرات عسكرية أمنية وثقافية ولغوية متعددة، ومن مجموعة المخبرين التسعة الذين أوفدتهم بريطانيا إلى الشرق الأوسط الجاسوس همفر الذي بعث سنة 1710 إلى كل من مصر والعراق وطهران والحجاز والأستانة ليجمع المعلومات الكافية التي تساعد في القضاء على الإمبراطورية العثمانية وتمزيق وحدة المسلمين وتشتيت شملهم وزرع الفرقة والخلاف بينهم، وقد حمل هذا الجاسوس اسم "محمد" وتعلم الفارسية والعربية التي أصبح يتحدث بها بطلاقة حتى لا يكتشف أمره، وهو يتردد على محل أحد المقيمين بالبصرة (نجار) وكان اسمه عبد الرضا وقد كان شيعيا فارسيا من أهالي خراسان كما يخبرنا بذلك الجاسوس همفر في مذكراته، صادف كما يقول وأن التقى بشاب طموح اسمه محمد بن عبد الوهاب وما يجمع بينه وبين عبد الرضا الشيعي هو كرههما وعداوتهما للباب العالي (الخلافة العثمانية)..

 ومما اكتشفه همفر في شخصية محمد بن عبد الوهاب السني هو استعداده بنفسه لدرجة أنه رأى بأنه قد وصل لرتبة المجتهد الذي لا يتقيد بآراء الخلفاء الراشدين أو يرجع إليها وتجاوزه كذلك لمذاهب الأئمة الأربعة وفقهاء المسلمين ومحدثيهم والاكتفاء بفهمه الخاص للقرآن والسنة وهنا يمكن القول أن الجاسوس همفر قد وجد ضالته التي كان يبحث عنها، وهي كيف يمكن تحويل هذه الشخصية المغرورة التي تحمل بذور الانشقاق والانفصال مع الفهم السطحي والبدائي للدين لصالح بريطانيا الاستعمارية ومن هنا بدأت القصة الدرامية لمؤسس السلفية الوهابية التي كان ضررها على الأمة أكبر من نفعها ولازالت للأسف الشديد هذه المرجعية تستخدم من طرف الغرب وأعداء الإسلام بما يتعارض والإسلام الذي جاء به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.

 لقد استغل الجاسوس همفر كما دون هو ذلك في مذكراته غرور محمد بن عبد الوهاب ووطد صلته به وراح يثني عليه باستمرار ويعدد مواهبه الخارقة التي جعلها تفوق مواهب الخلفاء الراشدين ومن أنه لو عاصر الرسول (ص) لأوصى بأن يكون خليفة من بعده وبأنه اليوم هو المنقذ والمخلص للإسلام والمسلمين من الضياع وهذا لما يتمتع به من تحرر وشجاعة؛ ومن خلال هذا المدح والغزل الخبيث يقول همفر استطاع أن يقنع محمد بن عبد الوهاب الأعزب بمشروعية زواج المتعة وبأن تحريم عمر بن الخطاب رضي الله عنه لها لا يلزمه وبالتالي عقد قرانه لمدة أسبوع مع مسيحية كانت في الأصل مجندة لإفساد قيم وأخلاق الشباب المسلم عرفه بها همفر الذي كان يريد من وراء ذلك دفع محمد بن عبد الوهاب إلى مخالفة ما استقر في فقه السنة والجرأة على كسر الطابوهات وبذلك يسهل السيطرة على محمد بن عبد الوهاب وتوجيهه الوجهة التي تحقق الأجندة والمخطط السياسي الذي تسعى إليه بريطانيا الاستعمارية.

 يقول الجاسوس البريطاني عن محمد بن عبد الوهاب بأنه شديد الانفعال وعصبي المزاج وهذه من المميزات التي تجعل الشخص سهل الانقياد وبالخصوص إذا كان يحمل مشروعا يريد له أن يتحقق في واقع الحال وهنا عرض همفر وبتوجيهات من المخابرات والخارجية البريطانية على ابن عبد الوهاب الدعم المالي والحماية من المضايقات التي قد يتعرض لها من الحكومات والعلماء حتى يستطيع نشر آرائه وأفكاره وإذا اقتضى الأمر حتى تزويده بالسلاح للدفاع عن نفسه حتى ولو اضطر الأمر إلى تأسيس إمارة صغيرة خاصة به في أطراف بلاد نجد، ولكن ذلك يتوقف على تحقيق جملة من الشروط التي نصحه بها همفر وهي أولا أن يكفر الشيخ محمد بن عبد الوهاب كل المسلمين واستباحة دمائهم ما لم يفقهوا التوحيد على مذهبه وثانيا الدعوة لهدم الكعبة باسم أنها من آثار الوثنية، وثالثا الخروج على طاعة الخليفة والمطالبة بمحاربته وبعزله ومحاربة أشراف الحجاز والتمرد عليهم، ورابعا هدم القباب والأضرحة بما فيها قبر النبي والصحابة، وهذا الذي كان من الشيخ بن عبد الوهاب الذي طبق خارطة الطريق البريطانية التي لم يسقط منها سوى الدعوة لهدم الكعبة، أما الباقي فقد نفذه بكل قوة فسادت الفوضى والإرهاب والفتنة ربوع الحجاز والشام وبذلك فرح الكافرون بنصر خبرائهم الذين جلبوا محمد بن سعود ليعقد حلفا أو تحالفا مع محمد بن عبد الوهاب والتأسيس للبذور الأولى لقيام المملكة العربية السعودية ذات المرجعية الوهابية السلفية وهذا الذي تحقق وهذا الذي نعاني من ويلاته اليوم وما ضاعت فلسطين وما ضاع القدس الشريف وأولى القبلتين إلا بسبب هؤلاء القوم الذين حولوا نساءهم وأموالهم إلى قبلة لهم، ولكن كل ذلك الملك هو بين أصابع بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية التي جاءت بنفوذها وسطوتها لاحقا لتقلب الكفة لصالح عزة وجبروت وسلطان المسيحية والمسيحيين، وإن أفصح همفر في عدة مرات عن إعجابه بتعاليم الإسلام التي أساء إليها حسب تحليله للأوضاع التي اطلع عليها في عين المكان آنذاك تتمثل في غرور الحكام وفسادهم وجهل العلماء بالحياة وجمودهم وعدم اهتمامهم بما يجري حولهم في العالم، وتفشي الفوضى والأمية والفقر والجريمة والقذارة والأوساخ المتفشية في المجتمعات الإسلامية!

كان الجاسوس همفر يتحدث كمسيحي في تدوين مذكراته وإن أظهر الإسلام أثناء أداء مهمته، كما أنه ورغم إعجابه بإعجاز القرآن لم يقتنع بنبوة محمد الذي كان يرى فيه الشخص القريب من النوبة في أخلاقه وعبقريته وفي ذكائه وفي علاقاته مع الناس وفي نفس الوقت يستغرب همفر من بقاء مبرر النزاع والخلاف بين السنة والشيعة رغم مرور كل هذه القرون التي غيبت المعنيين بالمسألة ولكن من التوصيات التي تلقاها همفر من مرؤوسيه هي التفكير والعمل على توسيع الشقة بين المسلمين وتفجير النزاعات وتوظيفها وليس جمع كلمتهم وبذلك يستطيع البريطانيون العيش في الرفاه الذي توفره لهم المستعمرات التي من بينها المستعمرات الإسلامية التي تحققت لهم بعدما حددوا نقاط ضعف المسلمين والتي كما سردها همفر في مذكراته نقلا عن تقرير الخارجة البريطانية وفي مقدمتها بتصرف واختصار؛ "الاختلاف بين السنة والشيعة وبين الحاكم والمحكوم وبين العشائر والقوميات، وتفشي الجهل والأمية وانعدام النظافة وخمول الروح وذبول المعرفة وفقدان الوعي والتعلق بالآخرة وترك سنن تعمير الحياة الدنيا واستبداد الحكام وعدم أمن الطرقات وانقطاع المواصلات إلا ما ندر وتدهور الصحة العامة وانسداد الأنهار رغم كثرتها وقلة المزارع، الفوضى في تسيير الشؤون الإدارية وعدم الانضباط وانتشار الفقر وعدم وجود جيوش نظامية مدربة ومسلحة واحتقار المرأة وهضم حقها والوساخة والقذارة في الأسواق والشوارع والأجسام وفي كل مكان..."،
وهذه السلبيات التي حواها التقرير البريطاني في كتاب ضخم بعنوان "كيف نحطم الإسلام" درسه بكل تمعن الجاسوس همفر وغيره من الجواسيس المنتشرة في البقاع الإسلامية، أوصى بتوفير كل الوسائل المادية والمعنوية والبشرية لتكريسها وتعميقها، ومع ذلك يعترف همفر بأن هذه المساوئ التي سبق ذكرها كلها مناقضة ومعاكسة لما حذر منه القرآن وبالتالي السؤال المحير ونحن نقرأ هذا الجرد المخزي: ألم يعد يصدق علينا وفينا اليوم كذلك، وما الذي تغير خاصة وأن الخوف كل الخوف أن تصدق قاعدة أن نفس الأسباب تؤدي إلى نفس النتائج، وإذا كان هذا هو حالنا، ألا يحق للغرب ولأهل الكتاب وأهل الأهواء والملل تحقيرنا والانتقاص من كرامتنا وتشويه ديننا وسمعة نبينا والطعن في قرآننا وأحاديث رسولنا؟

إن الاستعمار الغربي المسيحي استخدم خطة القضاء على الإسلام من الداخل ليسهل عليه استعباد أتباعه واستغلال أراضيه وخيراته، والغريب أن السكرتير البريطاني يقول بأن الأتراك كانوا أذكى وأفطن منهم حينما أشاعوا المحرمات والفوضى والشقاق والخلاف بين العرب ليسوسوهم وهذا هو الطريق السليم الذي يصل بنا إلى هدفنا الذي فشلت في الوصول إليه الحروب الصليبية، فهل بعد هذا الكلام الخطير نصدق دعاوى السلفيين من أن مذكرات الجاسوس البريطاني مفتعلة وباطلة ومن نسج الخيال ومن أن صاحبها مرة يقولون عنه بأنه شخصية مزيفة وصنيعة إعلامية وسياسية ومرة أخرى بأنه شيعي رافضي أراد أن يسيء للشيخ محمد بن عبد الوهاب ودعوته والإيحاء بأن المملكة السعودية هي صنيعة بريطانية؛ ولكن أين الحقيقة التي يجب أن يفصل فيها المؤرخون والباحثون بكل موضوعية واحترافية، وهنا أطالب أن يكونوا جزائريين معروفي الهوية، وإذا كان السلفيون بأمرائهم وعلمائهم ينكرون هذه الأقوال التي تهز عرشهم، فهل من حقهم التشكيك في الآخرين والقول مثلا بأن مؤسس الشيعة هو من أصل يهودي، ومن ان الإخوان هم كذلك صناعة بريطانية بعدما وصلوا إلى سدة الحكم بمصر؟ الأمر خطير وجلل ويحتاج إلى متابعة ونقاش واسع يسوده الإخلاص والتجرد والحكمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
  (*) عدة فلاحي: كاتب وبرلماني سابق


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...