الخميس، 31 ديسمبر 2015

20 موقـفا مشرفـا لا يعرفـه غـير الجزائرييـن عـن آيـت أحمـد..

20 موقـفا مشرفـا لا يعرفـه غـير الجزائرييـن عـن آيـت أحمـد..
الدكتور : جـمال سالمـي
أدى الرحـيل المفاجـئ لزعـيم سياسـي جزائـري معـارض إلـى ثـورة إعلامـية غريـبة داخـل التلفزيـون الجزائـري..
اليتيـمة سايـرت إعلامـيا الحـدث..
نشـرة الثامـنة أفـردت جـزءا معـتبرا مـن فقراتـها وتغطياتـها للبكـاء عـلى رجـل طالـما تجاهلـته أو تطاولـت علـيه سابـقا..

لعـل تزامـن مـوت آيـت أحـمد مـع احتفـالات العـرب والغـرب بذكـرى مولـد النبييـن، محمـد صلـى الله عليـه وسلـم، وعيسـى عليـه السـلام، كـان سـببا فـي زيـادة قـوة حضـور/غـياب مثـل هـذا الرجـل: حـيا وميـتا..
الإشـادة الإعلامـية الرسمـية بالمعـارض الأبـدي للسلطـة فـي الجزائـر = دلـيل إثـبات عـلى وجـود الديمقراطـية فـي البـلاد أمـام المنتديـات الغربـية..
فعـلى غـير العـادة، خصصـت نشـرة أخـبار التلفزيـون الجزائـري حـيزا كـبيرا جـدا لهـذا المصـاب الجـلل..
بافتـراض أن المشاهـد العربـي مدمـن عـلى هـذه النشـرة، لا يفارقـها يومـا واحـدا، سيتفاجـأ حـتما مـن حجـم الاهتمـام والتغطـية الإعلامـية لمـوت معـارض قـوي جـدا للحكـم وتلفزيـون الحكومـة..
60 سـنة كامـلة مـن التعـتيم الإعلامـي عـلى كـل شمائـل الرجـل لـم تدفـعه أبـدا للاستسـلام..
اليـوم فقـط أصبـح واجـهة النشـرة..
حـديث العـام والخـاص..
فجـأة، تذكـر التلفزيـون العمومـي شخصية تاريخية مهمشة..
تصريحـات زعـماء المعارضـة، قـبل المـوالاة، ينقلـها حرفـيا، بالصـوت والصـورة، مراسلـو التلفزيـون الجزائـري فـي العاصمـة.. 

قـبل سـنة واحـدة مـن بلوغـه التسعـين، يرحـل، فـي ذكـرى مولـد النبييـن محمـد صلـى الله عليـه وسلـم وعيسـى عليـه السـلام، المعـارض الأبـدي للسلطـة فـي الجزائـر..
عـلى غـير العـادة، خصصـت نشـرة أخـبار التلفزيـون الجزائـري حـيزا كـبيرا جـدا لهـذا المصـاب الجـلل..
20 موقـفا مشرفـا قـد لا يعرفـه بعـض الأشـقاء العـرب عـن المناضـل السياسـي الجزائـري المخضـرم حسـين آيـت أحـمد:
1 / ابـن إمـام، عائلـته متديـنة، وتلقـى تربـية إسلامـية صوفـية فـي زاويـة علمـية أمازيغـية..
2 / فصـل منـذ بدايـة نضالـه السياسـي وجـهاده العسكـري بيـن الديـن والسياسـة..
3 / أشـاد فـي برشلونـة الإسبانـية، ضمـن إقلـيم كاتالونـيا، بنمـط الفدرالـية فـي الحكـم: الجهويـة الإيجابـية..
4 / تنـبأ فـي جـوان 1991، مباشـرة بعـد تأجـيل التشريعـيات إلـى ديسمـبر مـن نفـس السـنة، بـأن السلطـة ستتـرك الفـيس ينتصـر حـتى تجـد مبـررا قويـا للانقـلاب عـلى المسـار الديمقراطـي ككـل..
5 / توقـع منـذ بدايـة التسعينـيات، فـي حـال إصـرار السلطـة السياسـية عـلى عـدم الحـوار السياسـي الجـاد، صعـود بعـض قـيادات الجـيش والمخـابرات للحـوار المباشـر مـع قـيادات المعارضـة المسلحـة.. وهـو مـا حصـل فعـلا فـي نهايـة نفـس العقـد..

6 / نعـرض لخيانـات سياسـية قاسـية جـدا مـن حلـفاء اتفاقـية سانـت إيجيديـو..
7 / لـم يثـق يومـا فـي رجـال الحكـم..
8 / يتمـتع بسمـعة سياسـية عالمـية كـبيرة..
9 / عضـو فعـال فـي الأممـية الاشتراكـية..
10 / فلسطـين ظلـت دائـما فـي قلـبه..
11 / ناصـر كـل حركـات التحـرر فـي العـالم..
12 / وقـف بصرامـة وحـزم ضـد هيمـنة العسكـر..
13 / حـارب الدولـة البوليسـية..
14 / لـم يوافـق مطلـقا عـلى قـيام دولـة دينـية فـي الجزائـر..
15 / أول سياسـي جزائـري يتحصـل عـلى البكالوريـا..

16 / أول دكـتور معـارض..
17 / أوقـف معارضـته الشرسـة للنظـام عـند انطـلاق ربيـع الأعـراب العـبري فـي 2011..
18 / رفـض كـل مناصـب المسؤولـية فـي الدولـة..
19 / تنـازل طواعـية عـن قـيادة أقـدم حـزب معـارض فـي الجـزائر..
20 / خـتم حياتـه السياسـية بالسعـي للتوفـيق والإجـماع بيـن السلطـة والمعارضـة.. 
آيـت أحـمد = بطـل سياسـي سلمـي عظـيم + حـمل الجزائـر وفلسطـين فـي سويـداء قلـبه 90 سـنة، إلا عامـا واحـدا مـات فـيه..


الثلاثاء، 22 ديسمبر 2015

.. وتبقى معارض الكتاب منبعا للفكر والتثاقف

.. وتبقى معارض الكتاب منبعا للفكر والتثاقف
بقلم: بشير خلف
في تقديري الشخصي، وقد يشاركني الكثيرون في هذا بأنّ معارض الكتاب تلعب دوراً ثقافيا، وفكريا مهما، أصبحت بفضله بمثابة مهرجانات ثقافية ينتظرها المثقفون، والكُتّاب، والمبدعون ، وكذا شريحة كبيرة من المجتمع بشغف، إذ إنها تحتفي بالفكر ورواده، وهي فرصة حقيقية لتلاقي الأفكار وتبادلها. وتحفل أغلب دول العالم بما في ذلك الجزائر بمعارض الكتاب سوى جهويا، أو وطنيا، وعلى رأس هذه المعارض، المعرض الدولي للكتاب السنوي الذي ينظّم في الجزائر سنويا بداية الدخول الاجتماعي والثقافي. 
      لا شك أن الجميع يستشعر من خلال هذه المعارض أهمية الثقافة، والاطلاع على مستجداتها ، وأهمية الكتاب والقراءة، إذ إن إقامة المعارض تحفظ للكتاب قيمته، وأهميته ودوره البارز في تطور الإنسان وتعلمه.. والحفاظ على وهجه القديم من خلال الاقتناء والقراءة، خاصة وأنه مكانة الكتاب اهتزّت كثيراً بعد التطور التكنولوجي، وظهور الإنترنيت والكتاب الإلكتروني، الأمر الذي أجبر كثيراً من القراء على هجْــر الكتب ،والتوجه إلى تلك التقنية الإلكترونية. 
       وحفاظا على الكتاب كوسيلة معرفية، وكحامل للحضارة الإنسانية، وكنوز المعرفة؛ فإن معارض الكتب ستبقى مهمة بشكل كبير لنشر الكتاب وتوزيعه، والتحسيس بأهمية القراءة، وضرورة اقتناء الكتاب في شتى مناحي الفكر، وهذا ما لاحظناه، ونلاحظه في معارض الكتب، سيّما المعرض الدولي، فالإقبال كبير على الكتب العلمية والتقنية، والمدرسية من قبل الطلاب الجامعيين، وتلاميذ كل المراحل المدرسية؛ بل حتى الأولياء يرافقون أبناءهم للاطلاع على ما في المعارض، ومساعدة أبنائهم في اقتناء الكتب التي يحتاجونها، ولا تسلْ عن المثقفين، والكُتّاب، والمبدعين في هذه المعارض التي يعتبرونها فرحا سنويا، فرصة للقاءات، وندوات فكرية، وحضور محاضرات قد يكون ضيوف شرفها قامات فكرية وطنية، أو عربية، أو عالمية.
     حقًّا نحن لا ننفي أن الكثير من العناوين المعروضة عُرضت سابقا؛ ومنها ما أعيدت طباعتها، وقد يحمّلها المحتاج إليها من الإنترنيت بسهولة، ولا يكلف نفسه الذهاب إلى المعارض، كما لا يدفع سنتيما واحدا؛ كما أن هذه المعارض تحوّلت إلى سوبيرات تجارية لدى الناشرين كسائر السوبيرات التي تبيع الموادّ الغذائية، وقد نتّفق على أن نسبة كبيرة من المجتمع لا تملك الحاسوب، ولا تحسن استعماله، وبالتالي لا تستفيد من خدمات الشبكة العنكبوتية؛ وحتى الذين يستفيدون من هذه الشبكة ، ويحمّلون الكتب الرقمية منها يُقرّون بأن قراءتها من الشاشة مرهقة، وتخلو هذه القراءة من مرافقة كاتب النصّ، وكذا فقدان متعة القراءة.
      صحيح أن غالبية الشباب والمثقفين يتناولون المعلومات ويتلذذون بالقراءة من صفحات الإنترنيت، والمجلات، والصحف الإلكترونية، ويقضون جلّ أوقاتهم في تحميل النسخ من الكتب الصادرة حديثا، إلاّ أنه مهما وصلت إليه تلك التقنيات من تطوّر فستبقى القراءة من الكتاب الورقي هي المحبّبة، والأقرب للنفوس، والأكثر متعة وإثارة، وسيدوم البقاء للكتاب الورقي كونه المصدر الأساسي، والمرجع الرئيس الذي يعتمده الباحثون في دراساتهم وأبحاثهم؛ كما أن الكتاب الورقي في متناول الجميع، تستفيد منه كل شرائح المجتمع صغارا وشبابا، وكبارا؛ أمّا الكتاب الإلكتروني فإن كبار السنّ، وضعاف النظر، والذين ليس لهم رغبة في التعامل مع الحاسوب، أو فشلوا في تعلّم تقنياته يبقى لديهم الكتاب الورقي المصدر العلمي والتثقيفي، والتعليمي الرئيس؛ إذ التوثيق لا يكون إلاّ بالمصادر الورقية المعتمدة، والكتب المدقّقة والمحقّقة؛ كما أن الكتاب الإلكتروني قد يفتقد إلى المعايير الأخلاقية، ممّا يساعد على نشْر الكتابات الرديئة، والمستوى الفكري والثقافي المتدنّي، وفسْح المجال للمقتبسين، ولصوص الكتابة.
       من خلال زياراتي لمعارض الكتاب، سيّما معرض الكتاب الدولي بالجزائر، والذي يُقـــــرّ أغلب الناشرين العرب أنه من أنجح المعارض في العالم العربي من حيث المبيعات، ومن حيث وعي زوّاره، واقتنائهم لنوعية الكتاب، والتقائي اليومي بالعديد من المثقفين والكُتّاب والمبدعين الذين يرون فيه عيدا سنويا فريدا من نوعه، وإن اعترف العديد منهم أنهم في كل سنة يبتاعون عشرات العناوين من الكتب الفكرية والإبداعية الصادرة عن عدة دور نشر عربية معروفة بعراقتها، بما فيها آخر ما صدر بالجزائر إلاّ أن هذه الكتب المبتاعة يدور عليها الحول، ولا يتمكنون من تصفّحها، وتُضاف لها عناوين أخرى كل سنة، وتلقى نفس المصير.
   الرأي عندي، أن أهمّ هدف لمعارض الكتب يجب الالتفات إليه، هو السعي في صناعة المثقّف الواعي، والنّجاح في استقطاب الجمهور الواسع من كل الشرائح، ليس للفرجة، والتسوّق البريستيجي، إنما لتوسيع الوعي بأهمية دور القراءة، والتثقف المستمرّ؛ ولن يتحقق هذا إلاّ بواسطة الكتاب الذي سيبقى دومًا أحسن، وأوفى صديق.

اليوم العالمي للاحتفال باللغة العربية

اليوم العالمي للاحتفال باللغة العربية
بشير خلف
بمناسبة هذا اليوم العالمي صارت اللغة العربية في بلادنا ضرّة للغة الفرنسية التي غنمها أهل الحلّ والربط عندنا، ولم تتمكن فرنسا بقوتها، وجبروتها أن تفرضها، أو تعمّمها على الجزائر طوال قرن وثلاثين سنة ،عمّمها ونشرها وبأموال الأمة الجزائرية أبناء الجزائر طواعية وبتضحيات مستميتة، في الوقت الذي تخصص فرنسا كل سنة مخصصات مالية معتبرة للدول الإفريقية كي تُبقي على هذه اللغة تعليما، وإدارة، واقتصادا، ومع ذلك لم تخرجْ من تخلّفها.. مصيبتنا ومشاكلنا من هذا الاستعمار الثقافي الذي أنهكنا، ووجد له من بيننا منْ يدافع عنه، ويرغمنا كأمة عريقة لها هويتها على قبول هذا الاستعمار البشع.
لسنا ضدّ اللغة الفرنسية كلغة أجنبية كغيرها من اللغات الأخرى مثل الإنقليزية والألمانية والإسبانية، وغيرها

رئيس بقايا اتحاد العمال..غريم اللغة العربية

رئيس بقايا اتحاد العمال غريم للغة العربية
بشير خلف
رئيس بقايا اتحاد العمّال في هذا البلد يوم 16 / 12 / 2015 يخاطب العمّال ( الفرنسيين)، عفوا " " الجزائريين البسطاء ..نعم البسطاء لأنهم لو لم يكونوا كذلك لكانوا أصحاب مناصب وقرار مثله.
يخاطب هؤلاء في معمليْن: الأول بالمسيلة، والثاني ببرج بوعرريج (بلغة فولتير )، وعن طريقهم، عن رفْع الإنتاج، ورهان الجودة ، حرصٌا على منْع الاستيراد ...وفي ميكرو القناة الثالثة الجزائرية يخاطب الأمة الجزائرية ..ولا كلمة واحدة صدرت منه، ولا من نائبه بعده باللغة العربية، ولا حتى بالدارجة ( لغة كل الجزائريين.) 
اللغة العربية في هذه الديار يريدون أن يمحوها، لكن الجزائر العميقة هي محضن العربية، والجزائر العملاقة ليست ( العاصمة) التي حطّت فيها فرنسا رحالها من خلال أبنائها الأوفياء الجدد، "خـــــدّام الفرنكفونية "

الإبداع الأدبي الشبابي.. ومسافة الألف ميل


  الإبداع الأدبي الشبابي.. ومسافة الألف ميل
       بقلم: بشير خلف
      الإبداع الأدبي كما هو معروف لدى النّقّاد والمتخصّصين هو عملية ذهنية واعية، قِوامها مجموعة من البُنى الفنية واللغوية ، والتي تُــسهم في توليد الجديد من النصوص ،فيأتي النص الجديد ليختزن خلاصة التجربة الإبداعية للمبدع الذي أنتج هذا النص، ويصبح هذا النتاج اللغوي والمعنوي نصا جماليا فيه متعة وجمال للمتلقّي  الذي هو جزءٌ من العملية الابداعية، بما لديه من قراءات، ومخزون فكري وثقافي.
      فإذا كان المتلقي في حالات كثيرة وهو أمام نصٍّ إبداعي سواء أكان سردا، أم شعرًا تعتريه الدهشة، وربما لمتعة النص عدم القدرة على توضيح السبب الذي يجعله متماهيا مع النصّ الإبداعي، أهي اللغة التي يوظفها المبدع بمهارة وحنكة؟ أم هو الأسلوب الجذّاب المشوٍّق؟ أم هي الصور الفنية ؟  أم الخيال الخصب للمبدع ؟ أم الموضوع ؟أم كل هذه العناصر مجتمعة ؟؟؟
     ما يجرّنا هنا إلى الحديث عن ما يبدعه الشباب عندنا؛ بل حتى الكبار، هل العوامل السالفة الذكر التي قد نعتبرها شروطا أساسية لكل نتاج أدبي؛ بل نغالي إن قلنا بأن الزاد اللغوي الذي يُفترض أن يكون لدى كل مبدع؛ بل كل كاتب هو العصا السحرية، ولا نغالي إن قلنا بأن هذا الزاد اللغوي الثريّ جدا بكل ما تحمله قواميس المعرفة الإنسانية كأرضية تمكّن المبدع من أن يأتي بالجديد، وقد يتوفّر هذا القاموس، وهو متوفّرٌ لدى الكثيرين من المثقفين، والأكاديميين، وأساتذة الجامعات، ولكن القلة منهم من صار مبدعا؛ القدرة على توظيف اللغة وتطويعها لطرح المواضيع، أو الإتيان بنصوص إبداعية إنسانية راقية ليس في متناول الجميع، وعماد اللغة وزادها هي القواعد وحسْن توظيفها حتى يكون النصّ سليما غير مشوّه، واضحًا بما يحمله من زُخْمٍ معرفي، جمالي، وبما يتضمنه من متعة ،ودهشة تهزّان المتلقّي.
      ما يبعث على الحسرة في واقعنا اليوم، ونحن نطالع نصوصا متنوعة مسرحية، شعرية، سردية لشباب وشابات سواء في الصحافة المكتوبة، أو يتقدمون بها إلى هذه الهيئة، أو تلك طمعًا في قبولها ونشرها؛ فإذا هي نصوص مليئة بالأخطاء النحوية، والصرفية، والإملائية، وجمل ركيكة، وتراكيب مهلهلة، وأفكار مشوّهة، وكلهم يتسرّعون نشْر نصوصهم ، ومباركة هذه النصوص ممن سبقوهم إبداعا وتجربة؛ بل منهم ومنهن لم يُطبع له، ولها غير عملٍ واحدٍ فيتلهف، أو تتلهّف على الحصول على الريادة، أوالرتبة الأولى في الجوائز والمسابقات.
       في رأيي الشخصي أن أغلب النصوص الإبداعية لهؤلاء الشباب تفتقد إلى الثقافة الموسوعية، والثقافة المتخصصة إنْ كانت مسرحًا، أو شعرا، أو سرْدًا ، إضافة إلى ضعف الرصيد اللغوي، وتنوّعه، والقدرة على توظيفه وتطويعه خدمة للنص المبدع، وكذا الضعف في التحكّم في القواعد.. وليس معنى هذا أنّ الساحة الشبابية تخلو من مبدعين يبدعون نصوصا في مستوى متميّز مقبول ..إنهم قلّة القلّة.

الثلاثاء، 8 ديسمبر 2015

أحلام مستغانمي تفوز بجائزة المرأة العربية المتميزة 2015


     أحلام مستغانمي تفوز بجائزة المرأة العربية المتميزة 2015
       فازت مؤخرا الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي بجائزة المرأة العربية المتميزة لعام 2015 (الدورة السابعة) في حقل الإبداع الأدبي إلى جانب عدد من النساء المتميزات في مجالاتهن ومن مختلف البلدان العربية وفقا لوسائل الإعلام. وقد فاز بالجائزة أيضا العديد من الوجوه والشخصيات النسوية العربية على غرار عالمة الفضاء المغربية مريم شديد والعداءة التونسية حبيبة الغريبي والفنانة اللبنانية ماجدة الرومي بالإضافة للممثلة المصرية يسرا لمساهمتها في مجال السينما والفن.
     وتهدف الجائزة -التي أطلقت في 2004 من رحاب جامعة الدول العربية- إلى "التعريف بنجاحات وتميز المرأة العربية في حقول العمل المتنوعة وتوثيق منجزاتها العلمية والعملية بهدف إبراز إبداعاتها وقدراتها على العمل والإنتاج وتقديم صورة مشرقة عنها في المحافل الدولية ..." وفقا للمنظمين. ويمنح هذه الجائزة مؤسسة المرأة العربية وهي "أول" هيئة عربية غير حكومية للأبحاث والبرامج تعنى ب"تنمية دور المرأة .

الثلاثاء، 1 ديسمبر 2015

عبق من الأعمال غير الكاملة للأستاذ بشير خلف


عبق من الأعمال غير الكاملة للأستاذ بشير خلف
بقلم: أحمد مكاوي
       في خمس وخمسمائة صفحة جمع الأستاذ بشير خلف مجموعاته القصصية الخمس تحت عنوان "الأعمال غير الكاملة " لتصدرها دار الثقافة محمد الأمين العمودي لولاية الوادي في طبعة جيدة هذا العام(2015).
       الأستاذ بشير خلف غني عن التعريف  لا يحتاج الواحد منا إلا أن يضع اسمه على محرك البحث قوقل فيخرج له سجل من النشاطات والأعمال التي ترفع الرأس وتملأنا زهوا به وبأننا نعرف الرجل ونعايشه عن قرب..
      ما لا يقوله قوقل أو الصفحتان اللتان في آخر الكتاب التي عرفت به وبمنجزه الكتابي هو :
أن الرجل مؤسسة ثقافية متحركة، ومثل يضرب في نظافة اليد واللسان ،ورجل جاد لا يهادن ولا يجامل عندما يتعلق الأمر بجودة العمل الأدبي ، يرى أن ما لا يوثق عمل موسمي يصرف فيه المال ثم ينسى ، لذا هو أحرص الناس على توثيق الأعمال الثقافية ، وتشهد له الكتب التي أصدرتها الرابطة الولائية عن الملتقيات التي عقدتها. والروايات الست التي طبعها كثمرة لمسابقة الرواية القصيرة التي تنظمها الرابطة أيضا والتي تتشرف بأن يكون بشير خلف رئيسا لها .. بدأ الكتاب بتصدير بقلم مدير دار الثقافة الأستاذ محمد حامدي  محتفيا بالكتاب الذي تصدره الدار .
        تلا ذلك مقدمة للقاص بين فيها مفهومه للقصة القصيرة ومكوناتها راجعا بنا للبداية الأولى 1972 حين نشر قصته البكر لتنطلق المسيرة على امتداد عقود من الزمن جعلت منه أحد قاصين الكبار المعروفين في الجزائر ،يقول فيه شربيط أحمد شربيط في كتابه" تطور البنية الفنية في القصة الجزائرية المعاصرة[اتحاد الكتاب العرب1998]":" التزم بشير خلف بالأصول الفنية المعروفة في القصة القصيرة خصوصاً بنية الحدث وطرائق عرضه، شأنه في ذلك شأن زملائه ...ويشكل الزمن الماضي ميداناً رحباً تجول فيه أحداثه وشخصياته، وقد حاول في بعض قصصه تجاوز عالمه الأثير المميز إلى ميدان التجريب، ولكنه بقي مشدوداً لعالمه ورؤيته الفنية والفكرية...واهتم كذلك بعنصر الوصف حتى كاد يبدو، وكأنه يريد أن ينقل المشهد بكل تفاصيله، ودقائقه، خصوصاً المشاهد الطبيعية.
        ويظهر في بيئته الفنية كثير من الخصوصيات المحلية مثل الحياة اليومية للأهالي ونضالهم، لدفع الفقر والحرمان.‏"
       أن تتناول عمل ضخما مشكلا من خمس مجموعات قصصية تحتوي على ثنين وستين قصة يعني وقتا كبير لا يتاح إلا لمتفرغ .. لذا قمنا بعمل انتقاء اعتمدنا فيه القصص التي عنون بها القاص مجموعاته وقد خالف القاص منهجه في اختيار عنوان قصة من قصص المجموعة في "ظلال بلا أجساد" فقد كان العنوان للمجموعة دون أن يكون عنوانا لقصة منها فاخترنا قصة من قصصها لعرضها هنا .
      لا أقدم هنا دراسة فنية عن الأعمال غير الكاملة ولا أقول أنني ناقدا فيها بقدر ما أنا قارئ لهذا العمل الكبير الذي وجب الاحتفاء به على جميع المستويات (أكاديميا وصحفيا وتربويا) لأنه مادة ثرية تسمح بفتح ورشة بحثية على امتداد سنوات تتناول فيه مواضيع كـ( الشخصيات القصصية ـ الزمن ـ الحدث  ـ تقنية السرد ـ المكان ـ اللغة ـ العناوين...)

1 ــ أخاديد على شريط الزمن من مجموعة (أخاديد على شريط الزمن)
      هي القصة العاشرة في ترتيب المجموعة المكونة من عشرين قصة امتدت من الصفحة الخامسة والسبعين حتى الصفحة الثالثة والثمانين من الكتاب وهي تتحدث عن :
صاحب مقهى غامض مثقف ،و شاب معجب ومتسائل، لا يريد هذا الرجل (عمي صالح) أن يُعرف عنه شيء ينهر كل سائل لكن بعد أن لزم الفراش مريضا يقرر أن يبوح بسره ..ليس لأحد غير ذاك الشاب ..
      الشاب منذ دخل المقهى و سمع و رأى ما كفّ عن التأمل  مما سمح للقاص أن يسرد على لسانه وأن يصف ما حوله وقد تلازم الوصف والسرد بطريقة رائعة تبين قدرة القاص على التصوير والتقاط الجزئيات من الواقع ليجعل منها لوحات قصصية رائعة ..
      عند حديثه عن اللوحة المعلقة على جدار المقهى يقول الراوي :«تلك اللوحة تتراءى لك في آخرها سلسلة جبال كللتها غابات كثيفة من أشجار تحيط بها غلالة رقيقة بيضاء ،تتوسطها قمة عالية استقرت عليها ثلوج فـي تاج فضي لمّاع، في سفوحها امتد نهر رقراق يمتد في أبهة وخيلاء، كطوق من الزهور النضرة وُضع على جيد عاجي ..حرسته شجرات على جانبه راحت تتطاول بأعناقها وامتدت إلى بعض ،واندمجت ،وامتزجت شكلا ومحتوى حتى تبلورت في شجرة زيتون عملاقة، احتلت ما يقرب من نصف اللوحة انغرست جذورها في الأرض وامتدت أفقيا وعموديا، والتفت في حنان حول بعضها أغصانُها الحبلى بحبات الزيتون  »(ص76/77)هذه اللوحة تلخص كل شيئ عن ذلك الرجل الثوري المجاهد  وما كانت مصارحته له بما كان إلا شرحا وتوضيحا تلك اللوحة.
        لوحة أخرى رسمها القاص على لسان الراوي لكن هذه المرة من الطبيعة «دخل بسيارته في درب ضيق جدا معبد امتلأت حفره وحلا وماء عفنا، امتدت على جانبيه أكواخ" كرطونية وقصديرية "، انتشرت أمامها وحولها صبية ارتدوا أسمالا بالية حفاة الأرجل، وجوههم كانت مأدبة شهية للذباب، فانصرف يلتهم منها ما استطاع، تجمعت نسوة وبنيات حول غدير ماء، رحن يغرفن منه في جلبة وصراخ ودفع بالأيد والأكتاف »(ص79) هي صورة لحياة البؤس التي كانت تعيشها أحياء جزائرية في زمن كان ...
       إن ما يمتع حقا أن سرد القاص تقطعه صور تصب فيه لتفتح هذا السرد لخارج الحدث لكنها لا تبعدنا عنه في ضربات رشيقة موفقة تؤرخ للحظات لم يعشها قارئ القصص لكنها قد تتشابه مع ما يحيط به حاليا.
       مفارقة جميلة في القصة يطرحها القاص حين يقول البطل (صاحب المقهى):«سلاحي عتيق جدا كما قيل لي يومها، عرضت سلاحي على عدت جهات، تقدمت به إلى أكثر من مؤسسة، اتفق الكل على عدم صلاحيته، سلاحي كان لغة الضاد، سلاحي الخزانة[الكتب]،أو بالأحرى المكتبة المتنقلة التي أذهلت عقلك، وأدهشت غيرك، بدا لأولئك أنها عتيقة وغير صالحة لهذا العصر، ولم أيأس.. »(ص81) إنه وفي حين كانت الحرب من أجل الهوية والتي شارك فيها البطل لكنه وجد أن أهم عناصرها وهي اللغة بعد طرد المستعمر تصبح مرفوضة منبوذة غير صالحة .
       وتكتمل المفارقة عندما يقول البطل: «ثم أكرمتني الثورة بالمقهى»!!(ص82)
       يموت البطل بعد هذا الإفضاء وإشباع فضول الراوي لينهي القاص على لسان راويه بهذه الصورة الوصفية وهو يخرج من منزل البطل: «كان آذان الظهر يغمر المنطقة فيزيدها خشوعا وجلالا، ومن بعيد كانت الحقول والمزارع ترتدي حلة خضراء جميلة، ووقفت الورود والزهور ضاحكة وثغورها الرقيقة تردد سيمفونية حلوة وهي تنظر إلى الكوخ.  »تنتهي قصة هذا البطل وقد حفر أخاديد على شريط زمن ما زال متواصل.
       هذه القصة تتمتع بخاصيتين أساسيتين : المفارقة التي التقطها من واقع كان يرجوه أفضل والتصوير بالكلمات لحال وطن أحبه ..

2 ــ القرص الأحمر من مجموعة (القرص الأحمر)
        هي القصة الأولى ترتيب المجموعة المكونة من ثلاث عشَرة قصة امتدت من الصفحة الثالثة والثمانين بعد المائة حتى الصفحة الثالثة والتسعين بعد المائة من الكتاب وهي  :
 قصة شاب ابن شهيد بعد أن جرب عدة أعمال عُين بشركة وبها اصطدم بالإدارة البيروقراطية التي تستغل العمال وتنهبهم وهو الذي وظف حديث وقع بين وصيتين متناقضتين وقد اختار الوصية الأولى: « تذكر دائما يا بني.. أباك قد اختار الموت بالرصاص وفاء لهذا الوطن ـ وإخلاصا لأهله.. وهد في المال الذي أغراه به القبطان روبير.. مقابل العمل معه.. المال ثعبان يا بني يسمم النفوس الطاهرة ويقتل الأرواح النقية.. احذر.. نصيبك منه ما تناله بجدك وعملك ..احذر يا بني..».(ص185/186) كانت هذه وصية أمه.
        والأخرى للمدير : «كل الخبز يا بني، ولا تحاول أن تفهم شيئا ..إن حاولت الفهم فقد تتعب.. تتعب كثيرا.. وأنا أشفق عليك من ذلك..».(ص184)
       وقد اختار وصية أمه وسلك درب والده..
        لم يهنأ المدير بوجوده ولا استراح.. ولم يترك فرصة إلا وذكره بما سمعه عند استلامه العمل منه أو من البواب ..فالشاب اختار خط معارضا لسلوك المدير وزمرته التي استغلت مناصبها وكان المدافع والمحرض للعمال وهكذا كان الصراع بين الوافد الجديد للشركة وعصابة التسيير. وقد ترك القاص النهاية مفتوحة ..
        الجميل هنا أن القاص يربط كل حدث بالطبيعة.. من البداية تبدو الشمس كاسفة :« القرص الأحمر مختبئ وراء الغيوم السوداء الزاحفة..»(ص183) هذه البداية  التي تختصر كل  يعيشها الشاب.. وحين يجد عمل يكون : «القرص الأحمر اختفى ..رذاذ المطر يغسل الشوارع والأرصفة.. ليت الرذاذ له القدرة على غسل القلوب ..ليته باستطاعته تحريك الضمائر وإحياء الميت منها.. مثلما هو قادر على إحياء الأرض الموات ..الظلام زاحف ورداؤه القاتم يلف بالتتابع كل الكائنات.. مقاومته بالمصابيح المختلفة الألوان والأشكال.. لكن الظلام أقوى ..إنما ليس النصر حليفه دائما.. انتكاساته عديدة ..فالنصر الدائم للنور .. للحق.. لكن البشر بأنانيتهم ..بألاعيبهم وطمعهم بحيلهم العديدة يعملون على إخفائه.. على محقه.. على إزالته من العالم ..بيد أنه أقوى.. والنصر في النهاية حليفه مهما كانت المكائد »(ص186).
        هكذا ربط  (القاص) الظاهرة الطبيعية بالصراع بين الحق والباطل وهي نظرة متفائلة جدا يتبناها في الواقع القاص وجاءت هنا في تأملات بطله. لكن الواقع ليس خواطر ولا آمال إنه شيئا آخر..
      ويعود من جديد للطبيعة وهو يكشف ما تقوم به العصابة المسيرة  «القرص الأحمر اختفى .. الرذاذ يتساقط دون انقطاع ..العتمة تسربت إلى كل مكان.. حرارة القرص لا تزال كامنة في كل مساحة لمستها الأشعة.. الرذاذ بيده الحانية يعمل على إبعاده بالحسنى.. إنها عنيدة.. الصمود ليس من صفاتها.. لكن الرذاذ سيتحول إلى هطول.. سيكون سيولا.. طوفانا.. سيجرف معه كل العفونات.. كل البقايا المتخمرة.. الأرض ستظهر بوجه جديد ..نقي ..قوي.. معطاء» (ص187) ويكون هذا عندما يتحرك العمال كما تتحرك السيول لتغسل ما علق بالأرض..
      لينهي القصة: «القرص الأحمر اختفى منذ وقت.. يبدو أن الحرارة لم يتغلب عليها الرذاذ بعد ..لا تزال قوية ..أحس بها تمتد إلىّ.. تحتويني ..تحرقني.. تحيلني ذرات من الرماد تائهة ..غريبة في كون.. تآزر فيه جنس اللهيب الحارق.. ليتني كنت أمواجا غاضبة ..هادرة.. شلالا كاسحا.. يقتحم يزيل منه العفونات ..كل التخمرات ..بل ليتني كنت رذاذا فقط.. رذاذا.. فقط.. ليتني.. ليتني..»(ص188) الشمس التي اختفت خلف الغيم تستبدل برذاذ .. وهو الذي تمنى في حمـأة الصراع أن يكون موجا غاضبا وشلالا كاسحا .. ليكون تمنيه في الأخير أن يكون رذاذا وفقط لأنه أقل ضررا وأكثر نفعا يغسل ولا يحطم ..يطهر ولا يفسد شيئا ..
      إنه التفاؤل يمكننا أن نقول ..ويمكن أن نقول إنه يأس من التغيير استبدل بالتمني
      طبعا السياق الزمني لهذه القصة مهم لنعرف رؤية القاص ومغزاه ..

3 ــ الشموخ من مجموعة(الشموخ)
        هي القصة الأولى في ترتيب المجموعة المكونة من ثماني قصص امتدت من الصفحة الثانية والستين بعد المائتين حتى الصفحة السادسة والستين بعد المائتين من الكتاب وهي موزعة على:
أربع لوحات قصصية لخصت مأساة وقدمت قيمة كبرى في شخص جدٍ لا نعرف اسمه ، بل ولا تسمية هنا فالجدة والأحفاد لا نعرف لهم أسماء إلا ليلى  ولو ترك تسميتها لكن أفضل فالتسمية هنا لم تضف شيئا .. وعدم ذكر الأسماء في أن هذه القصة تخبرنا أن شخصياتها متكررة في أنحاء الوطن وليست حالة فردية ..
      القيمة هي العزة والشموخ والأنفة وعدم انتظار الجزاء على واجب .
      أما المأساة فهي أن يكون جزاء من قدم أغلى ما يملك بوابا لأحد المسؤولين يمنع عنه دخول من وُضع هو أساسا لخدمته .. رفض أن يعمل مع المستعمر وبقي متمسكا بأرضه الصخرية يستصلحها بجهده وعرقه. قدم ولده شهيدا على الحدود الجزائرية التونسية عن قناعة بأن ما قدمه  فداء وتضحية واجبة للوطن وللحرية التي يعشقها ..
       يقبل بعد إلحاح أن يعمل في عمل عرض عليه لكن عندما يعلم ما العمل يرفض فلم يقدم ابنه ليكون حارسا لشخص يتعالى على مواطنيه .
       يرفض أن يأخذ بطاقة تجعل له الأولوية على غيره فالتضحية والواجب ليس له ثمن في عرفه. ما زال وهو في السبعين يؤمن بقيمة العمل والمحافظة على الدين وفضيلة العمل يرسخها في الأحفاد بكل سمو وشموخ.
       هذه القصة بلوحاتها الأربع (خلود ـ توصية ـ رائحة الماضي ـ نور الفجر) تعطي دستورا أخلاقيا في الحياة .
       قصص المجموعة (شموخ)في خمس منها  تعتمد اللوحات القصصية التي بتجميعها ووضعها جنبا لجنب تشكل ما أراد القاص بثه في كل قصة .. الجميل أن بعض اللوحات يمكن أن تشكل قصة لوحدها بمعزل عن القصة الأم..

4 ــ الدفء المفقود من مجموعة (الدفء المفقود)
        هي القصة ما قبل الأخيرة ترتيب المجموعة المكونة من تسع قصص امتدت من الصفحة الثانية والثمانين بعد المائة الثالثة حتى الصفحة الثالثة والتسعين بعد المائة الثالثة من الكتاب وهي :
عن المدينة والنزوح إليها وترك القرية والعائلة هذه هي موضوعة القصة ..
        عامل يومي يبحث عن عمل ويجده عند صاحب حمام ، يسكن في غرفة عفنة ، وبراتب بسيط جدا يخفي ذلك عن والديه مدعيا أنه يعمل في محل محترم ويأخذ راتبا مجزيا لكن صاحب العمل خوفا عليه يحتفظ له بثلاثة أرباع المرتب ليفاجئه بعد مدة بمفاجأة سارة... الوالدة المسكينة تصدق كل ما يقول ولدها الوحيد ..لكن الوالد المقعد يعرف أن ابنه يكذب لكنه لا يواجهه يشكك في كلامه فقط هو الذي وصّف المدينة جيدا حين قال له: «المدينة يا ولدي بئر عميقة جدرانها ملساء ..كلما حاولت الخروج منها ارتددت على أعقابك خاسئا ..صقيعها ينخر خلاياك.. فيها تفقد الدفء الإنساني الذي ترعرعت فيه .. »(ص391)
       كل الأحداث التي يمر بها في المدينة تزيده يقينا بقسوتها ..هو الذي خرج مبكر من التعليم دون شهادة أو مستوى.. وكلما داهمه حدث إلا وعض على أصابع الندم وهو يتذكر كذبه ..وتركه للأرض التي يمكن أن تكون له مورد رزق ومنجى من العذاب الذي يعيشه..
      صاحب الحمّام طرده من العمل في صورة إجازة بدون مرتب ..وصل الحال به إلى أن لا يجد ما يأكل فيسترجع حديث والده: «الحياة يا ولدي رحلة شاقة في درب طويل ..أرضه تارة مفروشة بالورد، وتارة بالأشواك.. وعلينا جميعا السير في هذا الدرب مرغمين.. وسيلة السير يا ولدي تختلف أمامنا، والحياة تجارب ..جرب سيأتي يوم تجد البرد يسكن كيانك ..ينخر عظامك.. الدفء موجود هنا في البيت البسيط بساطة أهله وطيبتهم »(ص392)
        يقرر العودة ويترك المدينة يقول له رفاقه لم.. أنت بخير هنا؟ يقول : «الخير الذي تتكلم عنه يحصل إلا عندما أستعيد الدفء المفقود الذي فقدته هنا سأجده هناك مع حنان الأصول ، ومع التربة الزكية المعطاء»(ص393)
        جاءت العبارات قوية والمعاني عميقة واللغة لغة مثقفة في الحوار الدار على لسان الأب الذي ربما التجربة عمقت معانيه و الابن  الذي صدمته حياة المدينة وعركته المأساة فجعلت منه متأملا عرف ما يرد على المدينة التي ما قبلت به فكان القرار الذي تأخر أخذه وكان الرجوع المنتظر..
       المدينة بالنسبة للريفي مهما كان مستواه  صادمة التأقلم فيها و معها يحتاج لوقت ، فيه من يصبر ليحصل عليه,  وفيه من تقهره ليحن ثم يفر عائدا من حيث أتى وبطل القصة من هذا الصنف الأخير لكن القاص المتفائل دوما يجعل العودة انعتاق من ذل وعودة لانطلاقة حياة وعطاء لا ينتهي،  في أرض وأسرة تحتضن العائد لها وإن أخطأ في حقها ..

5 ــ ظلال بلا أجساد
رجل على الهامش 
        هي القصة السابعة في ترتيب المجموعة  المكونة من اثنتي عشرة قصة امتدت من الصفحة السبعين بعد المائة الرابعة  حتى الصفحة الثالثة والثمانين بعد المائة الرابعة من الكتاب 
        لم يعنون المجموعة بقصة من قصصها كما فعل في المجموعات التي قبلها.. ربما لأن كل قصة من قصصها تصلح لأن تكون عنوانا للمجموعة فالعناوين التي عُنونت بها القصص كلها عناوين لعب المجاز فيها لعبته والقضايا التي تحملها تدفع بها لتتزاحم أمام القاص لكي يقف في مقام الحيرة وانتهت حيرته بأن اختار عنوانا للمجموعة أشمل وأجمل فالأجساد التي تتحرك في هذه المجموعة غمرتها الحياة بهمومها لتترك فقط على المسرح ظلالا من المشاعر والهموم التي تؤرق القاص من خلال أبطال القصص، وهذه المجموعة بالخصوص نلمح فيها المسحة التأملية للقاص وهو يلحظ التغيرات التي تطرأ على مجتمع  يتفكك وقيم تكاد تزول ومعان أصبحت ظلالا تبحث عن أجساد تتحرك بها في واقع يهترأ شيئا فشيا ...
      أغلب إن لم نقل كل أبطال وشخصيات القصص في هذه المجموعة بلا أسماء وتجامل التسمية ليس اعتباطا فالتسمية تحد و هو هنا يفتح  وهو يعالج القضايا التي طرحت هنا لا يعني جهة ولكن ما يتكرر عبر هذا الوطن الشاسع المتنوع ...
         اخترت  هذه القصة لتكون مع أخواتها من قصص المجموعات الأخرى ..  وأعتبر هذه القصة عروس المجموعة بل وعروس القصص الأخرى ..
        يقدم القاص قصته بمقولة لوليام جيمس «ليس هناك من هو أكثر بؤسا من المرء الذي اللاقرار هو عادته الوحيدة.»
        وهي قصة رجل اضطرته الظروف الحياتية للعشرية السوداء أن يفر خارج الوطن يعيش صراع داخلي حول العودة واللاعودة يستذكر كيف كان قبل أن يهاجر وما عاشه في المدينة والوطن الجديد هو الشخص الذي لا يريد أن يكون مع أحد ضد أحد.. هو الرجل الذي تعلم على فقر وقبلت به زوجته التي تنتمي لأسرة ثرية على غير رغبة أهلها .. هو الذي يعيش في مدينة فتحت له ذراعها لتعطيه كل شيء لم يجد عُشْرَهُ في بلده ..زوجته وابنته تفضلان العودة بعد جدال طويل معه دونه.. وهو الذي يراها رغم بقائه فيها خمسة عشَرةَ عاما "هي مدينة لا تشبه مدننا. مدينة يسكنها الصقيع/فيها نساكن الأشباح، من خريطة الوطن البعيدة نسترجع الذكريات ، نستنجد بالذاكرة ..أين روح البلد؟ أين دفء الأهل والأحبة؟.."(ص481)
       ومع ذلك تنتهي القصة نهاية مفتوحة لا ندري أسيعود ملتحقا بزوجته وابنته أم سيبقى في مدينة الصقيع هذه "الأقلام قبالتك متناثرة.. أوراق ممزقة.. أخرى عليها خربشات، وتلوينات غير منسجمة ..تذكرة السفر بجانب السرير فوقها الفاكس الذي وصلك بالأمس ذيل
 بخربشة من خربشات ألفتها وهي محببة إليك.."(ص481)
        إن الحوار الداخلي الذي كان سيد القصة هنا حوار لذيذ فيه من التأمل والذكرى والتصوير والصراع ما يجعل القصة تتحول لمحاكمة الذات والوطن والزمن ..
       إن البطل هنا بدون اسم والمدينة والبلد المهُاجر إليه كذلك.. فقط زمن القصة المحدد بعدد سنين الهجرة وما قبلها حيث البلد تعيش أزمنة الرعب وهذا الزمن يشارك البطل بطولته ويضيق عليه الخناق ويبعث فيه التردد وهو السمة التي ميزت شخصا يكاد يكون بلا موقف إلا موقف الهروب إلا الأمام بلا توقف ليعيدنا هذا الموقف لمقولة وليام جميس التي بدأ القاص بها قصته ..
       كل شيء في هذه القصة يحيلك لقدرة القاص على مسك خيوط قصته.. السرد الذي ينطلق من اللحظة الحاضرة  حيث التردد والحيرة ليعود بك إلى المرابع الأولى حيث الدراسة والتفوق ثم اللهاث خلف الوظيفة التي لا تجيء والتهديد الذي يحرك في البطل رغبة الهجرة وطبعا ليس هو الوحيد فالعوامل اجتمعت ليعود للحظة التي يجد نفسه في مدينة الصقيع فيها وحيد بعد أن تركته من كانت معه وقبل ذلك كيف عاد إلى الوطن وما استقر .. فقط أخذ معه قطعة منه تقرر العودة إليه بعد خمس سنوات .. إلى الوصف الرائع الذي يتخلل السرد وهو وصف ينطلق من الحالة التي عليها البطل ..
       إننا هنا أمام قصة تفتح شهية القراءات من زوايا متعددة ..ومع هذا تجد القاص من بعيد يلوّح للقارئ اللماح أن البديل عن الوطن الضياع. هو وَفِيٌّي للقيمة التي يجب أن تكون في القصة ..هو وَفِيٌّي المربي الذي فيه وما نسي أبدا هذا في جميع قصصه في هذه الأعمال الغير الكاملة . 

خصائص فنية :
1 ـ النهاية المفتوحة: يعتمد القاص على النهايات المفتوحة في الكثير من قصصه وهي نهايات تجعل للقارئ فضيلة التخيل بناء على استيعابه للقصة وكذا لخلفيته الفكرية والفنية ..وهذه النهايات المفتوحة ليست متعمدة بقدر ما هي نهايات صنعتها شخصية البطل وطبيعة الأحداث..
2 ـ الحوار باللغة الفصحى: في كل القصص الحوار باللغة العربية الفصحى .. وقد يعيب البعض على الكاتب استعمال الفصحى عندما يجري الكلام على لسان فلاح بسيط أو عامل شبه أمي وهو اختيار فني وانحياز من الكاتب لموقف اتخذه ويبقى الأمر قابلا للأخذ والرد...
3 ـ حضور موضوعة الثورة التحريرية: وما تعلق بها في الأعمال غير الكاملة حضورا لافتا، من خلال قصص زمانها زمن الثورة أو من خلال الشخصيات ذات الخلفية الثورية (مجاهد ـ أب شهيد ـ ابن شهيد ـ ابن مجاهد ـ أرملة شهيد).وليس غريبا فالقاص هو ابن الثورة لا يدعي ببنوته ولا يستجدي...
4_ القضايا الاجتماعية : تنوعت وتعددت قضايا المجموعات ولكن اللافت فيها أنها كانت قضايا اجتماعية .. وهي قضايا متساوقة مع زمن كتابة القصص وما كان مطروحا على الساحة الوطنية.. واللافت أيضا أن المجموعات القصصية في تناولها للقضايا الفكرية لم تتعدّ الوطن مكانا لكنها قضايا الإنسان التي يمكن أن تكون في أوطان أخرى، فالمعالجة الإنسانية تسمو بها لتكون تعبيرا عن مطلق إنسان مهما كان مكانه..
5 ـ ضمير  القص :الملاحظ في القصص أن ضمير القص متعدد ومتنوع ولذا كان المجال واسعا لينوع طريقة السرد ويتحكم في أحداثها .
6 ـ كل قصص(ظلال بلا أجساد) قدم لها بمقولات لكتاب وفلاسفة عالميين.
      والذي يُـــنهي قراءة القصة يجد رابط بين المقولة، والغاية، أو القيمة الفكرية التي تغيّاها القاص طبعا لا تجد الأمر مباشرا أبدا ...














الاثنين، 30 نوفمبر 2015

الكتابة .. أداة التواصل الحضاري


الكتابة .. أداة التواصل الحضاري
بقلم : بشير خلف
      الكتابة قارب نجاة، والحرية شرط أساسي لمتعة الإبحار، والغوص في الأعماق، وصيْد اللآلي.
        تظل الكتابة في مقدمة الإنجازات الكبرى التي وصل إليها الإنسان طوال مسيرته التاريخية، وهي العلامة البالغة الدلالة لبداية عصور التاريخ، ومؤشرًا على تبلور الوعي الحضاري، حيث ارتبطت الكتابة بالحضارة، وغدت أداتها المميّزة في تسجيل درجة هذا الوعي في كلّ مراحل التاريخ الإنساني، والوسيلة الناجعة في التواصل الحضاري، ورصْد مظاهر التقدّم بمختلف مستوياته، واتجاهاته.

الأربعاء، 18 نوفمبر 2015

قراءة في كتاب : قراءة في القصة الجزائرية المعاصرة


                    قراءة في كتاب
       قراءة في القصة الجزائرية المعاصرة
          الدكتور حسان الجيلاني نموذجا
بقلم: بشير خلف
             القصة القصيرة هي نصٌّ إبداعي سردي ممتع ، فيه يكون القاص في مواجهة مباشرة مع الآخرين، وعليه أن يتقن صنعته جيدا. القصة الناجحة هي التي تصل إلى الناس دون حواجز، وعقبات. إضافة إلى توفر شروط نجاحها الفنية الأخرى ..
       أخذت القصة القصيرة من القصيدة شعريتها، وموسيقاها، وتكثيفها وقوتها وأخذت من الرواية الحدث والشخصيات، ومن المسرح الحوار والصراع السريع الخاطف. تعتبر القصة القصيرة فن اللحظات المفصلية في الحياة ؛ فلا تتناول الحدث من خلال مساحته الواسعة، وزمانه المطلق؛ بل تختطف اللحظة كومضة ، أو كسهم ينطلق سريعا إلى هدفه ، وبكل قوة.
      الكتاب الذي بين أيدينا يدخل في مجال هذا الفن السردي الممتع ..صدر عن دار الثقافة مؤخّرا.. كتاب من الحجم المتوسط يقع في 111 صفحة، من تأليف الأستاذ الراحل شرادة الجيلاني أنهى تأليفه بتاريخ :18/ 01/ 2015 يستعرض فيه في البداية مسار القصة الجزائرية المعاصرة، ثم يخصّص الجزء الأكبر لسرديات الدكتور حسن الجيلاني.

مكوّنات الكتاب
       الكتاب لم يبوبه، ولم يمحوره، بدلا من ذلك جزّأه إلى أجزاء مرقّمة كالتالي:
1 ــ المقدمة .2 ــ القصة الجزائرية الحديثة. 3 ــ السرديات الفنية للدكتور حسن الجيلاني.
4 ــ ميزة السرد الفني عند الكاتب. 5 ــ آفاق القصة الجزائرية الحديثة .
1 ــ في المقدمة : استعرض المؤلف مسار القصة الجزائرية المكتوبة باللغة العربية منذ ظهورها الأول في الثلث الأول من القرن الماضي، إذ دأبت على معالجة الواقع الاجتماعي الجزائري بكل أبعاده، لتبدو أكثر نضجًا وهي تستوعب أحداث الثورة التحريرية،  ثم مواكبتها لفترة ما بعد الاستقلال، وهي تلامس واقع المجتمع الجزائري، حتى وإنْ عانقت أيديولوجية السلطة، ليشهد الفنّ القصصي بعد الثمانينيات منعرج التجريب.

ــ السرديات الفنية للدكتور حسن الجيلاني
        يتعرض المؤلف في هذا الجزء لسرديات الدكتور حسان الجيلاني من خلال المؤلفات التالية :

1ـــ المجموعة القصصية : طالب فقد ظلّه.
"طالب فقد ظله" هو عنوان المجموعة القصصية الوحيدة للكاتب حسان الجيلالي، وهي خلاصة تجربته في كتابة فن القصة القصيرة على امتداد خمسة عشرة سنة، بداية من شهر جانفي 1974 تاريخ أول قصة قصيرة في هذه المجموعة والتي تحمل عنوان "الملك المغلوب" إلى تاريخ ديسمبر 1988 وهو تاريخ كتابة قصة "العذراء" كآخر قصة في المجموعة المذكورة، مع ملاحظة أن الكاتب كان يحرص على تثبيت تواريخ كتابة القصص في نهاياتها، كما رتب تسلسلها في المجموعة حسب تواريخ كتابتها، مما يسهل على القارئ والباحث الاطلاع على مسار تجربته القصصية.
تبدو مجموعة "طالب فقد ظله" كما لو كانت مجموعتين قصصيتين الأولى تحمل العنوان الأصلي؛ "طالب فقد ظله"؛ وبها ثلاث عشرة قصة. والثانية تحمل عنوان؛ "نداء المدينة المنسية"؛ وتحتوي على اثنتي عشرة قصة، وقد اخرج المجموعة على شكل فصلين يحملان العنوانين المذكورين. كما يبدو أن كل فصل قد أعد للطباعة بشكل منفصل كمجموعة مستقلة، إلا أنهما قد جمعا في آخر لحظة، خاصة وأن المجموعة القصصية  المذكورة مطبوعة في إطار "الجزائر عاصمة الثقافة العربية لسنة 2007". كما أن هذه المجموعة لم يسبق لها أن طبعت قبل هذا التاريخ، كغيرها من الأعمال الأدبية الأخرى للكاتب حسان الجيلاني، حيث أخر طباعة إبداعاته الأدبية لفترة قد تزيد على العقدين من الزمن للأسباب التي ذكرناها آنفا.
ـــ رواية: لقاء في الريف.
       قصة "لقاء في الريف" هي باكورة الكتابة الروائية للكاتب حسان الجيلاني، توسط حجمها بين الرواية القصيرة والقصة الطويلة، حيث يقع هذا المنجز القصصي في 112 صفحة من الحجم المتوسط.
       ويبدو أن هذه الرواية قد كتبت على فترتين حسب ما ورد في مقدمتها، وإذا أخذنا بعين الاعتبار تاريخ كتابتها فسنجد بأنها تعكس النية المبكرة في كتابة الرواية عند الكاتب.
       قصة "لقاء في الريف" قصة اجتماعية العمق وسياسية(وطنية) الشكل، وهي تنتظم إلى جانب غيرها من قصص تلك الفترة ضمن الإبداع الأدبي الموجه، الذي جاء في سياق سياسة ثورية، بإيديولوجية اشتراكية، لها مناهجها، مثلما لها أدواتها العملية المسخرة لإنجاح مشروعها الوطني (الاشتراكي)الذي كانت تتبعه الدولة آنذاك. فمن البرامج الاقتصادية والاجتماعية التي تبنتها الدولة، نجد مشروع الثورة الزراعية الذي جهز له المسؤولون كل الوسائل المادية والبشرية لإنجاحه، وكان التطوع الشبابي والطلابي على الخصوص أحد وسائل تطبيق هذا المشروع التنموي الأساسي، وتدور قصة "لقاء في الريف" في هذا الفلك السياسي والاجتماعي والريفي أيضا.

2ـــ قصة: غرام زهور.
        قصة تاريخية ملحمية تعرض لمقاومة نضالية عفوية وصراع مرير دار بين السلطة الاستعمارية والمقاومة الشعبية لقبائل(وادي سوف) في الفترة الأولى من تواجد الاستعمار العسكري بالمنطقة.
     القصة من الحجم المتوسط بها أربع وثمانون صفحة، وعلى الرغم من كتابتها في مرحلة مبكرة نسبيا؛ أي في سنة:1983 إلا أنها لم تطبع إلا في سنة:2008. متأخرة بأكثر من عقدين من الزمن شأنها في ذلك شأن بقية الإبداعات الأدبية الأخرى للكاتب حسان الجيلاني.
       فقصة "غرام زهور" هي قصة مأخوذة من البيئة التاريخية(الصحراوية)، ببعدها الوطني، ووعائها النضالي بما يحتويه من صراع ومقاومة ضد الاستعمار الفرنسي، مع توظيف فني للمظاهر الاجتماعية بما فيها من عادات وتقاليد تحكم النظام القبلي في تلك الفترة.
   عرضت القصة الجانب التاريخي لإعمار منطقة "وادي سوف"؛ بداية بنزول بني هلال بها، ثم تفرعهم إلى قبائل وبطون داخل البيئة الصحراوية المعروفة بقساوة الحياة وشظف العيش، معرجة على  العادات والتقاليد والثقافة المميزة لأهل "الوادي"، كما أشارت القصة إلى الاستقرار والأمن الذي كان يميز المنطقة قبل دخول الاستعمار الفرنسي، الاستعمار الذي سعى منذ نزوله بهذه المناطق إلى إثارة النعرات وتحريك الضغائن بين الأهالي، قصد زرع الفتن والتفرقة، إلا انه لم يستطع النيل من جهود القبائل في السعي إلى التضامن والصمود، كما لم يستطع أن يؤثر في وطنيتهم، أو أن يثنيهم عن الدفاع على عرضهم أو أرضهم .

3ـــ ملحمة الشيخ الهاشمي الشريف.
      سردية حسان الجيلاني هذه المرة؛ هي عبارة على قصة تاريخية واقعية تحكي بطولة زعيم شعبي معروف بالجنوب الشرقي الجزائري، يقف في مواجهة السلطات الاستعمارية، مطالبا بحقوق الأهالي في الحياة والعيش والكرامة الإنسانية، ورد في الصفحة الأخيرة من الكتاب وعلى لسان الناشر:((..هذه الملحمة صفحات مضيئة من جهاد البطل الهاشمي الشريف.. فهي تصوير حي لمواقف الجهاد والبطولة ضد الغزو الفرنسي.. وجميع أحداثها حقيقية حتى أسماء شخوصها وأماكن وقائعها وزمان أحداثها كلها مسنودة بالوثائق التاريخية، لقد قام المؤلف الدكتور حسان الجيلاني بالبحث التاريخي أولا ثم طوره في هذا العمل الملحمي) فهي إذن قصة ملحمية تحكي مقاومة شعبية تحت زعامة الشيخ الهاشمي الشريف(1853-1923) وهو البطل الذي واجه السلطة الاستعمارية "بمنطقة سوف" وكانت له مع الحاكم العسكري آنذاك (بواز) انتفاضة شعبية تاريخية معروفة، دونها شاعر الثورة الجزائرية في((إلياذة الجزائر))
وضرغامـها الهاشمي الشريف ** يذيق " بواز " العذاب المهيـن.....
وكم كان سوف لضم الصفوف ** وجمع الشتات الحريص الأمين....
 لقد كانت هذه الانتفاضة جزءا من الحراك الشعبي الكبير الذي شهدته المنطقة تحت زعامة هذا الشيخ الجليل، والذي اعترف له الشيخ "عبد الحميد بن باديس" بعلو الهمة ووسع الحيلة إضافة إلى الفكر الثاقب والانحياز إلى العلم والمعرفة (ص03)
      ولعل الكاتب حسان الجيلاني يكون قد اتكأ على هذا الجانب، خاصة أن أخبار بطولات "الشيخ الهاشمي الشريف" معروفة ومتداولة شعبيا، وما كتب عنه من أشعار وما تردد من أخباره وزاد ثقافي شعبي لازال بعضه يتردد في الأوساط الشعبية، وخاصة بين التابعين للطريقة الصوفية القادرية التي يرأسها الشيخ منذ أن أسسها بالمنطقة. وهو ما يفسر أيضا اعتماد الكاتب على العديد من الأشعار الشعبية المتداولة حول "الشيخ الهاشمي" وبطولاته وقد جاءت متعددة في نص الملحة.
      لقد اعتمد الكاتب على هذا الجانب إضافة إلى اعتماده على الوثائق التاريخية التي جمعها ليصوغ لنا سرديته هذه على شكل فن ملحمي معتمدا على الصراع النضالي وانتفاضة الأهالي والمواجهة المباشرة- أحيانا- مع السلطة الاستعمارية، وما يترتب على ذلك من سقوط للضحايا نتيجة الالتحام مع العدو. كما لم توظف الأشعار الشعبية كجزء من الحوار أو الأحداث بل وظفت كخلفية فنية تدعم المعنى وتضفي عليه صبغة الواقعية؛ على اعتبار أن الشعراء وشعرهم الموظف هما بالفعل واقع حقيق يزامن الشيخ الهاشمي وصاحب بطولاته، وما يؤكد واقعية هذه الملحمة هو ما كتبه الشيخ الإمام عبد الحميد بن باديس في جريد ة البصائر(ص 03)

 4 ـــ رواية : مراهق في الصحراء.
       هي آخر الأعمال السردية للكاتب حسان الجيلاني، وهي قصة طويلة أو رواية قصيرة من الحجم المتوسط تقع في:(104) صفحات طبعت سنة(2012). ويمكن تصنيف هذه الرواية على أنها من أدب الشباب، لا لكونها موجهة للشباب فحسب بل لأنها تحمل هموم الشباب وأحلامهم، وتعالج يومياتهم وانشغالاتهم في فترة تاريخية ما، تؤطرها زمنيا فترة ما بعد الاستقلال، ومكانيا مدينة "الوادي" بالجنوب الجزائري.
        تدور أحداث رواية "مراهق في الصحراء" في مدينة "وادي سوف" بالجنوب الشرقي؛ وهي من الواحات الصحراوية المعروفة بكثبانها الرملية المتحركة بفعل رياحها الموسمية، كما تعرف باشتداد حرارتها في فصل الصيف. يعتمد سكانها المعروفــون بتسمية السوافة (جمع مفرد سوفي) في حياتهم على زراعة النخيل، وكذا التبادل التجاري بحكم موقعها الجغرافي الذي يتوسط ثلاث دول مغاربية، أما المحيط الزمني للرواية فقد حددته أحداثها السردية بنهاية الستينات أو بداية سبعينات القرن الماضي. وفي هذا الفضاء الجغرافي والزمني تدور أحلام شباب "سوف" الشباب المتطلع إلى حلم تغيير واقعه الاجتماعي والمادي.

5 ـــ مسرحية : المحقور.
        مسرحية المحقور لحسان الجيلاني هي "مسرحية مستوحاة من التراث الشعبي الجزائري" هكذا ورد تعريفها على غلاف الكتاب، وهي في حقيقتها عبارة على حكاية شعبية صاغها الكاتب في قالب مسرحي، تناول فيها الحكاية المعروفة بـ:( النص أو نص النص أو النصيص)إذ تختلف التسمية من منطقة إلى أخرى، مع العلم بأن حدود انتشار هذه الحكاية يمتد حتى المشرق العربي، مع اختلاف جوهري في الأحداث والشخصيات، فهي فقط تلتقي في شخصية البطل ومآله في آخر الحكاية، البطل الذي هو (النص أو نص النصيص) أي نصف رجل؛ ويقصد به أنه عادة ما يكون هزيلا وقصير القامة، لذا غالبا ما يكون محتقرا من طرف الآخرين؛ بسبب بنيته الجسدية الضعيفة، إلا أن أحداث الحكاية تنتصر له في الأخير، إذ يوفق في القيام بالأعمال الكبيرة التي لا يستطيع الرجال الأشداء القيام بها، ويجازى عن ذلك في آخر الحكاية.


حسان الجيلاني في مرآة الناقد شرادة الجيلاني
      يرى المؤلف أن ما يلفت الانتباه في مسيرة الدكتور حسان الجيلاني الأدبية التنوّع في الأجناس؛ بحيث غطّى أدبه أهمّ الأجناس الأدبية المعروفة كالقصة القصيرة، والرواية، والملحمة، والمسرحية.
         مؤلف الكتاب شرادة الجيلاني طالما أنه يركّز في كتابه هذا على السرديات الفنية للدكتور حسن الجيلاني ؛ فإنه يتناولها من جانبيْن هما: أ ــ التيمات والمناهل . ب ــ القالب والأسلوب.
أ ــ التيمات والمناهل: القارئ لأدب حسان الجيلاني حسب رؤية المؤلف يدرك دون عناء تجذّر ثقافته، وارتباط أدبه ببيئته، وأصالة انتمائه، إذ هو ابن الجزائر، وابن جنوبها الصحراوي؛ فالموروث الشعبي الجزائري، والمحلّي السوفي حاضرٌ في أغلب نماذج سردياته.
       كما قد يمزج الكاتب حسان بين السند التاريخي، والتيمات الشعبية من خلال توظيف التاريخ والتراث المحلييْن. ولا يعني هذا أن سرديات حسان الجيلاني تتوقف هنا؛ بل هي متماهية دائما مع المواضيع العامة للقصة الجزائرية القصيرة منها والطويلة.
بـ : القالب والأسلوب: القوالب الفنية في قصص حسان غير مستقرّة على شكْلٍ بعينه، إذ صبغة التجريب المتواصل هي الصبغة الثابتة لديه، وكأنّ المواضيع هي التي تتحكّم في نوع القالب، ولا ينطلق الكاتب من مخطّطٍ مسبقٍ، كما لم يتقيّد بقالب موحّدٍ.
       أمّا الأسلوب اللغوي يتّسم بفصاحة اللفظ، وإشراق العبارة، ومرونة التعبير، فالأسلوب لدى الكاتب حسّان الجيلاني مرنٌ وطيِّعٌ ينساب متدفّقًا واصفًا المشهد الدرامي بشكل يجذب القارئ.

القصة الجزائرية الحديثة
      في الجزء الأخير من الكتاب يتوقف المرحوم شرادة الجيلاني عند آفاق القصة الجزائرية الحديثة، حيث يرى أن هذا الجنس الأدبي اتخذ منعطفا جديدا منذ فترة التسعينيات من القرن الماضي سواء في المضامين، أو الأساليب الفنية، أو تحوّل العديد من المبدعين إلى جنس الرواية.. هذا الانعطاف لم ترافقه حركة نقدية أكاديمية موازية.
      مما لاشك فيه أن هناك مسارا جديدا؛ بل ومنعطفا فنيا اتخذته القصة الجزائرية منذ فترة التسعينيات من القرن الماضي، وبدا جليا في إبداعات القرن الحالي، وكان هذا المنعطف مفصليا ومؤثرا على الجوانب الفنية للقصة، خاصة القصة القصيرة، إذ أن الأمر ليس بالحدة نفسها عندما نعرض لتطور فن الرواية، نظرا لكون هذا الفن قد سار على المنهج الفني للرواية العربية في المشرق عموما، بعدما أصبحت الرواية العربية نموذجا ناجحا، خاصة بعد تحصلها على أهم الجوائز الأدبية المعروفة عالميا. وهو ما يفسر التصنيفات المتقدمة للرواية الجزائرية ضمن الجوائز الأدبية العربية. هذا على العموم.
       وأخيرا نؤكد ( القول للأستاذ شرادة ) بأن القصة القصيرة على الخصوص والرواية الجديدة على العموم، وكل الفنون القصصية الجزائرية بجميع أجناسها، والتي تمّ انجازها في العقدين الماضيين؛ تحتاج إلى وقفة متأنية ودراسة متخصصة، يتقصّي الباحث فيها أهم خصائصها، ويقف عند مجمل فنياتها، مثلما يبحث في روافدها ومؤثراتها، ثم يتبع توجهها ومستقبلها الفني داخل دائرة القصة العربية، ثم دائرة الآداب العالمية المعاصرة عموما، خاصة وان مجال التأثير والتأثر أصبح متقاربا، بل متاحا ومتواصلا على امتداد خارطة الإبداع الأدبي العالمي. لنخرج في الأخير بخلاصة نقدية ودراسية استنتاجية واضحة؛ نحدد فيها المعالم الفنية لفننا الكتابي والسردي بالخصوص، تكون آليات الكتابة فيه واضحة ووسائل نقده معلومة، وتصبح غربلته وتصنيفه ممكنة ومتاحة، ويأخذ بذلك كل فن مساحته وكل كاتب تصنيفه الفني العادل.
      المرحوم الأستاذ شرادة الجيلاني نوى أن يؤسس مشروعا يتمثّل في إعداد سلسلة نقدية يتناول بمقتضاها في كل مرّة أديبا جزائريا، سيّما من المشتغلين على السّرد والذين لهم مسارٌ معتبر في الأدب الجزائري الحديث، فكانت بداية السلسلة مع الأديب الدكتور حسان الجيلاني، به البداية وإليه النهاية، ليتوفّاه الله ..رحم الله فقيدنا، وغفر له، وجزاه الله الجزاء الحسن لِما قدّمه للأجيال وهو رجل التربية والتعليم؛ كما هو المبدع القاص، ثم الناقد المدافع عن لغة الضّاد.



  الغزو الفكري وهْمٌ أم حقيقة كتب: بشير خلف       حينما أصدر المفكر الإسلامي، المصري، والمؤلف، والمحقق، وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأ...