من المثقف العضوي إلى المثقف الفيسبوكي
مقالي الصادر بيومية
بـ " ديوان الحياة " الموسوم ( من المثقف العضوي إلى المثقف الفيسبوكي)
الذي يشرف عليه الكاتب الروائي والإعلامي الخيّر شوّار، بتاريخ 15/04/2015 بعنوان:
بدائل معاصرة تُطيح بالمثقف
التقليدي من عليائه
كلما وقع المجتمع في مأزق، أو ألمَّ به خطْبٌ ما، أو واجه معضلة تاريخية تساءل
أفراده عن المثقف، أين هو؟. لماذا هو صامت ؟. ويُسهَــبُ في الحديث عن وظيفته، وأي
دور يمكن أن يؤديه ؟. وأحسب، بدءاً، أننا نُحمِّل المثقف ما لا طاقة له به، ونفترض
أنه يمتلك عصا سحرية، بها يستطيع أن يغير من اتجاه ما يحصل، وكأن المثقف ليس جزءاً
من المجتمع بما يشوبه من أزمات، وهو القادر على إخراج الجميع من المآزق التي لم، ولن
تنتهي؛ وننسى أو نتناسى أنّ هناك بدائل أخرى أقوى من المثقف اكتسحت حياتنا، ودفعت به
إلى الصفوف الخلفية .
توجد في كل مجتمع شريحة اجتماعية متميزة عن باقي شرائح المجتمع، تكون مؤهلة
للتأثير في ذلك المجتمع سلباً وإيجاباً وتأخذ مواقع ريادية في رسْم هوية وشخصية ذلك
المجتمع.
كما تتحمل هذه الشريحة مسؤولية كبيرة في تحديد
اتجاه تكامل هذا المجتمع نحو الرشد والنضوج في جميع مجالات حياته من خلال بثّ الوعي
داخل صفوف المجتمع، وممارسة النقد البناء والإيجابي للأفكار، والقيم، والاتجاهات الاجتماعية،
والسياسية، والثقافية، وغيرها وتبنّي قضاياه وتحديد اولوياته. هذه النخبة ليست المثقف
وحده؛ بل هناك نُخب كثيرة : عسكرية، سياسية، اقتصادية، سياسية، صحية، أكاديمية جامعية،
مجتمع مدني، دينية، ثقافية،...
وقد نستأنس بتعريف للمثقف أورده الفيلسوف الأمريكي الراحل إدوارد شيلر بقوله
: " المثقفون هم قطاع من بين المتعلمين يسعون إلى صياغة ضمير مجتمعهم ليتجه اتجاها
راشدا، ويؤثرون على القرارات الكبرى لهذا المجتمع ."
السؤال الجدير بالطرح هنا، هل هذه النخبة بإمكانها أن تؤدي أدوارها التوجيهية
والتنويرية وفْق المواصفات السالفة الذكر في عالم متغيّر، متعدّد مصادر المعرفة، وزاخر
بنتاجات التكنولوجية الحديثة التي سهّلت الحصول على اصناف المعرفة بيُسْرٍ، وبلمسة
زرٍّ. لا ننس أيضًا مراكز القوى الاقتصادية والمالية التي تتحكّم في القرار السياسي،
والاقتصادي، والاجتماعي، وتوجّه الإعلام بكل مكوّناته نحو خياراتها الممنهجة.
علينا أن نُــقــرّ أن دور المثقف قد بهُت
في هذا العصر الذي يشهد تراجعا لإسهامات المثقفين، أو النخبة في تنمية المجتمع، وغياب
تأثيرهم الاجتماعي والثقافي في حركة الواقع المجتمعي، فلم يعودوا قادة الرأي العام،
ولا هم بالاستشرافيين للمستقبل القادم، فقد رحلت تلك الأوهام حين كانوا ينظرون لعطائهم
بوصفه إنارة للطريق ومنقذا للخروج من التيه الذي قد يحلّ بالمجتمع.
بكل مرارة منْ نصفهم بالنخبة ليس لهم حضور بارز في تحريك مجريات الأمور كما
كانوا في السابق إبّـــان التحولات المجتمعية والفكرية بل أنهم مثلهم مثل سائر الفئات
الاجتماعية.
عالمنا العربي والجزائري يمور بالأحداث اليومية
لا أثر لنخبنا المثقفة حتى وهي في مواقع الأحداث للمساهمة في إطفاء نار الفتن، بل العجز
حتى في إصدار بيان.. ناهيك عن التواجد والتأثير في التجمعات أو الملتقيات الوطنية والدولية
في قضايا المال، والاقتصاد، والتربية، والصحة، والبيئة، والسياحة، وغيرها. حتى جامعاتنا
منكفئة على نفسها ومعزولة عن المجتمع، لا أساتذتها ــــ إلاّ القلّة ــــ ولا طُلاّبها
المتخرّجون لهم الرغبة في المساهمة في التأثير في المجتمع، أو حتّى التعبير عن رأي
النُّخب الأكاديمية الجامعية فيما يجري محليا، وطنيا، عربيا .
لا أحسب أن المثقف الذي يُــدلي بآرائه، وتعليقاته حول بعض قضايا الساعة في
الطّلاّت الفيسبوكية، أو التويترية، أو اليوتوبية ينتج معرفة، هي فحسب تنفيسٌ عن الذات،
وتواصلٌ افتراضي مع الغــير.
في تقديري الشخصي طالما أنّ محنة المثقف في
عالمنا المعاصر هي نتيجة عدة عوامل مؤثرة بعضها من صنعه، وأغلبها ناتجة عن ظروف موضوعية
تتجاوزه فإني أقــــرّ أن المثقف الحقيقي عليه أن لا يرفع راية الاستسلام، وذلك أوّلاً
بالكتابة والتأليف في حقول المعرفة وفق اختصاصه، والاّ ينتظر الجزاء المادي الآني ؛
وألاّ يتردد في الانخراط في الشأن العام، وألاّ يكون بعيدا ومعزولاً عن الحراك الاجتماعي.
إذْ لم تعد النخب والأحزاب هي التي تصنع العالم، بل تصنعه الشاشات، ووسائل الإعلام،
وثقافة الصورة، وأسواق السلع، وأسعار البورصة وآليات الربح، وأبطال الفرق الرياضية،
ومافيات الضغط.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للتعليق، أو الإثراء ..اضغط على رابط( ليست هناك تعليقات).دوّنْ تعليقك داخل الكستطيل وارسلْه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق