رواية قلب الإسباني
بقلم: بشير خلف
انتهيت ليلة البارحة من قراءة رواية" قلب الإسباني" ،للكاتبة
الروائية، والإعلامية النشطة بإذاعة بشار السيدة جميلة طلباوي. رواية صدرت سنة
2018 عن دار الوطن لصاحبها الكاتب الروائي، كمال قرور.رواية من الحجم المتوسط
13/20 سم. تقع في 199 صفحة. عُرضت الرواية في البدء في معرض الكتاب السنوي
بالعاصمة سيلا. علمًا أن هذه الرواية حصدت جائزة الرواية للغة العربية في
جائزة" يمينة مشاكرة الأدبية" في
دورتها الأولى.
الجائزة تأسست في سبتمبر 2018 في
إطار اللقاءات السنوية الآفرومتوسطية الأولى للكاتبات الشابات Ramaje، بهدف تتويج الأعمال الأدبية الجزائرية في
اللغات العربية والفرنسية والأمازيغية، وذلك تكريماً ليمينة مشاكرة الأديبة
والنفسانية الراحلة (1949-2013) صاحبة “المغارة المتفجرة” (1979) و”أريس”
(1999). وهي بتمويل من وزارة الثقافة وموجهة بالأساس لتشجيع النساء على الكتابة.
قرأتُ الرواية بتمعّنٍ، وتروٍّ في جلسات
ثلاث، رواية سحرتني، وجذبتني؛ بل جرّتني إلى شراكها، ولم أستطع التخلّص منها حتى
بعد أن فرغت من قراءتها. نصٌّ ليس كما عوّدتنا النصوص النسائية التي لا تخرج عن
الذاتية النسوية، وعالم تشكيها من السيطرة، والقيود الذكورية، وثقافة التشكّي. نصك
هو نص إمكانية التعايش بين الغرب، والعرب، وخاصة ما بين المغرب العربي، وإسبانيا
..تاريخ توشح ذات قرون بالحضارة التي أنارت الأندلس، ومنها انتقلت إلى أوروبا، ثم
كانت الانتكاسة التي كان ضحيتها العرب واليهود؛ كما بقيت أعمدة البهاء، والفن والجمال العمراني، وفن
التعامل، وآداب السلوك عوامل شاهدة على تلك الحضارة؛ في روايتك تغلغلت بمهارة في
هذه المعالم الخالدة، وغصت في إشكالية " التعايش" من خلال الشاب "
عبد النور" و " صوفيا" الإسبانية، عبد النور الذي حلم بالتعايش
والانصهار في جسد أوروبا، وتنقذه " صوفيا" من الموت، بزرع قلب إسباني.
تعايش كان هشًّا، إذ تخلت عنه الحبيبة صوفيا؛ بل بلّغت به السّلط الأمنية،
وتُلصق به تهمة الإرهاب، حلّ بإسبانيا سليمًا معافى، وعاد مختارا إلى بلده مريضًا:
" يرتمي أيوب( الأخ) على جسد ( عبد النور) ..ملغوم بالغرغرينة، جسد عربي بقلب
أوروبي، جسدٌ يختصر عالميْن ، جسدٌ يحبّه بعاهته، بعيوبه، بأمراضه، ...".."
اللقاء الصادم بصوفيا أفرغ أيوب من كل أملٍ يمكن أن يدفعه دفعًا إلى الأمام، شعر
بشيء يجذبه نحو الخلف.."
الرواية تطرح إمكانية التعايش مع الغرب؛ بل ضرورته في عالم انتفت فيه
الحدود، وصار السبْقُ فيه للاقتصاد بكل مكوّناته، والتكنولوجيا، ولم لا الانصهار
إن تمّ تجاوز ما يعترض ذلك.
النصّ الروائي" قلب الإسباني ينطلق من بيئة مغاربية ثرية بالهوّيّة
الموغلة في التجذّر التاريخي لجنوب الصحراء الجزائرية الغربية، كما الموروث
التاريخي، والأنتروبوجي بزخمه، وتشبّع
إنسانه، وتمثّله في حياته، وعلاقاته، وعيشه، وتعايشه مع محيطه القريب،
والبعيد:".. " أمّأ ستّي"كانت فتحت فم القربة المعلقة على حاملها
من ثلاث قوائم معدنية، تسمّيه " الحمّارة" كانت رائحة القطران تفوح منها.."،
.." هذا النوع من التويزة يتيح للأمهات اختيار زوجات شابات لأبنائهن، فترى
البنات يجتهدن ، ويعملن بتفانٍ لعلّ الواحدة منهن تنال إعجاب إحدى الأمهات،
فتقترحها عروسًا لابنها."
لئن كانت الشخصيتان الرئيستان أيوب، وعبد النور الأيقونتان في النص
الروائي؛ إلّا أن الشخصيات الأخرى أثثت النصّ وأغنته من خلال التكامل المكاني
والزماني، كما أن الغوص المكاني المحلي للبيئة الصحراوية، والفضاء المكاني في
مدريد الإسبانية أعطيا متعة، وألقا للسرد الحكائي.
تحدثت جميلة عن مدينة مدريد، واصفة بعض ميادينها وساحاتها، ومعالمها،
وأندلسها الضائع وكأنها مع أيوب، أو عبد النور." كان يحلم بزيارة مدينة
ماربيا السياحية، وجهة اثرياء العرب.كان السفر إلى إسبانيا هاجسه، ومنذ أن حقّق
حلمه بالسفر إليها، وهو لا يكفّ عن الحديث عن فتنتها، وجمالها كلّما هاتفه هاتف
أهله، أو أحد الجيران.
لغة ساحرة جميلة، انسيابية، شاعرية
تأخذك إلى عمق النص الحكائي، تحتضنك بعبق أريجها" ..عاري الصدر بلا سلاح وجد
أيوب نفسه وجها لوجه مع حرب أعلنتها عليه الحياة، ضرب رأسه على الجدار مرّة أخرى
حتى تألم..".. و" ...تلك اللحظة المنفية من ذاكرته أن يستشعر أنفاس
الفجر التي كانت تتداخل مع رائحة رطوبة
التربة الندية بغيثٍ أغدقت به السماء على هذه الأرض المتعبة، تنقر قطراته زجاج
الغرفة الخافت نورها، يرتبك سعف النخلة الملتصقة بجدار البيت المسكون بأشباح خوفٍ،
أسقطته أرضًا، غارقا في عرقه، وهلعه ..."
نصٌّ جميل ينضاف إلى مسار جميلة طلباوي الإبداعي المتشح بالإبداعية والجمال
الفنّي.