الخميس، 16 يونيو 2022

قراءات في الخطاب الاستشراقي

كتابٌٌ جماعيٌّ صدر حديثًا

بشير خلف

       من أحْسن مَــنْ كتبوا عن الاستشراق المرحوم، المفكّر، الباحث إدوارد سعيد؛ فبالنسبة إليه: الاستشراق مشروعٌ ناجحٌ للغرب، والخاسرُ فيه هو الشرق، ثم إنه لا مكانَ فيه للعمل الفردي، إنه عملٌ جماعيٌّ يمتلك هُــوية حقيقية، تراكمية، وجماعية غربية؛ وبالتالي فهو نوعٌ من المعرفة التي لها منهجٌ مُعـــيّـنٌ، ومدرسةٌ للتحليل، والتفسير، مجالُها الشرق بكل مُكوناته.

      إضافة الى ذلك، ورغم أن هناك استشراقًا إيجابيًّا، يتمثل في: أن المستشرقَ جمع المخطوطات، ورتّـبها، وبوّبها، وحفظها في المكتبات الغربية؛ فحقَّـــق، وترجم، وأنشأ المعاجم، والفهارس، وسهّل تقنية البحث العلمي؛ إلّا أن ادوارد سعيد خلُص إلى أنه لا يوجد ما يُـــسمّى " الاستشراق الموضوعي"، أو الإيجابي؛ لأن كل ما يُفعلُ، وكل ما يقال عن أنه (موضوعي) له ارتباطٌ بالمصلحة فقط، وبالتالي فالاستشراق هو " إيديولوجيا غربية".

     منذ أن ظهر الاستشراق كمُرافق معرفي، فكري للحملات الاستعمارية الغربية للبلاد العربية، والإسلامية لم تتوقّف،؛ بل لم تهدأ إلى يوم الناس هذا البحوث، والكتابات شرْقًا، وغرْبًا؛ كما الملتقيات، والندوات، واللقاءات عن الاستشراق ما له، وما عليه.. كما تراكمت التآليف، والكتابات من المتخصّصين، والباحثين في مثل هكذا قضايا معرفية خاصّة في العالمين العربي، والإسلامي؛ بل موضوع الاستشراق خاض كتابة فيه الكُتّاب المثقفون غيرُ الأكاديميين، كما الإعلاميون لأهميّته المعرفية، وخطورته لارتباطه بهوّيّة الإنسان المسلم، وما يحيط به من تقلّبات جيوسياسية متسارعة، وتقلّبات في كلّ المجالات المرتبطة بكينونة الإنسان الحياتية.

 قراءاتٌ في الخطاب الاستشراقي   

      من هذه الكتابات الحديثة صُدور كتابٍ بعنوان: (قراءات في الخطاب الاستشراقي من خلال نماذج).. إعداد مجموعة من الباحثين، والباحثات يدرّسون في جامعتيْن جزائريتيْن.. إشراف، وتأطير الدكتورة دلال وشّن أستاذة بجامعة حمّ لخضر بالوادي، جمْع وتنسيق الدكتورة أمينة، بجامعة جيجل.  مراجعة وتدقيق: الدكتورة مباركة عماري، الدكتورة صبرينة خلفاوي.

      الكتاب من الحجم الكبير ذو 232 صفحة، صدر أخيرا عن دار سامي للطباعة والنشر والتوزيع بالوادي لصاحبها: رضا درّاجي تضمّنت الصفحات: في البداية الديباجة، وفي نهاية الكتاب: فهرس الأعلام، فهرس المصطلحات.. تضمّنتْ: 12 بحْثًا مطوّلا، وموثّـقًا لعشرِ باحثات، وباحثيْن إثنيْن الكلّ يُدرّس في جامعتي: حمّ لخضر بالوادي، جيجل.

 من عناوين البحوث:

1 ــــ الأدب العربي في ضوْء الدراسات الاستشراقية 2 ـــ أحكام المستشرقين على الصناعة المعجمية العربية التراثية 3 ـــ الاستشراق: كتابٌ في المنهج.. مقاربة في كتاب: الاستشراق لــ " إدوارد سعيد".4 ــــ الأندلس في كتابات ليفي بروفنسال.5 ـــ  تأثير المستشرقين في آراء طه حسين.  

      ممّا جاء في صفحة الغلاف الخلفية كمُحفِّزٍ للقارئ المتلقّي كي يتفاعل مع مضمون الكتاب:

«يُعدُّ موضوع الاستشراق من المواضيع المُهِمّة التي لا تزال تعالجُ من الإشكالات الفكرية، الحضارية، المُثيرة للجدل؛ إذْ غالبًا ما يرتبط الخطاب الاستشراقي بالأحداث التاريخية الكبرى التي عصفتْ بالأمة العربية أيْن يُسْتحْضرُ فيه كيفية مواكبة هذا الخطاب التوسُّعي، الشرس للاستعمار الإمبريالي في الوطن العربي.

  خلّف هذا الأمرُ ثراءً كبيرًا في الكتابة في هذا الموضوع الحضاري، ممّا يجعلُنا نُدقّـِقُ النظر في ذلك؛ كما تجعلنا غزارة كتابات المستشرقين في الثقافة العربية نقف بتأنٍّ أمام هذه المادّة الضّخْمة الدّسمة التي أصبحتْ تُوازي القراءات الحديثة للتراث العربي، وتفوقها أحْيانًا، ويعود ذلك إلى الإمكانيات الضّخمة المُسخّرة من طرف هذه الدُّولِ كالتكوين العلميِّ المُمَنْهَجِ للمستشرق.»

      بحوث الكتاب قيّمة تساهم في النقاشات، والبحوث التي تواصلت، وتتواصل عن الاستشراق الذي قام به، ومنهج له الغربيون لاستهداف العالم العربي، والإسلامي، وسيبقى النقاش تارات هادئا، وتارات محْتدمًا، عمّا للاستشراق، وما عليه:

 ما عليه:

     لقد خدم الاستشراق الأهداف السياسية التوسعية للدول الغربية فقد سار المستشرقون في ركاب الاحتلال، فـقدموا معلومات موسعة ومفصلة عن الدول التي حرصت الدول الغربية على استعمـارها، والاستيلاء على ثرواتها، وخيراتها.

       ومن أبرز أهداف الاستشراق نشْــرُ الثقافة الغربية انطلاقاً من النظرة الاستعلائية التي نظر، ولا ينظر بها إلى الشعوب الأخرى. ومن أبرز المجالات الثقافية نشْرُ اللغات الأوروبية، ومحاربة اللغة العربية. وصبْغ البلاد العربية والإسلامية بالطابع الثقافي الغربي.

 ما له:

      كما أنّ للمستشرقين فضلا كبيرا في إخراج الكثير من كُـتب التراث، ونشرها محققة مفهرسة مبوبة، حيث أن أغلبيتهم يملكون منهجية علمية أعانتهم،  وتعينهم على البحث، وصبْرا، ودأْبًا في التحقيق، والتمحيص، وتتبع المسائل الفكرية التاريخية، والتراثية.

     ما على النُّخب الفكرية العربية، والمسلمة إلّا أن تلتقط الخير من مؤلفاتهم متنبهين إلى مواطن الدسّ، والتحريف ليتجنبوها، أو ليكشفوها، أو ليردّوا عليها؛ لأن الحكمة ضالّة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها.

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...