السيرة الذاتيّة ..بين الشفافية والتعتيم
كتب: بشير خلف
إن أهمّ ما في السيرة الذاتية أنها ترسم حياة
صاحبها، وتُكتب لِـيعْـرِفَ بها الإنسانُ نفسَه، ويزداد منها قربًا؛ ويعرضها على
القرّاء من زاوية نظره هو، ويـحاول في عرْضه أن يكون أمينًا صادقا، ويتجرّد ما
أمكن من العاطفة التي تشدّه؛ لأن ما نُسمّيه بـ"الأنا" ليس شيئا واحدا؛
بل متعددًا، ليس كلاًّ منسجمًا، متجانسًا، "الأنا" متغيّرة تبعًا
للمتغيّرات الـمُختلفة التي تطرأ على الفرد جسدا، أو نفسا، أو فكرا، أو ثقافة، أو
اجتماعا، أو معيشة.
السيرة
الذاتية بوعي كاتبها وتوخّيه محاولة تعبير صادق تكشف عن تـمفصلات مهمّة في مسار
هذا الكاتب، أو ذاك، عن فترة، أو فترات من حياته الفكرية، ومسارات قلمه، أو الظروف
التي رافقته إيجابًا، أو سلبًا وساعدته في مسيرته على أن يتبوّأ مكانه ككاتب، أو
مبدعٍ، أو تغطيةٍ لِـمساره الأدبي والفكري إلى حين تقاعده الإبداعي، وإنْ كنتُ أستبعد
أن يتقاعد المبدع، أو الكاتب الحقّ.
ولعلّ التساؤل الذي قد يردُ إلى ذهْنِ القارئ: هل السّيرة الذاتية يـحكي
فيها صاحبها عمّا مارسه في حياته في كلّ أطوارها من جميلٍ وقبيحٍ، عمّا هو إثْمٌ
وما هو غير ذلك، عمّا هو مُباحٌ شرْعًا، وما هو مُحرّمٌ، عمّا هو مُمارسٌ
اجتماعيا، ومرفوضٌ أخْلاقيا؛ باعتباره عضوًا من الجماعة، وباعتباره فرْدًا له
غرائزه، ونزعاته الخاصّة، وضُعْفه البشريُّ تُجاه الغِواية.
رأيي الشخصي، كما هو أيضًا ردٌّ عن التّساؤلِ، الذي فحواه:( كي تكون السيرة
صادقة، على كاتبها أن يدوّن بها المدنّس، مثلنا يدوّن المقدّس، كما في الآداب
الغربية).
الاعتراف مـمنوعٌ حتى إشعار آخر، هذا الإشْعارُ
قد يطول موْعِدُهُ، وقد يقصر سيّما في عالمنا العربي؛ ذلكم أنّ الاعتراف بالمفهوم
الغربي الذي بدأه الفيلسوف الفرنسي "جان جاك روسو " كأدبٍ للاعتراف أنْ
يكون بطعْمٍ عربي، وجزائريٍّ خاصّة اليوم، يقتضي من صاحب السِّيرة ذلك الفعل
الجريء، ولحظات من التردد والارتباك والحيرة، ترتعد فيها الأصابع وهي تـخطُّ
الـُجمل الأولى في رحلة استكشاف حقيقة الذات التي يُـراد لها أن تتعرّى أمام
الآخر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق