الجمعة، 25 أبريل 2025

 

               رواية" طلاق عاطفيٌّ"

 قراءة وعرْض بشير خلف

    الطلاق العاطفي: هو هجْـرُ الزوج لزوجته سواء كان هجرًا في العلاقة العاطفية أم هجرًا في المحادثة، وفقدان المودة، والسكن النفسي بين الزوجين مع قيام الزوج بالحقوق الزوجية الأخرى كالنفقة وتأمين السكن بحيث يظهر للناس استقامة العلاقة الزوجية ولكن في الواقع هما على خلاف.

 


رواية" طلاق عاطف

الإعلامي الكبير، والدكتور الأكاديمي القدير قعيد خليفة بحكم ثقافته الواسعة، واطلاعه على ثقافات عديد الشعوب، وهو يجيد اللغتين العربية والفرنسية، وغوْصهُ في تمفصلات حيوات الجزائريين والجزائريات، مكّنته من معرفة الكثير، الكثير عن ظاهرة " الطلاق العاطفي" المتفشّية في كل شعوب الأرض قديمًا، وحديثًا، تزيد، أو تنقص عند هذا الشعب، أو ذاك.

    الرواية من الحجم المتوسط، في 264 صفحة، في خمسة فصول،وكلّ فصل إلى أجزاء. صدرت عن دار هيبوجوريوس بعنابة في السداسي الثاني سنة 2024.

   العنوان: "طلاق عاطفي"

عتبة العنوان: تطرح أكثر من دلالة، فلو اكتفى المؤلف بـ (الطلاق العاطفي)، لفهم القارئ أن الطلاق العاطفي في حياة البشر واحدٌ، وكلّما وُجدت أسبابه يحصل، فالمؤلف يُـشعِـرُنا بأن النص الروائي الذي بين أيدينا يتحدّث عن طلاق عاطفي من بين آلاف الطلاقات العاطفية.

  الإهداء

 المؤلف بواسطة الإهداء يضع بين أيدينا مفاتيح الدخول إلى نصّ الرواية.

ـــ هل أنتما حبيبان، أم عشيقان، أم متساكنان تحت سقفٍ واحد، وحسب؟

ـــ هل أنت بعْـلٌ، أم زوْجٌ ؟

ـــ هل أنت امرأةٌ أم زوجةٌ ؟

ـــ إلى كل امرأة لها بعْلٌ وتريد تحديث نفسها لتتجنّب الوقوع في الهاوية، للوصول إلى نسختها الجديدة لتصبح زوجة لزوج بالتمام، والكمال.

ـــ إلى كل زوج نجح بالحبّ، والثقافة في تحديث نفسه، والتخلّص من  البعولة حتى يعيش كل يوم مع زوجته بنسخته الجديدة.

ـــ إلى كل زوجة نجحت بالحب والثقافة في تحديث نفسها لتعيش كل يوم مع زوجها بنسختها الجديدة..

          أُهدي هذه الرواية.. 

  النصّ الروائي الذي بين أيدينا نصٌّ ثريٌّ بالأحداث، والمواقف، والأفكار الفردية، والجماعية، والظواهر الاجتماعية، والنفسية، والاقتصادية، مُشكِّلة سلوكات منها ما هو غريب، ومنها ما هو دراميتيكي من شخوصٍ عاديين من الطبقة المتوسطة بالمجتمع الجزائري،

       الرواية تطرح قضايا عدّة في عالم معاصر، متسارع، تكتنف التغيرات والتغييرات في كل المجالات، منها:

     ـــ تطلُّعُ الطبقة المتوسّطة إلى مستوى أعلى من المعيشة، والكسب المادّي للعيش من المنزل اللائق، المؤثث بكل ما تستلزمه الحياة المعاصرة، وامتلاك السيارة، والغذاء الجيد الصحي، مع التنشئة السليمة للأبناء، وتوفير ما تستلزمه هذه التربية تأثُّرًا بما في الحياة العاصرة .

ـــ شخوص الرواية عديدون؛ لكن الشخصيتين الرئيستين في الرواية هما:( لدهم.. لويزة).

    لدْهم، الزوج أستاذ في التربية، منضبط سلوكيا، ملتزم قـيْميا، محترم اجتماعيا، يتصرّف وفق حالته المادية، ولا يهفو إلى ما أعلى؛ عكس زوجته لويزة الماكثةٌ بالبيت، صديقاتها الكثيرات تستقبلهن بمنزلها، وتكرمهن، كما أنها معهن يوميا في أفراح، وأعراس، متخلية عن زوجها، وأبنائها.

     منجذبة إلى جارتها كريمة الأرملة التي انخرطت في بزنسة بيع اللباس النسوي،الراقي، وظاهرة الربح بدأت تظهر عليها، فجرّت لويزة معها  دون علم زوجها لدهم، انغمست بدورها وبدأ زوجها لدهم يشاهد لباسها الرّاقي، والحُلي التي لم يرها، ولم يشترها لها في العرس، صارت تتهرّب منه، ومن الجلوس معه، والحديث معه، والنوم مع الأبناء، فراوده الشكّ، حتى أنه وظّف وسائل التواصل الاجتماعي، بل طلب صداقتها باسم آخر.

    ورّطتها جارتها كريمة في مرافقتها عديد المرّات إلى تونس في جلْب الملابس النسوية الراقية، مُدعّية لزوجها أنها في زيارات علاج، وأوشكت كريمة أن تضها فريسة في فم الذئب، سائق السيارة في الاعتداء على شرفها، لولا تنبُّهها إلى المكيدة في آخر لحظة.

     بعد رجوعها انكشفت الحقيقة، سارع الزوج لدهم إلى الطلاق. حصل الطلاق، لتعيد لويزة الزواج من عمّار الميكانيكي الذي عاملها بقسوة، وإهانات فخلعـته.

     لويزة عانت من الوحدة، والحرمان العاطفي، بإيعاز من ابنتها الكبرى حياة المتزوّجة، سجّلت في المدرسة القرآنية، والتعليم العام عن طريق المراسلة، ونتيجة اجتهادها سرعان ما تحصلت على شهادة الإجازة من المدرسة القرآنية، وشهادة الكفاءة في تنشيط دورات التكوين الاجتماعي، والإرشاد الأسري من مركز التكوين، عادت لها الراحة، وشعرت بالفخر، واستعادت الثقة بنفسها، وشعورها بشخصيتها الجديدة على أنها لم تبق عالّة على أحدٍ.

  لدهم في جحيم الوحدة، وابتعاد الأبناء، يجد الملاذ اليومي في المقهى المجاور، والأنس لدى صاحبه عمّي علي الذي أشار عليه بتقديم دروس الدعم للتلاميذ، فيستجيب بعد رفضٍ طال، كما يلتقي بعديد الأساتذة، والأستاذات، ويندمج تدريجيا في حركية الحياة، كما ينخرط في تعلّم عديد المهارات بمركز التعليم المهني بالحي، فيزداد معرفة، وفهِمًا لمغزى الحياة، وهو الأستاذ المثقف، والمدرّس القدير، تسترعي انتباهه السيدة لطيفة مسؤولة مكتب المحاضرات، والدورات في المركز، بدورها تتعرّف عليه عن قُــرْب، فتُعجب بكفاءته التدريسية، وثقافته الواسعة.

   أيّام قليلة ويتزوّجان، هي الأستاذة والأرملة، والأم لبنتين، اعتبرهما لدهم بنتيه، وعاملهما معاملة الأب، وقرّبهما من أبنائه من زوجته الأولى لويزة، بل أحبّهما أكثر بعد وفاة أمهما لطيفة فجأة.

     في الذكرى الأولى لرحيل السيدة لطيفة نظّم المركز ملتقى كبيرا حضره التلاميذ، والأساتذة، والعمّال، والأولياء، وقُــدّمت فيه عديد المحاضرات المتعلقة بالحفاظ على تماسك الأسرة، وطرق تنشئة الأطفال الصحيحة، والسليمة، ومن بين المحاضرين والمحاضرات: السيدة لويزة، والأستاذ لدهم، فكان اللقاء بين الزوجين المنفصلين منذ سنوات، وتحت لوعة الاشتياق، وإلحاح الأبناء عليهما تمّ الرجوع إلى البيت الزوجي الذي كان يقطنه لدهم وحيدا، عادت إليه الحياة من جديد.

 

1 ــ من سرْد الرواية:

" ها هي شمس الضحى تطل من زجاج النافذة مسلطة خيوط أشعّـتها  مباشرة على وجهه، يستشعر بعض الألم في رأسه، فيستيقظ من نومه، يقوم متكاسلا ثقيلا من مكانه لشدّة السهر وحيدا، ويتجه إلى الحمام عساه يستردّ بعض حيويته" ص127

 2 ــ من شعرية النص الروائي

" لدهم غزالي المنيع، وفارسُ أحلامي المختفي في غيوم الحياة...هل يمكنك الظهور، فتطلّ عليّ كما يطل القمر المنير على الكائنات العاشقة في ليلة مظلمة؟ فقد طارت الغيوم بالفارس الأبيض" ص: 141

  أخيرًا

      النصّ الروائي "طلاق عاطفي" للكاتب الروائي صاحب رواية" فجْر الغيطان" الدكتور قعيد خليفة نصٌّ ناضجٌ، ماتعٌ، مكتمل في مضمونه الفكري، تقنياته، فالقارئ يتفاعل معه، بل بفضل سرده السلس، وعذوبة لغته العربية الفصيحة، الرقراقة، ينقاد القارئ، معايشا تحرّكات شخوص الروايةـ وصراعاتهم، وتوافقاتهم.

 

  

 

 

   

 

 

 

    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  مجلّة " ُأفُق" الثقافية في عددٍ جديدٍ   قراءة وعرْض: بشير خلف      صدر العدد الجديد 44 من مجلة " أفق الثقافية" بتا...