الأربعاء، 30 أبريل 2025

 

معجم كُتّاب ولاية تقرّت

قراءة وعرض: بشير خلف

        لقد رحل هذه الأيام عن دنيانا، وغادرنا إلى الأبد أحدُ مثقفي ولاية تقرت الكبار؛ بل أحدُ صُنّاع مسارها الثقافي، والإبداعي، وناشري الإبداع الأدبي، وجمالية التذوّق الفنّي المرحوم: بشير قيطون، وقد دوّن اسمه، وسيرته الشاعر المبدع، والناشط الثقافي، الحركي الدكتور سعداوي محمد الأخضر في كتابه:

(معجم كُتّاب ولاية تقرت)، الذي أصدره شهر أفريل 2023، كتابٌ قيّم، نفض فيه الغبار عن المشهد الثقافي بولاية تقرت الفتيّة، وأبرز إلى العلن صُنّاع الحركة الثقافية الحديثة، والمعاصرة.

      ما قام، ويقوم به المثقف العضوي، مؤسس المقاهي الأدبية وباثّها في ربوع مدن، وبلدات الولاية الفتية" تقرت" بصنيعه هذا، وذاك يواصل مساره الثقافي الإبداعي، والتثقيفي بوعْيٍ، وعقلانية، وصبرٍ.

    إذ كنتُ محظوظًا بإهدائي الكتاب، وباعتباري أعرف عديد مثقفي، وكُتّاب منطقة وادي ريغ؛ بل منهم أصدقاء لي منذ سنوات العقود الماضية، وأعرف المنطقة، وقد عملتُ فيها مدرسا أواخر الستينات من القرن الماضي في بلدة سيدي خليل، ثم مفتشا للتعليم أواخر السبعينات في مدينة تقرت؛ فهي من محطّاتي الحياتية كربوع وادي سوف.

   الدكتور المبدع، الحركي سعداوي الأخضر، مثقّفٌ عُضويٌّ؛ وفق رؤية المفكر الإيطالي أنطونيو قرامشي، إذ لم يكتفِ بالانطواء، والاستكانة داخل شرنقة بيته؛ بل تغلغل في تمفصلات المجتمع، ومنها التمفصل المعرفة: تواجدا، تأسيسا، إبداعا شعريا، تأليفًا.

 الثقافة سلوكٌ

    الثقافة سلوك، وبغير هذا السلوك لا يمكن أن نطلق صفة المثقف على أيّ إنسان، عندما ينتفي السلوك، فالشخص المثقّفُ هو مَحْــضنٌ للمعارف. فما الفارق بين العلم، والثقافة.. إن العلم معرفة، في حين أن الثقافة سلوك، الثقافة صانعة للحياة، صانعة للفكر وصانعة للإبداع.

.. أن تبدوَ" مثقفا"؟: إليك ما قاله الأمريكي، ديفيد بروكس عالم الحاسوب، ومهندس البرمجيات في مقاله بصحيفة نيويورك تايمز:

«الأمر لم يعدْ يتعلق بـما تقرأ، وبـما تعرف، ولا بـمقدار قدرتك على فهْم ما تقرأه، وتستهلكه من مواد ثقافية؛ بل يتعلق الأمر بأن تـجد لنفسك مكانا في فضاءات الضجيج الثقافي»

 معجم كُتّاب ولاية تقرت

(تراجم ونصوص في الإبداع الأدبي)

     صدر هذا الكتاب في شهر أفريل 2023 عن دار سامي للطبع والنشر والتوزيع بالوادي لصاحبها المثقف رضا درّاجي، تصميم الغلاف، الفنان إسماعيل عبد الجواد، تأليف، وإشراف الدكتور محمد الأخضر سعداوي.  الكتاب من الحجم المتوسط، في 148 صفحة.

 لئن كان الاستهلال بالإهداء الذي توشّح بالروحانيات، وتوجّه به المؤلف إلى والديْه، وأحبّته، ثم إلى رفاق الثقافة، وأصدقاء الدرب الإبداعي، والقرّاء عشّاق المطالعة.

    أبرز المؤلف في مقدّمة الكتاب مُبرّرات تأليفه له، منها:

ـــ في ذات لقاء أدبي محلّيٍّ صدم أحدهم الحضور من اكتشافه شعراء، وكتابا من المنطقة لهم من التجارب المختلفة، إذ هو الطالب الجامعي، وقد كان يجهل ذلك.

ـــ حالة الشتات، والضياع للرصيد الثقافي الذي زخرت، وتزخر به منطقة تقرت قديما، وحديثا.

ـــ تجاهل أهمّية التدوين، والكتابة لكلّ فعْلٍ ثقافيٍّ.

ـــ منطقة تقرت عرفت، وتعرف في ماضيها، وحاضرها عددا مهمّا، معتبرًا من المبدعين في المجال الأدبي، منهم من حظي بجوائز وطنية، وأخرى دولية في الأجناس الأدبية.

     كلّ هذا الزخم، يقول الدكتور سعداوي الأخضر مؤلف الكتاب:

« يجعلنا كممارسين للنشاط الأدبي، وباحثين في الأدب الجزائري، ودارسين له، نشعر بنوعٍ من المسؤولية التي تتمثّل في ضرورة جمعه، وتدوين ما أُنجِز فيه، اعترافًا بجهْد من اجتهد، وحفظًا لِما تمّ إنجازه من عوامل النسيان، والضياع، وإنصافًا للكثير من الأسماء التي تكتفي أحيانا بممارسة العملية الإبداعية.ص01»

     بعد الإهداء، والمقدمة، وإطار البحث، والعرض التاريخي استعرض المؤلف التراجم والنصوص، فكانت لـــ: 48 كاتبًا، و08 كاتبات، من هؤلاء جميعا: 25 شاعرا وشاعرة.

     في الكتاب ترجمةٌ للكاتب، أو الكاتبة، ونماذج من إبداعه الشعري إنْ كان شاعرا، أو السردي، إنْ كان ساردًا.

      جُهْدٌ كبير في أن تتصل بهذا الكمّ المعتبر من شتات الكُتّاب المبدعين، ومن الجنسين، وأن تُدوّن حيواتهم، وحيواتهن، وأن تأخذ منهم، ومنهن نصوصهن؛ بل وأن تُقنعهم، وتقنعهن بالمشاركة، لعمري ليس بالأمر السهل.

      شخصيا، قرأت الكتاب ـــ حال صدوره ـــ، وقد أهداه إليّ المؤلف مشكورا، وها أنذا أعدتُ قراءته للمرة الثانية، عندما كنتُ أبحث عن سيرة المرحوم الكاتب، المثقف بشير قيطون بن مدينة تقرت الذي رحل عن دنيانا هذه الأيام.

     استفدتُ من قراءتي للكتاب، اطّلعتُ على الحركة الثقافية في ولاية تقرت الفتية، وتعرّفت على رصيدها الثقافي، والإبداعي، وعلى صُنّاع هذا الرصيد، فالشكر، والتقدير لكل كُتّاب، ومبدعي ولاية تقرت، وأخصّ بالذكر الدكتور الشاعر، الكاتب، الباحث، الناشط الثقافي، المثقف العضوي محمد سعداوي الأخضر.

    فيما يخصّ ترتيب الكُــتّاب، حبذا لو كانت ترجمات الكُتّاب، والمبدعين مصنفة كالآتي بدلًا من الترتيب الأبجدي:

ــــ شعراء الفصيح تراجم ونصوص

ــــ شعراء الشعبي تراجم ونصوص

ــــ مبدعو المسرح تراجم ونصوص

ــــ مبدعو السرد الروائي تراجم ونصوص

ــــ مبدعو السرد القصصي تراجم ونصوص

         إن هذا التصنيف المنهجي يساعد الباحث، والطالب في الإلمام بما يبتغيه في أسرع وقتٍ.

      وفي كلّ الحالات، ليس بالسهل جمْعُ الرصيد الثقافي لمنطقةٍ رصيدُها مشتّتٌ، ولم يسبقْ أن وُجّهتْ له الأنظارُ، فمنْ يتصدّى لهذا غيرُ المثقفين، الصبورين، الغيورين على الثقافة الوطنية، وعلى مُكوّنات هُوّيّة الأمة الجزائرية.

 

 

       

 

          

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  مجلّة " ُأفُق" الثقافية في عددٍ جديدٍ   قراءة وعرْض: بشير خلف      صدر العدد الجديد 44 من مجلة " أفق الثقافية" بتا...