الاثنين، 8 أبريل 2013

المذكرات تفقد أصالتها لما يكتبها غير المختصين في التاريخ


المذكرات تفقد أصالتها لما يكتبها غير المختصين في التاريخ
     ذكر أستاذ التاريخ بجامعة وهران، رابح لونيسي، أن المذكرات والشهادات التي يكتبها الفاعلون ليست تاريخا، فالتاريخ يكتبه المؤرخ وفق منهج علمي. واعتبر أن المذكرات والشهادات تخضع لعوامل ذاتية، كالايديولوجيا والانتماء الطبقي والجهوية وتضخيم الذات، وعوامل نفسية،  كتصفية الحسابات مع الخصوم، وهي تحتمل الصحة والخطأ.
      يعتقد الأستاذ رابح لونيسي أن هناك ضرورة للتمييز بين الشهادات والمذكرات، فالشهادات هي أكثـر تعبيرا من المذكرات، لأن المذكرات تخضع لاستراتيجية الخطاب الحذر، وأغلب ما يسمى في الجزائر بالمذكرات هي في الحقيقة شهادات فقدت البعض من أصالتها، لأن المذكرات لا يكتبها إلا صاحبها. وقال لونيسي، في محاضرة ألقاها أمس بوهران، ضمن نشاطات المعرض العاشر للكتاب الذي تجري فعالياته بالمدينة الجديدة، حول ''صورة التاريخ الوطني من خلال المذكرات والشهادات التاريخية'': ''يمكن أن يستعين الفاعلون التاريخيون بآخرين في بعض المجالات فقط كاللغة، وأغلب ما يسمى بالمذكرات هي في الحقيقة شهادات يقدمها صاحبها لصحفي أو مؤرخ ثم يقوم هؤلاء بصياغتها، فتفقد البعض من أصالتها، لأننا سنجد تدخل كاتبها''.
     وتوقف لونيسي عند مذكرات رئيس مجلس الأمة الأسبق، علي كافي، وقال: ''حتى مذكرات المجاهد علي كافي الذي لا نشك في قدرته على الكتابة بالعربية، نجد فيها تدخلا ممن ساعدوه في صياغتها، إلى درجة أننا نجد في بعض الأحيان كلاما تضخيميا حول جمعية العلماء، وكذلك القول مثلا بأن المركزيين اندماجيون، وهو أمر غريب أن يأتي على لسان كافي. لكن، يبدو أن ايديولوجيا الذين ساعدوه في كتابتها وجهلهم ببعض الحقائق التاريخية، آنذاك، تظهر بجلاء، خاصة في الفصول الأولى للمذكرات''.
     وعاد المحاضر إلى تاريخ الشهادات في الجزائر، واعتبر أن أول من حاول كتابة شهادة ''هو ضابط في جيش التحرير الوطني طمس تاريخه، يدعى محند أعراب بسعود، فقد كتب في صيف 1962 وفي خضم الصراع حول السلطة في الجزائر، كتابا صغيرا سماه ''سعداء الشهداء الذين لم يروا شيئا''، يتألم فيها لما وقع من تقاتل بين المجاهدين بسبب السلطة، لكنه حمّل بومدين مسؤولية ذلك، ووصل إلى درجة اتهامه بأنه كان وراء تصفية عميروش وسي الحواس من أجل السلطة. ويذهب أبعد، عندما يقول بأنه يملك رقم الشيفرة التي يعرفها الجيش الاستعماري، واستخدمت في الاتصال بالشهيدين، ويقول إنه استقاها من المجاهد الذي فرضت عليه استخدامها. ويبدو أنها نفس الفكرة التي طرحها سعيد سعدي في كتابه عن عميروش، لكن، نعتقد أن هذا الكلام يدخل في إطار الصراع حول السلطة آنذاك، وتصفية حسابات، خاصة إذا علمنا أن بسعود كان على خلاف حاد مع بومدين عندما كان في الولاية الخامسة، وكان ممن قادوا تمرّدا لبعض الضباط ضد بومدين عام .''1958 كما توقف لونيسي عند مذكرات المجاهد محمد لبجاوي الذي كتب مذكرات في أواخر الستينيات، وهو منفي بعنوان ''حقائق حول الثورة الجزائرية''، ويعدّ أول من تحدث، حسب المحاضر، عن كيفية تصفية صديقه عبان رمضان الذي كان قريبا منه كثيرا.   وحسب لونيسي، فإن ''كل هذه الشهادات والمذكرات كانت ممنوعة في الجزائر، بسبب انعدام الحريات التي أضرّت كثيرا بمعرفة تاريخ الجزائر، بل وجعلت الناس متعطشة لمعرفة الحقيقة. لكن نشرت هذه الكتابات في الجزائر بعد عام 1988، حيث وقع انفجار في كتابة المذكرات وتقديم الشهادات بعد، وكانت تشكل أكبر مبيعات الكتب، وكانت العديد منها في البداية تدور حول شرعية النظام، خاصة أزمة صيف .''1962
       وقد أخذت الشهادات والمذكرات، في السنوات الأخيرة، حسب لونيسي ''منحى أكبر، بعد ما أصبح الجميع يريد أن يكتب، بمن فيهم كبار الفاعلين وصغارهم، وهي ظاهرة صحية يجب تشجيعها، بل يمكن لنا القول إنها قطيعة مع أحد أمراض الأمة الجزائرية التي تعتمد على الثقافة الشفهية، ما أدى إلى كتابة الآخرين تاريخ هذه الأمة، رغم أنها صانعة التاريخ''، موضحا: ''وأعتقد أنه بداية للتحكم في تاريخنا، لكن ما يعاب عليها أن البعض مس ببعض الشهداء، بدل أن يتوقفوا فقط عند القول بأنهم كانوا في خلاف أو خصومة معهم، ما أضرّ كثيرا برمزيتهم وقدسيتهم، وهو أمر خطير على الأمة، ولهذا، وجب تصحيح الخطأ بالإبراز في المدارس ولعامة الناس بأن الشهادات والمذكرات ليست تاريخا''.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...