الأحد، 12 مايو 2013

الجيل الشعري الجديد جيل مغرور ودون ملامح



 في حوار مع الكاتب والروائي رابح ظريف:

       في حوارنا معه، يحدثنا الروائي والشاعر الشاب رابح ظريف، عن الشعر كفن أدبي راقي عرف نموا واسعا وسطا جيل من شباب اليوم الذين اقتنصوا حسب ظريف فرصة سرعة النشر ليتحولوا بالشعر عن مبتغاه، بل وليؤسسوا معنى جديد للشاعر أبعد ما يكون عن معناه الحقيقي الذي يتسم بالتعبير الصادق عن الإنسان الحقيقي الذي يعيش وسط مجتمع متحول
 ــ رابح ظريف من الشعراء الذين برزوا في الساحة، من كان له الفضل في اكتشاف موهبة رابح الشعرية؟
ـ في المرحلة الابتدائية، كان الشرف لي بأن قرأت أولى كتاباتي أمام معلمي عبد الحميد لعماري، الذي أعجب بما كتبت وحملني بين ذراعيه وقال لي أني سأصبح شاعرا كبيرا، لا يمكن أن تتصور تلك الفرحة والمشاعر التي تملكتني في تلك اللحظة، ولحد الآن أحس تلك المشاعر تتجدد كلما التقيت به.
ــ الشعر الحقيقي انعكاس لموهبة، ولكن ذلك لا يكفي لإنتاج ما نصبو إليه من إبداع؛ ما هي العوامل التي تسهم في تشكيل هذه التجربة؟
ـ أعتقد أن الموهبة ضرورية جدا لتكون شاعرا، لكنها لن تسهم وحدها في الاستمرار والنجاح، هناك ظروف تحيط بالشاعر عليه أن يستغلها لينتقل من مرحلة الموهبة إلى مرحلة التأسيس، ولعل بحث الشاعر عن أسلوبه الخاص به من خلال محاولة التميّز والرغبة في الاختلاف عن السائد هو أهم عامل يلي الموهبة للانتقال إلى مرحلة التأسيس والتميز، الشاعر الذي يقتنع بما يكتب ويعيد كتابة ما يقرأ بشكل متطابق أحيانا لا يمكن أن يترك بصمته في التاريخ، طبعا لا أتحدث عن القراءة فقط لتنمية عوالم النص الداخلية، لكنني أشير إلى أن البحث في التجارب الإنسانية وتفتح الشاعر على كل الحساسيات الفكرية والإيديولوجية واهتمام الشاعر بإنسان الهامش وانخراطه في تفاصيل نفسية عميقة عوامل تجعل من نصوصه جهات شعرية مرجعية، وأؤكد على ضرورة البحث عن التجاوز ليس تجاوز السائد فقط بل على الشاعر أن يتجاوز نفسه في كل نص.. ويترك الحرية للنص داخله أن يخرج في الوقت المناسب.
ــ كثير من الشعراء لديهم الحظ ولكن ليس لديهم "المعجم اللغوي" الذي لديك، كيف تفسّر ذلك؟
ـ لا اعتقد أن المعجم اللغوي مهم جدا في كتابة القصيدة، الشعر الحقيقي هو استعمال القاموس اليومي العادي دون العودة إلى القاموس الموروث، فالنص الكبير هو الذي يعتمد على مفردات عادية جدا، غير أن الخطورة تكمن في كيفية تحويل هذا القاموس العادي البسيط إلى نصوص عميقة، فالعمق في البساطة وليس في التعقيدات اللغوية الزائفة، ولعل أكثر مثال يمكن أن نقارب به هذه الفكرة هو القرآن الكريم، وأعطيك الفاتحة كمثال، لن تجد أي مصطلح معقد أو قاموسي أو نابي عن السمع، كل مصطلحات الفاتحة بسيطة جدا، لكن التركيب العظيم والمستويات الكثيرة والعديدة والمفتوحة في هذه السورة تجعل منها نصا كونيا غير قابل للتكرار أو الإتيان بمثله، حتى لو عدنا إلى الشعر الجاهلي فإن أجمل الأبيات تلك التي تعتمد على لغة بسيطة عادية لكن الشاعر الكبير هو الذي يصنع قالبه الخاص ويضع كل مصطلح في مكانه الصحيح.
ــ في رأيك هل استطاعت قصيدة النثر أن تنتزع لها مكانا في منظومة الحس الجزائري؟ وهي التي أتاحت لعدد غير قليل أن يدخلوا مدينة الشعر بدون حق؟
ـ ما يصطلح عليه قصيدة النثر يمكن أن نجد فيها الشيء الكثير من الشعر، وتعرف أن الشعر يوجد في كل الفنون، في الرسم، النحت، التشكيل، حتى في فنون غير أدبية كالهندسة وغيرها، الشعر موجود في كل شيء.. مشية امرأة جميلة شعر.. ابتسامة صادقة شعر.. فوضى في ساحة عمومية شعر.. لكن أن نسميه بالقصيدة فهذا بالنسبة لي ضرب لهوية الإنسان العربي وموروثه الكبير، الذين أسسوا لهذا الجنس لم يعجزوا أن يجدوا له تسمية، لكن القصد من تسمية الشعر النثري بالقصيدة هو تجني على موروثنا العربي وتجني العلى الطبيعة الإنسانية وطبيعة الجنس الأدبي، لا يمكن أن اكتب رواية واسميها لوحة، كما لا يكتب أن قصة ومضة وأسميها رواية.. كذلك لا يمكن أن اكتب نصا أدبيا واسميه قصيدة، هم لجئوا إلى هذا النوع من الكتابة هروبا من قيود الشعر العمودي، لكن حدث العكس، فالحرية وعدم التقيد هي اكبر قيد واكبر سجن، وكلما زادت مساحة الحرية كلما زادت مساحة السجن.. الكتابة في الشعر العمودي أشبهها بالسباحة في 16 بحرا.. وهي مساحة أكبر للحرية.. الكتابة في شعر التفعيلة سباحة في 9 بحور وهي التفعيلات الأساسية لعروض الشعر، الكتابة في الشعر النثري هي سباحة على اليابسة، حتى الكتابة في العمودي أكثر حرية من التفعيلة فأنت عندما تشرع في كتابة القصيدة تعرف من أين تنطلق والى أين تصل، ما عليك فقط إلا تنظيم نفسك الشعري، وحين تشرع في كتابة قصيدة تفعيلية تعرف من أين تبدأ ولا تعرف أين تنتهي لذلك قد تختنق قبل أن تصل إلى الضفة الأخرى، الكتابة في الشعر النثري سباحة على اليابسة.
 ــ نلاحظ أن هناك تنافر بين الشعراء الجدد وبين جيلكم، إلى ما ترجع ذلك؟
ـ سبق وأن صرحت في إحدى لقاءاتي في صحيفة عربية أن جيل الشعراء الجزائريين اليوم أصيب بغرور كبير، وهذا لسهولة نشر أعمالهم واستسهالهم عملية النشر الإلكتروني وحتى الورقي، وغرور شعراء اليوم ناتج عن عدم احترامهم لأجيال الكتابة الشعرية السابقة في الجزائر، بل قد تجد شاعرا طبع أول عمله يتجني على رموز التاريخ الشعري الجزائري دون معرفته بسياقات هذه الرموز ولا بالظروف التي كانت تحيط بها. ثم أن الجيل الشعري الجديد جيل دون هوية ودون ملامح، لا يحملون أي فكرة جمالية ولم يضيفوا الكثير للساحة الشعرية الجزائرية، فأنا متشائم جدا من جيلنا الشعري الجديد الذي أدعوه إلى العمل أكثر على تطوير منتوجه الشعري ومرافقة الأجيال السابقة والاقتراب من القامات الشعرية الكبيرة.
ــ نظرتك الحالية للشعر لم تعد منصفة، وبعبارة أخرى ربما قاسية؟
ـ نحتاج إلى القسوة حتى تتضح الرؤيا أكثر، التحامل على الشعر أصبح صفة كثير من الشعراء، المشكل أنهم يعتقدون أنهم شعراء كبار وهذا لا يحتاج إلى نقد بقدر ما يحتاج إلى علاج نفسي.
 ــ حبك للتجديد واضح جلي في شعرك ..ما مفهومك للتجديد من جهة وللحداثة من جهة أخرى؟
ـ أنا أسعى إلى التجديد ولا أدّعي أني جدّدت، لكن التجديد بالنسبة لي لن ينجح على مستوى الشكل، الشكل هو الإطار التعريفي لي وهويتي الحقيقية، التجديد الحقيقي ينبغي أن ينطلق من داخل النص ولن يكون الشكل عائقا أبدا أمام الوصول إلى هذه الغاية، هذا من جهة، من جهة أخرى كنت صرحت قبل سنوات بأن الشعر لم يعد يسعني، وقد آن أوان الرواية، لكن في الحقيقة كنت مخطئا في مشاعري، ذلك أني كتبت روايتي "قديشة" بطريقة شعرية وهي رغبة مني في الحفاظ على قدسية الشكل الشعري العمودي أكثر منها رغبة في كتابة رواية، أما عن موضوع الحداثة فهو موضوع متشابك وتختلط فيه كثير من المفاهيم، غير أن الحداثة تنتج عن تجول جذري في المجتمع على كل المستويات الاقتصادية، الاجتماعية، السياسية والثقافية، ولا يمكن أن ننتج في الجزائر حداثة حقيقية في هذه الظروف، بعض الأصدقاء قد يرى أن الشاعر كائن مهرب عن زمنه وأنه يكتب لجيل لم يأت بعد، لكن التجربة علمتنا أن إنسان اليوم هو إنسان الأمس و هو إنسان المستقبل، يكفي أن تكون إنسانا حقيقيا غير مرتبط بسياق زمني واحد حتى تكتب نصا حديثا من ناحية المضمون.
ــ هل أخذتك الرواية عن الشعر أم أنها استراحة؟
ـ هي استراحة محارب فقط.. وقد تتجدد هذه الاستراحة مستقبلا.
 ــ هل تأكد أن الرواية أخذت السلطة من الشعر في وقتنا هذا؟
ـ ليست الرواية من أخذت سلطة الشعر، بل أن الرواية وصلت إلى القارئ من خلال استخدام وسائط تكنولوجية جديدة استغنى عنها الشعر، والقارئ العربي يتجه للشعر أكثر من اتجاهه للرواية غير أن تفكيك الذائقة العربية وتشويشها من قبل هيئات معروفة من جهة، واعتماد الرواية على وسائط جديدة كالأفلام والسينما هو الذي جعلها تنتشر أكثر من الشعر.
ــ لماذا الرواية كثيرا ما تكون غواية الشاعر، في حين الشعر نادرا ما يكون غواية الروائي؟
ـ اسمح لي فقط أن أقسو قليلا على الروائيين وحتى النقاد، فالروائي شاعر فشل، وأغلب النقاد أيضا، لذلك تجد هذا التقارب بين الرواية والنقد، ويمكنك أن تبحث في الموضوع لتتأكد من كلامي، فمعظم الروائيين بدؤوا شعراء لكنهم فشلوا. وحين يكتب شاعر رواية ما فإنه يبدع فيها، عكس الروائي الذي يكتب قصيدة، ولو قرأت قصائد الروائي الكبير بن هدوقة لوجدت أن ما يصفه بالشعر لا يرقى أبدا أن يكون شعرا.
ــ لقب "شاعر الرسالة" في برنامج أمير الشعراء لقناة أبوظبي، ماذا يعني لك؟
يعني لي الكثير، فهذه المسابقة الشعرية الكبيرة لها وزنها الكبير في الساحة العربية وبفضلها تمكن الشعر من استرجاع مشاهديه على شاشة التلفاز.
ــ هل وصلت مرحلة اضطرِرت فيها للاختيار بين كتابة الشعر ومغريات الحياة المادية؟
ـ طبعا لا، الكتابة موقف من الحياة.. ولم اضطر أبدا إلى هذا الاختيار، فالشاعر الحقيقي يكتب في كل حالات الحياة.
ــ هل يمكن للشعر أن يغير وقائع أم انه مجرد إحساس؟
ـ الشعر في أصله محاولة للتغيير، لكن أي محاولة للتغيير دون قراءة واعية للواقع لن تنجح، وهذا ما حدث مع الشعر اليوم الذي ظل يبحث عن اجابات لا تخص المواطن العربي، إجابات على أسئلة الآخر، في حين عجز الشعر العربي اليوم على طرح أسئلة الواقع العربي الحقيقية..
ــ قلت إن أغلب الذين يسمون أنفسهم نقادا في الجزائر لم يستطيعوا تجاوز أنفسهم كدارسين، ما الذي تصبو إليه من خلال هذه الجملة القاسية؟
ـ لا يوجد عندنا نقد في الجزائر، بل لا توجد أصلا مدرسة نقدية، ومن يسمون أنفسهم نقادا هم في الحقيقة دارسون يقتاتون على المنجز الشعري الجزائري لتحصيل شهادات الدكتوراه والاسترزاق من المجلات والدوريات العربية لا غير، لا يوجد أي دارس حقيقي يمكن أن يراهن على شاعر حقيقي.. النقد في أساسه هو مراقبة الحركة الشعرية واستلهام خصوصياتها ورسم مجاري مميزة للأنهار الشعرية في حقل الإنسانية، وهذا غير موجود تماما.
ــ لو جلس رابح ظريف وتساءل حول ما أنجزه، فماذا يقول؟
ـ صدقا.. لم أنجز شيئا.
ــ من هو الشاعر المفضل الذي تعجبك أفكاره أو تقرأ له؟
ـ في الجزائر أقرأ كثيرا لميهوبي عز الدين، عياش يحياوي وإبراهيم صديقي.. عربيا أهتم في الوقت الحالي بقراءة سعدي يوسف، عز الدين المناصرة وعبد الرزاق عبد الواحد..
ــ هل لنا أن نعرف ما الشيء الذي يحز في نفس رابح ظريف؟
ـ كساد الساحة الشعرية الجزائرية.
ــ هل لك أن تعطينا سبقا لمشاريعك المستقبلية؟
ـ مجموعة شعرية بعنوان "إلى وجهي الذي لا يراني".
ــ  ما هي كلمتك لجيل اليوم؟
ـ الشاعر إنسان حقيقي قبل أن يكون شاعرا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: صحيفة المقام
( للمشاركة أو التعليق ..اضغط على: ليس هناك تعليقات واكتب ما تريد داخل المستطيل)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...