المقهى الأدبي بعين الصفراء.. البداية
بقلم: بشير خلف
هناك ارتباط وثيق بين المقهى والمثقف، وهذا
الارتباط جاء عــبْر علاقة حميمية بين أهم عمالقة الأدب والفن والمقاهي، بارتيادهم
إياها وإجراء للنقاشات الحامية فيما بينهم في أجوائها الحميمة، والاطلاع على الجديد
في عالم الفكر والأدب، وآخر الإصدارات؛ ودون الخوض في تاريخ هذه المقاهي في الغرب،
والبلدان العربية، ومنها الجزائر.. ودون أن نعود إلى الذاكرة التاريخية نكتفي
بمرحلة ما بعد الاستقلال لايزال يتذكر كُتّاب الجزائر، ومبدعوها، ومثقفوها مقهى
" اللوتس " بشارع ديدوش مراد بالجزائر العاصمة، ثم مقهى " الجاحظية
" في عهد المرحوم الطاهر وطّار بشارع رضا حوحو بالجزائر العاصمة. بعنابة
مقاهي ساحة الثورة، ومقهى الشرق ، مقهى باب الوادي بقسنطينة، بوهران مقهى الوداد،
ومقهى سنترة.
يبدو أنّ المقاهي الأدبية، أو النوادي
الثقافية، وحتّى بالجامعات اختفت في أيامنا هذه لولا أنّ هناك دائمًا في مسار
التاريخ تظهر مبادرات فردية يقوم بها أشخاص قد لا يكونون من زمرة منتجي الثقافة؛
ولكن من عاشقيها، ومحبّيها، يفاجئون الجميع.
في آخر زيارة إلى مدينة عين الصفراء،
مدينة التاريخ، والعراقة، مدينة الكُتّاب والمفكرين والمبدعين رافقنا في كل
محطاتنا خلال الملتقى الفكري الذي نظّمته الجمعية الثقافية صفيّة كتّو التي يقودها
الكاتب المبدع ضيف الله عبد القادر مع مجموعة من خيرة مثقفي المدينة. الملتقى كان
عن الرحّالة إيزابيل إبراهاردت.. رافقـــنا شابٌّ نشيط جدا، بل وتكفّل بخدمة
الجميع دون مللٍ ولا تعبٍ، وكان مهتمًّا كثيرا بما يجري في الملتقى، كما كان
متابعًا للحوارات الفكرية التي كانت تجري بين المثقفين والكُتّاب، كان رجلا هادئا
يحسن الاستماع، والتواصل إلى حدٍّ كبير.
الرجل يملك مقهى في مكان رئيس بالمدينة،
وله فضاء مكانيٌّ أمام المقهى، بحميميته اكتسب أغلب مثقفي المدينة، ممّا ساعد على
أن يتحوّل مقهاه إلى نادٍ أدبي يومي بامتياز، وخاصة في عطلة الأسبوع، بل وخصّص
الشاب كمال قاعة داخلية بالمقهى للشباب الذين غادروا مقاعد الدراسة لظروف مختلفة،
كما أعلمنا أنه بصدد إنشاء مكتبة لهم بهذه القاعة تساعدهم على المطالعة، وتعويض ما
فاتهم، ولعلّ حتى تحضير امتحاناتهم.
مبادرات كهذه قد تتطوّر، وتعطي ثمارها،
وقد تكون أنموذجا يُحتذى في مدنٍ أخرى.. بكلّ أسفٍ مدننا تنبت فيها المقاهي بسرعة،
هي مقاهي لتضييع الوقت، وترسيخ السلوك السلبي في الإنسان والاّجدوى.
هل نتفاجأ في أيامنا القادمة بمبادرات مثل
مبادرة الشاب كمال بعين الصفراء في مدننا وبلداتنا وقرانا ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق