وراء كـل رجـل عـظـيـم امرأة
بشير خلف
قالت العرب: عظمة الرجل من عظمة المرأة. وقيل
عندما تسمو عاطفة الحب عند المرأة تصبح حنانا على الرجل. هذه هي أقوال عربية قديمة
ولكن هل المقولة «وراء كل رجل عظيم امرأة أكثر عظمة منه» مقولة حقيقية واقعية ؟.
من هي هذه المرأة التي هي خلف
الرجل ؟!. هل هي أمه ؟، هل هي أخته ؟، هل هي زوجته ؟، هل كل هذه الهمة والتضحية والعطاء
خلفها امرأة ؟!، إذن أين الرجل إذا كان خلف هذه العظمة امرأة ؟ وما هو الصحيح من وجهة
نظرنا ؟.
المرأة هي أحلى هدية قدمها الله سبحانه إلى
الرجل. من هي المرأة ؟، هي الأم التي قال الله في كتابه العزيز فيها: (ووصينا الإنسان
بوالديه إحسانا حملته أمه كُــرها ووضعته كُــرها) الآية. هي الزوجة وهي نصف الدين.
المرأة هي أكبر مربية للرجل، فهي تعلمه الفضائل الجميلة، وآداب السلوك ورقة الشعور.
المرأة نصف الحياة إذا كانت مخلصة لزوجها، ابتسامة
المرأة الجميلة شعاعٌ من أشعة الشمس. المرأة الفاضلة كالبحر، مطيعة لمن يُعزّها
ويحترمها، جبارة لمن يخشاها..
(1)
كان الشاب الميكانيكي الذي يعمل بشركة متواضعة
في مدينة « ديترويت » يحصل على 11 دولارا أسبوعيا مقابل عمل لمدة عشر ساعات في اليوم،
ولكن الشاب الطموح حين يصل لمنزله يقضي نصف الليل في حظيرة دواجن، وبقر خلف كوخ منزله
عاكفا على محاولة اختراع شيء جديد. وفيما كان والده الفلاح يعتبر محاولات ابنه ضرْبًا
من العبث فقد كانت زوجة الشاب هي الوحيدة من بين أهله، وجيرانه هي التي تشجعه، وكانت
تقضي معه الليل الطويل تشدّ من أزره وتلهب من حماسه ، وعندما يحل فصل الشتاء كانت تحمل
له في يدها مصباح الغاز لتضيء له بينما أسنانها تصطك من البرد ، وكان زوجها يطلق عليها
لقب « المؤمنة » واستمرت معه على هذا الحال ثـلاث سنوات.
وفي سنة 1893م أشرف العمل على
نهايته، وكان الشاب يومئذ قد قارب الثلاثين من عمره، وفي يوم من أيام السنة تناهى إلى
سمع الجيران صوت غريب لم يألفوه من قبل، فهرعوا على أثره إلى نوافذهم فرأوا عجبا، رأوا
الشاب الذي هزأوا منه ومن زوجته يركبان عربة تجري بلا خيل، ولا بعير ولا حمار، وشاهدوا
بأعينهم المذهولة تلك العربة العجيبة تصل إلى نهاية الشارع ثم تعود.. إنها أول
سيّارة تخرج إلى الوجود.
ويومئذ شهد العالم الحديث مولد
اختراع جديد وبداية ثورة صناعية عالمية كان ولايزال لها أبلغ الأثر في تطور العالم،
وإذا كان « هنري فورد » هو « أبو هذا الاختراع » فقد استحقت زوجته عن جدارة أن تكون
« أم هذا الاختراع ». وقد سئـل المخترع « هنري فورد » بعد أكثر من أربعين عاما من تاريخ
اختراعه، ماذا يبغي أن يكون لو عاش على الأرض مرة أخرى ؟، فقد أجاب بقوله : « لا يهمني
ماذا أكون بقدر ما يهمني أن تكون امرأتي بجانبي في هذه الحياة الثانية، وقال مقولته
الشهيرة: « وراء كل رجل عظيم امرأة أعظم ».
(2)
عاد الطفل من مدرسته التي لم يبق بها
غيرُ ثلاثة أشهر؛ وفي يده رسالة مغلقة طلب منه معلمه أن يسلمها لأمه، ولا يفتحها. وصل
الطفل إلى البيت وناول أمه الرسالة، وقرأتها ثم نظرت إليه صامتة، سألها: “ماذا في الرسالة
يا أمي؟”.
قالت له: “يقولون إن ابنك عبقري، ومدرستنا صغيرة
ومتواضعة ولا تليق به ونقترح عليك تدريسه في البيت”.
فرح الطفل ولم يذهب إلى ا لمدرسة بعدها وتولت
والدته تدريسه منذ ذلك الحين، وفي يوم من الأيام، وجد الطفل رسالة المدرسة ودفعه الفضول
لقراءتها، فوجد فيها: “ابنك غبيٌّ جداً ولا يمكن تدريسه، سيمنع من دخول المدرسة اعتباراً
من يوم الغد”.
بكى الطفل كثيراً، ثم كتب في دفتر مذكراته:
“كنت طفلاً غبياً، وصنعت مني أمي عبقرياً”.
كان أديسون كثير الأسئلة، وخاصه غير المعقول
منها، بينما لا يميل إلى الاجابة عن الاسئلة الدراسية. وقد ضجر منه أحد مدرسيه وقال
المدرس لهذا الطفل :" أنت فتى فاسد، ولستَ مؤهلا للاستمرار في المدرسة بعد الآن."
ثم قاموا بطرده من المدرسة ، تألمت الام عند سماعها هذا الخبر، وقالت للمدرس كل المشكلة
أن ابني أذكى منك، وسترى من يكون توماس أديسون في المستقبل!
وهنا جاء دور أمه التي لم تغب عنها المشكلة،
فقامت بسحب توماس من المدرسة، وواسته بكل ما تملك، وبدأت تعلمه بنفسها في البيت، وتنمي
بداخله حب الدراسة، حتى كان أول مشروع له هو: "قراءة كل كتاب في البيت"،
وكان ذلك المشروع هو بداية الطريق نحو التعليم الذاتي، وكان البيت يحوي مكتبة كبيرة
في مختلف أنواع العلوم .
لم تملَّ أمه قط من تعليمه ودفعه للتعلم، ومساعدته
في ذلك، يقول أحد جيرانهم: "كنت أمرّ عدة مرات يوميًّا أمام منزل آل أديسون، وكثيرًا
ما شاهدت الأم وابنها توماس جالسيْــن في الحديقة أمام البيت"، فقد كانت تخصص
بعض الوقت يوميًّا لتدريس للفتى الصغير وتعليمه.
وإن ذلك الصنيع لم يرحل عن ذاكرة أديسون يومًا
ما؛ إذ تراه يقول عن أمه: "لقد اكتشفت مبكرًا في حياتي أن الأم هي أطيب كائن على
الإطلاق؛ لقد دافعت أمي عني بقوة عندما وصفني أستاذي بالفاسد، وفي تلك اللحظة عزمت
على أن أكون جديرًا بثقتها، كانت شديدة الإخلاص واثقة بي كل الثقة، ولولا إيمانها بي
لما أصبحتُ مخترعًا أبدًا".
إن هذا الطفل البليد الذي حكم عليه التفكير
المدرسي بالبلادة والعجز والتخلف قد سجل (1093) اختراع ، وفي صدارتها المصباح
الكهربائي، وبعد دخول الكهرباء إلى كل البيوت، وضع أديسون الأساس الحقيقي
لتطور الصناعة في العالم، كما أدَّت الأسس التي وضعها لتوزيع الكهرباء على البيوت والمصانع
إلى أن أصبحت الكهرباء حدثًا عظيمًا في تاريخ الإنسان.
كما أسهم أديسون في الكثير من الاختراعات
منها تطوير كاميرات التصوير، والسينما، واختراع التليفون.
قال توماس أديسون عن أمه: لقد اكتشفت مبكرا
في حياتي أن الأم هي أطيب كائن على الإطلاق، لقد دافعت أمي عني بقوه عندما وصفني أستاذي
بالفاسد، وفي تلك اللحظة عزمت أن أكون جديرا بثقتها. كانت شديدة الإخلاص واثقة بي كل
الثقة؛ ولولا إيمانها بي لما أصبحت مخترعا أبدا. إن أمي هي التي صنعتني، لأنها كانت
تحترمني وتثق في . أشعرتني أنى أهمّ شخص في الوجود. فأصبح وجودي ضروريا من أجلها وعاهدت
نفسي أن لا أخذلها كما لم تخذلني قط .
وراء كل
عظيم امرأة..؟
غالبا ما تُستعمل هذه الحكمة في المجال الثقافي
والسياسي للدلالة على الدور الذي تقوم به الزوجات في حياة أزواجهن الناجحين في مجال
الأعمال والسياسة بالتحديد، وهذا الأمر صحيح إلى حد ما، لكنه لا يلغي الدور الأساسي
والمحوري للأم باعتبارها المدرسة الأولى التي يتلقى فيها الرجل القيم الأساسية التي
سيواجه بها المجتمع، فإذا تمكنت الأم من إعداد رجل ناجح، تسلمه للزوجة، والتي إما أن
تكمل ما بدأته الأم وتدعم نجاحات الزوج وإما أن تكون سببا في فشله.
كثير من الناس
في حديثهم عن الدور المهم للمرأة في حياة الرجل، يستشهدون بالحكمة استنادا لمفهومها،
لكنهم لا ينتبهون إلى منطوقها، لأن الاكتفاء بذكر امرأة بصيغة نكرة يحتمل أن تكون أية
امرأة، فقد تكون فاشلة في تربية أبنائها، فتخرّج رجلا أو رجالا فاشلين، وقد تكون ناجحة
وتخرج لنا رجلا أو رجالا ناجحين وهكذا.. طبعا مع وجود بعض الاستثناءات لهذه القاعدة،
فقد تجد أمهات يبذلن ما في وسعهن، والنتيجة تكون غير مرضية.
وعندما تتحدث الحكمة عن الرجل العظيم، فإن المقصود
به هو الرجل الناجح الذي يقتسم نجاحه مع المجتمع، بحيث يترك بصمته الإيجابية على حياة
الناس، بإنجازاته العلمية أو العملية وأعماله ومساهماته الخيرة من أجل إسعاد الناس
وخدمتهم، أما الذي يكون ناجحا في حياته الشخصية فقط فلا يمكن وصفه بالعظيم، كما أن
المرأة العظيمة هي التي تقوم بدورها على أكمل وجه دون تهاون، من أجل تخريج نماذج ناجحة
من الرجال، الذين يقدمون قيمة مضافة لأوطانهم.
إذن، لا بد عند الحديث عن دور المرأة في حياة
الرجل، من الاعتراف أولا بدور الأم باعتبارها المهندسة الأولى لمشروع إنساني عظيم،
فهي التي تحمل الرجل في أحشائها لتسعة أشهر، وتتعهده بعد الولادة بالتربية حتى يكبر
ويشتد عوده ويصبح مكتمل الرجولة، ثم يأتي دور الزوجة ليكمل دور الأم.
والسؤال المهم هو: لماذا لم يعد لدينا رجال
عظماء؟ هل عقمت أرحام النساء عن إنجاب العظماء؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق