الكتابة الصادقة ..معاناة
بقلم: بشير خلف
يوم
أطلق الجاحظ كلمته المأثورة منذ قرون، ما أطلقها عفْويا إنما بعد تروٍّ وتجربة ميدانية
وخبرة حياتية معيشة : « ... المعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي والعربي والبدوي
والقروي و ...» وذلك إثر استماعه إلى كلام منظوم فيه عظة وحكمة أعجبت بعض العلماء يومئذ
،وأعجبت الجاحظ عينه من ناحية ما اشتمل عليه هذا الكلام من ثراء المعاني وتنوعها .إلا أنه لم يجعل صاحب هذا الكلام المنظوم شاعرا، لأن الإجادة
كانت إلا في المعنى وحده.. والمعاني مطروحة في الطريق أمام كل الناس .. وما أكثرها.
إن
المعاني إذا كانت مطروحة في الطريق لا محالة، فإن الذي يلتقطها بلطف ويقدمها لغيره
ثمرة ناضجة ،نضرة ،طيبة الطعم ،لذيذة المذاق هو الفنان الأصيل الموهوب .
إن الأدب ليس معاني وأفكارا فقط، وليس صورا وتراكيب
وحسب ،وإنما هو نتاجٌ لعبقرية كامنة في نفس
صاحبها، تبدو في تأليف المعاني الممتازة والعبارة الحيدة، والاهتداء إلى أفكار غير
معروفة وغير متداولة. ومن يقدر على هذا غير الأديب الفذ المبدع الصادق في إبداعه .
غير أن معاناة المبدع الحق وهو يقدم عصارة
أفكاره للغير ليست بالأمر الهين أو بالشيء السهل ، خصوصا إن كان المبدع وكيفما كان
إبداعه يحيا بين ظهراني قوم تسود فيهم الأمية بأوسع مدلولاتها وآخر ما يفكرون فيه
:المعرفة والثقافة ..إن معاناة الفنان المبدع وليكن رساما، أو نحاتا.. موسيقيا.. شاعرا..
مسرحيا.. روائيا.. فالأمر سيان..
إن معاناة الفنان في هذه الحالة قد لا تتأتى في كثير
من الأحيان نتيجة صعوبة عملية الإبداع فقط ولكن تكمن المعاناة في المحيط الاجتماعي
والسياسي وتأثيرها في الفرد المتلقي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق