"
منْ بقي ليس كمنْ قطع الأقطار"
قرأتُ
رأيًا للروائي المصري الراحل فؤاد قنديل( 1944م ـ 2015م) في كتابه" أدب
الرحلة في التراث العربي"، يقول فيه عن أدب الرحلات:
« إنني أزعم أن أدب الرحلات أوشك أن يكون كالفلسفة تراثًا فقط، لا جديد
يمكن أن يُضاف إليه بعد أن تيسّر السفرُ، والانتقال لكلّ إنسانٍ، واستطاعت وسائل الإعلام بتقنياتها
الهائلة أن تجعل من العالم قرية صغيرة، وكتابًا مفتوحًا لأغلب شعوب الأرض.»
لستُ مع هذا الرأي، لأنّ (
منْ بقي ليس كمنْ قطع )، يمكن طرْح السؤال التالي:
هل كانت الرحلة مفيدة في العصور الماضية؛ وبسبب التطور الذي قرّب المسافات
بين البشر، انتفت الحاجة إليها كموردٍ للمعلومات؟
قال الرحّالة والمؤرخ،
والجغرافي أبو الحسن المسعودي(896م ـــ 957م):
« ليس منْ لزم جهة وطنه، وقنع بما نُمِي إليه من الأخبار من إقليمه، كمنْ
قسّم عمره على قطْع الأقطار، ووزّع بين أيامه تقاذفَ الأسفار، واستخراج كل دقيق من
معدنه، وآثار كل نفيسٍ من مكمنه.»
صاحب
كتاب " مروج الذهب، ومعادن الجوهر" يفرّق بين منْ بقي في وطنه، وبين منْ
وزّع أيّامه على الأسفار.
في رأيي إن
تيسّر السفر والانتقال زاد من أهمّية التواصل بين البش، وزاد من فضاءات الرحّالة
المعاصرين، وضاعف من خياراتهم للوصول إلى أماكن أبعد، وأغرب، وأمْتع.
..وتبقى الرحلات وسيلة فعّالة للاكتشاف، والتعارف، والتثاقف، والمتعة؛كما
أدب الرحلة وعاءٌ معرفيٌّ يضم مختلف أنواع الثقافة الإنسانية.