رحيل المفكر العراقي
طه جابر العلواني
الأكاديميون يبكون خسارة عالم
فذ
تحولت الصفحات الشخصية لمجموعة من الأكاديميين
العرب على مواقع التواصل الاجتماعي الفايسبوك، من اللون الأزرق المميز لهذا الموقع،
إلى الأسود بسبب رحيل المفكر والفيلسوف العراقي طه جابر العلواني يوم 4 مارس 2016 عن
عمر ناهز 81 سنة.
دوّن بعض الأكاديميين تعازيهم للساحة العلمية
العربية والإسلامية التي فقدت أحد أعمدتها وأركانها برحيل المفكر العراقي يوم الجمعة
الماضي. وتأتي هذه التدوينات كدليل قاطع عن مكانة الفيلسوف العلمية في مجال الفكر التجديدي
الإسلامي بشكل خاص، سيما وأنه اشتغل على هذا النوع من الأطروحات طيلة مسيرته العلمية
مثلما تشير جلّ مؤلفاته العلمية التي أصدرها خلال حياته وكذا المناصب التي شغلها وكان
آخرها رئاسة جامعة قرطبة الإسلامية بالولايات المتحدة الأمريكية.
أستاذ الفكر الإسلامي أحمد
بروال
موت المفكر بمثابة حياة لأفكاره
يرى الأستاذ المختص في الفكر الإسلامي بكلية
العلوم الإسلامية بجامعة باتنة1، أن المفكر العراقي طه جابر العلواني كان من كبار المجددين
في الفكر الإسلامي مثلما تظهره كتاباته المتنوعة، وكذا عمله ضمن فريق من المفكرين،
حيث كان العمل جماعيا ومؤسساتيا، وكذا تأسيسه جامعة للعلوم الإنسانية والاجتماعية بالولايات
المتحدة الأمريكية، التي ساهمت في تخريج أفواج من الباحثين، وكذلك له العديد من المؤلفات
الدالة على اهتماماته العميقة بأزمة الأمة الإسلامية، مؤكدا الدور الكبير الذي لعبه
احتكاكه بالجامعات الغربية في منحه ميزة لتبيان أنماط الحياة هناك والفجوة الكبيرة
وكشف جوانب التخلف عن العرب والمسلمين. وختم الأستاذ حديثه باعتبار طه جابر وأمثاله
من الرجال الذين بعثوا جذوة الفكر الإسلامي الحضاري في أجيال من الشباب، فالعالم الإسلامي
بفكره هو أكثر فهما لأزمته وأكثر وضوحا لسبل نهضته، كما أن موت هذا العالم والمفكر
هو حياة لأفكاره على صعيد آخر.
البروفيسور العربي فرحاتي
ما أسّسه العلواني سيزدهر
إبداعات هنا وهناك
ترحّم البروفيسور العربي فرحاتي، مدير مخبر
تطوير نظم الجودة في مؤسسات التعليم العالي والثانوي بجامعة باتنة1 ، على الراحل الفيلسوف
العلواني واختصر الكلام عنه في كونه مفكرا عراقيا جاهد بفكره وعاش من أجل الإسلام الحر،
ومات حرا وسيبعث حرا من كل وثن. ليسترسل في الحديث عنه بعدما أشار إلى إضافة الفيلسوف
لمفاهيم في حرية الفكر وحرية العقيدة ورسخ التعدد والتنوع كأصول منهجية في الفكر الإسلامي،
مؤكدا بأنه عالم مجدد وأضاف إلى الفكر الإسلامي مفهوم جديد يتعلق بتأصيل وتنظير مفهوم
أسلمة العلوم، وقال عن تأثر الساحة العلمية بعد رحيله، إن الساحة العلمية العربية فقدت
فقدان إرث ثقيل على الأمة الإسلامية، ولكنه
ورث علما سيتوالد علوما وسيستمر في الحياة الفكرية، فقد أسس ولا خوف على ما أسسه، سيزدهر
إبداعات هنا وهناك.
الأستاذ عبد المالك صاولي
أعجز عن الحديث عن هذا العملاق
بعد أن احتككت به
يقول الأستاذ في الدعوة والإعلام، إن الفيلسوف
طه جابر العلواني واحد من عمالقة الفكر الإسلامي، فهو الرجل الذي عرفته شخصيا وارتويت
من معينه منذ سنوات، فكر نيّر وقلب صادق، من منظري الأمة الإسلامية ولا أظن أحدا يسد
ثغرته التي يقف عليها، قائلا بأن الأمة الإسلامية قد تيتمت برحيل أمثال هؤلاء، فقد
كان مع أصحابه في رابطة العالم الإسلامي قطبا فكريا لا يستهان به، ويمكن اعتبار ما
صدر عن هذا المركز محورا لتجديد الفكر الإسلامي، كما يُعد مرجعية فكرية بكل المعاني
رغم أنه لا يمثل أي تيار فكري بارز، ولكنه من مدرسة مالك بن نبي مع إدوارد سعيد وكثير
من الرواد الذين أسسوا هذه الرابطة كمحاولة للمّ شمل الفكر والمفكرين المسلمين لدراسة
أهم مشكلات الحضارة والتحديات التي تواجه الفكر الإسلامي والحضارة الإسلامية، محاولا
إعطاء بديل فكري حقيقي بعيدا عن التسييس والتمذهب الفكري.
الأستاذة إيمان بن نعجة
الساحة الإسلامية العلمية
فقدت مفكرا جريئا وذكيا في طرحه
تقول الأستاذة بقسم الإعلام والاتصال بجامعة
الجزائر 3، إن أول ما يلفتنا في سيرة المفكر والفقيه الإسلامي الدكتور طه جابر العلواني،
مسيرته العلمية المشرّفة جدا للإسلام، ويتجلى ذلك من خلال إنتاجه المعرفي، ولعلّ أبرز
ما قدّمه في مسيرته العلمية الإسلامية، هو طرحه لإشكالات عميقة وجديدة في مشروع إسلامية
المعرفة منتصف التسعينيات، حيث ازداد خطابه المنهجي والنظري قوة على ما كان عليه، واتسم
بالحدة في النقد، والجرأة في التعبير، بحيث لم يتوان في اتهام الفقه الفروعي بفرض الإصر
والأغلال على الناس، ردا على شريعة التخفيف والرحمة ورفع الحرج. وتبرز قوة خطابه في
العمق الملموس بالمشروع منهجيا ونظريا، في تأكيده على تجاوز الخطاب العام إلى التدقيق
في المفاهيم والمعارف، وظهور مفاهيم جديدة ستكون ذات حمولة اصطلاحية مكثفة، كمنهجية
القرآن المعرفية، الجمع بين القراءتين، الفلسفة، وإن كانت رائجة في كتاباته السابقة.
كما يعرف عن الفقيه منذ بداياته المساهمة
في طرح القضايا التي تمس صميم المجتمع الإسلامي عبر تركيزه على الصراع بين التيارات
الاجتماعية والسياسية والثقافية في الوطن الإسلامي وتقويم أساليبها وانتقادها، كما
ساهم في التقليل من أهمية حركات النقد والمراجعة كونها لم تقترن بالشروط الموضوعية
اللازمة لإنجاح عمليات المراجعة والنقد الذاتي، أو بطرح البديل الموضوعي الصالح، هذه
المفاهيم تعدّ المؤسسة لمرجعية مشروع إسلامية المعرفة.
غير أنّ الدكتور العلواني، في مشروعه عمل
على قضية المناهج والمفاهيم والتاريخ، وحدود استمراريتها ونجاعتها، أقرّ بأنّ التركيز
على الجزئيات والتفاصيل، حال دون استحضار التاريخ بعمق في نقد المعرفة التراثية الإسلامية
التي كرست التقليد والتكرار والتكديس والاجترار. وما لا يمكن تجاوزه هو التميّز في
العمل على تغيير صورة الإسلام، بالتأكيد على الأزمة الفكرية للأمة، وتقديم الأسباب
التاريخية والموضوعية لهذه الأزمة من خلال قراءات التاريخ الإسلامي الحديث، عبر رصد
محاولات الإصلاح بدءا بتجربة الدولة العثمانية والتجارب الأخرى المستقلة عنها، ثم دراسة
فشلها الذي قدّم الإسلام عنصر أزمة وتأخر. يمكن القول وبكل موضوعية إن الساحة الإسلامية
العلمية فقدت مفكرا جريئا وذكيا في طرحه، رجلا دافع عن رسالته، ترك بصمته في كتاباته،
خاصة بعدم التفرقة بين السنّة والشيعة ويكرر مقولته “هؤلاء الشيعة إخواننا مسلمون مثلنا،
قبلتنا واحدة، ديننا واحد، قرآننا واحد، نبينا واحد، متفقون على تحريم ما حرم الله،
وإباحة ما أباح، وفرضية ما افترض”.
الفقيه الذي تجاوز في نظرته إلى أصول الفقه،
المنحى التاريخي العرضي، إلى الكشف عن النظرية المعرفية التي تأسس عليها علم أصول الفقه،
وهي الإيمان بالوحي الإلهي مصدرا هاما للمعرفة إلى جانب الكون، في إطار الجمع بين القراءتين،
ورفض تحويل حياة الأمم إلى قوائم من أحكام تكليفية ووضعية بانتقاده لفكرة تفقيه حياة
الناس تحت غطاء ولاية أو ما يشبهها عند السنّة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق