الخميس، 29 أبريل 2021

 ما رأي عُشّاق " فافا" المنبهريين بحرية التعبير فيها؟

بشير خلف

       أعلن رئيس أركان الجيوش الفرنسية،أن الجنرالات الفرنسيين الذين وقّـــعوا مقالا مثيرا للجدل يدين "تفكك" فرنسا، معرضون للطرد أو لعقوبات تأديبية.

       وقال الجنرال فرانسوا لوكوانتر لصحيفة "لو باريزيان" مساء الأربعاء إن الجنرالات الـ18 من "القسم الثاني" -على وشك التقاعد لكن يمكن استدعاؤهم بعد ذلك- الذين وقّعوا العريضة، "معرضون للشطب أي للإحالة على التقاعد الإجباري".

       وأضاف: "كل هؤلاء الضباط سيمثلون أمام مجلس عسكري أعلى. وفي نهاية هذا الإجراء، فإن رئيس الجمهورية هو الذي يوقع مرسوم الشطب". وتابع "أتمنى أن يقدموا طلبا للتقاعد".

      ما رأي منْ يمدحون عندنا ديمقراطية فرنسا، وتمسّكها، ودفاعها عن حرية التعبير؟ 

 

الاثنين، 26 أبريل 2021

 أحقًّا غُـــرّب الشعر وهُمِّش..؟

بشير خلف

       يرى نقّاد، وكُتّابٌ، ومبدعون في الأدب أن الجامعات العربية من المحيط إلى الخليج لعبت دورا في تغريب الشعر العربي، وتهميشه على حساب الرواية ومتخيلها، وصناعتها، إذ لا يـخفى على العارفين بمسار الثقافة العربية أن الشعر حظي بمكانة مرموقة في الثقافة العربية، حتى عدّه النقّاد من قديم "ديوان العرب"، لأنه يتضمن تفاصيل حياتهم خاصة في عصر ما قبل الإسلام.

      استمرت تلك المكانة عبر العصور الأدبية العربية، غير أنّ انفتاح الثقافة العربية على التجربة الإبداعية الغربية عبْــر "المثاقفة"، زعزع عددا من المسلّمات، وبدا الشعر للمثقف العربي عاجزا عن التعبير عن مستجدات الحياة الاجتماعية، فانحاز العرب إلى الرواية، والقصة القصيرة، والمسرحية وغيرها من الفنون الحديثة.

      في رأيي الشخصي أن الشعر إبداع نخبوي بامتياز، مبدعوه، متلقّوه، وعاشقوه قلّة خاصّة الفصيح منه، إضافة إلى دُور النشر لا تُرحّب به لقلّة رواجه عكس الرواية التي شقّت طريقها بقوّة لأسباب مختلفة، منها انتشار مقروئيتها، ظهور الجوائز المالية، خاصة البترودولارية، والترويج لها كنص سردي جمالي مفتوح، يسع كل الأجناس الأدبية، الإعلام في الترويج لها، وترسيخها كمنتج ثقافي يمكن أن يحقق ربحا ماديا كبيرا، كما لعبت الترجمة دورا كبيرا في سرعة انتشار الرواية؛ وبطبيعة الحال لعب النقد، والإعلام، والسينما أدوارا في إحلال الرواية المكانة التي حازتها عليها.

الأربعاء، 21 أبريل 2021

 تُسْقى بماءٍ واحدٍ..؟ ! !

قال الله تعالى:

وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (الرعد/ 4)

      يبن الله لعباده في هذه الآية الكريمة أنّه خلق في هذه الأرض قِطعًا أرضية تجاور بعضها بعضًا، منها ما هو طيِّب يُنبتُ ما ينفع الناس، ومنها سَبِخة مِلْحة لا تُنبت شيئًا، وفي الأرض الطيبة بساتين من أعناب، وجعل الله فيها زروعًا مختلفة، ونخيلا مجتمعًا في منبت واحد، وغير مجتمع فيه، كل ذلك في تربة واحدة، ويشرب من ماء واحد؛ ولكنه يختلف في الثمارْ والحجمْ والطعم وغير ذلك، فهذا حلو، وهذا حامض، وبعضها أفضل من بعض في الأكل، إن في ذلك لَعلامات لمن كان له قلب يعقل عن الله تعالى أمره ونهيه..

الثلاثاء، 20 أبريل 2021

 الفرنسية ثقافة أم سياسة؟ 

بشير خلف

       وهذا ما قام به المحتل الفرنسي الذي:

«فطن إلى أهمية صناعة أنتلجنسيا (نخبة مثقفة) محلية، تكتب بلغته، وتفكر بها؛ بل تسود من خلال التمكن منها باعتبارها تابعا أمينا له، ومخلصا مطيعا يعمل على الحفاظ على مصالحه في رقعة جغرافيا واسعة من العالم. وكان التعليم هو السبيل الأمثل لنشر اللغة التي كرّست نوعا من التفوق والرقي الاجتماعي». (الجزيرة نت.. ركادة حميد ناقد مغربي)

      في رأيي الشخصي كلاهما، وأخطرهما لمّا تكون ثقافة، من خلالها تتمكّن من عقول التُّبع، والمنبهرين تتحوّل إلى سياسة تؤدّي إلى الهيمنة، وتصنع قيادات تابعة إلى فرنسا الرسمية، تنفّذ ما تأْمر به، وما تخطّط له؛ كما تصنع نخبة ثقافية وإعلامية تنشر ثقافتها، وتحتفي بها، وتعمل على نشْرها، والترويج لها.

الأحد، 18 أبريل 2021

عقابٌ للعبرة..

        يقول مدير ثانوية: توجهت إلى الثانوية التي أُديرها، وإذا بي أتفاجأ بكتابة وتشويهات بالبخّاخ على السور الخارجي للمدرسة! وبعد التحري وحصْر المتغيبين في ذلك اليوم تم معرفة الفاعل " طالب في السنة الثالثة ثانوي"، تم التواصل مع ولي أمر الطالب، وبعد حضوره ومشاهدته للكتابة على سور المدرسة ومناقشة المشكلة معه، طلب - وبكل هدوء - حضور ابنه.. وسمع اعترافه بهذا العمل.

      فأخرج هاتفه واتصل على دهّان وطلب منه الحضور للمدرسة بعد تحديد موقعها. اتفق معه على إعادة دهان الجدار بنفس اللون ليعود أفضل مما كان. ثم التفت لابنه وقال له بكل هدوء:

( يا ولدي إذا ما تقدر ترفع رأسي لا توطّيه) !!

        ثم استأذن وانصرف. يقول المدير:

ـــ نظرت إلى الطالب وإذا هو واضع كفيه على وجهه ويبكي، وأنا ومستشار التربية في قمة الذهول من أسلوب هذا الوالد، وأثر هذا الأسلوب على ولده!

      فقال الطالب لنا وهو يبكي:

ــــ يا ليت أبي ضربني ولا قال لي هذا الكلام.

       ثم اعتذر الطالب وأبدى ندمه على ما قام به، وبعدها صار من خيرة طلاب الثانوية. المربي الناجح هو من يستثمر " الخطأ والمشكلة " لتعديل وتقويم السلوك.

وقديماً قيل:

" الخطأ طريق الصواب "

( العقاب ليس هدفاً )

الهدف علاج المشكلة والخروج بنتائج إيجابية.
 

الجمعة، 16 أبريل 2021

  حديث القُبّرة..

 سيرة ذاتية الإكراهات، والُـمحْبطات.. فالمكلّلة بالنجاحات

بقلم: بشير خلف

      أتممتُ توًّا قراءتي الماتعة للسيرة الذاتية للكاتب الصديق، السّارد الكبير، والشاعر سعدي صباح، الموسومة بــــــ "حديث القُبّرة" التي صدرت أواخر السنة الماضية 2020 عن دار خيال في 213 صفحة من الحجم المتوسط. نصٌّ سيراتي جذّابٌ، ساحرٌ، لم أشعر في جلستي الأولى وقد قرأت 105 صفحات، وفي الجلسة الثانية 63 صفحة، وفي الثالثة بقية الصفحات 45 صفحة.

      سيرة مليئة في بداياتها بالإكراهات البيئية، البدوية، والمطبّات الاجتماعية في وضْع تاريخي استعماري مظلم على كل مناطق الجزائر بما فيها منطقة الكاتب الذي برغم ذاك كان في حضْن أسرة كريمة، أصيلة وجد فيها الحضن الدافئ، والحنان الكافي، وشمائل البادية، وقيمها النقيّة الأصيلة. الكاتب صباح من خلال قراءة سيرته استخلصتُ أنه من منبت أصيل نقيٍّ، مـمّا ساعده أن يكون من ذوي العزم، والتصميم في الانتصار على الإكراهات، وتجاوز المطبّات بحنكة ذاتية، والاستفادة من الغير سواء في مرحلة التنشئة، أو في مرحلة الدراسة بالكتاتيب، ثم في مراحل الدراسة النظامية بعد الاستقلال، ونفس العزيمة في تجاوزها أثناء مرحلة التدريس بالتعاون، والعشرة الطيبة، ومساعدة الكل، والعفو عن الجميع أصدقاء، وأعداء، وتحاشي تصفية الحسابات التي يلجأ إليها ضعاف النفوس، ويسمو عنها الكرام.

       سيرة طافحة؛ بل باذخة بالرومانسيات ــــــ لا الحميميات ــــ في الكثير من المحطات المُغْرية التي نجا منها ليخلص إلى واحدة أنجبت له البنين، والبنات، وقد حباه الله بهم، وبهنّ، حيث نجّاه الله من إغواء الكثيرات لنقاء سريرته الأصيلة، وتشبّعه منذ الصغر بقوّة الإيمان، ونقاء روح البداوة.        

       يرى البعض من النّقّاد، وكذا المهتمّين بأدب السيرة الذّاتية من اللأفضل ألاّ يُقْدِم الكاتب الأديب، المبدع على كتابة سيرته، إلّا إذا رأى في حياته عدّة أحداث فارقة تستحقّ الوقوف عندها، بينما البعض الآخر يُــقرّ حتى وإنْ توفّرت الأحداث لا ضرورة أن يكتب كل كاتب سيرته الذاتية، حيث جميع الأعمال الأدبية التي قدّمها، ويقدمها هي جزء من سيرته الذاتية، سواء كانت قصيدة، أو رواية، أو قصة، أو لوحة.. ما يهمّ أن يُــــتقن تقديم نفسه أمام المتلقّي، بمواضيع إنسانية راقية، ذات حمولة قيمية جليلة، بلغة جيدة، وأسلوب جذّاب، سلسٍ، ومصداقية عالية في الطّرْحِ.. آراء في تقديري تعجيزية للقارئ العادي إنْ أخذ بهذا الرأي كي يعرف حياة وسيرة الكاتب عليه أن يبحث عن كل كتاباته، وإبداعاته، ويقرأها، ويستخلص منها السيرذاتية.

         إنْ جارينا هذه الآراء فأديبنا سعدي صباح، ربّما ليس من حقّه كتابة سيرته التي بين أيدينا، وليس من حقّنا قُرّاءً أن نتمتع بهذه السيرة المبهرة، الغنية بتحرّك " القبّرة" العصفورة، الجميلة الكثيرة الحركة التي لا تهدأ، وتستقرّ إلّا وهي بين هذه الباحات الخضراء مع الحيوانات، والطيور، ومُـمارسة الصيد؛ أو في هذه البلدة، أو تلك المدينة، وقد يكون الرحيل أسبوعيا إلى المغرب، ثم في المرحلة الثانية بعد التقاعد إلى هذا الملتقى، أو ذاك، أو المشاركة في هذه المسابقة أو تلك.

           خصّص الكاتب بالكاد 60 صفحة لأهمّ مرحلة في حياته التي موْقعَـــتْه فكريا، وأدبيا، أكثر من موقعه مربيًا، ومعلمًا.. موْقعَتْه لا أقول فحسب إلى جانب الكبار في السّرد القصصي بالجزائر، والعالم العربي، والشعر الشعبي، فكان من مثقفي الجزائر، وكُتابها، ومبدعيها، والمنافحين عن هويتها، وخاصة اللغة العربية عمليا في جميع محطّات حياته؛ مسيرة طويلة بدايتها قلم القصب، والسّمق، والدّواة في الكُتاب، فحصولًا على " القلم الذهبي الإسباني"، وصولًا وتـموقعًا، واستمرارية في فضاءات: صالون يازيد عقيل، بيت الشعر، اتحاد الكُتّاب، وغيرها من الفضاءات، استهلالًا مباركا بأوّل خاطرة أدبية تنشر له في جريدة الجمهورية، نصوص أخرى: اليوم، العالم السياسي، الموعد، صوت الأحرار، ليتوالى حضور الملتقيات؛ مسيرة ثرية لتتوج بالعديد من الإصدارات، والمجاميع القصصية: عرسٌ في الزنزانة، سرّ البيت المفتوح، عرس الشيطان، ثم حديث القبرة ..هذه السيرة الثرية، الباذخة.

       نصٌّ سيراتي ساحرٌ، جاذبٌ للمتلقّي، ما ينفكّ يغوص في زواياه، وتمفصلاته، يتماهى فيه مع الكاتب، يُماشيه في مراحله، خاصّة منْ جايَـــلَه، وعايش نفس الأوضاع: بادية، صحراء، نزوحًا إلى المدينة. نصٌّ سرديٌّ بامتياز اتّكأ على سلامة اللغة، وحُسْن توظيفها، في مواقعها. غواية السّرد في نصّ " حديث القُبّرة" تُلْقي بالقارئ بحبائلها الماتعة، إذْ يتيه في سحْرها أهو يقْرأ رواية، أم سيرة، أم الاثنتيْن.

 

الثلاثاء، 13 أبريل 2021

أفضلُ معلّمٍ

هو مدرسُ علومٍ من ريف كينيا طوال سنواتٍ يتبرع بـمُعظم راتبه لدعم الطلاب الفقراء حتى يواصلوا تعليمهم. مؤخراً حصل على جائزة مليون دولار تُـــــعطى لأفضل معلم في العالم.

السبت، 10 أبريل 2021

لعبة الدولار

        في عام 1970 اكتشفت فرنسا أن أمريكا تقوم بطباعة الدولار دون غطاء من الذهب، فأوقفت مع عدد من دول أوروبا، وآسيا تعاملها بالدولار، وخرج الرئيس الفرنسي ديغول في خطاب شهير يخاطب امريكا: (لن تشتروا ذهبنا بالورق).

       كانت أمريكا غارقة في حرب الفيتنام، والاقتصاد شبه منهار، والقرار الفرنسي كان هدفه تدمير الدولار، وأمريكا معاً. لكن سرعان ما قامت 44 دولة وعلى رأسها السعودية، ودول الخليج بالإعلان أنها لن تبيع النفط الا بالدولار!!

        وكانت دول مثل الصين، وفرنسا، والبرازيل تحتاج للنفط، فهي مجبرة أن تبيع منتجاتها بالدولار للحصول على الورق اللازم لشراء النفط؛ فكانت تلك الخطوة أشبه بقبلة الحياة للدولار، ولأمريكا، الأمر الذي شجّع الرئيس الامريكي نيكسون ليعلن عام 1971 إلغاء ربط الدولار بالذهب، ولأمريكا الحرية في طباعة ما تشاء من الدولارات؛ بل ويعلن أنه لن يعيد احتياطات الذهب التي أودعتها الدول الفقيرة (بما فيها الدول العربية) عنده مقابل الحصول على الدولار الُـمغطى بالذهب.

       ومن هنا بدأت قصة العملة الصعبة، ولتكون تلك الحادثة أكبر عملية نصْبٍ في التاريخ، وسـُمّيت بصدمة نيكسون.

 

الثلاثاء، 6 أبريل 2021

..هنا لندن

بشير خلف

  في السبعينات، والثمانينات كانت الثقافة بخير في العالم العربي، والجزائر، وكانت الإذاعات العالمية مساهمة كثيرا؛ من ذلك أذكر أن القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانيةB.B.C ، كان يقدم أكثر من برنامج ثقافي، فكان الإذاعي الشهير حسن الكرمي يقدم برنامجه المحبب (قول على قول)، وكان القسم يقدم برنامج (لكل سؤال جواب)، فضلاً عمّا كان يقدمه الشاعر المصري فاروق شوشة من لقاءات، مع قامات شعرية وفنية وعلمية باذخة في برنامجه (لقاء مع..)، وكذلك البرنامج الشهير (السياسة بين السائل والمجيب)، ومسرحيات مقتبسة من روايات لكتاب عرب، أذكر منها رواية ( باسمة بين الدموع)، للطبيب، الأديب السوري عبد السلام العجيلي، أصيل مدينة" الرقّة).     

        أتذكّر أن هذا القسم العربي كان يصدر مجلة شهرية ورقية (هنا لندن)، تتضمن برنامج الإذاعة الشهري، والبعض من مضامين تلك البرامج الثقافية، والنصوص الأدبية المذاعة، ومن زوايا المجلة المستمرة شهريا: عالم الأدب، أصحاب الرأي، من ثمرات المطابع، الحديث الثقافي، في ربوع بريطانيا، التجارة والصناعة، في ركاب العلم، أسبوعيات الثقافة والفن.

كانت تصلني إلى بلدتي " قمار" حينذاك، مفتتح كل شهر، تصل كلّ من طلبها في العالم العربي مجّانا. ولـــــمّا تحوّلت إذاعة لندن، ضاعت الثقافة.

 

 بشير خلف و«السيرة الذاتية»: من الأداتي إلى الجوهري

عبدالحفيظ بن جلولي/ صحيفة القدس العربي. 04 أفريل 2021

        قراءة السيرة الذاتية تثير بعض الأسئلة، ولعل طبيعتها الذاتية تفسر شيئا من ذلك، ويمكن أن يكون اختيار بعض المفكرين والكُتاب، السيرة الفكرية تجنبا لمثل ذلك الطائف من السؤال، الذي يراود ذهن القارئ، فلا يمكن إغفال التساؤل حول المغزى من الكتابة السيرذاتية، هل يريد الكاتب أن يقول ها أنذا؟ هل يحاول أن يكتب مسارا مهنيا لوجوديته القلقة؟ هل يريد أن يقدم تجربة حياتية بسيطة كما حدثت؟ هل يريد أن تكون السيرة بداية، باعتبارها حياة بالكلمة والمعنى؟ هذه بعض الأسئلة داهمتني وأنا أتابع قراءة «حياتي في دائرة الضوء» السيرة الذاتية للأديب الجزائري بشير خلف.

 سيرة ذاتية أم اعتراف؟

يبدأ بشير خلف سيرته الذاتية بسؤال ماهيتها، وبعد أن يقف عند آراء عدد من الكتاب، منهم فيليب لوجون، الذي يؤكد على «التطابق الحقيقي بين شخصية المؤلف وشخصية الراوي» في السيرة الذاتية، ويعرج على إحسان عباس الذي يرى فيها رابطة تقرب بين الكاتب وقلوب الناس، يطالعنا برأيه في السيرة بأنها «اعتراف» لكنه يعترض عليه بقوله: «الاعتراف ممنوع حتى إشعار آخر» وذلك لاعتبارات المجتمع، والتصريح بذلك شفاهة، أو كتابة «يقتضي من صاحب السيرة ذلك الفعل الجريء، ولحظات من التردد والارتباك والحيرة» فالسيرة عند بشير خلف هي إمكانية من الإمكانيات التشاركية، التي يتعرض لها الكاتب خلال مشواره الإبداعي ليقول ذاته مقتربا منها، ومن ثمة الاقتراب من الناس، ولعل الهاجس الذي يركب كاتب السيرة الذاتية عند تداول الفكرة بينه وبين ذاته تجعل المجتمع، مسبقا، عنصرا من عناصر الرقابة على الكتابة، ومن هنا تأخذ طابعها الاعترافي العميق، ويقع الكاتب متربصا بأفكاره التي تحمل آثار خطاه على أرض الواقع والحياة، وحينما يتحرر من رقابته الذاتية الشديدة تنفرج تلك الكتابة السيرية الجامحة التي تضع الذات أمام مرآة ذاتها، تماما كما عبرت الواقع وقاربت بؤر الدنيوة ببشرية ضعيفة متعاركة مع ذاتها والواقع، وتلك السيرة، مرفوضة مجتمعيا وفق رؤية بشير خلف، ربما لم نصادف مثلها سوى عند محمد شكري في «الخبز الحافي».

 المكان ورمزية الضيق والصراخ

ولد بشير خلف في مدينة قمار عام 1941 يصفها: «تلك المدينة التاريخية والعاصمة الدينية.. مُنحت انبساط الأرض وسهولتها، وقرب الماء من السطح. هذه المدينة تحمل مواصفات المدن العربية، لها أبواب». المكان بالنسبة للمبدع ليس فقط بؤرة الميلاد، إنه أيضا الذاكرة التي يتباهى بها أمام بلاغة اللغة ذاتها، وأمام الآخرين، إنها المرآة التي يحملها معه لترى الأشياء ذاتها على صفحتها. يصبح المكان معيارا بما شكّله مخيال الكاتب له، ولهذا لا يكتفي بمجرد تحديد جغرافية المدينة، بل يمد شرايينها في جغرافية الامتداد القومي، ترابا وبشرا، حيث يأتي على ذكر العديد من مفكريها وعلمائها، ومنهم المؤرخ الجزائري أبو القاسم سعد الله، والتيجاني بوجلخة عالم الرياضيات، ثم ينتهي إلى ذكر ابنيها شيخ القراء في المدينة المنورة إبراهيم بن القيم المقيم في السعودية، والشيخ بشير الباري مفتي دمشق وخطيب الجامع الأموي الذي توفي في السنوات الأخيرة.

يبحث المبدع عن معالم مستقرة في وعيه كعلامات دالة قابلة للتشارك مع الآخر، ممعنا في تكريسها كجرس صغير على رقبة حمل وديع ليكون قرع الجرس الخفيف منبها يحول النظر إلى المدينة التي أنتجت مبدعا يناور على حدود اللغة، ولهذا يحاول المبدع أن يجد تلك التماسات، التي تجعل المكان الميلاد مستمرا في وعي جغرافي ممتد، ولأجل استمرار جرس المكان المفتوح، ينتقل إلى المكان المغلق (البيت) ليركز بدايةً على علامة مميزة في الميلاد، «في هذا المنزل، نزلْتُ إلى العالم… وسمعتَني أملأ الغرفة الضيقة بكاء وصراخا».

يضع المبدع وعيه على رمزيات معينة، يحمّلها شيفرات تختزن رغبة الذات في الاستمرار والكينونة المعلنة، الأكيد أن الغرفة الضيقة والصراخ، لم يعايشهما، لكن اللغة تعتبر بالنسبة للكاتب ورشة لتصنيع المدى الذي يرنو إليه، فالضيق صنع اتساع المركز، وامتداد الاسم، أما الصراخ فهو جرس مادي للانتباه إلى الكينونة المستقبلية، وهو ما يحيلنا إلى أن الكتابة السير ذاتية، قد تُكتب في لاوعي صاحبها بوعي لحظته التي يكتبها فيها أحيانا.

      اندمج في سلك التعليم بعد الاستقلال وترقى فيه، ومما يذكره أن بدايات الرحلة مع الحرف كانت في السجن، إذ كان نزوله فيه مع ثلة من مثقفي جمعية العلماء، واستطاع السجناء أن يفتكوا من المستدمر الحق في التعليم باللغتين الفرنسية والعربية، فتعلم من أساتذته قراءة الكتب، ومن هناك كانت البداية.

 من الأداتي إلى الجوهري/ الرحلة نحو الثورة

يربط بشير خلف الكاتب والقاص بين وفاة والده عام 1956 وخروجه للعمل، وهو ما يحمل إشارة الانفكاك إبداعيا من سلطة ما، لأن العلامات التي يقدمها المبدع في سيرته الذاتية ليست ترفا معلوماتيا يقف عنده القارئ للترفيه، وإنما هي رمزيات تحيل إلى تأويل دلالاتها، كونها تفيد في تفكيك شيفرات الكتابة السيرذاتية، فالخروج إلى العمل إثر وفاة الوالد، والتأكيد على «أم في ريعان شبابها تفرغت لتربيتنا ولم تُعِد الزواج» يحمل في طبقاته المضمرة الخروج إلى الإبداع، من رحم البيئة الأسرية التي تواجه ضراوة المستعمر بتحدي الاستمرار في ثبات الهوية النضالية، فالأم ليست سوى صورة للوطن الذي تبنى قضيته منذ هبوطه إلى مساق الحياة، «اشتغلت في ورشات البناء المحلية» «أتجه نحو ضواحي البلدة البعيدة بحثا عن الحشائش، فأقتلعها وأعود بها على ظهري أبيعها» «كنت يوم الجمعة أساعد أحد باعة هذه الخضر» هذا الانتقال بين هذه الأشغال، يحيل إلى العلاقة بين العمل كضرورة تحررية وغياب الأب، الذي ساهم في اكتشاف الهوية النضالية في مجال الحياة، وبالتالي يصبح هناك فرق شاسع بين التخلص من الأب أوديبيا، والانطلاق من غياب الأب، فالهامشين جد متمايزين نضاليا، فحالة بشير خلف تؤكد التوجه نحو الحرية في أمدائها الفسيحة، انطلاقا من الشعور الإيجابي بغياب الأب كسلطة حامية، ومن هنا يبدو ذكره للأم التي لم تُعِدْ الزواج لأجل أن يجعل مركز التحول والنضالية هو استمرار العلاقات المتداولة بين سلطة الأب ووجدانية الأم، ودورهما في التكامل، ودافعيته على الاستمرار، وهو ما سوف يعلن عنه بما يؤكد تأويلات غياب الأب ونضالية الأم في سبيل إذكاء روح التحرر، فعلى المستوى الاقتصادي/العملي يذكر: «في بداية 1960 وجدت نفسي في قلب مدينة عنابة، في حيها الشعبي محضن الثورة الجزائرية، أملك متجرا صغيرا».

من غير الممكن أن تكون هذه الجملة تعبيرا ترفيا المراد منه فقط إخبار القارئ بسيرورة حياة، لأن المفصل الدال في عمق القضية الاقتصادية (شراء محل)، هو ورود الحي باعتباره دالا ثوريا، ومن ثمة كان الحصول على متجر خاص، تعبيرا عن التحرر من قيد التبعية للغير في المعاش، ما سوف يقود حتما إلى تنامي الروح الثورية، وهو ما يستنتجه الكاتب، من خلال حركة دورة المحل الاقتصادية، إذ يؤكد ابتداء على التنوع البشري في الساحة التي يوجد فيها المحل، ثم رواج السلعة، ثم بعد ذلك إتقان أداة التواصل (الفرنسية)، «ما سمح لي في التواصل أكثر مع العساكر، لتبدأ مغامرتي الثورية معهم» والمغامرة مصطلح ثوري عميق في الدلالة السياسية الوطنية، التي تحمل عنصر العناد والاستعصاء عن الترويض، إذا تعلق الأمر بضرورة الخلاص من المستدمر، فسلطة الأب استمرت في الروح النضالية التي تحولت من الاقتصادي الأداتي إلى الثوري الجوهري.

 المسار المقدس من الثكنة إلى المدرسة

«السؤال الذي انتصب أمامي كالجبل أيامها: كيف الخروج من الجيش؟». في مسار الإبداعية الجزائرية لابد أن نذكر ياسمينة خضرا، الذي كان ضابطا في الجيش الوطني، ثم صار روائيا عالميا، ومنه يتردد سؤال الانضباط العسكري والتحرر الذي يتطلبه سقف الإبداع، فرغم نبل المهمة العسكرية وامتيازاتها، وهو ما يذكره، إلا أن بشير خلف اختار «رسالة الرسل والأنبياء» كما أطلق عليها، وناضل أيضا في سبيل الانفكاك من سلطة المؤسسة العسكرية، ليلتحق بواجب آخر على مستوى مختلف.

اندمج في سلك التعليم بعد الاستقلال وترقى فيه، ومما يذكره أن بدايات الرحلة مع الحرف كانت في السجن، إذ كان نزوله فيه مع ثلة من مثقفي جمعية العلماء، واستطاع السجناء أن يفتكوا من المستدمر الحق في التعليم باللغتين الفرنسية والعربية، فتعلم من أساتذته قراءة الكتب، ومن هناك كانت البداية. تتماوج الحظوة الإبداعية داخل الذهن، فتحيل الواقع متخيلا جماليا يتنافس على حلبة الحياة مع غيره من المجالات، وعادة ما تكون له الريادة، لأن الواقع لا يمكن أن يكرس سطوته إلى الأبد على من تفتقت قناديل الإبداع في توترات عقله، وأديبنا بشير خلف يذكر أنه في بداية مساره المهني التعليمي، نهره أحد المستشارين ومنعه من التدخل بحجة أنه مازال متمرنا، ورغم غضبه منه، إلا أنه كظم ذلك إلى حين، لكن كما يقول: «قد خدمني على الرغم من ذلك، دون أن يشعر، فقررت أن أكون معلما مساعدا» ولم يُظهر له عدم رضاه، بالعكس استفاد من كتابه «طرق التدريس في التعليم الابتدائي» ولهذا فالإبداع محاورة بين ذات ومرآتها، صورة للذات في واقع لا يميز بين الصورة والحقيقة إلا من حيث إنهما توافق، والمبدع يراهما اختلافا، ومنه تنبثق روح الإبداع المشاغبة.

الجمعة، 2 أبريل 2021

  ..المتاجرون المخادعون بأعذب الكلام ! !

     قال تعالى:

  ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ۞ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ۞ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ [204، 206 / البقرة].

         يُـخْــبر الله عباده بأخطر صنْف من أصناف البشرية على الناس، ذلك الصنف الذي هو من عتاة المنافقين، وخبثاء الكافرين، وأمهر المتملقين، يظهر لك الموافقة على كل ما تريده، ويغشك بما يعجبك من القول، وقد يتعاون معك على كل عمل تُـــقدم عليه، ولكنه في الباطن يحفر لك، وهذا النوع من الناس خطير جداً، خصوصاً في هذه الأوقات التي غلب على أهلها حُــبُّ المادة والشهوات يكون لهم فيها مجال خصب يرتع فيه هؤلاء.

     والله تعالى يدلنا على حقائقهم، ومكنونات قلوبهم الخبيثة، وسلوكاتهم الدنيئة إذا حصل لهم نفوذ، أو نجح لهم تدبير، ولهم تـــفنُّـــنٌ عجيب في ذلك، عندما يجندون لصالحهم عُصبٌ  تحيطهم بهالة التعظيم، وتروج دعاويهم المغشوشة، وتبرزها في أحسن المظاهر.

 

 

 

 

  الغزو الفكري وهْمٌ أم حقيقة كتب: بشير خلف       حينما أصدر المفكر الإسلامي، المصري، والمؤلف، والمحقق، وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأ...