السبت، 31 يوليو 2021

 

صانعو الثورة، ورجالاتها، وشهودٌ عليها

بقلم: بشير خلف

        رحل عن دنيانا هذه منذ أيام، وعقب عيد الأضحى بعد أن" نعِم" برؤية كتابه الذي رأى النور:( صفحات خالدة من جهاد الصادق دقاشي)..لأجل استقلال الجزائر.، (تحرير، وتنسيق، وتصدير الدكتور قمعون عاشوري)/ جامعة الشهيد حمه لخضر بالوادي.

      الكتاب من الحجم الصغير148 صفحة، مُرفقٌ بملاحق " 26" لصور وثائق عن الثورة من أوامر، وتعليمات، وصور. الكتاب صدر عن دار سامي للطباعة والنشر والتوزيع بالوادي. من التصدير الذي خطّه في بداية الكتاب الدكتور عاشوري قمعون:

« ازدادت معرفتي بالمجاهد الصادق دقاشي، حينما كنا نلتقي أمام دار المرحوم الشيخ أحمد خرّاز، وتوطّدت العلاقة بيننا عقب وفاة الشيخ بتاريخ 04/ 02 / 2016 فصرت أجالسه، فوجدته ممن يشتاق المرء إلى حديثه؛ إنه عبارة عن مستودع سجلات تاريخ في كل ما يتعلق بجهاد الطالب العربي القمودي، وباعتبار أنه كان مجاهدا في جيش الحدود، وشاهد عيانٍ لأغلب المواجهات العسكرية؛ فإنه أفادني كثيرا في مختلف سيْر المعارك، وزوّدني بالمعلومات الضافية، والقيمة، والثريّة التي لم تُفْصح عنها المصادر، ولم تتناولها المراجع. وعندما  يسْرد الوقائع لا يُزكّي نفسه، ولا يتكلم عن جهاده، وكأنه شخص محايد، ليس له أي دور في القتال حتى استوقفتُه مرّة، وقلت له:( وأنت ما دورك في كل هذه الوقائع؟)؛ فأجابني:( بأني جندي من جنود الطالب العربي، لا أرغب في الحديث عن نفسي)»

        هذه هي صفات العظماء الذين لا يزكون أنفسهم، ويأنفون من الكلام عن شخصهم، ولو كانوا هم من ساهموا في صُنْع هذه الأحدا

      وُلد المرحوم المجاهد الصادق دقاشي سنة 1932م، نشأ وترعرع في عائلة محبة للعلم، والعلماء؛ وثريّة، وفي عمر ست سنوات أدخله والده للكُتّاب، لخفظ القرآن الكريم على عدّة شيوخ حتى أتقن حفظه. وأثناء ممارسة التجارة بعد ذلك في سوق الوادي التقى بمجموعة من أتباع حزب الشعب الجزائري، وتأثر بهم، وبالأفكار التي يحملونها، ويروجون لها، ويدعون الشباب إليها. في سنة 1955م، التمس من والده السماح له بمتابعة الدراسة في جامع الزيتونة بتونس، وافق على مضضٍ، لكن لم يدم به الحال في جامع الزيتونة ليلتحق بالثورة جنديا مجاهدا، مشاركا في أول معركة يوم 20 أكتوبر 1956م، واصل الجهاد، والمشاركة في عشرات المعارك في جيش القائد الطالب العربي على الحدود الشرقية، حتى الاستقلال ليبقى حاملا للسلاح، وعضوا فعّالا في جيش التحرير الوطني، حتى سنة 1963م، حيث شارك في امتحان الممرنين بمدينة سطيف، وهو جندي، فكان من الناجحين، حينذاك عزم على مغادرة الجيش، فرفض قائده المرحوم الهاشمي هجرس في البداية تسريحه.. مارس التعليم مدة يسيرة، لينخرط في وظيفة الحالة المدنية ببلدة الرقيبة، ثم يشتغل بالتجارة مع إخوته بسوق الوادي ، ثم منفردا سنة 1994م.

       حياة المرحوم المجاهد الصادق دقاشي محطات مُنيرة، ثرية بالفعالية، والتشبّع بالقيم الدينية، والتراث التاريخي والثقافي المحلي، وتحصيل العلمي محليا، وفي جامع الزيتونة المعمور، والانضمام إلى الثورة التحريرية المباركة ثائرا بسلاحه في الصفوف الأولى، شاهدا وصانعا، وجنديا في الصفوف الأولى في عشرات المعارك، وشاهدا على الخيانة الكبرى التي تعرض لها القائد الطالب العربي، وجيشه على يد الإخوة الأشقاء التونسيين حينذاك، وكان المرحوم الصادق دقاشي بدوره ضحية تلك الخيانة..

      حبه للجزائر جعله بعد الاستقلال يواصل رسالته في الجيش الوطني الشعبي، وبدا له أنّ ذلك غير كافٍ إلّا بمواصلة رسالة نشر العلم، فكان المربي، والمعلم، ورافع الجهل عن العقول..رحمه الله، وجزاه أحسن الجزاء عمّا قدّم للجزائر الحبيبة.

     

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...