الأحد، 22 أكتوبر 2023

النصّ الأدبي الجزائري النسوي يتألق

بقلم: بشير خلف

       إن المتتبع للحركة الأدبية في الجزائر قبل الثورة يلاحظ غياب مساهمة المرأة في الحركة الثقافية، ويعود ذلك في رأي أكثر النقّاد، والمتابعين للموضوع إلى أسباب عدّة منها:

ـــ  ظروف الاحتلال الذي انتهج سياسة مناهضة للغة العربية، حيث وضع الثقافة الوطنية في وضْعٍ شلّ فاعليتها، وحركتها، ممّا نتج عنه تأخّر الأدب الجزائري عن مثيله في المشرق العربي؛ بل وحتى في تونس والمغرب؛ ومن ثمّ تأخر ظهور الحركة الأدبية النسائية نتيجة الحصار المضروب على الثقافة، والأدب العربيّيْن، في حين شجّع لغته؛ الأمر الذي سمح لكثير من الأسماء  النسائية اللائي اتخذن من اللغة الفرنسية وسيلة للكتابة بالظهور في الساحة الأدبية خارج الجزائر.

ـــ كما يعود تأخر الكتابة النسوية بالجزائر إلى التقاليد الاجتماعية التي كانت تنظر إلى المرأة نظرة دونية، ولا تزال إلى أيامنا هذه في كثير من مناطق الوطن.. نظرة دونية تنطوي على كثير من الاحتقار، وترى أن تواجدها في الحركة الاجتماعية، والثقافية، والأدبية يثير الفتنة، ويشجع الانحلال، ممّا كبّلها وفرض عليها ظروف العزلة، والتجميد لطاقاتها الإبداعية، بل ومحاربتها حتى وإنْ حاولت ذلك.

      والملاحظ لدى الباحث أن الكتب التي تناولت الأدب الجزائري المعاصر لم تذكر اسم شاعرة أو أديبة سوى "زهور ونيسي"، وكان ذلك مروراً عابراً، وإن كانت هناك كُــتُـبٌ تناولت الأدب الجزائري بالفرنسية، وتعرضت للأديبات الجزائريات اللواتي يكتبن بالفرنسية، وهن لسن أكثر ممن كتبن بالعربية..‏

     الحديث عن التجربة الإبداعية النسائية في الجزائر حديث يشوبه الارتباك، لأنه مرتبط بحقيقة المجتمع الجزائري قبل كل شيء، فالإبداع فنٌّ.. ومن أهم ركائز الفن بعد الموهبة: الحرية، وعنصر الحرية يبدو عنصرا غير واضح الملامح في الأجواء الجزائرية خاصة ما يتعلق بحرية المرأة.

     الكتابة قبل أن تكون تركيبا لغويا فهي تعبير وبوْحٌ، فإن المسألة تتعقد أكثر حين تأخذ الكتابة منحى البحث عن الخلاص من الوضع الاجتماعي الذي تعاني منه؛ ذلك أن المختلف بالنسبة للمرأة الكاتبة هو أنها تحارب من أجل قضيتها التي هي قضية نصف المجتمع..

     وعلى هذا الأساس جاءت التجربة الإبداعية النسائية في الجزائر عموما شحيحة سواء من حيث الكم، أو من حيث الكيف.. خاصة منها ما هو مكتوب باللغة العربية، واتصفت تقريبا بما اتصفت به التجربة الإبداعية في الوطن العربي.. وحيث ظهرت للمرأة أصوات جاءت قليلة وضعيفة، وجاءت على استحياء ووجل، أو لعلها تعرضت لعمليات مسخ وتحريف وتحويل، وهذا هو الأقرب.

        إن وضع المرأة الكاتبة في مجمله متشابه من شرقه إلى غربه؛ وهذا يعني أن المشكلة الأولى لدى الكاتبات هي أنوثتهن لا كعـقبة جسدية، ولكن كعقبة تعبير فقد بلغنا مستوى ثقافيا لا بأس به سمح للمرأة عموما بإدراك لغة جسدها: طبيعة الجسد.. متطلباته.. تغيراته....إلخ. لكنها لم تستطع إيجاد جسد كتابي يترجم كل ما أدركته بعقلها وحواسها كامرأة ولعل المتتبع للمادة الإعلامية الأدبية يلاحظ أن الكتابات النسائية كثيرة، ولكنها تـتّـسم بعدد من الصفات التي تقلل من وزنها.

       في تقديري الشخصي، الأدب هو واحدٌ لدى الإنسان مذكراً كان، أو مؤنثاً. ولكن قضية الاختلاف موجودة. فإذا عدنا إلى ما تكتبه المرأة فإننا نجد الخصوصية تكمن في التكوين الفكري لا في الشكل الفني؛ وهذا يتطلب منا أن نقرأ نتاج المرأة بشكل جيد حتى نقف على معاناتها وليس على شكل الكتابة؛ فالمبدع فنياً لا علاقة له بالذكورة، أو الأنوثة.. أي أن المرأة ليست ناقصة إبداع بدليل أن عدداً كبيراً من اللواتي أبدعن في السياسة، والأدب، والثقافة ليس على مستوى الوطن العربي حسب؛ إنما على المستوى العالمي، لأن الأدب وقْعٌ إنساني، أما الاختلاف كما قلتُ سابقاً فيتعلق بالمضمون الفكري لكل جنس.

        إن النص الأدبي النسوي المعاصر في الجزائر أخذ مكانه في المشهد الثقافي العربي، وانتزع الجوائز، والمراتب الأولى سواء من خلال جيل السبعينات، وما بعده كالروائية والقاصة زهور ونيسي، المرحومة زليخة السعودي، مبروكة بوساحة، المرحومة صفيّة كتّو، آسيا جبار، أحلام مستغانمي، زنير جميلة، فضيلة الفاروق، ياسمينة صالح، ربيعة جلطي، جميلة طلباوي، نفيسة الأحرش، نوارة الأحرش، حسيبة موساوي، مليكة مقدم، لطيفة عثماني، جبالي، زهرة ديك، آمال بشير، زينب الأعوج التي فازت بمسابقة نازك الملائكة للإبداع الأدبي النسوي الشعري في دورتها الرابعة بالعراق، والشابة الإعلامية الروائية هاجر قويدر التي فازت بجائزة الطيب صالح للإبداع الروائي عن روايتها "نورس باشا" وهي واحدة من أهمّ جوائز الرواية في العالم...لكن في كل الحالات وفي مجتمع عربي إسلامي يحفظ للمرأة كرامتها، وحقوقها، ويصونها كأنثى وكسيدة مجتمع، وكأم، وكمربية ..

       لا أقول : هناك خطوط حمراء، إنما هناك قيمٌ وتوجهات ..المرأة الحكيمة الواعية بدورها الحقيقي من تلقاء نفسها تلتزم بها، ولا تتعدّاها، وحتى وإنْ أُعطِيت حريات بدون حدود فقد تكتفي ببعضها..

    إن الادعاء بأن المرأة لا تزال حقوقها مهضومة، وخاصة في عالم الكتابة والإبداع بزعم أن الرجل يقف في طريقها، نقول: إن هذا الزعم باطل من أساسه..

      في السرد العربي أيامنا هذه.. المبدعات العربيات وحتى المسلمات في غير بلاد العرب فــقْـن الرجل، وبلغن مستوى عاليا سيّما في الرواية العربية، وتحصّل بعضهن على أحسن الجوائز، واحتلال الرتب الأولى.. إنما ما يُعاب على بعضهن أن يسعيْن وبإصرار على الاشتغال بالأدب الإيروتيكي، وتكسير الطابوهات بدعوى ممارسة الحرية في الكتابة، لأن الكتابة تنطلق من حرية الكاتب في قوْل ما يؤمن به، وما يدعو إليه دون رقيب.

    الجدل لا يزال مستمرّا، وسيبقى حول وجود أدب نسائي، وأدب رجالي لأن العديد من المبدعات العربيات، والجزائريات يريْـن أن النص النسوي له خصوصياته، والنص الرجولي له خصوصياته.. والقارئ الذكي وحده يميّز ما بين النصّيْن حتى وإنْ قُـدِّم له النص الإبداعي خُلوا من اسم كاتبه. ولا يمكن أبدا التوحيد بين ما تؤمن به، وتفطر به المرأة؛ وما يفكر به الرجل ويدعو إليه، وكأن هؤلاء يتماهين مع ما قالته الكاتبة جيني هيربكورت قبل مئة عام:

« سادتي لا أستطيع أن أكتب إلا كامرأة بما أن لي شرفٌ كوني امرأة »

        شخصيا ومن خلال تجربتي الإبداعية، وخبرتي ..وقراءاتي الكثيرة للنصوص الذكورية والأنثوية أرى أن الملامح الأنثوية المنتِجة للنص الأدبي لا تنتقص من قيمته الفنية البتّة، ويجب في رأيي ألاّ تكون مقياسًا يُصنّف الأدب بسببه إلى أدب نسوي، وأدب ذكوري لأن ذلك عمليا لا يخدم القيمة الفنية للنص الأدبي المنتج، بل هو تصنيف نظري أكثر، ولعلّنا إنْ أخفيْنا في بعض الإبداعات هُــوية منتجة النص الأدبي تمامًا، أو استبدلنا اسم الأنثى باسم ذكر لما تنبّه المتلقّي لذلك، فالنص المميّز ذو المقومات الإبداعية الراقية يفرض نفسه بغضّ النظر عن جنس منتِجه.. الاختلاف فقط يكمن في أن الرجل في نصوصه يغوص في الفضاءات المعرفية المتنوعة يوظفها لخدمة نصّه كالتاريخ، والأنـــثروبولوجيا، وعلم النفس، والاقتصاد، والمعلوماتية، والحروب، وعلم النفس وتفرعاته.. بينما الأنثى غالبا ما تنكفئ في عالمها الخاص، وتطلعها إلى الحرية، ومقاومتها للرجل، وتنديدها بالحدود الحمراء التي فرضها، ويفرضها المجتمع عليها، وعلى بنات جنسه عندنا.

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الغزو الفكري وهْمٌ أم حقيقة كتب: بشير خلف       حينما أصدر المفكر الإسلامي، المصري، والمؤلف، والمحقق، وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأ...