الأربعاء، 6 مارس 2013

بين أحضان مدينة الألف قبة و قبة…


بين أحضان مدينة الألف قبة و قبة…
بقلم : الإعلامي عزالدين طهاري.
وقعت في حب مدينة "سوف" قبل أن تطأ قدمي ترابها الذهبي، وقبل أن استنشق هواءها النقي، وقبل أن أتذوق تمرها الحلو المذاق و شايها الفريد النكهة وقبل أن أتلذذ أكلتها الشهيرة "الدوبارة" وأمد يدي الى أيادي أهلها الطيبيين الكرماء المبدعين الذين تحدوا قساوة الصحراء وزوابعها الازلية فزرعوا في عمق عمقها مدينة الألف قبة العريقة الفاتنة المغرية الفريدة من نوعها بمعمارها. وأبدعوا في العلم والفكر والفن والثــقافة و التجارة والزراعة.
وأنا على متن الطائرة أنتابني شعور جميل ممزوج بالانبهار والدهشة فرحت أستعجل من أمري لأرى بأم عيني مدينة "سوف" الاسطورية عروس الرمال الذهبية وغابات النخيل اللامتناهية الاطراف التى سمعت عنها وعشقتها حد الثمالة قبل أن أراها وتراني, والاذن قبل العين تعشق احيانا كما يقال.
لم تمض على الرحلة سوي ساعة وبعض الدقائق و اذا بصوت المضيف ينتشلني من حلمي الجميل ويا ليته ما فعل داعيا المسافرين الى ربط الاحزمة ،معلنا عن هبوط الطائرة على مدرج مطار "قمار".
كانت عقارب الساعة تشير الى الثانية وعشرين دقيقة بعد ظهر يوم السبن 14جانفي2012م حينما خرجنا من مطار "قمار"، أستقبلنا بالابتسامة و كان الجو معتدلا وكانت السماء في عز الشتاء ملتحفة اللون الازرق البديع، كنت رفقة الاخت والزميلة الاذاعية الشهيرة والقديرة فاطمة ولد خصال مساعدة المدير العام للاذاعة الوطنيةالمكلفة بالتكوبن، ما ان غادرنا عتبة بهو المطار حتى وجدنا السيد مديراذاعة وادي سوف الاستاذ موسى الذي استقبلنا بحفاوة ملفوفة بابتسامة صادقة تعكس طيبة الرجل وكرمه. وأنا على متن السيارة من المطار الى مدينة سوف نسيت من كانوا معي ورحت أتأمل زرقة السماء و سحر الرمال الذهبية وغابات النخيل الشامخات الباسقات وقطعان الابل وهي ترعى في اطمئنان وطمأنينة يا لها من لوحة الاهية بديعة انه سرجمال الصحراء التى أنجبت على مر العصور الرسل والانبياء والادباء والشعراء والفنانيين, فرق كبير أن تحب المكان وأهله قبل ان تراه فتزداد حبا وولعا حينما يصبح الحب حقيقة تراها وتلامسها وتعيشها بكل تجلياتها وتفاصيلها وجزئياتها الصغيرة.
أول سؤال تبادر الى ذهني كيف استطاع الانسان السوفي ان يتحدى الصحراء وقساوتها وغضبها ويحولها الى حياة تنبض فكرا وأدبا وعلما و يجعلها تثمر زرعا وتينا وزيتونا وتمرا وكل انواع الفواكه والخصر التى تشتهيها النفوس؟ كيف لهذه الرقعة الجغرافية من الجزائر الخالدة العريقة ان تنجب رجالا عظاما و جهابذة في الفكر والتاريخ والاعلام والفن على شاكلة الأديب الشاعر المرحوم محمد الامين العمودي و الأستاذ العلامة المؤرخ الجليل أبا القاسم سعد الله أطال الله في عمره والاستاذ الكبير عمي الطاهر بن عائشة حفظه الله و المذيعيين الشهريين على الاطلاق عبد الرزاق جبالي و جلال شندرلي ومطرب سوف الأول عبد الله مناعي والقائمة طويلة وتطول يصعب على ذكرها .
انها ببساطة معجزة الانسان الجزائري الذي يعشق التحدي ويحول المستحيل الى ممكن.
قضيت أول ليلة في فندق "غيطان" الذي يبعد هن مدينة سوف بحوالى 8كلم في بهو الفندق الجميل الهادىء المزين بأشجار النخيل التقيت في المساء ببهوه بصحافيي اذاعات اليزي وبسكرة والمسيلة وورقلة والوادي الذين جاءوا للمشاركة في دورة تكوينية حول " تحرير الاخبار في الاذاعة" والتى كلفتني الاذاعة الوطنية بالاشراف عليها ودامت أسبوعا كاملا أكتشفت من خلالها طاقات شبانية في الاعلام الاذاعي تبشر بالخير و تملك قدرات وطاقات سيكون لها شأن كبير في رفع راية الاعلام السمعي الجزائر في المستقبل ونحن مقبلون على فتح السمعي البصري ومواجهة غزو الاعلام الفضائي الذي غزا البيوت والعقول .
في تلك الأمسية تبادلنا الاراء وتناولنا الشاى ومر التيار بيننا وذاب جليد التحفظ وصرنا كأننا نعرف بعضنا البعض منذ مدة طويلة، ربما هذا سر من اسرار رجال مهنة المتاعب في التواصل فيما بينهم في رمشة عين.
في اليوم الثاني أصرت جامعة وادي السوف على أن تحتضن اقتتاح الدورة التكوينية وكان لها ما أرادت.
كانت الساعة تشير الى التاسعة صباحا من يوم الاحد 15/01/2012 كان الجو باردا رغم زرقة السماء ونقاوتها لكن حرارة الاستقبال الذي خصنا به عميد جامعة وادي سوف البروفيسور الطاهر سعد الله وطاقمه المحترم انستنا برودة الصحراء القاسية .ما شد انتباهي هو معمار جامعة سوف، إنّها اية في الجمال؛ مزيج بين الطابع السوفي العريق والحداثة والعصرنة انها جامعة تحفة بكل معنى.
بعد ان تناولنا فنجان قهوة في مكتب العمادة أفتتحت الدورة في احدى قاعات الجامعة الجميلة القيت فيها كلمات شددت كلها على التواصل بين الجامعة ووسائل الاعلام في خدمة الوطن وعلى كافة الأصعدة. أغتنمت فرصة التربص الذي دام أسبوعا واستغليت أوقات فراغي لأتعرف على مدينة "سوف" فزدت عشقا وهياما في حبها وأنا أتجول في شوارعها الرحبة واتفرج على منازلها المرصعة بالقبب وأتحدث مع أبنائها ففتنت بلهجة سكانها الجميلة الخالية من كل الألفاظ الفرنسية الهجينة.
صليت في جوامعها العريقة ،زرت سوق ليبيا وسوق دبي وشربت في ازقتها العتيقة "شايا سوفيا" تحت زوبعة رملية لطيفة لم أستطع اكماله من شدة مرارته وقوته ،لكن مع مرور الايام تعودت عليه حتى انني استفسرت عن كيفيةاعداده وتحضيره، كما أكلت الدوبارة " الحارة" التى يقال انها سوفية الاصل والموطن رغم أن بسكرة مشهورة بها، ولم أفوت الفرصة للتمتع بدقلة نور السوفية التى لها طعم خاص وما شدني في اقامتي القصيرة بمدينة سوف هو انفراد المنطقة بالريادة على المستوى الوطني في انتاج التمور وزيت الزيتون والتبغ وزرع كل انواع الفواكه والخضر في وقت تبقى ملايين الهكتارات في الشمال بورا وعرضة للاهمال و داء الاسمنت الخبيث. أنصح سكان الشمال بالمناسبة أن يزوروا بلاد سوف ليتمتعوا بجمالها وسحرها ورونقها و ليأخذوا الدرس والعبرة منها و ليروا كيف استطاع الجزائري في وادي سوف أن يحول الصحراء الى شبه جنة رغم قساوتها وجبروتها وتمردها وعصياتها وغضبها.
قبل أن اغادر "مدينة سوف" منحتني جامعتها درع التقدير لقد كانت لحظات استثنائية في حياتي.. فيا له من قدر جميل ان تمنحني جامعة سوف هذا الدرع الثمين الذي سيزين مكتبتي تقديرا لشخصي المتواضع وما قدمته من عمل متواضع طيلة مسيرتي الطويلة في الاذاعة الوطنية خاصة عبر وقفة "ما لم تقله الصحف "الصباحية التي اوقفت بدون سبب رغم انتشارها ورواجها عبر كل ربوع الوطن.
فشكرا لجامعة سوف وشكرا لمدينة سوف وأهلها الطيبيين الذين غمورني حبا وتقديرا ،أقول لهم:
 سوف أبقي محبا مخلصا وعاشقا ولهانا ابديا لمدينة سوف العريقة وابنائها وبناتها ومثقفيها وكل بسطائها .
عزالدين طهاري.
الجزائر 10/02/2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...