الدولة والمكتبة الوطني يلتزمان الصمت المطبق على كنوز مالك بن نبي الضائعة
تبادل التهم بين ورثة بن نبي والمؤرخ صادق سلام
صادق سلام : اتركوا المفكر ينام
في سلام ولا أملك صورا نادرة له
ابنة وريثة مالك بن نبي للشروق: صادق
سلام يستعمل مالك بن نبي لأهداف إيديولوجية غريبة
أبان الحوار الذي أجرته الشروق اليومي،
مع ابنة شقيقة وإحدى وريثات المفكر مالك بن نبي عطش الجزائريين لإنتاجات أحد أكبر مفكري
المعمورة على الإطلاق مالك بن نبي، موازاة مع صمت جنائزي وربما لا مبالاة من الأكاديميين
ومن الدولة عموما، خاصة أنه تأكد أن ما وصلنا من مالك بن نبي ليس إلا قليل من كثير،
وما زاد من تعقيد القضية هو انقطاع نسل عائلة مالك بن نبي الذي لم يترك شقيقا ولا إبنا
ولا حتى أبناء عم من عائلة بن نبي، وبقيت القضية بين أيدي نساء من زوجته الثانية السيدة
خدوجة حواس التي جاوز سنها الثالثة والتسعين أو ابنة شقيقته زينب مسقالجي، بينما ابتلعت
الغربة ابنتيه نعمة وإيمان اللتين مازالتا على قيد الحياة.
وهو ما جعل الكثيرين يتحدثون باسم مالك بن نبي من خارج ومن داخل الوطن، منذ
أن سلّم المفكر الكبير روحه لبارئها.
الصادق سلام المؤرخ الجزائري المتواجد حاليا في باريس اتصل بالشروق اليومي ورفض
كل الاتهامات التي وجهتها له ابنة شقيقة مالك بن نبي، ونفى أنه يمتلك كمّا كبيرا من
الصور والوثائق، رغم أنه لم ينف امتلاكه للبعض منها، وأرسل توضيحا مطولا للشروق اليومي
باللغة الفرنسية.
وقد اعتبر صادق سلام في حديثه للشروق اليومي ما يُثار حول حياة مفكر القرن إساءة
له، والأجدر الاهتمام بفكره، وقال أنه كان من الطلبة الذين توجهوا إلى بيت مالك بن
نبي في بداية السبعينات لأجل النهل من علمه وأفكاره عندما كان طالب رياضيات في جامعة
الجزائر، معتبرا ذلك أمرا عاديا وليس تميّزا كما يزعم البعض، وفي رده، عن اتهامات كونه
يمتلك كنوزا ومئات الصور وتقديمه الكثير منها لبعض المؤلفين وتهربه من ورثة بن نبي
الذين طالبوه بتزويدهم بأشياء مالك بن نبي، نفى جملة وتفصيلا أقوال الحاجة زينب في
رده، واصفا ما قالته بالاتهامات والمغالطات، وقال أنه من الأوائل الذين عبروا عن استعدادهم
لتدعيم مؤسسة مالك بن نبي، ناصحا بأن تكون مؤسسة أكاديمية تهتم بفكره، أما عن لقائه
بابنة وريثة مالك بن نبي الدكتورة شاهيناز ميساوي في باريس فنفى أن تكون طلبت منه تزويدها
بالصور والوثائق، وقال أنه مجرد لقاء خفيف، رغم أن موعده تحدّد قبل أسابيع في عام
2004، كما عرّج لسفريته إلى بسكرة ثم إلى قسنطينة خلال عام 2007 وقال أنه تقرّب من
العائلة وهي من منحته بعض صور المفكر مالك بن نبي وطلبت دعمه لأجل بعث المؤسسة الفكرية،
وختم بالقول أن أهم ما تحقق كان في بدايات عام 2008 عندما قضت العدالة الجزائرية بأن
لا يُطبع أيّ مؤلف لمالك بن نبي إلا بالعودة للورثة الفعليين لمالك بن نبي ومن بينهم
ابنة شقيقته الحاجة زينب مسقالجي، التي تحوّلت إلى وريث شرعي منذ وفاة مالك بن نبي
نهاية عام 1973 وكان والده على قيد الحياة حسب الشريعة الإسلامية، وهو ما يمكّن من
تنبيه الوزارة المعنية لهذه النقطة وحتى ربح القضايا لدى العدالة صار ممكنا، وتحدى
المؤرخ صادق سلام أن يقدم أيّ كان اسما واحدا لمؤلف منحه صورا أو وثائق عن مالك بن
نبي معتبرا الصورة التي صدرت في كتاب بن عمارة بالمتداولة، مع الإشارة إلى أن بن عمارة
ليس كاتبا وإنما ناشرا.
أما الدكتورة شاهيناز ميساوي ابنة وريثة المفكر الحاجة زينب فقالت للشروق اليومي
أن صادق سلام اعترف في الكثير من المناسبات أنه أعطى بعض الأشياء لكتاب آخرين، كما
اعترف هو نفسه في كتابه عن الأفلان من نظرة مالك بن نبي بأنه حصل على رسائل كان المفكر
الكبير قد أرسلها إلى عدد من رجالات الثورة، واعترف بأنه تحصل عليها من صالح بن ساعي
أحد رفقاء مالك بن نبي في باريس في سنوات الدراسة، حيث ذكر المؤرخ أن مالك بن نبي بعث
لعناصر الحكومة المؤقتة في مصر يلومهم على اهتمامهم بالكراسي والمناصب ونسوا الشعب
الذي يخوض المعارك في الجبال وفي الأرياف، ضمن صراع السلطة، ونبهت المؤرخ صادق سلام
بقوله مرة بأنه تسلم الوثائق من زوجته الفرنسية خديجة، وعادت بنا إلى القول بأن خديجة
الفرنسية توفيت ببضعة أسابع قبل وفاة مالك بن نبي في منتصف 1973 ولا يمكنها أن تسلم
أشياء زوجها بن نبي وهو على قيد الحياة، وكان في كل مرة يرفض تسليم الصور والوثائق
وربما الكتب للمكتبة الوطنية أو للأرشيف ويزعم بأنها ستهمل وقد تحرق نهائيا.
أما عن الأشياء التي يمتلكها صادق سلام فوصفتها بالكنوز لأنها تمثل تاريخ المفكر
في باريس أين عاش فيها خال والدتها، وقالت أنه هو نفسه اعترف لها بأنه يمتلك جوازات
سفره ودفتره العائلي ورسائله وورقة انتسابه للدشرة في باريس، وأشارت إلى أنه في عام
2007 حضر إلى قسنطينة ولم يسلم الوثائق إلى والدتها رغم أنها كانت بحوزته بدليل أنه
أرى بعضا منها لشقيقها، وحتى الوزير السابق نورالدين بوكروح اعترف في كتابه إسلام بلا
إسلاميين أن الكثير من الوثائق التي استند فيها في شرح أفكار مالك بن نبي تحصّل عليها
من صادق سلام بباريس.
وبينما قالت وريثة مالك بن نبي الحاجة زينب بأنها تطالب بحقوق معنوية في كنوز
خالها قالت ابنتها أنها تأكدت بأن المؤرخ صادق سلام استعمل المفكر مالك بن نبي لأهداف
إيديولوجية، فهو يُقرّب تارة من المذهب الشيعي ويشرح وجهة نظره في جبهة التحرير الوطني
على مقاسه، وتساءلت عن دور مؤسسة الحقوق الفكرية الغائبة في هاته الإشكالية المعقدة.
أما عن المؤسسة الفكرية التي يجب أن تكون بقدر قامة مفكر العصر، فتقول الدكتورة
شاهيناز أنها كانت قد اتصلت رفقة والدتها بدكاترة في العلوم الإنسانية والتاريخ وأصدقاء
الراحل ولكنها كانت تصطدم بتراجعهم بعد أن يبدوا من الوهلة الأولى موافقتهم واستعدادهم
لإنجاح هذه المؤسسة الأكاديمية التي حان الوقت لظهورها خاصة مع تأكد احتضان قسنطينة
لتظاهرة عاصمة الثقافة العربية خلال عام 2015، وكان قد شاع في التسعينات وجود جمعية
باسم جمعية أصدقاء مالك بن نبي يرأسها عبد القادر بن ركروك وهو أمين عام لدى الدولة،
ولكنه هو أيضا توفي وأخذ معه الكثير من الأسرار، والمطلب المهم والعاجل هو أن يسلّم
كل من يمتلك كنوز مفكر الجزائر والعالم للمكتبة الوطنية وكفانا من القذف المتبادل.
كان وزيرا في حكومة رفيق الحريري
كامل مسقاوي المحامي الذي يقول إنه وصيّ بن نبي
كل الكنوز الفكرية التي ظهرت بعد رحيل المفكر العالمي مالك بن نبي كانت من بعث
اللبناني عمر كامل مسقاوي، الرجل الذي يحضر في كل المناسبات الخاصة بفكر مالك بن نبي
على قلتها في الجزائر، ولكنه لا يكاد يعود إلى بلاده في لبنان بعد أن أصبح فكر مالك
بن نبي في الكثير من مقررات الجامعات العالمية بما فيها الأمريكية والمؤتمرات التي
تدعوه كضيف شرف فوق العادة، عمر كامل مسقاوي البالغ من العمر حاليا 78 سنة الحاصل على
ماجستير في قضاء الأحوال الشخصية من جامعة القاهرة.
وعندما اطلع على ترجمته باللغة العربية لم يستحسنها خاصة أنها غيرت من أسماء
أصدقائه وأبطال مذكراته ومن المدن والقرى الجزائرية، فكتب باللغة العربية التي كان
يتقنها ولكن ليس مثل الفرنسية، ومنذ وفاة المفكر مالك بن نبي، وتردد رفاق دربه من الجزائريين
من أمثال الشيخ شيبان بقيت الساحة شاغرة أمام عمر مسقاوي الذي قدم أعمال مالك بن نبي،
ولم تمنعه مهنة المحاماة عن تقديم غالبية أعمال المفكر الكبير، الموجودة حاليا في كل
دول العالم، حيث يعتبر مؤلف الظاهرة القرآنية كواحد من أكثر الكتب انتشارا في التاريخ،
كما أن كتب مالك بن نبي مترجمة لقرابة عشرين لغة، ومنها اللغات التي تتكلمها شعوب العالم،
ولم يكتف الوزير السابق في حكومة الراحل رفيق الحريري عمر كامل مسقاوي حيث حمل حقيبة
وزارة التجارة بذلك، بل كانت له مؤلفات كثيرة أطلقها من وحي السنوات التي تعرّف فيها
على مالك بن نبي والتي قاربت الخمسة عشرة سنة، فقدم كتابه الشهير بعنوان في صحبة مالك
بن نبي من 1322 صفحة الذي نال به عدة جوائز وتٌرجم إلى ست لغات. كما ألف كتاب مقارنات
حول فكر مالك بن نبي من 256 صفحة، وحتى بقية كتب الأستاذ عمر كامل مسقاوي مثل وحدة
الحضارة والكتب الفقهية كانت فيها لمسة مالك بن نبي قوية جدا.
ولأن مالك بن نبي بقي بعيدا عنا منذ رحيله فإن كامل مسقاوي في ثمانينات القرن
الماضي صار وصيا ليس على مؤلفاته وإنما للحديث عنه في كل الملتقيات الفكرية التي شهدها
لعالم الإسلامي غير العربي بالخصوص، فكانت الدعوات تتهاطل على كامل مسقاوي، من ماليزيا
ومن باكستان وتركيا لتقديم المفكر العظيم الذي ما زلنا غير عارفين قيمة أفكاره التي
سبقت عصره ويبدو أنها ستبقى تسبقنا إلى يوم الدين.
ماليزيا بعثت نهضتها من أفكاره، وأردوغان نهل من كتبه
مالك بن نبي أول من دعا للحجاب في زمن "الملاية والميني"
ينطبق علينا المثل العربي الذي يقول لا نبي في قومه، عندما يتعلق الأمر بمالك
بن نبي، فالرجل لم نعطه حقه الذي هو حقنا أيضا، حيث بنت الكثير من الدول حضارتها على
أفكاره، ومنها ماليزيا التي جعلت كتبه مقررات كاملة في الثانوية والجامعات، واعترف
الوزير الأول السابق لدولة ماليزيا، بأن مالك بن نبي أخرج بلاده من التخلف الذي ضربها،
لأن مالك بن نبي هو الوحيد الذي قدم المشروع الإسلامي برؤية حضارية وخالدة، أخذ من
القرآن المحركات لشعوب نائمة وعصر لبّه في نظريات تقي العالم شر اشتراكية مزيفة ورأسمالية
جشعة، فباشرت ماليزيا تحولها من دولة آسياوية فقيرة لا تختلف عن البنغلاداش ولاووس
إلى دولة صار يُضرب بها المثل في إسلامها وحضارتها وتقدم شعبها رغم انعدام الثروات،
فكانت أول من وضع البنوك غير الربوية ومكّنت شعبها من الافتخار بإسلامه أمام الأمم
ضمن منهاج رسم كامل خطوطه مفكرنا مالك بن نبين. وحتى حزب العدالة والتنمية التركي أخذ
من أفكار مالك بن نبي باعتراف الراحل الكبير برهان الدين، وباعتراف رئيس الوزراء الحالي
رجب طيب اردوغان الذي قال في كتابة صحفية سابقة، أن الأمة التي تمتلك مفكرا مثل مالك
بن نبي عليها أن تطمئن على مستقبلها، ولكن للأسف أبناء هذا العظيم طلبوا الطمأنينة
في غير أفكاره فبقوا في منحدر لا أحد يعرف منتهاه، رغم أن النموذج التركي والماليزي
أمام أعينهم.
تعرف على بن بلة وبومدين وبوتفليقة
أحمد طالب الابراهيمي الوحيد الذي أنصفه في مذكراته
بكل المقاييس كان مالك بن نبي من كبار المجاهدين إن لم نقل أكبرهم على الإطلاق،
فالرجل أول من دعا للثورة وأطرّها عندما قامت ولم يتردد في انتقاد بعض عناصرها ونصحهم،
فقد دخل السجون ولاحقته فرنسا حتى تركها وطلق شهاداته العلمية في الكهرباء والميكانيكا
وهاجر إلى مصر، حيث تعرف على الرئيسين هواري بومدين وأحمد بن بلة، ثم تعرف على الرئيس
الحالي عبد العزيز بوتفليقة، ومع ذلك سقط اسمه من الأسماء الجهادية الكبرى، وكل المذكرات
التاريخية أسقطته عن صناعة أمجاد الجزائر، باستثناء مذكرات الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي
الذي اعترف بعبقرية المفكر بن نبي وقال إنه كان يرفض العمل في المكاتب وأشار إلى صعوبة
إيجاد مكان في الدولة لمفكر من عظمة مالك بن نبي، الذي كان يقدم أفكارا يعرف الجميع
انها الحل الأمثل، ويعجزون عن إيجاد من يطبقون هذه النظريات الراقية.
وتتجاهل غالبية المذكرات التي ملأت المكتبات الوطنية في السنوات الأخيرة مجرد
ذكر اسم مالك بن نبي فما بالك الحديث عن أفكاره، وكان مالك بن نبي صديقا حميميا لأحمد
بن بلة لم يفارقه أبدا، إلى أن زُجّ به في السجن، ولكنه في مذكراته التي قدمها لقناة
الجزيرة منذ قرابة التسع سنوات، لم يذكره أبدا، كما كان محركا أساسيا لدواليب ملتقيات
الفكر الإسلامي في عهد الراحل هواري بومدين.
وفي عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة
أقيم أهم ملتقى لأفكار الراحل تحت رعاية الرئيس في فندق الأوراسي، ومع ذلك بقي مالك
بن نبي بعيدا عن اهتمام الدولة والشعب معا، وقد تكون تظاهرة قسنطينة مدينة مالك بن
نبي عاصمة الثقافة العربية المقررة بداية عام 2015 أهم وربما آخر الفرص لعودة مالك
بن نبي إلى مدينته وبلاده بعد أن تم تغييبه لمدة أربعين سنة حتى أن بعض الدول تدرّس
أفكاره وتطبقها في اقتصادها وفي حياتها الاجتماعية والعلمية وهي لا تعلم بأنه جزائري،
ومنها من تعتبره مصريا أو لبنانيا وحتى إيرانيا، رغم أن الرجل جاهد أكثر من نصف قرن
ومات في سبيل القضية الجزائرية، وفي سبيل الأمة الإسلامية والإسلام .. ولكن فعلا لا
نبي ولا بن نبي في أرضه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق