الاثنين، 11 مارس 2013

مذكرات والدي تغطي فترة مابين ميلاده إلى غاية اتفاقيات إيفيان



مذكرات والدي تغطي فترة مابين ميلاده إلى غاية اتفاقيات إيفيان


نجل المرحوم عبد الحميد مهري
في الذكرى الأولى لرحيله، أعلن سهيل مهري ابن المرحوم عبد الحميد مهري، عن إطلاق الموقع الرسمي للزعيم الأسبق لحزب جبهة التحرير الوطني، ليكون هذا الموقع الإلكتروني منارة لكلّ من يبحث في التاريخ السياسي والنضالي للمرحوم، وقاعدة انطلاق هامة للبحث في مسيرته الحافلة بالعطاء والإنجازات. وقد سجّل الموقع الإلكتروني لعبد الحميد مهري بعد أحد عشر يوما على إطلاقه 489 زائر (www.abdelhamidmehri.org) .
وللوقوف على مزيد من الجوانب الخفية في حياة هذا السياسي الرمز، حاورنا سهيل مهري الابن الأكبر للمرحوم، خاصة حول الجوانب الشخصية للوالد، الذي عاش حياته مناصرا للقضايا العادلة الإقليمية والدولية، وتميّز فعلا وقولا بمواقفه الثابتة والمتوازنة إزاء أحداث مفصلية عاشتها الجزائر، ودفعت فاتورتها الغالية، فاستحقّ بالفعل أن يحمل لقب "رجل الإجماع". 
أسئلة محورية طرحناها على سهيل مهري النجل الأكبر للزعيم الأسبق للحزب العتيد، تتعلق في مجملها ببعض الجوانب الحياتية في سيرة المرحوم عبد الحميد مهري، وجوانب من علاقته بأسرته، كما تناول الحوار بعض الأمور التي تتعلق بمذكراته التي ستصدر لاحقا  .
.
موقع إلكتروني لوضع عبد الحميد مهري بين أيدي الجزائريين
يُفضّل سهيل مهري، وهو مهندس معماري من مواليد 1968 بالجزائر، أن يبدأ حديثه باستعراض خصوصية الموقع الإلكتروني الذي أُطلق مؤخرا فيقول "في البداية هذا الموقع في طور النمو، أردنا من خلاله تخليد ذكرى الوالد رحمه الله، ووضع شخصيته بين أيدي الجزائريين. والمحطات التي يتناولها هذا الموقع ليست كاملة، وهي بحاجة إلى الإثراء، وسنقوم بالتحديث المستمر وتزويد الموقع بكل جديد. لماذا توجهنا إلى الانترنت؟ لأنها وسيلة العصر، ومعروف أنّ من لا يساير هذه التقنية يُعدُّ بمقاييس العصر متخلّفا بعض الشيء بين قوسين. كما أنّ الانترنت أفضل السبل للتعريف بالوالد خاصة وهي تمس كل الأجيال وخاصة بالنسبة للجيل الذي لم يعاصره. ولم نشأ وضع النقاط على الحروف في الموقع الشخصي للمرحوم، وفضّلنا أن نُدرج الأحداث مجردة للتاريخ الجزائري تُرافقها إشارات لمسيرة عبد الحميد مهري، وهذا من أجل تسهيل قراءة الأحداث، وكذا المواقف التي اتّخذها الوالد في حينها تماشيا مع الحدث الجزائري".
.
في عز الأزمة الأمنية لم تكن له حراسة خاصة
 الوالد أكّد مرارا في تدخلاته بعد ما أُطلق عليه اسم "عقد روما" إجابة عن  سؤال مشاركته في روما، إنه لم تكن هناك فرصة للقاء جميع الحساسيات في الجزائر بكل حرية، وهذا ليس كلامي، ولكن كلام الوالد رحمه الله، وكلّ أطراف العقد الوطني اضطروا لهذه الخيارات. أما فيما يتعلق بالقرارات التي اتخذها الوالد، فلم يكن يُشرك العائلة فيها، وكانت حياته المهنية والسياسية مفصولة تماما عن حياته العائلية. عندما كان الوالد يدخل البيت، لم نكن نتناقش في خصوصياته المهنية. كنّا أحيانا نتناقش في بعض الأمور المهنية ذات العلاقة المباشرة مع الحياة العائلية، مثلا أذكر أنّ المرة الوحيدة التي استشارنا فيها هي لما عُيّن سفيرا في فرنسا سنة 1984، فقال لنا "ما رأيكم ؟".
ما يُميّز الوالد رحمه الله، أنه لم يسأل في حياته بحيث تكون الإجابة تحتمل أحد خيارين، إما نعم أو لا، كان يترك لنا دائما التعبير بحرية عن آرائنا، طبعا في حدود التربية التي تلقيناها، مع ملاحظة أنّ الوالد لم يكن أبدا في حاجة إلى وضع الضوابط بحكم تربيته لنا، حيث كنا نعرف جيدا الحدود التي علينا التوقف عندها.
فيما يتعلق بوتيرة حياته خلال الأزمة الأمنية التي مرّت بها الجزائر، لم تكن له ترتيبات خاصة في الخروج والدخول من وإلى البيت. الشيء الذي ألفناه عنه كعائلة، أنه كان في عز الأزمة الأمنية تحت تصرفه سيارة واحدة، ولما يأتيه السائق لأخذه، كان يركب إلى جواره في الأمام، ولم تكن له لا تعزيزات ولا حراسة خاصة. وخلال هذه الفترة، لم تنقطع اتصالاته بالشخصيات التي كانت تزوره في كل وقت، وكان باب بيته مفتوحا، حتى وهو على فراش المرض، وكان يُؤنبنا عندما نختلق الذرائع لزائريه من أجل تخفيف الزيارات عنه.
.
قام بإدخال المعلوماتية لحزب جبهة التحرير الوطني
لم يكن من النوع الذي تظهر أحاسيسه في العائلة، وكان من الصعب أن تعرف فيما كان يفكر، أو التكهن بما كان يجول في خاطره. وهذه الخصوصيات من الأشياء البارزة في شخصية المرحوم عبد الحميد مهري.
الوالد رحمه الله، كان يكتب بمفرده ما يرغب في كتابته، وفي بعض الأحيان يطلب مني أن أقرأ له بعض الأشياء التي يكتبها. في العشر سنوات الأخيرة من حياته، دأب على رقن كتاباته على جهاز الكمبيوتر خاصّته. وما يميّزه في هذا الشأن، أنه كان مولعا بالكمبيوتر والتكنولوجيا، لدرجة أنه كان مواكبا لها أولا بأول، أكثر من ذلك لا يعرف كثيرون عن الوالد رحمه الله، أنه كان من الأوائل الذين اعتمدوا على الفاكس كبديل للتلغرام، وكان يملك أكثر من حساب بريدي إلكتروني. علاقته بالكمبيوتر بدأت في بداية تسعينيات القرن الماضي، وكانت هذه الوسيلة رفيقه الدائم في تنقلاته، وفي المؤتمرات التي كان يشارك فيها، كما كان يتواصل مع العائلة في حال غيابه خارج الوطن عبر السكايب و"الويب كام". 
وفي بداية التسعينيات، قام برفقة بعض الإخوة الذين كانوا في حزب جبهة التحرير الوطني، أذكر منهم على الخصوص السيد مبارك بوكعبة بإدخال المعلوماتية إلى الحزب. إضافة إلى هذا المرحوم عبد الحميد مهري يملك مكتبة ومكتبا خاصا، حيث يعمل ويحرّر مقالاته، وكانت قراءاته متنوعة بين مجلات المعلوماتية وكتب التاريخ، خاصة تلك التي تتناول تاريخ الجزائر، كما كان يقرأ أيضا في مواضيع التربية والتعليم، وكان يقرأ بثلاث لغات العربية، الفرنسية والإنجليزية. في السنوات الأخيرة من حياته عاش يطالع عن طريق الانترنيت الكتابات الالكترونية، مستخدما جهاز "الآيباد"، وباختصار لم يتردّد أبدا في استعمال أي وسيلة تسمح له بالوصول إلى المعلومة.
أما عن الأزمة التي تعرّض لها في حزب جبهة التحرير الوطني، والانقلاب الذي أزاحه من الأمانة العامة للحزب، فلم نلحظ عليه كعائلة أيّ تغيّر في سلوكه. الوالد رحمه الله، كان شعاره وتستمر الحياة، وهذا لا يمنع أنه كان يفكّر بأمور أخرى أجهلها، ولم نكن نسأله أبدا عن أموره الشخصية، لذلك لا أستطيع أن أعرف هل جرحه خروجه بتلك الطريقة من قيادة الحزب. لكن ما أستطيع الجزم به، هو أن الوالد رحمه الله ابتعد بصفته مسؤولا عن جبهة التحرير الوطني، لكنه لم ينقطع عن السياسة، وتصريحاته التي كان يُدلي بها خير دليل على ذلك، وآخرها رسالته المفتوحة التي وجّهها إلى رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة..
.
كان مستاء من المعالجة السطحية الأمنية لثورات الربيع العربي
لم تكن مشاعر الوالد تظهر عليه في العادة، غير أنه استاء لبعض الأمور مثل الربيع العربي، والطريقة التي تمّ بها استيعاب مثل هذه الأزمات. لم يُخف رحمه الله استياءه من المعالجة السطحية الأمنية لثورات الربيع العربي، التي كانت تعبّر في جوهرها عن حجم الظلم الذي عاشته الشعوب العربية، وقد عبّر عن ذلك مرارا في حياته. ولم يكن رأي المرحوم عبد الحميد مهري في الشأن السياسي الجزائري خافيا على أحد، حيث نجد في كتاباته ورسائله الكثير من مواقفه السياسية الواضحة، وبالخصوص رسالته المفتوحة الموجهة إلى رئيس الجمهورية، التي سبقت الإشارة إليها، وهي رسالة تحمل خلاصة انطباعاته حول الحياة السياسية الوطنية.
.
المذكرات تغطي مرحلة ما بين ميلاد مهري إلى غاية اتفاقيات إيفيان
بدأ الاشتغال على مذكراته سنة واحدة قبل وفاته، لكن هذا العمل الذي رافقه في إنجازه الصحفي محمد عباس، لم يُكتب له الاكتمال للأسف الشديد، وانتقل الوالد إلى الرفيق الأعلى، ونحن نسعى حاليا من أجل استكمال العمل مع محمد عباس ومجموعة من الأصدقاء لنعطيه الصورة النهائية التي نعتقد أنّ الوالد كان يحلم أن يرى عليها مذكراته. يمكن أن أقول إننا وصلنا إلى 90 بالمائة في عملية إنجاز هذا العمل، غير أنه لا يمكن أن نستهين بالنسبة المتبقية على قلّتها، لأنّ 10 بالمائة مسؤولية كبيرة، من الممكن جدا أن تأخذ بعض الوقت.
تُغطي المذكرات الفترة التي تربط بين ميلاد عبد الحميد مهري، إلى غاية مرحلة اتفاقيات إيفيان ووقف القتال. وتُركز في الأساس على الحياة السياسية للفقيد. أما عن سؤالك حول هل سيكون هناك جزء ثان للمذكرات؟ فهو سؤال وجيه، لا أستطيع الإجابة عنه، لكن لحدّ الآن، ليس هناك مشروع جزء ثان، ومن الصعوبة بمكان أن يكون جزء ثان. كان الوالد رحمه الله يشتغل خلال السنة التي سبقت وفاته على المذكرات، غير أنها لم تكن شغله الشاغل، ولم تكن الأولوية رقم واحد في حياته، كان منشغلا بالوضع في الجزائر والعالم العربي، لأنه كان دائما يعطي الأولوية للحاضر والمستقبل قبل الماضي. ونحاول نحن إرفاق المذكرات بملاحق للصور والوثائق، وهو الجزء الذي لم يُكتب للمرحوم أن يُشرف عليه.
.
مواقفه القومية
يُرجع سهيل مهري الأسس المرجعية القومية في مسار والده إلى احتكاكه خلال الثورة التحريرية بالقادة والمفكرين في المشرق العربي، ما جعل حسّه القومي ينمو أكثر فأكثر، ويضيف سهيل " لست أحسن من يحكي ويحلّل هذه الجوانب في شخصية الوالد، ومواقفه من القضية الفلسطينية معروفة سواء في مؤسسة القدس، أو في مناصرة القضايا القومية العربية الأخرى، حيث كانت له علاقات طيّبة مع الإخوة الفلسطينيين، ونحن فضلنا أن نُدرج عن قصد في الموقع الإلكتروني صورته التي أُخذت له سنة 2010 في جنوب لبنان في " مارون الراس " وخلفه تظهر فلسطين. وهذا كرسالة عن شخصية عبد الحميد مهري المتمسك بالعروبة ككيان مكتمل، وبفلسطين كجزء من هذا الكيان، لأنه عاش حتى آخر نفس في حياته يفكر في فلسطين والقضايا العربية.
.
من رابع المستحيلات أن يدخل على أحفاده بيدين فارغتين
 عندما تسأل المهندس سهيل مهري، هل كان للوالد أيّ تأثير في توجّهه إلى الهندسة كتخصّص؟ يُجيب على الفور " لم يكن رحمه الله يحاول التأثير علينا في اتّخاذ خياراتنا، ويترك لنا مجال المناورة واسعا. أنا والحمد لله منذ 20 سنة، أشعر أنني مهندس أكثر مني مهتما بالشأن السياسي، بالرغم من أنني أتابع السياسة كأيّ جزائري، وهذا لم يُؤثر على ميولاتي المهنية نحو الهندسة المعمارية.
هل كان عبد الحميد مهري يحبُّ الأولاد؟، يقول سهيل " كان يحبُّ الأولاد كثيرا، ولك أن تتصوّر كيف تكون الحال، إذا كان هذا الولد هو الحفيد. لقد كان الوالد شديد العناية بأحفاده، لدرجة أن الضوابط التي كان يضعها أمام أولاده، تسقط عندما يتعلق الأمر بأحفاده. وكدليل على شدة محبته لهم، أذكر أنه كان يردّد على سبيل النكتة "إذا كانت مهمّتي كأب هي تربيتكم، فمهمّتي كجد هي التأثير على جهدكم في تربية أولادكم". ولم يكن الوالد رحمه الله يدخل على أحفاده بيدين فارغتين..كان ذلك من رابع المستحيلات".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن الشروق اليومي: الإثنين 10/03/2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...