السبت، 16 مارس 2013

الفنان التونسي لطفي بوشناق في حوار سياسي


الفنان التونسي لطفي بوشناق في حوار سياسي 
أنا ضدّ التطرّف ولا يخيفني التيار السلفي
رسالتي إلى الغنوشي والهمامي والسبسي والمرزوقي.. اتقوا الله في تونس
      من العدل أن تكن له الكثير من الاحترام، نظير كثير من التواضع الذي يعامل به الناس.. غنى لسراييفو ولتونس ولفلسطين، وللحب والجمال والحرية أيضا. لطفي بوشناق أيقونة الفن التونسي والعربي، التقته ''الخبر'' عائدا إلى تونس بعد المشاركة في لجنة التحكيم لحصة ''ألحان وشباب'' في الجزائر. يبتعد، في هذا الحوار السياسي  عن ساحة الفن، وينسى، في لحظة الحديث عن راهن تونس وشجونها، الغناء والموسيقى والطرب والكلمات، ويغرق في الحديث عن لحظة الفتنة في تونس، عقب اغتيال شكري بلعيد،         وعن مسألة تهديد الحريات والسلفية وغياب المثقفين في زحمة الأحداث ومآلات الثورة في تونس.
كيف عشت لحظة الفتنة وفترة ما بعد اغتيال الفقيد شكري بلعيد؟
ـــ لقد كانت لحظات حزينة وقاسية، ليس عليّ فحسب، لكن على كل الشعب التونسي، بمختلف فئاته ومكوناته. أحسست، لحظتها، أن اغتيال شكري بلعيد رصاصة في قلب الثورة التونسية، وهو عمل إجرامي ندينه. وأستغل هذه الفرصة لأقول إن الاغتيال عمل جبان وسلوك ضعفاء الحجة والفكر. لم تنجح، على مرّ التاريخ، محاربة الفكر بالرصاص أو السيف والقمع. ولو كان القمع والاغتيال والترهيب أسلوبا ناجحا في إسكات صوت الحرية لنجح بن علي في إسكات الشعب التونسي وثورته.
لحظتها، هل خفت أن تتجه تونس إلى المجهول أو تنزلق الأوضاع في البلد؟
ـــ أصبت بالحزن لحظتها بالتأكيد، ككل التونسيين شعرت بالأسى. لم نكن نتوقع أن تنتج الثورة، التي قامت من أجل الحرية والحق في الرأي وفي الاختلاف، هكذا مشاهد، ومثل هذه الحالة التي لم تحدث حتى في النظام السابق، الذي كان يقود تونس بالقوة والبوليس. لكنني لم أخف على تونس، لسبب واحد، لأن تونس، برجالها وشبابها، واقفة أمام المحنة، وقادرة على تجاوزها. كل التونسيين واعون بخطورة هذه الحركة التي لم نتعوّد عليها ولن نتعوّد عليها. من جانبنا كمثقفين وفنانين، منخرطين في عمق الشعب، سنقف جدار صدّ ضد كل من يسعى، لاحقا، لمثل هذه العمليات الدموية واللاإنسانية، والتي تتنافى وأهداف الثورة التي قامت من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة.
لماذا يغيب صوت العقل والمثقفين والفنانين في عزّ الأزمة الراهنة في تونس؟
ـــ ليس صحيحا أن صوت الفنانين غائب في خضم الأحداث في تونس. أنا أتحدث من وجهة نظري الشخصية على الأقل. كلنا كنا حاضرين في جنازة الفقيد شكري بلعيد، وسجلنا حضورنا في اللحظة القاسية التي مرت بها تونس. كمثقفين رفعنا صوتنا عاليا، مع عموم الشعب أن ''لا للعنف وكفى من الترهيب وإفزاع الناس''،
      وأنا أبّنت المرحوم شكري بلعيد وكرّمته في قصيدة قائلا:
دمّ الشهيد بهذا النصر بشّرنا  
 فهل رأيتم دماء كلها بشر
 تفنى الجسوم بقبر حين تسكنه
 والذكر باق مع الأيام والفكر
لو الخلود لأمر الناس مرجعه  
   لاستقبل القبر بالأزهار من قبر
انهض حبيبي فأنت اليوم رايتنا
 فإن مثلك لم تُخلق له الحفر
لكن صوت الشغب السياسي كان أعلى بكثير من صوت المثقفين، بعد اغتيال شكري بلعيد؟
ـــ  المثقف حاضر في راهن تونس، ولم يكن غائبا مطلقا عن الأحداث التي تحدث حوله، وفي مثل هذه الأحداث التي تمسّ الجميع، الفنان وبائع الخضر والشرطي والسياسي، يكون المثقف حاضرا ومندمجا مع الشعب. اغتيال شكري بلعيد كان يتطلّب من الجميع موقفا وطنيا، ظهر في الجنازة الكبيرة، دون أي تصنيفات سياسية أو ثقافية أو مستويات أو فئوية. وصوت العقل ليس غائبا في تونس، والدليل أن الشارع هو من يعمل، وهو من يدافع عن الحريات. ما يحدث في تونس يبرز تفاعل شبابنا ورجالنا، والعملة الصعبة   لتونس هي شبابنا الواعي والمثقف. الشعب التونسي يعرف جيدا ما هي واجباته في هذه الفترة.  
كفنان ما هي الرسالة التي يمكن أن توجهها للغنوشي والهمامي والسبسي والرئيس المرزوقي؟
ـــ السياسيون يزولون مع الزمن، والشعب هو الباقي والمنتصر. مع احترامي لكل هؤلاء، أنا لا أحب أن أتوجه إلى الأشخاص. بالنسبة إليهم أقول لهم أن يتقوا الله في الشعب، وفي تونس الوطن والحضارة والتاريخ والثقافة والجمال. لكنني أحب أن أتوجه إلى الشعب، فردا فردا.. على كل واحد منا أن يؤدي واجبه، وأن نوفي الشهداء حقهم، باحترام دمائهم وتضحياتهم التي بذلوها من أجل الثورة، ومن أجل هذه اللحظة التاريخية التي نعيشها، ومن اجل أن يخرج الوطن من لحظة التردد. على الجميع أن يؤدي الرسالة، ويجعل الوطن فوق كل اعتبار، وقبل كل المصالح السياسية والحزبية. تونس فوق كل الأحزاب.
أين يقف الفنان لطفي بوشناق بين الأحزاب السياسية في تونس؟
ـــ  لا انتماء سياسي لي. أنا رجل لا أعمل في السياسة. لكن أنا رجل أكون، دائما، شاهدا على العصر. أنا كفنان محرّض للشعب من أجل الحرية ومن أجل الديمقراطية والحب، وضد التطرف والعنف واللاتسامح. الحب في تونس يحتاج إلى من يدافع عنه ضد الحرب، وضد المجموعات التي تحاول أن تفرض علينا نمطا ما من التفكير. نحن لسنا ضد أي تيار، لكن ليس ممكنا أن يفرض علينا أي تيار أفكاره. واجب الانتماء للوطن يفرض علينا، جميعا، أن نحترم الرأي والرأي الآخر. والحرية في تونس تحتاج إلى من يدافع عنها ضد كل قيد.
هل أنت متخوف على الحريات المدنية وعلى الثقافة في تونس، في ظل تنامي التيار الديني؟
ـــ أنا لست متخوفا أبدا، أنا مع احترام كل الاتجاهات وكل الحريات. لكن على أن يعرف كل حدوده ويحترم الآخر. التعايش والمواطنة لا تصح إلا باحترام الآخر، وبالحوار، وباحترام الرأي الآخر دون تعصب للرأي، وليس بالعنف والقتل. لا أريد أن أضع التطرف في اتجاه واحد، أو أن أصف به تيار واحد، لكن أنا ضد التطرف، بكل أشكاله واتجاهاته.
هل أفهم من ذلك أنك متخوف من تأثير صعود التيار السلفي على بعض مناحي الحياة في تونس؟
ـــ  أنا لا يخيفني لا التيار السلفي في تونس ولا تيار آخر. السلفيون جزء من المجتمع التونسي، ومن حقهم العيش وممارسة حريتهم دون المساس بحرية الآخرين. لدينا تجارب في التاريخ الذي أثبت أن التطرف، مهما كان مصدره، من تيارات يسارية أو إسلامية أو غيرها، مآله الفشل. التطرف يعني أن تسمعني أو أقتلك، وهذا ضد قانون الحياة، التوازن هو سر الحياة وأكسجينها، والاعتدال هو السيرورة الطبيعة للإنسانية. علينا أن نتعايش مع بعض، مهما كانت الظروف. لا تستطيع أن تعيش في بلد، وتؤمن بالحرية وبالثورة، وأنت ترفض الآخر. هناك من يخيفنا بأن يتكرّر في تونس ما حدث في الجزائر من مأساة. الذي حصل في الجزائر الحبيبة، التي أتمنى لها كل التقدم، لا يتصوره العقل ولا يتمناه أحد. ونحن في مرحلة انتقالية في تونس، علينا أن نعي مسؤولياتنا لنتجاوز هذه المرحلة، علينا أن نحد من العنف.
هل أنت متفائل بمآلات ثورة الياسمين في تونس؟
ـــ  أنا واثق من أننا سننتصر على الأزمة، وسنتجاوز هذه اللحظة الحرجة في تاريخ الوطن والشعب. لا يمكن الحكم على ثورة عمرها سنتين بالفشل، وتاريخ الشعوب لا يتقرر في ستة أشهر أو عام أو حتى عامين. وتغيير كل المنظومة السياسية والاجتماعية لمجتمع يخرج لتوّه من ثورة لا يمكن أن يتم بين يوم وليلة. علينا أن نصبر على بعضنا البعض. أنا فخور بالشعب التونسي، ومتفائل جدا، لأني تونسي وأعرف العقلية التونسية. التونسي رجل يعرف معنى الحياة ومتسامح، وفي اللحظة الحاسمة يكون في مستوى مسؤولياته الوطنية. لنا وطن يستحق أن يزهر بالحب والتسامح، ولدينا شعب يستحق، لتضحياته الكبيرة، أن يعيش في كرامة، وبعيدا عن الخوف.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...