الأحد، 17 مارس 2013

ندوة فكرية بالمكتبة العمومية ببلدة الزقم


ندوة فكرية بالمكتبة العمومية
بقلم: بشير خلف
انتظمت مساء أمس ـ السبت 16/03/ 2013 بالمكتبة العمومية للمطالعة ببلدة الزقم بولاية الوادي ندوة فكرية موضوعها ( قراءة في كتاب، واستلام مكتبة المرحوم محمد الطاهر العدواني)، وهي الندوة الفكرية الأولى لهذا الصرح الثقافي المنجز حديثا، والذي دشنته السيدة وزيرة الثقافة في زيارتها الأخيرة للولاية، ونصبت بالمناسبة الأستاذ المثقف، أصيل قطاع الثقافة تامة التجاني مديرا لهذا الصرح.
الندوة الفكرية كانت ذات محورين:
1 ــ قراءة في كتاب للأستاذ المترجم ميهي عبد القادر.
2 ــ استلام مكتبة المؤرخ والكاتب والمجاهد الدكتور محمد الطاهر العدواني

       في مستهل الندوة التي نشطتها الإعلامية المعروفة المتألقة باية رزيق التي رحّبت بالحضور، كما رحب بالجميع مدير المكتبة الأستاذ تامة التجاني، والأستاذ حسن مرموري مدير الثقافة بالولاية.
  • قراءة في كتاب: الطريق إلى القنادسة ..أو في ظلال الإسلام الدافئة.
  •  فيما يخص موضوع المحور الأول ( قراءة في كتاب) تعرض الكاتب المترجم ميهي عبد القادر إلى علاقته بالترجمة منذ شبابه، إلاّ أن بداية ممارسته لها كانت وهو في سن الـ 50 سنة، وأوضح الأسباب التي جعلته يتعلق بكتابات الرحالة إيزابيل إبراهاردت الإبداعية من يوميات، وخواطر، وقصص قصيرة، ويتعمق فيها، وما دعاه إلى ذلك أنه رأى أن هذه الكاتبة تختلف عن غيرها من الذين كتبوا عن الجزائر وأهلها من الضباط الفرنسيين أثناء حملات الغزو للجزائر وما بعدها.
لماذا إيزابيل إبراهارت بالذات، وليس غيرها من الكُتّاب الفرنسيين؟
ــ لأن هذه الكاتبة كانت ضد ظلم وتعسف أصحاب السلطة الفرنسيين من ضباط، وإداريين، وأعوانهم المحليين للأهالي ؟ 
ــ لأنها تعلقت بالصحراء الجزائرية، وبخاصة ربوع وادي سُوفْ، وهي منْ أطلقت على مدينة الوادي ( مدينة الألف قبة وقبة).
ــ لأنها عاشت سنوات بهذه الربوع، واختلطت بأهلها، وعاشت معهم، واختلطت بهم، ولبست لباسهم.
ــ ولأنها أيضا واصلت رحلتها في الصحراء الجزائرية إلى الجنوب الغربي حتى القنادسة جنوب بشار، ثم تعود شمالا لتنتهي حياتها في عين الصفراء خلال فيضان واديها السنوي لتموت غرقًا.
ــ كانت تدون يوميات عن تحركاتها، ورحلاتها، ولقاءاتها بالسكان، وتصف بدقة كل ما تقوم به، أو تراه

        ونتيجة ذلك كان هذا الكتاب( الطريق إلى القنادسة)، أو في ظلال الإسلام الدافئة الذي كان موضوع الندوة.
        بعد كلمة الأستاذ المترجم ميهي عبد القادر قدم الدكتور عادل محلو قراءته لهذا الكتاب الذي يضمّ 57 نصا إبداعيا للراحلة إيزابيل إبراهاردت، إضافة إلى تصدير الأستاذ محمد حامدي مدير دار الثقافة بالوادي الذي تكفّل بطبْع الكتاب، وهو أكبر مشجع لمثقفي المنطقة وكتابها، ومقدمة وهّابي نصر الدين الأستاذ بجامعة الوادي.
الدكتور عادل محلو الذي قام بقراءة معمقة للكتاب استخلص :
ــ كتابات إيزابيل تتميز عن غيرها من الضباط الفرنسيين الذين نظروا إلى الأهالي نظرة احتقار، ورأوا فيهم إلا التخلف، والجهل، كتابات إبراهاردت رأت أن كل ما في الجزائر يومذاك أرضا، وطبيعة، وإنسانا جمال وأصالة.
ــ كتاباتها سلسة تتفتق من خيال واسع، وتتوشح بالجمالية.. لغة إبداعية أدبية جميلة.
ــ كاتبة تصف حياة المواطنين يومذاك بكل صدق لأنها عاشت بيتهم، تحدثت عن كل طبقاتهم الاجتماعية خاصة الفقيرة، والبسيطة، تحدثت عن نشاطاتهم اليومية، عن شعائرهم الدينية، عن عاداتهم وتقاليدهم.
ــ غيرها من الضباط الفرنسين وبنزعة استعمارية عدوانية ركزوا وكتبوا إلاّ على الحياة الرتيبة، الجامدة، الخالية من الحركية، والشعور بالجمالية، والنظرة التفاؤلية.
ــ تكلمت في كتاباتها عن كرهها للمدينة، وخاصة مدينة الجزائر، وحبها للمناطق الداخلية.
ــ كانت سريعة الاندماج مع السكان أينما حلّت، تعيش معهم تقاسمهم يومياتهم، فكانت كتابتها صادقة.
ــ معجم الألوان بالكتاب ثري، كما المعجم الهندسي بحيث تشكل الألوان القاتمة 35 % مقارنة بالألوان الفاتحة 64 % مماّ يدللّ على أن الكاتبة نظرتها إلى الطبيعة والإنسان الجزائري نظرة تفاؤلية.
كانت قراءة الدكتور عادل محلو للنصوص قراءة نقدية مركزة .
• الطريق إلى القنادسة ..أو في ظلال الإسلام الدافئة.
        ونحن نتكلم عن هذا الكتاب الذي ينضاف إلى كتب أخرى ترجمها الأستاذ ميهي عبد القادر للرحالة إيزابيل إبراهاردت حريٌّ بنا أن نورد بعض العينات من الكتاب ليتعرف القارئ عن نصوص الكاتبة، ومستوى ترجمة الأستاذ ميهي:
1 ـ من نص ( الابتعاد: عين الصفراء 1904):
« ...ينتهي النهار ببطء على عين الصفراء الغارقة في بخار خفيف، ودخان فوّاح. ينتابني شعور بالكآبة العذبة والغريبة كما يحدث لي دائما في الأيام التي تسبق الرحيل. كل هموم وضيق الأشهر الأخيرة التي عانيتها في مدينة الجزائر المضجرة والمقلقة، وكل ما هو مظلم في نفسي بقي هناك.»
2 ـ من نص ( موت على الطريقة المسلمة):
«... تتألق شمس الصباح في لحظاتها الأولى في الأفق كأنها زهرة عظيمة قرمزية. يشتعل كثيب الرمل المرصّع بباقات الحلفاء حول قبة سيدي بوجمعة الصغيرة التي تشرف على طريق بني ياهو وسفيسيفة .يشتعل وميض وردي على قمم أشجار التين السوداء، وتذرف أشجار الصفصاف العالية دموعا من الفضة المقزّحة.».
3 ـ من نص ( أفكار في الباحة):
«...لا أنزعج حين أكون بين هؤلاء الطيبين. عاتبني البعض كثيرا لأنني يطيب لي الاختلاط بعامة الناس. ولكن أين هي الحياة إذن إنْ لم تكن بين الناس البسطاء؟ في أي مكان آخر يبدو لي العالم ضيقا. » 

• مكتبة المرحوم الدكتور محمد الطاهر العدواني
       أمّا المحور الثاني فقد تركز على تسليم الشطر الأول من مكتبة المرحوم الدكتور المجاهد المؤرخ الباحث محمد الطاهر العدواني أصيل بلدة الزقم الذي أفنى حياته في خدمة الجزائر، وغادر هذه الحياة في شهر رمضان من سنة 2009 ، حيث قدم نبذة عن حياته أحد أقربائه.

• الدكتور محمد الطاهر العدواني 
        انتقل إلى رحمة الله تعالى الدكتور المؤرخ الجزائري الكبير محمد الطاهر العدواني في شهر رمضان 2009 عن عمر يناهز 66 سنة قضى معظمها مجاهدا في صفوف ثورة التحرير الكبرى، وباحثا مؤرخا في تاريخ الجزائر.
      وبحسب أحد أفراد عائلة العدواني ببلدة الزقم مسقط رأسه بالوادي، فإن المرحوم قد عانى ومنذ سنوات قليلة من مرض خبيث ألزمه العناية الطبية المركزة، وأدخل إلى مستشفى عين النعجة المركزي. ولما أدركت زوجته المصرية أن ساعة الفراق قد اقتربت نقلته، وعلى جناح السرعة إلى القاهرة أين لفظ أنفاسه الأخيرة، وليدفن هناك بعيدا عن أرض الجزائر التي ناضل من أجل تحريرها.
وقد تقلد الدكتور محمد الطاهر العدواني عدة وظائف ومهام تعليمية وسياسية ومنها أستاذ التاريخ بجامعة الجزائر، ومدير البحوث والدراسات التاريخية بوزارة الثقافة، ثم مديرا مركزيا بالأمانة الدائمة لجامعة الدول العربية، وممثلا للجامعة العربية في باريس.

       كما كانت للمرحوم نشاطات عديدة في مجال التأليف والكتابة، ومنها كتابه الهام الذي لايزال المرجع الوحيد لدارسي تاريخ الجزائر القديم (الجزائر منذ نشأة التاريخ) وألقى آخر محاضرة له بعنوان (الحاج أحمد باي الخبر والعبر) في ملتقى الحاج أحمد باي بمدينة بسكرة.
      وكان المرحوم لمّا اشتدّ به المرض الخبيث، وعانى منه الأمرّيْن قبل موته أوصى أن تُهدى مكتبته الثرية إلى إحدى مكتبات منطقة وادي سُوفْ؛ فكانت الفرصة سانحة لجمعية أم القرى ببلدة الزقم أن تتصل بزوجته كي تسلم المكتبة إلى هذا الصرح الثقافي الجديد ــ المكتبة العمومية بالبلدة ـ
       في هذه الندوة الفكرية المزدوجة المباركة وبحضور جمع كبير من سكان المنطقة، ومثقفي ومبدعي الولاية ومدير الثقافة، وأقرباء المرحوم تمّ تسليم الشطر الأول من المكتبة والمتكون من:
966 كتابا، و333 مجلة فكرية وأدبية.
        في ختام الندوة أمتع الشعراء: الهادي العمري( بئر العاتر)، السعيد المثردي، غريب بشير بقصائد جميلة ما بين الشعر الملحون والفصيح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...