الأحد، 10 مارس 2013

الثقافة الجزائرية خلال عقد: تعثرات ورهان على الانبعاث


الثقافة الجزائرية خلال عقد: تعثرات ورهان على الانبعاث
حفل العقد الأول من القرن الحالي بتماوجات عديدة في سماء المنظومة الثقافية في الجزائر، وخلافا للركود والانكماش اللذان ألقيا بظلالهما على الثقافة الجزائرية في تسعينيات القرن الماضي بفعل احتدام الأزمة الأمنية، كان المشهد الثقافي أكثر انتعاشا مع انبعاث مهرجانات مسرحية وأدبية وتنظيم الجزائر لاحتفاليات ضخمة على منوال “سنة الجزائر في فرنسا 2003″ و”الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007″، وكذا تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية 2011.
بيد أنّ كثيرون يرون بانطواء الحصيلة العامة على منجزات وتعثرات، وينتقدون الفعل الثقافي المحلي تبعا لتكرّس ثقافة المهرجاناتية والاستهلاك، بدلا من فتح النقاشات الكبرى حول إشكالات لا تزال تحول دون ابتعاث حقيقي لمنظومة ثقافية جزائرية حداثية.
شهدت “سنة الجزائر في فرنسا 2003″، إصدار مئات الكتب وتنظيم عدد غير محدود من المنتديات، في سابقة لم يعرفها القطاع الثقافي الجزائري من ذي قبل، وكانت لهذه الطفرة إسقاطاتها على المسرح الجزائري حيث جرى إنتاج نحو 45 عملا مسرحيا، إلى جانب إعادة بعث مهرجان المسرح المحترف وعشرات الاحتفاليات الركحية الأخرى إلى جانب 30 مهرجانا محليا للشعر والأدب والتراث.
على المنوال ذاته، شكّلت تظاهرة “الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007″ ثورة ثقافية – على الورق- للنهوض بواقع راكد، بإقدام الجزائر على طبع ألف عنوان جديد بمعدل وصل ثلاثة ملايين نسخة بينها ستمائة كتاب كلاسيكي لمؤلفين جزائريين، بينها 90 ترجمة لروائع الأدب الجزائري المكتوب بالفرنسية، إضافة إلى إصدار 40 عنوانا لكتب فاخرة عن المدن الجزائرية، فضلا عن 365 إصدار جديد في انتظار الشروع في إعادة طبع 600 كتاب كلاسيكي لكتاب جزائريين، 90 منها مترجمة عن روائع الأدب الجزائري المكتوب بالفرنسية، إضافة إلى إعادة طبع بعض المؤلفات العربية المشهورة، كما تمّ إصدار 350 عنوان بينها 200 عنوان جديد يحكي عن التراث الجزائري. وفي سابقة أدبية لم تشهدها العواصم الثقافية العربية التي نظمت من قبل، أسست التظاهرة أيضا لـ”الإقامات الإبداعية”، حيث جرى تنظيم نحو 30 إقامة إبداعية عربية”، وهي توليفة فريدة من نوعها جمعت عشرات الشعراء المبدعين من الجزائر، سوريا، لبنان، اليمن، العراق، البحرين، مصر، ليبيا، المغرب، وتونس، واختصت بالاشتغال على نصوص شعرية بألوانها العمودية والنثرية والشعبية وكذا قصيدة التفعيلة، على درب تفعيل سياق ثقافي عربي مشترك، وتوّجت المبادرة بطبع دواوين شعرية مشتركة، فضلا عن عقد “ليالي الشعر العربي”.
ورغم تعهدّات عرّابي الثقافة الجزائرية ببعث مشروع الألف كتاب وكتاب، وإنهاء إشكالات الكتاب في الجزائر، والتأسيس لفعل ثقافي حقيقي، إلاّ أنّ “دار لقمان عادت إلى سابق عهدها” وكان السبات عنوانا عدا بعض الاستثناءات خلال سنتي 2008 و2009، ولم يكن “كرنفال” المهرجان الثقافي الإفريقي المُقام الصيف الماضي ليغيّر من واقع الأشياء.
ويرى الأستاذ محمد عباس أنّ الجزائر لا تزال تفتقد لاستراتيجية ثقافية جادة’، ويشير إلى إشكالية الامتداد ومشكلات التأطير والبرمجة وكذا تهميش النخب،  ويبرز الأستاذ “كمال جايب” أهمية خروج سلطات بلاده من الاعتباطية إلى تسطير سياسة ثقافية واضحة تواكب الأحداث، وتستمد عنفوانها من التراث الثقافي العربي الإسلامي الجزائري، بإحيائه ونفض الغبار عنه. ولا يخفي المسرحي “عبد الغني شنتوف” قلقه لتعثرات غير مفهومة، فإلى غاية العام 2009 ورغم كل الذي قيل، لا يوجد قانون للكتاب ولا قانون للسينما، ولا حل لمعضلة النص في المسرح الجزائري.
بالمقابل، ظلّ اتحاد الكتاب الجزائريين محنّطا، رغم ما شهده من حراك نسبي بين عامي 2000 و2003،    وبقيت هذه الهيئة محلّ تجاذبات قضائية وتنابز امتدّ ليحيي صراعا قديما بين المعرّبين والفرنكفونيين.

                
 نجومية وطار والأعرج
رغم معاناته من المرض وملازمته الفراش بأحد المشافي الباريسية منذ أشهر عديدة، إلاّ أنّ أب الرواية الجزائرية الراحل “الطاهر وطار” ظلّ حاضرا في عمق المشهد الثقافي الجزائري من خلال إصراره على الإبداع الدائم، وأصدر الفقيد الجزء الأول من مذكراته “أراه…الحزب وحيد الخلية” عام 2007، وهو مؤلف أثار الكثير من الضجيج، لما احتواه من معلومات تٌنشر لأول مرة عن السيرة الذاتية لوطار وشبابه الأول، ولقيت المذكرات تجاوبا لاعتماد صاحبها على كتابتها بأسلوب قصصي، وإبعاده السياسة والطابوهات بأسلوب أدبي قريب من الرواية.
كما سجّل وطار حضورا متميّزا، بقصته ”الضجر” التي وصفها بـ”السريالية”، وتصريحاته المثيرة على غرار ما قاله عن “فشل الفرنكفونيين في تسيير الجزائر” ودعوته الجريئة لـ”رحيل النظام”، وتقديره أنّ “اليسار لم ينته وسيعود بشكل جديد” بجانب جزمه إنّ “غالبية الأحزاب السياسية في الجزائر هشة وخائنة” (..).
وكان خاتمة العقد مسكا، حيث تحصل شيخ الروائيين الجزائريين على جائزة الرواية لمؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية لـ2009، حيث أبان وطار عن قدرة تجريبية هائلة مزجت الأصالة بالواقع الاجتماعي، ناهيك عن جرأته في بناء الشخصيات والأحداث في معالجة قضايا محلية وبيئية بلغة متطورة تقارب في روحها العامة كلاسيكيات الرواية.من جهته، كانت للروائي الجزائري البارز “واسيني الأعرج” (55 عاما) بصماته أيضا، حيث خطف الأضواء إثر نيله جائزة المكتبيين عن روايته “كتاب الأمير ومسالك أبواب الحديد”، وهو أول كاتب معرب يفتك هذه الجائزة، كما انتزع الأعرج جائزة الشيخ زايد للكتاب، وجلبت روايته الجديدة “سراب الشرق” اهتمام النقاد.
كما أبدع واسيني في أعماله “سيدة المقام” و”ذاكرة الماء” و”وقع الأحذية الخشنة”، “و”سراب الشرق”، وكانت له كذالك وصلة سينمائية أيضا بكتابته سيناريو الفيلم الضخم “الأمير عبد القادر الجزائري” الذي لا يزال ينطلق عملية تجسيده.
حضور خاص للزاوي وخضرا
خطف الأديب الجزائري “أمين الزاوي” الأضواء خريف العام الماضي، حينما جرى تنحيته من إدارة “المكتبة الوطنية الجزائرية” التي ظلّ يسيّرها باقتدار منذ سنة 2003 وحوّلها إلى صرح ثقافي من طراز خاص، لكنّ دعوته للأديب الكبير “أدونيس” إلى الجزائر وما أطلقه الأخير من آراء، لم يرق للبعض، وتمّ في حادثة مثيرة للجدل إقالة الزاوي في أعقاب حملة طالته.
بيد أنّ د/الزاوي لم تلهه هذه الواقعة عن إتمام روايته “وليمة الأكاذيب” التي حوصلت الوقائعية الاجتماعية والسياسية والثقافية للجزائر والعالم العربي خلال ستينيات القرن الماضي، ويروي العمل قصة شاب يدعى “كسيلة” ينشأ بإحدى قرى الجزائر العميقة، ويبدأ وعيه ينضج شيئا فشيئا خلال فترة تميزت بتاريخين مميزين هما 19 جوان 1965 تاريخ الإطاحة بالرئيس الراحل أحمد بن بلة، والخامس جوان 1967 الذي يمثل عام النكسة العربية أمام الجيش الإسرائيلي وسقوط أسطورة الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر الذي كان يتوعد برمي الدولة العبرية في البحر (..).
وعرفت المكتبة الوطنية الجزائرية بحر سنة 2007، تنظيم “الملتقى الدولي الأول للكتاب العرب في المهجر” وهو موعد شارك فيه 70 كاتبا من خيرة المبدعين والمفكرين العرب المهاجرين من 25 بلدا عربيا يقيمون بأوروبا والأمريكيتين، بينهم: خلدون شمعة وسلمى خضراء الجيوسي وعبد الكريم كاسب، ومنعم فقير، إلى جانب عبد القادر بن عراب، وأزراج عمر، وفضيلة الفاروق وفاروق يوسف وعبد القادر أعراب ويوسف عسلي في محاولة لرصد كل ما له علاقة بالكتاب العرب في المهجر منذ بداية القرن العشرين حتى الآن.
وشهد ذاك المحفل إصدار أنطولوجيات معرّبة لمختلف تصانيف الشعر والنثر المهجري، وكذا سلسلة مختارة ضمّت أجود منتخبات المبدعين العرب المغتربين، بما فيهم الرعيل الأول مثل جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وفوزي معلوف ونسيب عريضة وكاتب ياسين ومحمد ديب ومالك حداد، إضافة إلى هشام شرابي وادوارد سعيد وسلمى الخضراء الجيوسي وأنطوان زحلان ووليد الخالدي ونعومي شهاب.
من جانبه، برز اسم الكاتب “ياسمينة خضرة” (اسمه الحقيقي محمد مولسهول)، حينما حصل على جائزة الغونكور” الفرنسية” وبسبب كتاباته المثيرة عن الإرهاب والتطرف، وحُظيت روايته “سنونوات من كابول” برواج كبير، إلى درجة احتلالها المركز العشرين في مبيعات الكتب الأجنبية في الولايات المتحدة الأمريكية، كما أثارت رواياته “نعاج السيد”، و”بنت العم كاف” و”الذئاب” و”الاعتداء” كثير من الجدل في الجزائر وفرنسا، ورغم عدم نيل خضرا الكثير من الجوائز الأدبية، لكنه عاد من بعيد حين عينه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة مدير لمعهد العالم العربي بباريس.
حب أحلام وصخب بوجدرة
كان للأديبة الجزائرية المغتربة أحلام مستغانمي بصمتها هي الأخرى، حيث أطلقت صاحبة الثلاثية الشهيرة “ذاكرة الجسد”، “عابر سرير” و”فوضى الحواس”، روايتها “الحب الخاص” التي خرجت كليا عن الجزائر وعن الشخصيات الجزائرية، من خلال أبطالها اللبنانيين وأحداثها الدائرة في لبنان، ومعالجتها لإشكالية الحب في العالم العربي.
كما خطفت “أحلام مستغانمي” الأضواء إثر انتقاداتها اللاذعة لسلطات بلادها، وعدم استساغتها مآلات بلادها، حيث أبدت مستغانمي ألما لبلدها الذي يبارك الأيدي التي تنهب وتقاصص تلك التي تكتب، كما استغربت كيف تترك الجزائر كتابها يواجهون مرضهم وقدرهم لوحدهم، وقالت إنها تشكّ في النوايا الحسنة لوطنها تجاه المبدعين. وكان الكاتب الجزائري الآخر “رشيد بوجدرة”، في الواجهة بحضوره (الصاخب) من خلال روايته “شجر الصبار”، وتصريحاته الجريئة، على منوال قوله: المثقف مبهور برجـل  السلطة، ولا يقل سلطوية عن الحاكم، وتقليله من أثر شيخ الرواية العربية “نجيب محفوظ”، بوصفه للراحل بأنه كان:”رجلا قديما..أعطى رواية قديمة” (..).
”مولود فرعون” و“مصطفى الأشرف” عادا من بعيد !      
الأديب الجزائري الرحل مولود فرعون صاحب عمل “الأرض والدم”، استعاد هو الآخر نجوميته بعد قرابة نصف قرن عن رحيله، إثر إجماع نقاد جزائريين، على تصنيف روايته “نجل الفقير” كأهم رواية وطنية في الجزائر، وقال من اشتغلوا على العمل الذي أبدعه فرعون العام 1960، وحظي بالنشر بعد نحو نصف قرن، أنّه بالفعل باكورة روائية متفردة كٌتبت بأسلوب بسيط ينم عن عمق إنساني كبير.

وتبحث رواية “نجل الفقير” سياق الشد والجذب بين الجزائر وفرنسا، أين يظهر فرعون كمثقف سئم من فرنسا التي تدير ظهرها للسكان الأصليين، وقرر أن يلتزم بفكرة الاستقلال، وتدور أحداث الرواية عقب نهاية “معركة الجزائر” الشهيرة شتاء 1957، بطلها مدير مدرسة جزائري يغادر الريف ويستقر في الجزائر العاصمة حيث عين مديرا لمدرسة بحي شعبي، يتعرف على مدرسة فرنسية تدعى فرانسواز، لتتشعب الرواية في سياقات غير منتهية عن الهوية والأنا المستقل والاستلاب الاستعماري.
ويعلّق الأستاذ محمد لخضر معقال، أنّ فرعون الذي اغتالته منظمة الجيش السري الفرنسية المتطرفة في  15 مارس 1962، كان يمكن لروايته لو صدرت قبل نصف قرن أن تثير الكثير من اللغط وسوء الفهم من قبل عرّابي ثورة التحرير ومنظري جبهة التحرير الوطني، كما يرى معقال إنّ العمل تناول البعد المرتبط بالهوية على أساس هويات متعددة وليس بناءا على هوية واحدة.
من جهته، زاد المفكر الجزائري الراحل “مصطفى لشرف”، نجومية غداة موته، حيث امتدح متابعون للشأن الثقافي في الجزائر، شخصيته الإنسانية الكبيرة، ما أهلّه للانتماء إلى فصيلة من المثقفين الذين دافعوا عن الإنسان وحقه في الحرية، وحق تقرير كل الشعوب في تقسيم خيرات الكرة الأرضية بالعدل، علما إنّ الأشرف كان أكثر المفكرين والفلاسفة مقروئية  خلال الخمسينيات والستينيات في أمريكا الجنوبية وإفريقيا، ما دفع السلطات الفرنسية أيام احتلالها الجزائر، تمنع تداول كتاب الأشرف الذي حمل عنوان “الجزائر، أمة ومجتمع في أفريقيا”.
وارتبط الأشرف أيضا كناقد أدبي بالرواية الجزائرية، حيث جرى اتخاذه مرجعا أساسيا لتحديد تقنيات ارتباط الرواية بالمدارس الجمالية في أوروبا، مع الإشارة أنّ الأشرف اشتغل على الأدب الشعبي والحكايا الشعبية البربرية من حيث تجلياتها وقيمها الجمالية والسوسيولوجية، وركّز في أبحاثه على مآثر علمين بارزين “محمد بلخير” و”بن قيطون”.
واحتوت لائحة الفاعلين الثقافيين البارزين خلال العقد الأول من هذه الألفية، اسم المؤلف الجزائري “عبروس منصور” إثر قيامه بتأليف أول قاموس جزائري للفنانين، في شكل موسوعة فريدة، عنيت بتوثيق مآثر أكثر من ألف وسبعمائة فنان جزائري من مختلف ضروب: الفن التشكيلي والرسم الكاريكاتوري والتصوير والتصميم الفني.
واقترح الكاتب “منصور عبروس” في مصنفه الشائق “قاموس الفنانين الجزائريين 1917 ـ 2006″، بيبليوغرافيا تفصيلية وعرض السير الذاتية لـ1705 فنان جزائري، بينهم 1324 فنان تشكيلي، 118 فنانا متخصصا في الفن الإسلامي، إضافة إلى 151 مصمم و112 مصور.
وكان للمفكر الجزائري الراحل “محمد أركون” صرخة مدوية في مؤلفه “إنسانية وإسلام، كفاح واقتراحات”، بقوله إن النسيان أهم ما ميز تاريخ الفكر الإسلامي المعاصر، وتساؤل المفكر الجزائري عن شكلانية الاتصال القائم بين المجموعات اللسانية والثقافية والعقائدية بعد 11 سبتمبر 2001. وبحكم وعيه بمهام المثقف النقدي، خاض أركون بحثا محموما عن المعنى وفضح آليات التمويه وإرادات القوة والهيمنة التي تتستر وراء أشكال الخطابات والممارسات السائدة في الفضاء الاجتماعي، وحث أركون مجايليه على طرح الأسئلة الحارقة المتعلقة بالمواطنة والحريات وعدم الخلط بين الديني والدنيوي والتفكيك النقدي للأيديولوجيات المدمرة اليوم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...