الأربعاء، 13 مارس 2013

الفنون في حياتنا


الفنون في حياتنا
إن الكتاب الثاني الذي صدر للكاتب القاص بشبر خلف ضمن هذه الثلاثية هو كتاب " الفنون في حياتنا " كتاب جميل جدا إخراجا وتصميما ومحتوى.
الكتاب من الحجم المتوسط يقع في 285 صفحة طبع دار الهدى بعين مليلة وبدعم من صندوق الإبداع بوزارة الثقافة الجزائرية..المضمون توزع بين 41 موضوعا فضلا عن المراجع والفهرسة.
من بين هذه المواضيع نشير إلى:
الفنون في خدمة القيم، الفن والحياة، الفن والعلم، الفن والأخلاق، الفن والدين، الفن والجمال، ثقافة الصورة تصنع عالمنا المعاصر، الفن أحد روافد المعرفة، فن التصوير أقدم الفنون، العولمة توظف الصورة في سياقات أخرى، بعد الصورة البصرية.
وممّا جاء في مقدمة الكتاب:
« … إن الفن هو تعبيرٌ،وانعكاسٌ للعالم الواقعي المحيط بالإنسان ..فالإنسان مخلوق متحرّكٌ ومبدعٌ ..مخلوقٌ يسعى بدون كللٍ إلى التحضّر ، فقد كان منذ بداية حياته الأولى على الأرض يعبّر في فنونه عن طموحاته ، ورغباته من خلال صراعه اليومي مع الطبيعة ، ومع الكائنات الحيّة على الأرض ..والفن بقدْر ما هو تعبيرٌ عن ذاك ، وانعكاسٌ له ، فإنه تعبيرٌ أيضا عن المستوى الروحي ، والمحتوى الفكري للإنسان
فالفن نشاطٌ إنسانيٌّ ضروريٌّ تفرضه ضروراتٌ غريزية في النفس البشرية ، ووسيلةٌ أساسية للتعبير ، والتواصل بين بني الإنسان ، بل هو لغةٌ عالمية مفهومةٌ بين كل الحضارات ، ولا يحتاج إلى لغة موحّدة للتفاهم كالفنون التشكيلية ، والفنون السمعية كالموسيقى ، والفنون المرئية كالسينما والمسرح . إن الفنّ باعتباره أداة تعبيرٍ فرديٍّ واتّصالٍ وتواصلٍ ، فإنه يتجاوز هذه الفردية التي تعبّر عن صاحبها ليصبح تعبيرا عن حالة ، أو حالات عامّة ، أو ثقافة جماعة ، أو أمة في زمان معيّن ، أو في مكان معيّن ..ثمّ إن حاجة الإنسان للفن ضرورة حياتيةٌ بحكم تكوينه الطبيعي ..يحتاج للفن كمبدعٍ ومتلقٍّ .
     ومّا جاء في مواضيع الكتاب( رسالة الفنان):
      الفنان يجاهد بجماليات الفنّ لبناء قيم الحق والخير والجمال في حياة دائبة الحركة ، كثيرة التغيّر في المشاعر والأفكار والقيم ، ولهذا كان لابد له أن يتجدّد مع الحياة ، فيخاطب الحياة بمنطقها والعصر بشفرته ، والناس بلغتهم ، فالشكل التقليدي للقصيدة العربيّة ومستويات المبنى والمعنى في النص الشعري القديم يجب أن يخضع لمنطق الحياة فيتجدّد ، لأن قيم الحياة تبدّلت ، ولابد أن تتبدل قيم التعبير (( لقد تغيّر كل شيء في حياتنا ، حتى أحكام العقل ، واتسع صدر الحياة لهذا التغيير ، فلماذا يقف الشعر بقوالبه الجامدة ، وحدوده المتصلّبة، لا يتغيّر مع طاقات الجيل الجديد ، ومع مقاصده وأغراضه ؟! ، وبدأت التجربة بين زحف ونهوض ... وأشهد أنها انطلاقة ، إن دامت لها قوّة الدفع ، خرجت بالشعر العربي إلى أوسع آفاقه وأجزلها عطاءً ))
الفنان ..الإنسان الذوّاقة المرهف الحسّ :
      الفنان إنسان لكنه قد يختلف عن الإنسان العادي بأحاسيسه العالية ، وتأمله للحياة ، وهو تأمّلٌ مفتوحٌ يجعله دائما في صراع مع حالات 'المغلق' التي تحيط به.. فالفنان الحقيقي وليس ممارس الفن كما يراه الفلاسفة ، لديه خاصية إخراج الأشياء وإظهارها بشكل بارز كما يقول الفنّان الكبير المبدع عادل إمام في حوارٍ له . وانه ـ أي الفنان ـ يري ما قد لا يراه الآخرون ؛ وقد كان الفن سباقا في اكتشاف ظواهرَ أعلن عنها علماء النفس بعد ذلك ..

     الفنّان عاطفة شيّاجة ، وإحساسٌ نبيلٌ ..فالفنّان يخلق العمل الفنّي ليطلق خصائصه الذهنية والوجدانية من عقالها ، ويحرّرها من الرتابة والنمطية ..من قيود العادات والتقاليد ليتّجه بها نحْو الحريّة ، والخير ، والفضيلة ، والحقّ ، والإطلالة على الحياة بمنظار الجمال والحسن .
     إن الفنّان إنسانٌ محكومٌ بغريزته ، وتصوّره المميّز للوجود ، وخصوصية إلهامه ، أي بمختلف الأخيلة والعواطف التي تمور بها نفسه ، فيفجّرها عقله المتوقّد ، وبصيرته الوضّاءة .إن الفنان وهو يبدع فنّه كيفما كان جنس هذا الفن فإنه يستلهم فنّه من روح مجتمعه ، أو من روح المجتمع الإنساني الذي في كل العصور ينشد الحرية ، ويأبى الظُّلْم والجبروت ، فالعواطف والأخيلة لا تكفي وحدها للتعبير عن الصراع الأبدي بين الخير والشرّ ، بين الظلام والنّور ، بين العدل والظُّلْم .
    إنّ الفنّ ما كان ولن يكون حقّا فنّا ، ولن يبلغ أسْمى المراقي ، ولن يكون معبّرا عن الإنسان في حياته ، ولن يكون أداة نضال ، أو أداة تأثير إلاّ إذا كان نابعا بصدق من ذاتية الفنّان ، ومن شعوره بفداحة القبح والشرّ وضررهما على الإنسان أينما كان ، وبضرورة مقاومتهما بطرق المقاومة السلمية أوّلا ، وفي طليعتها الفنون ..يقول الأستاذ إبراهيم المصري في كتابه " خبز الأقوياء " :
( ...وإذن فالفنّ لن يكون حقّا ، ولن يرتفع إلى روْعة التأثير واكتماله ، إلاّ إذا نشب الصراع بين الفنّان ونفسه ، أي إلاّ إذا غالب الفنّان احتدام عواطفه ، وأخيلته ، واستطاع أن يروّض تلك العواطف والأخيلة ويكبحها ، ويحصرها ، ثمّ يتخيّر الصالح القويّ المعبّر منها ، ثم يُبْرزه وينسّقه ، ويصقله ، بحيث يخرج العمل الفنّيّ كالزّهرة المتألّقة السليمة ، في ظاهرها نُضرة الجمال المتكامل الأمثل ، وفي باطنها فوضى الطبيعة ، أي احتدام القوى الطبيعية التي أبدعتها ، والتي عرف الفنّان كيف يضبطها أُسْوة بالطبيعة التي تضبط  نظامها ، وقوانينها ، وهي تختال أمام الناظر في أبدع حُلل جمالها ، وأغْربها.)(1)
      لكن هل يستطيع الفنان أن يجاهد بجماليات الفنّ لبناء قيم الحق والخير والجمال في حياة دائبة الحركة ، كثيرة التغيّر في المشاعر والأفكار والقيم ، ولهذا كان لابد له أن يتجدّد مع الحياة ، فيخاطب الحياة بمنطقها والعصر بشفرته ، والناس بلغتهم ، إذا كان في مستوى متدنٍّ من المعرفة ، وجهْلٍ في ثقافته الفنّية ؟
    ثمّ ما مدى تأثير منتوج فنّيّ إذا كان منتجه يخلو من الإرادة والشجاعة ، والإيمان برسالة الفنّ في حياة الناس ، ودوْره هو كإنسان له دوْرٌ بقدْر ما هو متميّز ، فإنه خطير ..وهذا يعود بنا إلى ما قاله الكاتب الكبير الروسي " تشيكوف " وأبرزناه سابقا من أنّ الفنان ، لا بدّ أن تتوفّر فيه العديد من الخصائص حتّى يكون فنّانا بحقٍّ ، حيث في رأيه أن الموهبة تتضمّن إحْساسا قوميا ، وأن الفن والثقافة يتضمنان التزاما بقضايا الأمة ، وأن لا مجال لمقولة " الفنّ للفنّ ". وأن الموهبة في رأيه أيضا :الشجاعة ، واستقلال الرأي ، وسعة الأفق ، والعلم بالحياة ، وحيث لا تكون هناك معرفة ..لا تكون هناك شجاعةٌ ، إن الموهبة هي التحرر من العواطف البدائية … ولهذا فالموهبة .. هي الحرية .
 تلكم العناصر مجتمعة هي التي تحدّد ماهية الفنّان ورسالته .



(1) ـ خبز الأقوياء .ص162


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...