كتاب حاكمة قرطاج
تبعا للمنشورات التي صدرت بخصوص "حكام تونس" سواء كان الرئيس السابق بن علي أو زوجته ليلى الطرابلسي، مازلنا نحاول عرض بعضها الذي كان إلى قوت قريب ممنوعا من الإصدار والنشر والتوزيع ولكن ثورة الياسمين التي قام بها الشعب جعلت كل الكتابات الممنوعة تتحرر من قبضة القمع وتخرج للعلن ومنها الكتاب الذي سنحاول قراءته مع قرائنا الأوفياء والذي يحمل عنوان "حاكمة قرطاج" الذي صدر أواخر، 2009 في باريس، مما جعل السيدة ليلى طرابلسي تشن حملة عنيفة ضد ما ورد في الكتاب من تفاصيل دقيقة عن حياتها ودورها المتنامي في البلاد، وقالت حينها إنه يحتوي على مغالطات كبيرة.
الكتاب ألفه الصحافيان نيكولا بو وكاثرين غراسييه، يحتوي على معلومات مهمة وصادمة أحياناً عن نشاط ليلى الطرابلسي وأفراد عائلتها، وضلوعهم في صفقات فساد منظمة، حيث أشار المؤلفان في كتابهما إلى أن طرابلسي كانت تمشي على خطى وسيلة بورقيبة، التي كانت تقود البلاد من وراء الستار، في الوقت الذي تقدم فيه الرئيس السابق الحبيب بورقيبة في السن، ولم يعد قادراً على إدارة شؤون البلاد.
وحسب ما جاء في فصول هذا الكتاب فإن "حاكمة قرطاج" كانت تنوي أن تطرح نفسها بديلاً عن زوجها في الانتخابات الرئاسية التونسية، بمساعدة أفراد عائلتها والشخصيات المنطوية تحت جناحها، وبصمت رسمي من فرنسا، التي تدعم النظام التونسي، ورغم اعتراف أصحاب الكتاب بالصعوبات التي واجهتهم في الحصول على كل المعلومات، إلا أنهما سلطا الضوء في ذلك الحين على الفساد الذي بدأ يأخذ مجرى خطيراً، وذلك قبل أن يسرّب موقع «ويكيليكس» معلومات حول هذا الموضوع.
الكتاب في بداية صدوره تم تداوله في نطاق ضيق، نظراً إلى التعتيم الإعلامي الذي أشرفت عليه السيدة الأولى آنذاك، والتعتيم الرسمي الفرنسي لتفادي تسليط الضوء على الفساد في تونس. وقالت غراسييه، إن "وسائل الإعلام الغربية لم تكن تنشر حقائق حول الموضوع، ومن هنا جاءت فكرة الكتاب لكشف حقائق هذا النظام". مضيفة إن صعوبات كبيرة واجهت عملية التواصل مع مصادرها في تونس، وتعرض بعضهم لمضايقات وتقول "لقد صُدمنا بحجم الفساد الذي يقوم به نظام بن علي". مشيرة إلى أن تأليف الكتاب تم بجهود تونسيين زوّدوهم، رغم الإجراءات القمعية، بالمعطيات والبيانات.
أما فيما يخص الصمت الغربي على وجه العموم والفرنسي منه على وجه الخصوص تجاه فساد نظام بن علي قالت غراسييه: "هناك أسباب عديدة تشرح هذا الصمت، منها أسباب شخصية من قبيل أن شخصيات فرنسية تقضي عطلتها في تونس، أما الأسباب السياسية، فيأتي على رأسها الرضا الغربي بعد نجاح نظام بن علي في تجفيف منابع الحركات الإسلامية، التي لم تعد بعد سنوات من حكمه تشكل خطراً على نظامه و حكمه".
وتحت عنوان الطرابلسي قدمت نفسها أيقونة للحداثة التونسية يقول الكاتبان أن الغرب كان يرى في النظام التونسي نموذجا يجدر ببلدان العالم الصاعدة الاقتداء به لكن كان الجميع يدرك أيضا أن نظامه يسوده الفساد والتسلّط، وأن ليلى الطرابلسي، زوجة بن علي، وأفراد أسرتها كانوا يمثّلون بممارساتهم وسلوكياتهم أبرز رموز ذلك الفساد وذلك التسلّط.
ومنذ عام 1992 كان بن علي يردد أن دور المرأة يشكّل عاملا حاسما في حياة المجتمع وتقدم البلاد، ذلك الدور الذي أرادت زوجته ليلى الطرابلسي تجسيده من خلال نشاطات وهيئات اجتماعية عديدة والظهور باستمرار إلى جانب الرئيس لكن كان للعملة وجهها الآخر إذ مارست ليلى الطرابلسي بالوقت نفسه كل أشكال المناورات التي تجيدها كثيرا، واستخدمت أساليب كثيرة لتثبيت موقعها في قصر قرطاج ابتداء من ترتيب زواج أبناء وبنات أسرتها من عائلات ذوي النفوذ، وحتى الاعتماد على شبكات تدين بالولاء لها في الحكومة ومؤسسات الدولة، هذا إلى جانب دفع أخوتها وأبنائهم إلى حيث سيطروا على مختلف أوجه النشاط الاقتصادي، بعيدا عن أي احترام للقوانين النافذة.
يشير الكتاب إلى أنه قد جرى الحديث كثيرا في فرنسا والغرب عما سمي بالمعجزة التونسية في عهد الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، حيث يعود المؤلفان إلى عام 1988 حيث كان بن علي وريث الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة، يحاول تثبيت أركان سلطته الهشة عبر كسب شرائح اجتماعية جديدة ومتنوعة وعملت الدعاية الرسمية آنذاك على أن تجعل من ليلى الطرابلسي التي كانت تظهر غالبا إلى جانب زوجها الرئيس بن علي منذ زواجها القانوني منه، أيقونة الحداثة التونسية.
وكانت قد تعودت على أن ترتدي ملابسها من بيوت الأزياء الكبرى في باريس ولندن وتمضي عطلها في جنوب فرنسا وغيرها وقد تعودت السيدة الأولى في تونس على ترديد ما تقوله الدعاية الرسمية وترأست بالوقت نفسه العديد من المنظّمات مثل منظمة المرأة العربية والندوات الوطنية للاتحاد العام للنساء التونسيات والمؤتمر العالمي للنساء.
وينقل المؤلفان عنها قولها في بعض التصريحات لصحف فرنسية وغيرها قولها إن دور المرأة جوهري من أجل عملية التغيير والسيرة الرسمية الذاتية لزوجها بن علي تكرس لها جملة واحدة تقول الرئيس زين العابدين بن علي متزوج وأب لخمسة أطفال زوجته، ليلى بن علي، نشيطة جدا في عدة منظّمات خيرية تونسية وعالمية لنصرة قضايا المرأة والأسرة والطفولة.
ويؤكّد المؤلفان القول إن الصعود الكبير والخاطف لليلى الطرابلسي لا يعود لدراساتها إذ لم تحصل منها سوى على القليل، ولا يعود بالطبع إلى المهن المتواضعة التي مارستها لكنها تمتلك مواهب أخرى يتمثّل أهمها في الصبر وقوة الحدس والمهارة في المناورة والسر والدسائس والجاذبية وحتى اللجوء إلى النساك والسحرة بمساعدة والدتها "الحاجة نانا".
ومن مواهب ليلى الأخرى نشاطها في ترتيب الزيجات كان من أكبر نجاحاتها في هذا المجال عام 2004 عندما زوجت ابنتها نسرين من وريث أسرة المطيري البورجوازية التونسية وكانت قد دفعت أخاها الأكبر بلحسن إلى الطلاق كي يتزوج من الابنة البكر لهادي جيلالي سيد أرباب العمل التونسيين وبدا أن هذا الأخير طمح للفوز بمنصب رئيس البرلمان التونسي غداة الانتخابات الرئاسية والتشريعية 2009 ما يعني إمكانية أن يتولّى الرئاسة في حالة الاختفاء المفاجئ لرئيس الجمهورية بن علي في مثل تلك الفرضية تغدو ليلى عندها هي السيدة الحقيقية للعبة السياسية.
وينقل المؤلفان أنه في الفترة الأخيرة عندما بدأت صحة بن علي تتدهور استدعت ليلى الطرابلسي وزير الخارجية والأمين العام للرئاسة لتقول لهما ما يلي " تعرفان مثلي أن الرئيس يمر في حالة إحباط بسبب الجهود المفرطة التي قام بها خدمةً للوطن . وأطلب منكما بالتالي العناية به عبر تجنب إرهاقه بأخبار وملفات قد تزيد من خطورة حالته وتستطيعان بكل الحالات العودة لي أولا من أجل جميع المواضيع وأنا أعرف كيف أعرض عليه الأمور".
ولم تتردد ليلى منذ ذلك الحين في إبراز شبكات نفوذها وكانت تعقد اجتماعات شبه يومية في الصالون الأزرق بقصر قرطاج مع "وزرائها" والمقربين منها، هكذا أخذت طموحات ليلى تتحقق بفضل الضعف البدني لزوجها وسادت في تونس أجواء أية عهد حيث خامرت أثناءها فكرة تولّي ليلى للرئاسة أذهان جميع التونسيين.
هذا الفصل استعراض بعض الجوانب الدقيقة في حياة هذه المرأة الطموحة جدا وحياة أسرتها التي أصبحت هي الفلك الذي تدور حوله تونس ونبدأ ببعض الأسئلة التي طرح المؤلفان أمام حيرتهما ودهشتهما في ليلى الطرابلسي التي قال بشأنها هل هي الفتاة السهلة، كما يصفها البورجوازيون التونسيون؟ أم هي الفتاة المستقّلة والطموحة التي ساهمت لقاءاتها الغرامية في صعودها الاجتماعي السريع؟
ولدت ليلى الطرابلسي، زوجة بن علي، في كنف أسرة متواضعة وترعرعت في بلدة خزندار بالقرب من العاصمة تونس وكان أبوها يعمل بائعا للفواكه المجففة بينما اهتمت أمها بتربية أبنائها الأحد عشر، بدأت ليلى حياتها المهنية في صالون لقص وتصفيف الشعر للسيدات في ساحة برشلونة بتونس العاصمة وفي عام 1985، حيث التقت بالمدعو خليل معاوية الذي كان يدير وكالة لتأجير السيارات على طريق المطار وتزوجت منه ليتم الطلاق بعد ثلاث سنوات.
عملت ليلى بعدها في وكالة للسفر وسط العاصمة تونس وهناك اكتشفت عالم رجال الأعمال وسافرت قليلا واشترت سيارة "رينو 5"، وينقل المؤلفان عن صديقاتها في تلك الفترة أنها كانت لطيفة جدا ومستعدة دائما لتنظيم الاحتفالات وقد أطلقوا عليها في الأحياء الشعبية يومها لقب "ليلى جين" إشارة إلى الشراب الكحولي الذي كانت تفضله.
وهنا يشير أصحاب الكتاب أن ليلى الطرابلسي كانت تقوم ببعض الأعمال التجارية الصغيرة عبر مواد كانت تجلبها من روما وباريس وقد تم ضبطها من طرف رجال الجمارك في إحدى الرحلات، فلجأت إلى أحد معارفها وهو طاهر المقراني الذي كان أحد أعمدة وزارة الداخلية التونسية عند الاستقلال.
ويبدو أن بن علي ربما كان قد التقى بها آنذاك حيث شغل منصب مدير الأمن خلال فترة، لكن جرى نقله إلى بولندا كسفير لبلاده بعد اضطرابات مدينة قفصة التونسية التي يقال أن الرئيس الليبي معمر القذافي كان وراءها، حسب المعلومات التونسية.
يؤكد المؤلفان خلال عرضهما أن اللقاء الذي قلب مسيرة حياة ليلى الطرابلسي هو مع فريد مختار، رجل الصناعة الكبير والخبير بالفن ومالك النادي الإفريقي لكرة القدم في تونس والذي كان صهر محمد مزالي، رئيس الوزراء آنذاك، وبفضله عملت ليلى كسكرتيرة إدارة في أحد فروع الشركة التونسية للبنوك التي كان يديرها خاله حسن بلخوجة المقرب من بورقيبة وأول سفير في فرنسا للجمهورية التونسية بعد الاستقلال وبرفقة فريد اكتشفت ليلى المجتمع التونسي الرفيع والثري.
وهكذا استمرت علاقة ليلى وفريد أربع سنوات قبل أن يضع هذا الأخير حدا لها وفي عام 1984 عاد الجنرال بن علي من بولندا حيث اختاره محمد مزالي وزيرا للداخلية ولم يتأخر بن علي في البحث عن اللقاء بليلى الطرابلسي لتعيش سريعا في كنفه وينقل المؤلفان أنه قال لها ذات يوم "ينبغي التحلّي بالصبر، فسوف نكون قريبا في قصر قرطاج" !
وفعلا كانا في قرطاج وخلال السنوات الأربع التي تلت زواجهما، ظّلت عائلة الطرابلسي بعيدة عن الأضواء. ولكن اعتبارا من عام 1996 برزت شهيتهم بوضوح في الحد من طموحات بعض العائلات التي كانت تسيطر على مقادير تونس مثل عائلات الطايف ومبروك وشيبوب وفي تلك السنة تماما وضع الأخ الأكبر لليلى، أي بلحسن، يده على شركة الطيران التي حملت تسمية "قرطاج للطيران" والأخ منصف، المصور السابق في الشارع، أصبح رجل أعمال كبيرا وتولّى أولاده الثلاثة حسام ومعز وعماد احتكار أهم القطاعات في البلاد وفرضوا بذبك قانونهم على جميع النشاطات.
هذا ما جعل بن علي في عام 2002 يجمع أهم أعضاء عائلة الطرابلسي ويقول لهم إذا كنتم تريدون المال فافعلوا ذلك بتحفّظ على الأقل وعليكم أن تجدوا رجالا يكونون مجرد غطاء رجال من القش يظهرون في الواجهة.
هكذا إذن تعاظمت قوة ليلى الطرابلسي خلال السنوات الأخيرة من حكم بن علي، بحيث فاقت سلطاتها تلك التي امتلكها رئيس الوزراء لقد حرصت ليلى على لعب دور سياسي حقيقي، ولو تراجعت عن ذلك ظاهريا في بعض الأحيان وجميع أولئك الذين عارضوها، ولو قليلا، تم استبعادهم أو إزاحتهم تماما من المشهد السياسي التونسي.
لكن ما كان يشغلها حقيقة وجعلته أولويتها المطلقة هو العمل على زيادة ثروتها وثروة عائلتها واستخدمت لذلك عددا من الأشخاص المعروفين، مثل عبد العزيز بن ضياء وعبد الوهاب عبدالله وهادي جيلاني، وغيرهم من ضباط أمن ومؤسسات أمنية، في مقدمتها وزارة الداخلية وهنا تجدر الإشارة إلى أن الشخصية الأكثر نفوذًا في عائلة الطرابلسي هي شقيق ليلى الأكبر بلحسن الذي انتقل من شخص مغمور إلى مصاف "نائب ملك تونس".
وكانت ليلى طرابلسي تمتلك فعلا سلطات حقيقية تفوق سلطات رئيس الوزراء وتستطيع تشكيل الحكومة وإسقاطها وتعيين الوزراء وإقالتهم، وكذلك السفراء ورؤساء الشركات عندما يروق لها وكذلك تستطيع زيادة ثراء أو إفقار، وسجن أو إطلاق سراح من تريد إذا قررت ذلك.
ويشرح المؤلفان كيف أن بن علي وزوجته ليلى الطرابلسي خلقا سلطة تنفيذية موازية وخفية عبر اللجوء إلى القمع البوليسي والاعتماد على منطق الزبائن والدسائس السياسية ولم تتردد ليلى في استخدام مختلف وسائل الإعلام التابعة للنظام من أجل كتابة مقالات المديح لنشاطاتها بقصد إيجاد مكانة على المسرح الدولي أو العربي.
ومن هنا بدا واضحا للكثيرين أن ليلى الطرابلسي تريد أن تدير أمور البلاد في الظل وينقل المؤلفان عن الصحافية التونسية سهام بن سدرين تأكيدها أن زوجة الرئيس حاولت خلال عامي 2004 و2005 احتلال مواقع تسمح لها بلعب دور سياسي قيادي، وكتبت الصحفية على موقعها الإلكتروني "لقد لاحظنا جميعا أن تلك التي يدعوها التونسيون بالرئيسة تحرص على إلقاء خطابات سياسية" وتشير إلى أنه في شهر أكتوبر من عام 2004 قامت ليلى بقراءة الخطاب الختامي لمرشح حزب التجمع الدستوري الديمقراطي، أي زوجها الذي اكتفى بالتصفيق المتكرر لها.
من جانب آخر يثير المؤلفان قوة هذا المرأة وبأسها الشديد اتجاه أولئك الذين حاولوا الوقوف في وجه صعودها وخسروا مناصبهم بطريقة أو بأخرى وزادت صلابة أمام زوجها خاصة بعد إنجابها لطفل ذكر عام 2005 حمل اسم محمد زين العابدين بن علي.
وللتدليل على قدرة ليلى الطرابلسي على إلحاق الأذى بمن يعارضها يسرد المؤلفان حكاية مفادها أن محمد جيغام، رجل الثقة لدى الرئيس الذي كان قد تولّى حقائب وزارية عديدة شملت وزارتي الدفاع والخارجية، وكان المستشار الخاص للرئيس، لم يكن بمنجاة من غضبها إذ اعتقد في عام 2007 بأنه من المفيد لفت نظر الرئيس إلى أن عائلة الطرابلسي ذهبت بعيدا في الفساد والابتزاز وكانت النتيجة أنه وجد نفسه منفيا كسفير في روما، قبل صدور قرار بنقله إلى بكين رفض ذلك وفضل الذهاب إلى التقاعد والتفرغ للأعمال التجارية.
وبعد 18 عاما من الزواج، أصبحت ليلى بعيدة عن الفترة التي كانت تلتقي فيها مع أفراد أسرتها في "الصالون الأزرق" بقصر قرطاج للتشاور حول الملكية التي ينبغي وضع اليد عليها وأصبحت هي التي تقرر وحدها ذلك، حيث طلبت من مختلف الإدارات إبلاغها عن أي مشروع تبلغ قيمته أكثر من مليون دينار تونسي وينقل المؤلفان عن صحافي تونسي قوله إذا أثارت عملية ما اهتمامها كانت هي التي تحدد من سيستفيد منها بين أفراد أسرتها وبذلك أخذت دور العراب في نظام المافيا الذي قام في تونس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق