الأحد، 10 مارس 2013

الأدب النسوي يتيم والجزائر تفتقد للتراكم


الأدب النسوي يتيم والجزائر تفتقد للتراكم
توقن الشاعرة الجزائرية المخضرمة، زينب الأعوج”، إنّ الأدب النسوي الجزائري يتيم، وإذ تقر بوجود أزمة ثقافية حادة، فإنها تنتقد افتقاد الجزائر للتراكم وعدم تأسيس أرضية عقلانية وحكيمة للنقاش والتشاور والحوار والجدل ومحاولة معرفة رأي الآخر.
وفي هذا الحوار الذي خصت به “الوسط”، تستهجن صاحبة “مرثية لقارئ بغداد” استمرار تنامي معضلة المقروئية، داعية إلى جعل عملية القراءة مَهمة استراتيجية على عاتق الدولة.
·       ـ كإحدى تجليات القصيدة الجزائرية النسوية الحديثة، أي قراءة تمنحينها لمسار الشعر النسوي في الجزائر حاليا؟
ــ للأسف، الشعر أصبح الحلقة الأضعف في الساحة الإبداعية وفي سوق الأدب إن أردت، أصبح يتيما وقليلا ما يصادف من يتبناه، وبالرغم من أنه صوت الذين لا صوت لهم، والبحر المعطاء من ناحية المخيال والقاموس اللامتناهي للغة وسحرها، فدور النشر لا تراهن عليه لأنه ليس سلعة مربحة.. الشعر بحكم هويته المتميزة والخاصة فهو يقرأ ويسمع ويرى ويلمس ويجس نبضه ودرجة حرارته.

·       ـ إذن كيف نوصل الشعر للآخرين وكيف نغرس حاسة عشقه في الناس، وكيف نحافظ على دوره في زرع ما هو جميل وراقي، وكيف نجعل منه قناة جمالية وثقافية تحافظ على القيم الإنسانية العليا؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن يطرح؟
ــ بالنسبة لتراجع الشعر لصالح الرواية، في نظري، هي فكرة مغلوطة إلى حد كبير، الشعر ليس محطة مؤقتة للوصول إلى محطة أخرى التي هي الرواية، بمعنى الوصول إلى النوع الأدبي الأرقى والأجمل.
الشعر هو منظومة فنية قائمة بذاتها إما أن ننجح في القبض على مفاتيحه وأسرار لغته وموسيقاه أو نتركه لمن هو أهل له.
أما فيما يخص إبداع الشاعرات الجزائريات، هناك أصوات متميزة، ليس في الشعر فقط، بل على مستوى القصة والرواية أيضا وأنا أقرأ هذه التجارب بمتعة كبيرة.
الكتابة هي عبارة عن رحلة ممتعة وشاقة يختلف فيها الزاد من مبدع لآخر وبالقدرة في امتلاك سحر اللغة ومدى طواعيتها للمبدع امرأة كان أو رجلا، تبقى طبعا تفاصيل بعض الخصوصيات المرتبطة بالإحساس الداخلي العميق وطريقة تلمّس الأشياء اللصيقة بالمرأة ربما كحالة أو حالات دائمة أو مؤقتة أو مرحلية. هناك أشياء لا يمكن إلا لأنثى أن تلتقطها.

·       ـ ما الدور الذي يمكن أن يلعبه الإبداع الأدبي النسوي في الجزائر، على صعيد بعث اتجاهات ورؤى جديدة، والارتقاء بالمنظومة الشعرية النسوية؟
ــ كتابة المرأة في نظري تندرج ضمن السياقات والإرهاصات العامة للكتابة بكل تنوعها وثرائها، فهي تضيف كما يضيف الآخرون وربما أكثر، لأنّ جمالية النص والعمق الإبداعي والعلاقة الحميمة مع اللغة ليست مرتبطة بجنس المرأة أو الرجل بل في القدرة على خلق ذلك الخيط السحري الشفاف الذي يسمى تواطؤا بين المبدع والمتلقي .
هناك أقلام نسائية متميزة في كل الوطن العربي وإبداع المرأة في الجزائر هو جزء منه، لأنّ العالم أصبح قرية صغيرة بحكم التواصل السريع الذي تساعد عليه الوسائل التكنولوجية الحديثة، ونحن نرى يوميا الزخم الكبير وعدد المواقع والمجلات والمكتبات الإلكترونية المختصة في الأدب والإبداع والفن بشكل عام، والتي تسمح باكتشاف الأصوات الجديدة والتي تؤكد بدورها أنّ الهموم الإنسانية المشتركة في الكتابة هي متقاربة ومتشابهة ومتداخلة إلى حد كبير، الوسائل والأدوات والآليات هي التي تختلف من مبدع لآخر وهي التي تخلق التمايز.

·       ـ يلاحظ القارئ لقصائدك موضوعاتية منّوعة ظهرت جليا في دواوينك: راقصة المعبد، رباعيات نوارة لهبيلة، وغيرهما، هل تنوين الاستمرار أم الانتصار لنمط مغاير؟
ـ الكتابة بالنسبة لي هي التجريب المستمر للوصول إلى ما هو أرقى وأجمل، هي تلك الجمرة المتقدة دوما، هي محاورة مع الذات ومع الأنا العميقة.
الكتابة هي رهان مستمر لخلخلة المسلمات واختراق المألوف وزعزعة الرتابة وهز شجرة المعرفة ليزهر نوار الحب والجمال والتسامح والسخاء والعطاء.
المبدع هو الساحر بامتياز والكذاب الجميل والممتع الذي نفتح له القلب بسخاء. وأنا أكتب أكون أنا وأكون الآخر المختلف والآخر الذي ربما يشبهني.
مواضيعي طبعا هي مرتبطة بالإنسان وهواجسه وأحلامه وأشجانه وأمانيه وأفراحه وجراحاته وانكساراته، لكن المقاربة هي التي تتغير وتتحول وتتطور في ارتباطها المستمر مع تطور آليات وأدوات المبدع نفسه وبمخزونه الثقافي والإنساني لتقديم الجديد والمتميز.
هكذا جاءت تجربة “رباعيات نوارة لهبيلة” والتي حاولت فيها الاعتماد على بعض الرموز والتشكيلات، واستنطاق بعض “جداتي” باختلاف أمكنتهن وألسنتهن وأديانهنّ. دوري كمبدعة كما أراه هو لمس الجرح ودق ناقوس الخطر بوسائلي الفنية والجمالية.
 أما “مرثية لقارئ بغداد” فهي تجربة أخرى على مستوى الشكل والمضمون، هي قصيدة واحدة وقصائد متعددة حسب التقسيم والترتيب الذي أردته لها إذ اشتغلت عليها أكثر من ثلاث سنوات، هي صرخة في وجه ما تراكم من ظلم وطغيان وتخلف وبكل ما ضاقت به أنفاسنا التي تنفجر الآن ثورات مثل البراكين.

·       ـ هل تشاطرين الأصوات القائلة بوجود أزمة ثقافة في الجزائر؟ وكيف تقيمين نمط عمل الهيئات الثقافية المحلية؟
ــ إذا أخذت مصطلح الثقافة بمفهومه الواسع، أقول أن هناك أزمة ثقافية طبعا، بل أضيف أزمة ثقافية حادة، وحادة جدا وعلى كل المستويات.
 في رأيي إلى حد الآن لم نؤسس لأرضية عقلانية وحكيمة للنقاش والتشاور والحوار والجدل ومحاولة معرفة رأي الآخر، ليس بالضرورة للإقناع أو الاقتناع أو تبني فكر معين، ولكن لطرح القضايا الملحة لمقاربتها والبحث عن الحلول العقلانية لها قبل تفاقمها.
نفتقد للتراكم بمعناه الشامل ثقافيا وفكريا وإنسانيا، نتعايش مع المشاريع المؤجلة منذ حركات التحرر الوطني إلى حد الآن على مستوى كل الوطن العربي بدون استثناء وليس على مستوى الجزائر فحسب، وإلا كيف نفسر الصراعات والأزمات التي عشناها هنا على مستوى الجزائر والتي لا زالت تثار إلى حد الآن (تعدد اللغات، تعدد الثقافات، تعدد الأديان وتعدد موروثنا الثقافي الشعبي الخ ..).
الجزائر لم تكن أبدا لا منغلقة ولا أحادية، كانت دائما متعددة وهذا ما ميزها منذ عصور، إذن متى نتعلم من الآخرين ونستفيد من تجاربهم، وكيف تعاملوا ويتعاملون مع ذاكراتهم ومع أزماتهم وكيف استخلصوا منها الدروس.
 انظر إلى البلدان العربية وما يحدث فيها من انتفاضات شعبية، كيف تعالج في القنوات الرسمية؟ وكأن العالم أعمى وسط كل الزخم الإعلامي الذي تقدمه التكنولوجيا الحديثة. هذا كله أليس أزمة ثقافية وفكرية حادة بالمعنى الواسع؟؟ انظر كيف يسترخص الحكام أرواح مواطنيهم أو أصح (رعاياهم) وكيف أصبح الموت شيئا عاديا وعاديا جدا ومُتَفّها  في أوطاننا؟

·       ـ تطرح مشكلة المقروئية بحدة في الجزائر، ما السبب؟ وكيف يمكن للكتاب أن يعيدوا نهم القراءة إلى المواطنين؟
ــ القراءة هي فن له آلياته ووسائله الخاصة، والتعود عليها وتحبيبها إذا لم يبدأ منذ الطفولة الأولى، وبالتدريج ومع دراسة متطلبات كل سن وكل مرحلة ستكون الأمور مبتورة.
عملية القراءة يجب أن تكون مَهمة من المهام الاستراتيجية المطروحة وبشكل أساسي على عاتق الدولة، هل يمكنك أن تتصور أنه إلى حد الآن هناك مدارس بدون مكتبات وأحياء بدون مكتبات، لا بد من الوسائط والجسور التي تشتغل ودون توقف بين المبدع والمتلقي لتنمية الرغبة في البحث وتطوير حاسة الفضول واكتساب العقل النقدي دون إلغاء أو الإقصاء.

·       ـ ما المسافة الفاصلة الآن بين القصيدة والمتلقي في الجزائر، أو بالأحرى ما مدى تناغم الإبداع والشارع هناك، ما الذي يمكن للعمل الأدبي الجديد أن يقوله هناك؟
ــ بالنسبة للشعر، المشكل ليس إبداعيا بقدر ما هو مشكل مرتبط بالدور الذي يجب أن تلعبه دور النشر ووسائل الإعلام في الترويج للعملية الإبداعية. تذوق الإبداع يتربى وينمو باستمرار.
لكن المفارقة أيضا أنه في الوقت الذي أنا أقرّ ولا أزال أنّ الشعر أصبح يتيما وقليلا ما يجد من يتبناه، يصرخ في وجهي الشارع العربي ليقول أنه لا زال للشعر صدى يسمع وهناك من يتبناه مع صرخات الجماهير التي سكنت الساحات منذ أشهر في ثورات أنا متأكدة أنها لن تهدأ حتى تغير وجه التاريخ الحديث لتلبسه وجها آخر أجمل وأنقى وأرقى وأعدل.
ما معنى أن يعود الشابي ويبعث صوته الصداح بالحرية من جديد؟ ما معنى أن يعود  صوت شوقي وأم كلثوم وعبد الوهاب وفيروز وشيخ إمام وغيرهم كثير ممن تغنوا بجرح الأوطان وغبن الشعوب والأمل في الحرية سنين وسنين؟ الشعر هو الأذن الصاغية التي تلتقط بدفء صدى أناتنا العميقة.

·       ـ ماذا يمثل لك الإبداع وماذا يعني لك الشعر بين المواربة والتحديث؟
ــ الإبداع هو العطاء، هو السخاء، هو البحث الدائم عن الحرية والتقاط أنفاسها باستمرار كمكسب ثمين لا يجب التفريط فيه بأي ثمن، لأن الحرية هي تراكم وليست مكسبا آنيا ودائما.
الشعر هنا هو الرئة التي تتنفس بها الحياة حتى يستمر الحلم وما نصبو إليه من قيم عليا، مثله مثل كل الفنون الأخرى المرتبطة بعمق الإنسان ووجدانه والتي ترجعه إلى إنسانيته وتزيح من داخله الوحش الذي يسكنه وتروضه حتى يطغى الجمال والحب والتسامح بدل القبح والضغينة والكراهية.
الكتابة هي البحث المستمر عن الجديد، والشعر هو الفن الذي لا يشيخ وهذا ما يجعلني أحس أن القصيدة التي أجتهد في كتابتها ليست منفصلة عن أقدم الأشعار وأعتقها.

·       ـ كتبت القصيدة الحرة والنثرية، أين وجدت مخيالك أكثر انزياحا وتجرّدا؟
ــ العملية الإبداعية ليست نسيجا واحدا عند المبدع، هي حالات وتحولات مرتبطة بالموهبة طبعا لكن الموهبة لا تكفي. أنا أيضا ما أقرأ وما أرى من لوحات ومن أفلام وما أسمع من موسيقى وما يسكنني من حكايا الجدات. وكل ذلك في نظري يساهم بشكل خفي وشفاف في تشكّل القصيدة.
إلى حد الآن أكتب القصيدة الحرة والقصيدة النثرية لأنني أحس بكوني قريبة من هذا النوع من الكتابة سواء بالنسبة لما أكتبه من شعر فصيح أو شعر شعبي، لأن الكتابة إذا لم تنبع من إحساس عميق بالحرية وبوجود الفضاءات المتنوعة والمتعددة للتعبير، تأتي مرتبكة ومهزوزة وبعيدة عن الأنا العميقة التي تشكل المبدع وتصوغه.

·       ـ هل تعتقدين فعلا أنّ معظم المبدعات العربيات لازلن مهمشات وحبيسات “الذهنية الذكورية“؟
ـــ كلمة تهميش هنا مبالغ فيها في نظري. إبداعيا لا أظن أنّ التهميش يطال المبدعة لأنها امرأة بل يطال النوع الأدبي والمضمون، التهميش لم يطل الرواية مثلا إلا في حالات نادرة ربما مرتبطة بقيمة العمل الإبداعية والجمالية أو بالمحتوى في بعض المرات، الرواية سوق يراهن عليها الناشر، حتى إنّ هناك نوعا من المنافسة بين بعض دور النشر على أسماء معية من روائيات وروائيين.
  التهميش في نظري يطال أكثر شيء القصة القصيرة والشعر، ليس لأنّ الكاتب امرأة بل لأنّ القصة القصيرة بالرغم من قيمتها الأدبية بقيت في الظل، والشعر لم تعد له سوق وقلّت منابره وهذه حقيقة عالمية كما قلت ذلك سابقا.
لكن هذا أيضا مرتبط بمشاريع واستراتيجيات دور النشر، وهنا لا بد أن أفتح قوسا لأقول أنّ دور النشر بالرغم من أهميتها تنافسها الآن الوسائل التكنولوجية الحديثة بحيث أصبحت معظم الكاتبات المعروفات منهن أو اللواتي دخلن ساحة الإبداع حديثا، لهنّ مواقع خاصة أو يساهمن في مواقع مختصة وما أكثرها.
ليس هذا فحسب، بل حتى الإحصائيات تكشف أنّ معظم قراء الرواية هن من النساء وخاصة من الخليج والجزيرة العربية وأظن أنها ظاهرة مهمة تستحق أن نقف عندها إذا ما أردنا التعمق في مسألة المقروئية في الوطن العربي والبحث في أبعادها الاستراتيجية وفي تحول واقع المواطن وخاصة المرأة  في الوطن العربي والإسلامي.

·       ـ الأمور متشابكة ثقافيا وسياسيا واجتماعيا. وربما هذا دليل آخر على أن ما يغلي في الوطن العربي وما يشتعل لم يأت فجأة ولم يولد من الفراغ. سؤال مهم في نظري لا بد من طرحه؟
ــ إذن عملية التهميش لم تعد مطروحة بالحدة التي كانت عليها من قبل وإلا سيكون ذلك دليلا آخر على غباء الرقيب في مجتمعاتنا، وهذا طبعا لا يعني أنّ المبدعة لم تدفع أثمانا باهظة للدفاع عن صوتها، وهنا تحضرني المرحومة زوليخة السعودي، تلك الكاتبة الجزائرية التي جاهدت من أجل أن تثبت نفسها كمبدعة في نهاية خمسينات وبداية ستينات القرن الماضي في ظروف صعبة إبان مرحلة الاحتلال الفرنسي وسط العقول الجافة والمتقلصة.
وتحضرني أيضا الشاعرة الأفغانية الشابة ناديا أنجومان التي قتلت في الثمانينات تحت الضرب القاسي لزوج لم يرحم لا شبابها ولا أمومتها ولا قلمها المتميز وعمرها لم يتجاوز 25 سنة، هذا على سبيل المثال لا الحصر.
المرأة المبدعة أو الكاتبة بشكل عام لم تستسلم للتهميش مهما كان الثمن إلا في حالات نادرة، وتبقى المعاناة مشتركة في نظري، والأسماء كثيرة وكثيرة جدا، إذ لا أظن أنّ أحدا يجهل ما حدث للكاتبة والباحثة نوال السعداوي والمفكر حامد أبو زيد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...