الأربعاء، 13 مارس 2013

الكتابة للطفل بين العلم والفن

الكتابة للطفل بين العلم والفن
صدر للكاتب القاص بشير خلف كتاب بعنوان : الكتابة للطفل بين العلم والفن، ضمن إصدارات الجزائر عاصمة للثقافة العربية ، الكتاب يحدد الشروط العلمية والفنية للكتابة للطفل في الأجناس الأدبية من شعر، وقصة، ومسرح وغيرها.، الكتاب من الحجم المتوسط    
  وممّا اء في مقدمة الكتاب:
إن الطفولة مرحلة نموٍّ يتصف بها الأطفال بخصائص وتقاليد وعادات تشرّبوها من مجتمعهم . وكذلك ميولات وأوجه نشاط وخبرات مكتسبة ، وتُكتسبُ بتوالي أيام العمر ، وأنماط سلوكية أخرى تُميّزهم عن عادات وتقاليد وسلوكات الكبار .
    وللأطفال في كل مجتمع قاموسٌ لغويٌّ من مفردات ، وألفاظ ، وأدوات خاصة بعالمهم ، وبكل مرحلة من مراحل عمرهم . كما أنّ لهم رصيدًا لغويا يتّفق ومستواهم العمري ، وخبْراتهم الحياتية ، يتصلون به مع الأغيار . لهم أيضا قيمٌ  ومعايير ، وطرقٌ خاصةٌ في اللّعب والتسلية ، وأساليب متميّزة في التعبير عن أنفسهم مع بعضهم ومع غيرهم ، وأساليب في إشْباع حاجاتهم . فضْلاً عن المواقف والاتجاهات والانفعالات والقدرات الخاصة . إضافة إلى ما لهم من نتاجات فنية ومادية وأزياء وأشياء محبّبة إليهم ...أي من هذا وذاك لهم خصائص ( ثقافية ) ينفردون بها ، ولهم أسلوبهم الخاص في هذه الخصائص الثقافية ؛ ممّا يعني أنّ لهم ثقافة مميّزة هي ثقافة الأطفال(1). كما أن للكبار وللمراهقين ثقافة خاصة في تعاملاتهم الخاصة في السلوك والملبس والاتصال والتواصل والقيم والمعايير والاتجاهات والآمال وغير ذلك .
     إننا لمّا نُقِرّ بأن الطفولة مرحلةٌ متميّـزةٌ ومن خصائصها النموّ المطّرد في كل مكوّنات هذا الكائن البشري الصغير ، ونُقــرُّ بأن للطفولة قيمًا ومعايير وطرقًا خاصةً في السلوك ، وخصائص ثقافية تنفرد بها ؛ معنى ذلك أن هذه الثقافة في حاجة إلى النماء والإثراء ، مثلما هو الحال في ثقافة الكبار. ولمّا كان الأمر كذلك ، حريٌّ بنا أن نعْـرِفَ هذا المتلقّي الصغير معرفة بقدْر ما نستطيع ، وبقدْر ما تسمح لنا به معارفنا والوسائل المتوفّرة بين أيدينا ، لأن الإلمام الكامل بعالم الطفولة صعُبَ حتى الآن .
      ذلك أن تربية الطفل في عصرنا هذا لم تعُـدْ تقتصر على الأسرة ، أو المؤسسة التربوية فحسب ، ولكن التكنولوجيا الحديثة وما أنتجته وتنتجه وتُغْرق به السوق في كل لحظة من أجهزة حديثة متنوعة ، ومن وسائط للثقافة والمعرفة في متناول الكبار والصغار ، تنوّعت في الكمّ والكيْف ، وتدنّـت أسعارها ممّـا سمح ويسمح باقتنائها . وبالرغم من هذا ومن تعدّد عوامل التربية ؛ يبقى دوْرُ الأسرة أخطر وأثقل ، إذْ ليس دورُها التهذيبُ ، والتنشئة ، والتطبيع ، والإعداد للآتي فحسب ؛ بل والتثقيف أيضا حيث تمثّل ثقافةُ الطفل جزءا مهمّا من مسؤوليات الأسرة والدولة معا ؛ لأن هؤلاء الأطفال أمانةٌ في أعناق الآباء والأمهات ومؤسسات المجتمع المختلفة .
    ولا مراء في أن الطفولة أهمّ المراحل في حياة الإنسان ، وعليها يتوقف مسار ُحياته فيما يأتي من مراحل ، ففيها تكون قابليته واستعداداته شديدة التأثّر بكافة العوامل المحيطة به .
      إذن ثقافة الطفل تعكس أسلوب الجماعة بدءًا بالأسرة ، الذي يتّضح من خلال النواتج المادية والعملية والرمزية التي يهيّئها الكبار لعالم الصغار ، كما يتّضح من خلال توجّهات وأساليب تنشئة الكبار للصغار .
     تُستمدُّ ثقافة أطفالنا من وسائل أو وسائط ثقافية متنوّعة ، منها ما كان معروفا منذ أمدٍ ، ومنها ما هو من ثمار هذا العصر ..عصرِ العلوم والتكنولوجيا : كالكتاب في شكله المعروف ،  والكتاب الإلكتروني المستحدث ، والمجلة ، والصحيفة ، والإذاعة المسموعة ، والمرئية ، والسينما ، والمعارض ، والمتاحف ، والزيارات السياحية والاستكشافية المنظّمة من هيئاتٍ ، و المنظّمة من الأسرة  ، والأشرطة التلفزية المختلفة . فضلاً عن قاعات اللعب الإلكترونية ، والحاسوب الذي أصبح يتحكم فيه طفلُ اليوم ويوظّفه في التعامل مع النصوص والألعاب الترفيهية والتثقيفية ، ويستفيد منه ممّا حوتْه الأقراص اللّيزرية  من معارف ، ومعلومات في شتى مناحي الفكر الإنساني .. هي متدرّجة ومتجدّدة سنويا ، توافق كل مراحل حياة الإنسان بما في ذلك مرحلة الطفولة  ،وكذا الأنترنيت.. الذي فتح فضاءات ثقافية جديدة ما كانت متوفرة من قبل لأطفال الأمس .. مفتوحة لأطفال اليوم يتمتّعون بها .
     لقد رأينا العديد من هؤلاء يتعاملون مع هذه الفضاءات الثقافية التي تعدّت الحدود المكانية وهم في سنوات الرابعة والخامسة والسادسة من مرحلة التعليم الابتدائي ، كتابة وبحثا وترفيها ، وحتى اتصالاً حواريا مع أطفال آخرين في دُولٍ أخرى ؛ خاصة وأن بلدنا الجزائر حريصٌ على توفير أجهزة الحاسوب في جميع المراحل التعليمية ، بما في ذلك مرحلة التعليم الابتدائي ، وربْط كل مؤسسات التعليم الثانوي مبدئيا بشبكة الأنترنيت .
     هذه الوسائط التثقيفية المختلفة ، أصبحت تزاحم المنهاج التعليمي لمُسايرتها مستجدّات العصر ولمضامينها الثرية والمتجدّدة والمتوافقة مع كل الأعمار من ناحية ، ولطريقة عرضها وتقديمها للطفل بطريقة حيّة ، مشوّقة تستند إلى الحركة والسند التوضيحي وتوظيف التلوين .
   زخم  معرفي واسعٌ يستفيد منه طفل اليوم تَوزّع بين كل مناحي الفكر ، بما في ذلك الأدب الذي هو ركيزةٌ ثقافيةٌ أساسيةٌ ، من حيث هو تشكيلٌ تخيّليٌ للحياة والفكر والوجدان . ينطبق هذا على أدب الأطفال الذي يتميّز عن أدب الكبار في مراعاته لحاجات الطفل وقدراته وخصائصه المختلفة ، أي أن لأدب الأطفال من الناحية الفنية مقوّمات الأدب العامة نفسها ، غير أن اختيار الموضوع وتكوين الشخصيات وخلْق الأجواء ، والاستخدامات اللغوية في أدب الأطفال تخضع لضوابطَ خاصةٍ تناسب قدرات الطفل ومستوى نموّه ؛ وأدب الأطفال أداةٌ فعّالةٌ في بناء ثقافة الطفل ، إذْ يُسْهم في نقْل جزْءٍ من الثقافة العامة إلى الأطفال بصورة فنية أكثر دقّة .
    مهما تنوّعت وسائل التثقيف للطفل ، وتعدّدت وسائطها فإن أدب الطفل المكتوب والمرئي يبقى له سحْره وهالته وجاذبيته لدى الطفل وحتى لبعض الكبار ، هذه الجاذبية وذاك السّحر مرهونان بالإجابة عن الأسئلة التالية :
ـ لماذا نكتب للأطفال ؟
ـ هل نكتب عنهم ، أم نكتب لهم ؟
ـ كيف نكتب لهم ؟
ـ ما هي شروط الكتابة لهم ؟
ـ هل كل مَـنْ قدِر على الكتابة ، بإمكانه الكتابة للأطفال ؟
     فيما يأتي من هذا الكتاب بحول الله ، سنجيب عن هذه الأسئلة ؛ إلاّ أنّ ما نؤكده هنا أن الكتابة للطفل تختلف اختلافا كليًّا عن الكتابة للكبار ، فعالم الطفل عالم الخيال الجامح ، حيث لا يشغله منطق الأشياء ، فهو يحرّك كل الجوامد ويتحاور معها في بساطة وصدق ، ويُصبغ عليها من خياله الواقعية ، وبالتالي يحتاج إلى أدبٍ يُثقّف ، ويعلّم ، ويهذّب، ويقدم المعرفة الإنسانية في صُورٍ واضحة ، جذّابة تتلاءم والمستوى العمري والعقلي للطفل ..
    أدبٌ يؤسّس ويُعدّ لمستقبلٍ واعدٍ تتغيّر فيه المعطيات المعروفة بخطًى متسارعةٍ ، ويعمل أيضا على ترسيخ القيم النبيلة ، كالحقّ ، والخير ،والجمال..أدبٌ يكون صادقا بعيدا عن الخرافات والخُزعْبلات ، لِما فيها من حشْر كائنات ومخلوقات مرعبة للطفل ،لا وجود لها في الواقع من جهة ، ولِـما تغرسه في ذهنه من إيمان بقوى كاذبة لا تُغيـّر من الواقع شيئا ، بل تُوهم بأنها الأقوى والأفعل في التأثير والتحكم ، والإنسان عاجزٌ عن مُجاراتها ، مماّ يغرس في ذهن الطفل الصغير العجْز وروح التواكل .
     نستخلص مما سبق أن الكتابة للأطفال رسالةٌ خطيرةٌ جدا ، حتى أن أحد الكُتّــاب المعروفين أدرك ثِقَل هذه الرسالة وخطورتها ممّـا حدى به أن طرح هذا السؤال أولاً : ( لماذا نكتب للأطفال ؟ )
     فإذا كانت مرحلة الطفولة ، مرحلة قائمة بذاتها ولذاتها ،وتشكّل عالما خاصّا يستوجب على كُتّاب ثقافة الطفل وأدبه معرفته لكي تكون أعمالهم أكثر انسجاما مع المرحلة الطفولية التي يتوجّهون إليها بكتاباتهم ، وأكثر فائدة لهؤلاء المتلقّين الصغار ..فتفعيل ثقافة الطفل وأدبه بين أيْدي الكُتّاب ..وهذا ما أشار إليه الكاتب ( أوران هاريس) :
" لأنه كلّما أراد أن يكتب للطفل ، كان لابدّ أن يعيش مع الأطفال .. الأمر الذي اضطرّه بداية إلى العمل في مدرسة أطفال ، حيث عاش معهم بدرجة من الصدق . يلعب معهم ، ويضحك معهم ، ويتكيّف بمشاعرهم ." 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الغزو الفكري وهْمٌ أم حقيقة كتب: بشير خلف       حينما أصدر المفكر الإسلامي، المصري، والمؤلف، والمحقق، وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأ...