الكتابة للطفل بين العلم والفن
صدر للكاتب القاص بشير خلف كتاب بعنوان : الكتابة للطفل بين العلم والفن، ضمن إصدارات الجزائر عاصمة للثقافة العربية ، الكتاب يحدد الشروط العلمية والفنية للكتابة للطفل في الأجناس الأدبية من شعر، وقصة، ومسرح وغيرها.، الكتاب من الحجم المتوسط
وممّا اء في مقدمة الكتاب:
إن الطفولة مرحلة نموٍّ يتصف بها الأطفال بخصائص وتقاليد وعادات تشرّبوها من مجتمعهم . وكذلك ميولات وأوجه نشاط وخبرات مكتسبة ، وتُكتسبُ بتوالي أيام العمر ، وأنماط سلوكية أخرى تُميّزهم عن عادات وتقاليد وسلوكات الكبار .
وممّا اء في مقدمة الكتاب:
إن الطفولة مرحلة نموٍّ يتصف بها الأطفال بخصائص وتقاليد وعادات تشرّبوها من مجتمعهم . وكذلك ميولات وأوجه نشاط وخبرات مكتسبة ، وتُكتسبُ بتوالي أيام العمر ، وأنماط سلوكية أخرى تُميّزهم عن عادات وتقاليد وسلوكات الكبار .
وللأطفال في كل مجتمع قاموسٌ لغويٌّ من
مفردات ، وألفاظ
، وأدوات خاصة بعالمهم ، وبكل مرحلة من مراحل عمرهم . كما أنّ لهم رصيدًا لغويا يتّفق ومستواهم العمري ، وخبْراتهم الحياتية ، يتصلون به مع الأغيار . لهم أيضا قيمٌ ومعايير ، وطرقٌ خاصةٌ في اللّعب والتسلية ،
وأساليب متميّزة في التعبير عن أنفسهم مع بعضهم ومع غيرهم ، وأساليب في إشْباع
حاجاتهم . فضْلاً عن المواقف والاتجاهات والانفعالات والقدرات الخاصة . إضافة إلى
ما لهم من نتاجات فنية ومادية وأزياء وأشياء محبّبة إليهم ...أي من هذا وذاك لهم
خصائص ( ثقافية )
ينفردون بها ، ولهم
أسلوبهم الخاص في هذه الخصائص الثقافية ؛ ممّا يعني أنّ لهم ثقافة مميّزة هي ثقافة
الأطفال(1).
كما أن للكبار وللمراهقين ثقافة خاصة في تعاملاتهم الخاصة في السلوك والملبس
والاتصال والتواصل والقيم والمعايير والاتجاهات والآمال وغير ذلك .
إننا لمّا نُقِرّ بأن الطفولة مرحلةٌ متميّـزةٌ
ومن خصائصها النموّ المطّرد في كل مكوّنات هذا الكائن البشري الصغير ، ونُقــرُّ
بأن للطفولة قيمًا
ومعايير وطرقًا خاصةً في السلوك ، وخصائص ثقافية تنفرد بها ؛ معنى ذلك أن هذه
الثقافة في حاجة إلى النماء والإثراء ، مثلما هو الحال في ثقافة الكبار. ولمّا كان
الأمر كذلك ، حريٌّ بنا أن نعْـرِفَ
هذا المتلقّي الصغير معرفة بقدْر ما نستطيع
، وبقدْر ما تسمح لنا به معارفنا والوسائل المتوفّرة بين أيدينا ، لأن الإلمام
الكامل بعالم الطفولة صعُبَ حتى الآن .
ذلك أن تربية الطفل في عصرنا هذا لم تعُـدْ
تقتصر على الأسرة ، أو المؤسسة التربوية فحسب ، ولكن التكنولوجيا الحديثة وما
أنتجته وتنتجه وتُغْرق به السوق في كل لحظة من أجهزة حديثة متنوعة ، ومن وسائط
للثقافة والمعرفة في متناول الكبار والصغار ، تنوّعت في الكمّ والكيْف ، وتدنّـت
أسعارها ممّـا سمح ويسمح باقتنائها . وبالرغم من هذا ومن تعدّد عوامل التربية ؛ يبقى
دوْرُ الأسرة أخطر وأثقل ، إذْ ليس دورُها التهذيبُ ، والتنشئة ، والتطبيع ، والإعداد للآتي فحسب ؛
بل والتثقيف أيضا حيث تمثّل ثقافةُ الطفل جزءا مهمّا من مسؤوليات الأسرة والدولة
معا ؛ لأن هؤلاء الأطفال أمانةٌ في أعناق الآباء والأمهات ومؤسسات المجتمع
المختلفة .
ولا مراء في أن الطفولة أهمّ المراحل في حياة
الإنسان ، وعليها يتوقف مسار ُحياته فيما يأتي من مراحل ، ففيها تكون قابليته
واستعداداته شديدة التأثّر بكافة العوامل المحيطة به .
إذن ثقافة الطفل تعكس أسلوب الجماعة بدءًا
بالأسرة ، الذي يتّضح من خلال النواتج المادية والعملية والرمزية التي يهيّئها
الكبار لعالم الصغار ، كما
يتّضح من خلال توجّهات وأساليب تنشئة الكبار للصغار .
تُستمدُّ
ثقافة أطفالنا من وسائل أو وسائط ثقافية متنوّعة ، منها ما كان معروفا منذ أمدٍ ، ومنها
ما هو من ثمار هذا العصر ..عصرِ العلوم والتكنولوجيا : كالكتاب في شكله المعروف
، والكتاب الإلكتروني المستحدث ، والمجلة
، والصحيفة ، والإذاعة المسموعة ، والمرئية ، والسينما ، والمعارض ، والمتاحف ،
والزيارات السياحية والاستكشافية المنظّمة من هيئاتٍ ، و المنظّمة من الأسرة ، والأشرطة التلفزية المختلفة . فضلاً عن قاعات
اللعب الإلكترونية ، والحاسوب الذي أصبح يتحكم فيه طفلُ اليوم ويوظّفه في
التعامل مع النصوص والألعاب الترفيهية والتثقيفية ، ويستفيد منه ممّا حوتْه
الأقراص اللّيزرية من معارف ، ومعلومات في شتى مناحي الفكر
الإنساني .. هي
متدرّجة ومتجدّدة سنويا ، توافق كل مراحل حياة الإنسان بما في ذلك مرحلة
الطفولة ،وكذا الأنترنيت.. الذي فتح
فضاءات ثقافية جديدة ما كانت متوفرة من قبل لأطفال الأمس .. مفتوحة لأطفال اليوم يتمتّعون بها .
لقد رأينا العديد من هؤلاء يتعاملون مع هذه
الفضاءات الثقافية التي تعدّت الحدود المكانية وهم في سنوات الرابعة والخامسة
والسادسة من مرحلة
التعليم الابتدائي ، كتابة وبحثا وترفيها ، وحتى اتصالاً حواريا مع أطفال آخرين
في دُولٍ أخرى ؛ خاصة وأن
بلدنا الجزائر حريصٌ على توفير أجهزة الحاسوب في جميع المراحل التعليمية ، بما في
ذلك مرحلة التعليم الابتدائي ، وربْط كل مؤسسات التعليم الثانوي مبدئيا بشبكة
الأنترنيت .
هذه الوسائط التثقيفية المختلفة ، أصبحت
تزاحم المنهاج التعليمي لمُسايرتها
مستجدّات العصر ولمضامينها
الثرية والمتجدّدة والمتوافقة مع كل الأعمار من ناحية ، ولطريقة عرضها وتقديمها
للطفل بطريقة حيّة ، مشوّقة تستند إلى الحركة والسند التوضيحي وتوظيف التلوين .
زخم معرفي واسعٌ يستفيد منه طفل اليوم تَوزّع بين كل مناحي
الفكر ، بما في ذلك الأدب الذي هو ركيزةٌ ثقافيةٌ أساسيةٌ ، من حيث هو تشكيلٌ
تخيّليٌ للحياة والفكر والوجدان . ينطبق هذا
على أدب الأطفال الذي يتميّز عن أدب الكبار في مراعاته لحاجات الطفل وقدراته وخصائصه
المختلفة ، أي أن لأدب الأطفال من الناحية الفنية مقوّمات الأدب العامة نفسها ،
غير أن اختيار الموضوع وتكوين الشخصيات وخلْق الأجواء ، والاستخدامات اللغوية في
أدب الأطفال تخضع لضوابطَ خاصةٍ تناسب قدرات الطفل
ومستوى نموّه ؛ وأدب الأطفال أداةٌ فعّالةٌ في بناء ثقافة الطفل ، إذْ يُسْهم في
نقْل جزْءٍ من الثقافة العامة إلى الأطفال بصورة فنية أكثر دقّة .
مهما تنوّعت وسائل التثقيف للطفل ، وتعدّدت
وسائطها فإن أدب الطفل المكتوب والمرئي يبقى له سحْره وهالته وجاذبيته لدى الطفل وحتى لبعض
الكبار ، هذه الجاذبية وذاك السّحر مرهونان
بالإجابة عن الأسئلة التالية :
ـ
لماذا نكتب للأطفال ؟
ـ
هل نكتب عنهم ، أم نكتب لهم ؟
ـ
كيف نكتب لهم ؟
ـ
ما هي شروط الكتابة لهم ؟
ـ
هل كل مَـنْ قدِر على الكتابة ، بإمكانه الكتابة للأطفال ؟
فيما يأتي من هذا الكتاب بحول الله ، سنجيب
عن هذه الأسئلة ؛ إلاّ أنّ ما نؤكده هنا أن الكتابة للطفل تختلف اختلافا كليًّا عن
الكتابة للكبار ، فعالم الطفل عالم الخيال الجامح ، حيث لا يشغله منطق الأشياء ،
فهو يحرّك كل الجوامد ويتحاور معها في بساطة وصدق ، ويُصبغ عليها من خياله
الواقعية ، وبالتالي يحتاج إلى أدبٍ يُثقّف ، ويعلّم ، ويهذّب، ويقدم المعرفة
الإنسانية في صُورٍ واضحة ، جذّابة تتلاءم والمستوى العمري والعقلي للطفل ..
أدبٌ يؤسّس ويُعدّ لمستقبلٍ واعدٍ تتغيّر فيه
المعطيات المعروفة بخطًى متسارعةٍ ، ويعمل أيضا على ترسيخ القيم النبيلة ، كالحقّ
، والخير ،والجمال..أدبٌ يكون صادقا بعيدا عن الخرافات والخُزعْبلات ، لِما فيها
من حشْر كائنات ومخلوقات مرعبة للطفل ،لا وجود لها في الواقع من جهة ، ولِـما
تغرسه في ذهنه من إيمان بقوى كاذبة لا تُغيـّر من الواقع شيئا ، بل تُوهم بأنها الأقوى
والأفعل في التأثير والتحكم ، والإنسان عاجزٌ عن مُجاراتها ، مماّ يغرس في ذهن الطفل
الصغير العجْز وروح التواكل .
نستخلص مما سبق أن الكتابة للأطفال رسالةٌ خطيرةٌ جدا ، حتى أن
أحد الكُتّــاب المعروفين أدرك ثِقَل هذه الرسالة وخطورتها ممّـا حدى به أن طرح هذا السؤال
أولاً : ( لماذا نكتب للأطفال ؟ )
فإذا كانت مرحلة الطفولة ، مرحلة قائمة
بذاتها ولذاتها ،وتشكّل عالما خاصّا يستوجب على كُتّاب ثقافة الطفل وأدبه معرفته
لكي تكون أعمالهم أكثر انسجاما مع المرحلة الطفولية التي يتوجّهون إليها بكتاباتهم
، وأكثر فائدة لهؤلاء المتلقّين الصغار ..فتفعيل ثقافة الطفل وأدبه بين أيْدي
الكُتّاب ..وهذا ما أشار إليه الكاتب ( أوران هاريس) :
" لأنه كلّما أراد أن
يكتب للطفل ، كان لابدّ أن يعيش مع الأطفال .. الأمر الذي اضطرّه بداية إلى العمل
في مدرسة أطفال ، حيث عاش معهم بدرجة من الصدق . يلعب معهم ، ويضحك معهم ، ويتكيّف
بمشاعرهم ."
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق