الأحد، 10 مارس 2013

تفشي ظاهرة اللامقروئية بين المتعلمين


تفشي ظاهرة اللامقروئية بين المتعلمين
أضحت “آفة” اللامقروئية تنتشر بشكل كبير في الجزائر، لكن المثير للقلق أنّ عدوى هذه الظاهرة انتقلت من الأشخاص العاديين إلى صفوف المتعلمين، حيث أصبح الكثير من المحسوبين على “النخب” لا يتعاطون فعل القراءة مطلقا، بل وينفرون من مطالعة الكتب، بإفراطهم في الاعتماد على تكنولوجيا الأنترنت التي تكرّست كمرجع وحيد يتكئ عليه الكثيرون لتحقيق التراكم دون كلل أو ملل.
كشف تحقيق ميداني حديث، أنّ نسبة المقروئية في الجزائر لا تتعدّى 6.8 بالمائة، وهو معطى ضعيف جدا يختصر ظاهرة العزوف عن القراءة في مجتمع يربو عدد سكانيه عن الـ35 مليون نسمة، وقال “عبد الله بدعيدة” رئيس المركز العالمي للاستشارات الاقتصادية والاستطلاع، أنّ نسبة الذين لا يمارسون فعل القراءة كليا، تقدّر بنحو 56.86 بالمئة، أي ما يفوق نصف المجتمع وهو ما معناه أنّ 20 مليون شخص على الأقل لا يقرؤون، وهو عدد ضخم يدعو إلى تحريك السواكن في بلد اشتهر بإنجابه كوكبة هائلة من العلماء والمفكرين وأهل النبوغ.وقال “عبد الله بدعيدة” أنّ الدراسة المذكورة التي شملت عشر ولايات جزائرية، تعكس وجود أزمة مقروئية في الجزائر، مثلما تدل أيضا على “غياب شبه كلي” لأي تواصل بين المواطن الجزائر والإنتاج الفكري والثقافي الجزائري أو الأجنبي.
ولدى اقترابنا من طلبة جامعيين لمعرفة مدى إقبالهم على مطالعة الكتب وكذا للاطلاع على  مصادر إنجاز بحوثهم الجامعية، أو لتنمية قدراتهم المعرفية، فوجئنا بالمسافات الهائلة التي نصبها هؤلاء بينهم وبين المطالعة، وبهذا الشأن لم تتحرج “حليمة” من الاعتراف بكونها “لا تملك هواية المطالعة لأنها تهتم بدراسة مواد تخصصها الكثيرة ولا تجد وقتا لقراءة حتى صفحة من كتاب” (..).
وعن كيفية إعداد بحوثها تجيب “بخصوص بحثي أطلع على المعلومة من الأنترنت”، وقال الطالب “رفيق”: “موادي تكفيني والأنترنت تثقفني وأعتمد عليها بشكل كلي في إعداد بحوثي”، في حين ربط البعض قراءة الكتب بالملل، حيث تعلّق “سناء” بهذا الشأن: “لا أستطيع قراءة فقرة منه فأنا أشعر بالملل حيال ذلك وأستعمل الأنترنت في إقامة بحوثي الجامعية، وأكتفي بمشاهدة التلفاز أما الجرائد فلا أطلع عليها أبدا وإن حدث ذلك فأنا أقرأ العناوين فقط “وللإطلاع أكثر على الموضوع زرنا العديد من المكتبات والتي من خلالها قمنا بمساءلة أصحابها حول هذه الظاهرة فتبين أن هناك تراجعا كبيرا على اقتناء الكتاب يقول “أحمد” صاحب مكتبة “بالرغم من أنني أضع تخفيضات للكتاب إلا أن المشتري لا يقتنيه”، ويضيف “فالتلميذ لا يشتري سوى قصة وهذا راجع إلى طلب من المعلم، فمطالعته مرتكزة على الكتاب المدرسي أما السيدات والفتيات وحتى المثقفات فالكثير منهن  يشترين كتب الطبخ والحلويات”.
أما “سهام” المستخدمة بإحدى المكتبات، فتلاحظ: “التلاميذ يشترون الكتب المقررة حسب مقرراتهم الدراسية، لذا فإنّ إقبال طلبة الأقسام النهائية على المكتبة لشراء أقراص مضغوطة حول حوليات البكالوريا فحسب”.
وعن واقع  مقروئية الكتاب في الجزائر، يقول الباحث الاجتماعي”محمد نجيب بوعروج” أنّ الواقع مرير ونتائجه كارثيّة خاصة في أوساط الشباب ونخّص بالذّكر المتعلّمين منهم، فكيف نقول عن المجتمع الجزائري أنّه مجتمع شبابي؟ ويتساءل بوعروج كيف أنّ الجزائر تنتج هذا الكمّ الهائل من جيل الجامعيين والمثقفين بدون مطالعة؟ وما هي المنهجيّة التعليميّة المتّبعة للتّشجيع على القراءة؟
مرجعا ذلك إلى مجموعة من الأسباب التي أدت إلى ركود وجماد المقروئية في الجزائر منها الأسرة، حيث أنّ هاته الأخيرة وباعتبارها أوّل مؤسسة تربويّة، إذ قليلا ما نجدها ترغّب وتشجّع الطفل على المطالعة، ثمّ المدرسة بعدها نفس الشيء تقريبا، ثمّ نجد انشغال الشباب بأمور أخرى كالانترنت ومواقع الدّردشة المختلفة والقنوات الفضائيّة وبرامجها المتنوّعة والمختلفة، والهاتف النّقال وما أصبح يحتويه من برامج وتطبيقات ووسائل للترفيه وغيرها، إذ هناك أيضا غلاء أسعار الكتب وخاصة المتخصصة وندرتها وهذا من أهم الأسباب الحائلة دون ارتفاع نسبة المقروئية.
وعزا بوعروج ما يحصل، إلى استسهال البعض للمعرفة عبر الاستعمال الآلي المكثف للأنترنت، ما شجّع على تدني نسبة المطالعة بطريقة غير مباشرة وإنجاز الطالب لبحوثه الدّراسية، إذ وبمجرّد الإبحار فيها يجد كلّ ما يبحث عنه فيقوم مباشرة بنسخه وطبعه وحتّى بدون قراءة محتواه في بعض الأحيان.
ويلفت باحثون إلى أن التطوّر التكنولوجي المزدهر خاصة في مجال الاتّصالات مركز على الانترنت والتي سهّلت علينا البحث وإيجاد كمّ هائل من المعلومات بمجرّد الضغط على زرّ، موضحا أن التطوّر قرّب المسافات والثقافات وغيّر المجتمعات خاصة العربيّة منها، فقد استوردنا ثقافة الغرب وتأثّر شبابنا بها عبر غرف الدردشة والشبكات الاجتماعية.
كلّ هذه العوامل بالإضافة لعوامل أخرى أثرت وغيّرت في مجتمعنا الجزائري المسلم، فتغيّرت الألفاظ واللّهجات وحتى اللّباس وأصبح مرتبطا بالموضات الغربيّة، ونلاحظ اتّجاه الفرد في المجتمع الجزائري إلى (الفردانيّة) وهو نوع من العزلة الاجتماعية و(الأنوميا) أو الشكّ وانعدام التوازن في المجتمع والاتّجاه نحو العلاقات الاجتماعيّة الافتراضيّة على حساب العلاقات الاجتماعيّة الحقيقيّة. مما زاد في إبعاده عن الكتاب وانشغاله بها لأكبر دليل على تغيّر المجتمع الجزائري.  ويؤكد أن هناك عددا كبيرا من الطلبة الجامعيين لا يقرؤون الكتب بل إنّ بعضهم في حال ما إذا طلب منهم إنجاز بحث فإنّهم يتّجهون إلى الانترنت عوضا عن البحث في المكتبة، أيّ ينسخون البحوث الجاهزة ويطبعونها. فبهذه الطريقة لا يستفيدون شيئا، فما الهدف من انجاز بحث إذا؟
ويضيف أن المكتبات المنزلية إن وجدت فنقول انّ بعضها تصبح مجرّد ديكور ما لم تشجّع الأسرة الطّفل منذ الصّغر وتحثّه على البحث والمطالعة.
ويرى الإعلامي عبد المجيد خناش أن بعد التكنولوجيا المتطورة التي تشهدها البلاد أصبح الطالب الجامعي وحتى الأولياء لا يقتنون الكتب إذ يكتفون بالكتب الإلكترونية وكذا محركات البحث، موضحا أن محلات بيع الكتب تحولت إلى محلات لبيع السندويتشات لان الأولى ليس لها ربح وحتى الفرد في المنزل إذا أراد تهيئة مكتبة في بيته فإنه يشتري المجلدات وذلك لأجل الديكور وليس للمطالعة فحسب.
حتمية تكريس بدائل لتصنيع نمط مغاير
يرى الأخصائي النفساني “منصور بوبكر” أنّ اعتقادات عموم الأولياء والمربين وكذا مختلف مكونات الوسط الاجتماعي تقوم على أنّ المدارس خاصة الابتدائيات هي من تعلّم القراءة الصحيحة للأطفال، بينما الأصحّ يقوم على أدوار متكاملة تكفل تنمية الاتجاهات الإيجابية لدى طلائع الجيل الجديد على نحو يتجاوز المحددات النمطية إلى مستوى يعزّز القراءات الحرة وكثرة الإطلاع والبحث ولاسيما “مصاحبة” الكتب، وهذا ما لا يتحقق في أغلب الأحيان، فنجد أن الطفل لديه مهارة القراءة وليست لديه الدافعية الذاتية ليقرأ، موضحا أن الفشل في استثمار القراءة عندنا وحسن توظيفها في التثقيف الذاتي والمجتمعي، والتحكم في المحيط الإجتماعي بصورة أفضل، والرفع من الذوق العام ترتبط بعوامل عدة بعضها يعود إلى المجتمع ومنه الأسرة، والبعض يتعلق بالتلميذ نفسه، ومدى استعداده البيولوجي، والنفسي، وكذا العقلي وتجاوبه مع العملية التعليمية، ومنها ما يعود إلى المنهاج التعليمي، وطريقة التدريس التي يعتمدها المعلم، ومدى اهتمامه وتحكمه في رسالته، مرجعا الفشل في توظيف القراءة إلى مرحلة ما بعد التعلم بكل مراحله، والعزوف عن المطالعة الجيدة الواعية يعود بالدرجة الأولى إلى مراحل التعليم القاعدي، فحينما لا يعمل المعلم على تدريب المتعلمين على القراءة الواعية المبنية على فهم النص، وبنيته اللغوية والفكرية، وتذوق ما فيه من جماليات وأدبيات والغوص في أفكاره، والمقارنة بينها، والحكم عليها وتدوينها والتحكم فيها  وتلخيصها بأسلوب التلميذ نفسه، وهذا يحصل في حصص القراءة الصامتة وفي كل حصص المواد التعليمية الأخرى بدرجة أقل، ليست العبرة في كمية الدروس التي يمر عليها المعلم وتلامذته، وإنما في كيفية الوقوف عند النص ودراسته، لا في قراءته فحسب زيادة عن ذلك أننا لم ندرب تلاميذنا على القراءة المستندة إلى التنظيم، والغوص في بنية النص والتفاعل مع المقروء، فلا غرو والحال هكذا من تدني مستوى القراءة والمقروئية، وارتفاع نسبة الأمية التي يحصرها الخبراء في ثمانية ملايين أمي وأمية ببلادنا، موضحا الأسلوب السهل والبسيط لتحبيب الأطفال في القراءة والذي يتمثل في اهتمام الوالدين أو أحد منهما بالقراءة مما يعطي للطفل قدوة وأسوة حسنة في حبها، وكذلك العمل على توفير مكتبة يمكن للطفل أن يجد فيها ما يشد ويجذب انتباهه هو الأخر عامل مهم قد يزيد من ربط الطفل بالقراءة منذ نعومة أظفاره، فيشب وهو صغير على منظر المكتبة والكتب إظافة إلى توفير الكتب حسب أعمار كل طفل مع مراعاة اهتماماته وميوله فمثلا إذا كان  الطفل يهوى الكمبيوتر والانترنت فسنحاول أن نوفر له كتب تتناول ذلك الجانب، مشيرا إلى التدرج القرائي مع الطفل بحيث لا نكلفه ما لا طاقة له به، مما يجعله ينفر من فكرة القراءة، وكذا تخصص المكان والوقت الجيد للقراءة فلا يكون وسط البيت فيتعرض الطفل لكل المشتتات التي تلهيه عن إكمال القراءة، أو أن يكون وقت لعبه فنلزمه بالقراءة، ليكن مكان القراءة جيد التهوية، والإضاءة بعيدا عن الإزعاج والأصوات العالية والمشغلات مثل التلفزيون، أو الألعاب الإلكترونية، كما أضاف أنه يجب على الأباء تخصيص وقت للقراءة مع أبنائهم مستندا بذلك إلى الدراسات التي أجريت حديثا على الأطفال الذين يهتم والديهم على القراءة لهم بإنتظام أثبتت أنهم يتعلمون القراءة بسهولة كبيرة وبسرعة أكثر مقارنة بالذين لا يقرا أبائهم لهم، كما أنها وسيلة مهمة تعمل على ترسيخ العلاقة الحميمية بين الطفل ووالديه، مع ضرورة التحلي بالصبر وسعة الصدر لمتابعتهم له أثناء القراءة مع تصحيح الأخطاء بلباقة ولطف وتشجيعه على السؤال، وأيضا استغلال الفرص والمناسبات فمثلا إذا كان عيد الأضحى نحضر كتابا قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام وتضحيته بابنه إسماعيل عليه السلام فداء للعقيدة  واصطحاب الطفل إلى معرض الكتاب ليختار ما يناسب سنه وميوله، وأخذ كتاب عند الخروج إلى المنزل خاصة عند الذهاب إلى مكان يحتاج إلى الإنتظار كمحطة الحافلات بالإضافة إلى مساعدة الطفل على فهم ما أشكل عليه من كلمات أو عبارات أو معاني، فالتشجيع المعنوي على القراءة بمختلف الأساليب يمر عبر ربط كتب المطالعة بالدراسة وتكثيف القراءة بشقيها المنزلي والمكتبي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...