الأربعاء، 6 مارس 2013

الكتاب الورقي على عرشه باقٍ !!


الكتاب الورقي على عرشه باقٍ !!
بقلم: بشير خلف
ارتفعت تحذيرات من أن الكتاب الورقي في خطر، وقد يتلاشى نهائياً في وقت أقرب ممّا كان متوقعاً، جراء الثورة التقنية، وشيوع الكتب الإلكترونية وأجهزة الكمبيوتر اللوحية،ولفت الخبير في مجال التكنولوجيا، نيكولاس نيغروبونتي، مؤسس «كمبيوتر محمول لكل طفل»، إلى أن أيام الكتاب التقليدي أصبحت معدودة «سيكون ذلك في غضون الخمسة الأعوام القادمة»..وهو واثق أيضا من أن بلدان العالم الثالث ستكون أسرع، وأكثر تأهيلا في تبنّي الكتاب الإلكتروني.
إن ما يبشر به هذا الرجل المتخصص، والخبير في مجال تكنولوجيا الإعلام والنشر الورقي سابقٌ لأوانه في بلدان العالم النامي التي يراهن عليها في تخصيص كمبيوتر محمول لكل طفل بسعر مقبول، ينطلق من معايشة ميدانية للبلدان الغربية، وبلدان أخرى تـــــنحو منحاها في عالم التكنولوجيا، وصناعة وسائل النشر الإلكتروني كاليابان،والصين، وكوريا الجنوبية، والهند.
بنى مشروعه على أساس أن الكتاب الورقي في طريقه إلى الاختفاء نهائيا أي بحلول 2015 في تقديره بأن العالم كله سيدخل النشر الإلكتروني في هذا التاريخ، وأن الكتاب الورقي ستتخلص منه البشرية كعبءٍ ثقيل، ومادة كانت تشغل مساحات تشارك الإنسان مقرّ إقامته، وترهقه في تصفحها، والبحث عن الفكرة والمعلومة بها، وارتفاع أسعاره، واستنزاف الغابات كمادة أولية لصناعة الورق، ممّا يزيد من كارثية الاحتباس الحراري.
المعارض الدولية.. تؤكد مكانة الكتاب الورقي 
إذا انطلقنا من الغرب نفسه الذي في رأيه تجاوز مرحلة الكتاب الورقي، فإن الردّ المفحِـم يأتي من المعارض الدولية المشهورة للكتاب الورقي الذي ينتظم سنويا في كبرى عواصم هذه البلدان الغربية بعينها، ولنأخذ على سبيل المثال معرض فرانكفورت الدولي للكتاب الذي انتظم في شهر أكتوبر الماضي 2010 ويُعدّ الأكبر في العالم بمشاركة 111 بلدا، وبمشاركة 7533 دار نشْرٍ، وبلغت العناوين المعروضة 400 ألف عنوان كلها من قبل ناشرين، وليست من دكاكين كتب تتكدس بها عناوين قديمة تتنقل بها من هذا المعرض إلى ذاك كسلعة كاسدة من سوق إلى آخر..أهمية هذا المعرض للكتاب الورقي غطى فعالياته أكثر من عشرة آلاف صحفي، فضلاً عن الندوات الفكرية،وتوقيع العقود، وشراء حقوق الترجمة، وبكل أسفٍ أن حظ الكتاب العربي في هذا المعرض الدولي ضئيلٌ…
معارض دولية سنوية للكتاب دأبت على تنظيمها في تاريخ محدد دول في الشرق والغرب، ومنها الدول العربية بما في ذلك المعرض الدولي للكتاب بالجزائر الذي شاركت فيه 27 دولة و700 ناشر،وحسب الإحصاءات الرسمية، فإن معرض الكتاب الدولي هذا الـ14 سجل 150 ألف زائر كل يوم و250 ألفا في اليوم الأخير، وهو ما اعتُــبر إنجازا مهما. شاركت في المعرض 146 دار نشر جزائرية و165 دار نشر عربية، أغلبها من لبنان، وسوريا،والسعودية، وأبو ظبي و25 دار نشر أجنبية، من بينها 21 فرنسية، وعرف إقبالا كبيرا على الكتب الدينية، والتراثية، والجامعية وكتب الأطفال، مقابل الاهتمام الضعيف بالكتب الفكرية..
كما شهد المعرض أكثر من 50 نشاطا ثقافيا من محاضرات، وندوات وأمسيات شعرية، احتلت القضية الفلسطينية صدارتها، حسب ما قال مسؤول الأنشطة الثقافية بالمعرض.. وبشهادة الجميع من دور نشر خارجية ومحلية وزوّار كان المعرض ناجحًا هذه السنة إلى حدٍّ بعيد، وكان مؤشر الاقتناء خاصة الكتاب العلمي، وكتاب الطفل مرتفعًا.
مبيعات الكتاب الإلكتروني في حدود 1 %
إعلاميون عرب وجزائريون يمتلكون صحفا يومية الصدور ورقيا، كما هي إلكترونيا على الشبكة بعد خبرة معتبرة يُـقـرّون بأن النشر الالكتروني لم يُــزح الكتاب الورقي عن واجهة الصدارة، ولم تحقق تلك التجارب في النشر الالكتروني للكتاب عبر العالم نسبة مبيعات تتجاوز 1٪ مقارنة بما هو عليه الكتاب الورقي،لأن الناشر الغربي مشارك حقيقي في صناعة الكتاب، وفي حفظ حقوق المؤلف، وفي مهمة الترويج، والإعلان، وهو جزء من قانون إنتاج الكتاب المتمثل بثالوث الناشر والمؤلف والقارئ.
النجاح الذي حققته الصحافة الالكترونية لم يكن كفيلاً بإزاحة الصحافة الورقية، إلا أنه أثر عليها حتماً، وإن كان أسهم أيضاً في انتشارها لسهولة الوصول إليها مما رفع نسبة عدد القراء. الكتاب حالة أخرى لم تحقق فيه وسائل النشر الالكتروني الإزاحة المتوقعة، ولكنها ساهمت أيضاً بالعكس عبر مواقعها في انتشار الكتاب الورقي وزيادة الطلب عليه. 

ما يُستخلص أن الكتاب الورقي في عالمنا النامي لن يتزحزح عن عرشه لاعتبارات موضوعية عديدة،ولن يحلّ محلّه في المدى القريب، ولا حتى في المدى المتوسط الكتابُ الإلكتروني، والمطبوعة الإلكترونية، من هذه الاعتبارات نسبة الأمية المرتفعة، والتسرب المدرسي الذي يدفع كل سنة بآلاف المتمدرسين إلى الشارع ، وعودة الأمية إلى الآلاف كل سنة أيضًا..كما أن أغلب الشعوب العربية لا تستعمل الإنترنيت بسبب الفاقة، والكثير يتوجسون خيفة منه بتأثير ما يسمعون عن الاستعمال السلبي له ممّا يؤثر في تربية الأبناء وتوجيههم.
تعاملنا مع الشبكة تعامل انبهار!
إن العديد من المثقفين، والكُتّاب العرب لا يروْن الحلّ في أن تأخذ المعرفة مكانتها لدى الإنسان العربي من خلال الكتاب الإلكتروني، الحلّ في الالتفات إلى هذا الإنسان البئيس، والاهتمام بيومياته، وانشغالاته، وتحسين الخدمات التي من المفترض أن تكون بين يديه، حتى يشعر بإنسانيته، بما في ذلك جودة التربية والتعليم، كي يرتفع مستواه الفكري والمادي، مماّ يسمح له بالتطلع إلى منتجات الحضارة المعاصرة.
نظرتنا في الجزائر حاليا إلى هذه الوسائط التي لا زلنا نحبو فيها إمّا هي نظرة انبهار، وإمّا هي نظرة جهل وتجاهل في آن واحد..نظرة انبهار بحيث من تمكنوا من التحكم في تقنيات الحاسوب، والإبحار في الشبكة والتفاعل معها أغلبهم شبان ومراهقون جلبتهم مواقع للألعاب، والتعارف، والتحادث مع أمثالهم، والكثير من أمثالهم استهوتهم مواقع إباحية، وهذه حقيقة لا يجب أن نتجاوزها، وما مقاهي الإنترنيت المنتشرة في كل المدن، والبلدات والقرى وبقائها مفتوحة الأبواب ليلا نهارا، أو إلى ساعة متأخرة من الليل وشريحة المقبلين عليها، إلاّ دليل على ما نقوله ..بقية المتمكنين في مجتمعنا رجال الإعلام بكل أطيافهم، أساتذة، وأكاديميون،وكثير من المثقفين والمبدعين، وطلبة لإعداد رسائل التخرج خاصة ما بعد التدرّج، وحتى شرائح أخرى من المجتمع تتعامل مع هذه التقنيات الحديثة بطريقة احترافية كوسائل للتثقف، واكتساب المعرفة..كما أن الكثير من المدونات الشخصية ، والمواقع، والمنتديات بقدر ما هي فضاءات للبوح والتواصل، ومتنفس، وكذا الدخول إلى الفضاءات الإلكترونية الاجتماعية مثل الفيسبوك، والتويتر ليست دليلاً كافية على أننا دخلنا عصر التكنولوجيات المتطورة، وأن الكتاب الإلكتروني على غرار المطبوعات الأخرى امتلكنا ناصيته..الناصية الحقّة هي صناعة المعرفة، والتحكم فيها، وتسويقها..فأين نحن من هذا؟
مقاهي الإنترنيت ليست دليل تقدم؟ !
إن الانتشار الكبير لمقاهي الإنترنيت في العالم العربي وفي بلادنا؛ في رأينا الشخصي ليس دليل تقدم بقدر ما هو دليل انبهار وفقر، لأن المواطن المتخلف أصلا،والفقير العاجز عن شراء جهاز في بيته هو الأكثر ترددا على تلك المقاهي..وليس الذين لديهم أجهزة في منازلهم، أو أماكن عملهم..كما أن تزايد عدد المدوّنات الشخصية، والمواقع والمنتديات ليس دليلا على أننا امتلكنا ناصية هذه الوسيلة الاتصالية والتواصلية العصرية، كي نكون ذا فعالية لنكنْ منتجين للمعرفة، ومساهمين فيها، من نسبة الكتاب الإلكتروني القليلة في عالمنا العربي قلّ ما نجد كتُبًا لكُتّاب وأكاديميين جزائريين متخصصين،بل حتى مبدعين في الأجناس الأدبية.
وحتى نكون صريحين حتى في وسط التعليم العالي ببلادنا، ومن خبرتنا ومعرفتنا أن أغلب المتمكنين مع الحاسوب، وتقنياته، والكتابة به، وكذا الاستفادة من الكتاب الإلكتروني عن طريق التحميل هم الأساتذة الشباب، وقلة من الأساتذة الكبار السن الذين يستعينون بشباب آخرين محترفين كي يعدوا لهم عن طريق الحاسوب أبحاثهم، أو مؤلفاتهم في مكاتب، ودكاكين لمعالجة النصوص..في العديد من المؤسسات الجامعية، وفي مؤسسات التعليم الثانوية والمتوسطة أُنجزت قاعات مخصصة، وجُهّزت بالحاسوب، والاتصال بالشبكة، وجعْلها في متناول الأساتذة؛ إنْ دخلْتها في غالب الأحيان تجدْها شاغرة، هذا يتعلل بانعدام الوقت كي يبحر فيها، وذاك يحيل الأمر إلى من ينوب عنه لأن التعامل مع الحاسوب يأخذ من وقته الثمين، وهو الأستاذ الجامعي الباحث، والمشرف على ميئات الطلبة، وعشرات رسائل التخرج.
نعم لمميزات الكتاب الإلكتروني..لكن ليس توًّا
وحال البلدان العربية الإسلامية والدول النامية لا يختلف عن حالنا في الجزائر..إذا كان المبشرون بزوال الكتاب الورقي يعيبون عليه التضخم الهائل في الحجم واحتلال مساحات سواء في المكتبة الشخصية، أو المكتبات العامة، ارتفاع التكلفة المادية للطباعة ، سواء من حيث العمالة، أو الورق الذي ترتفع أثمانه بوتيرة متسارعة كما هو الحال في بلادنا هذه السنة بـ 40% ، أو الحبر، أو غير ذلك في دور النشر التقليدية.؛ وسعر الكتاب المرتفع وخاصة الكتاب العلمي، ممّا يجعل الكتاب الورقي كتابا غير مرغوب فيه، ودليل هؤلاء أن آلاف الأطنان من هذه الكتب مخزّنة في المخازن، ولا تُباع حتى بأسعار مخفّضة.
أمّا الكتاب الإلكتروني فمن مميّزاته الحفاظ على البيئة من خلال الحد من التلوث الناتج عن نفايات تصنيع الورق، توفير الحيز المكاني لأن أزمة السكن التي صارت تؤرق البشرية كلها، وليس الإنسان العربي والجزائري وحده ترغمه أن يوفّر ولو مترا مربعا واحدا في بيته، ضمان عدم نفاذ نسخ الكتاب من سوق النشر، فهي متاحة دائما على الإنترنت، ويستطيع الفرد الحصول عليها في أي وقت، إتاحة الفرصة أمام المؤلف لنشر كتابه بنفسه إما بإرساله إلى الموقع الخاص بالناشر، أو على موقعه الخاص،والكتاب الإلكتروني أقل تكلفة على القارئ من الكتاب الورقي ،القدرة على تخطى الحواجز والموانع والحدود والتعقيدات التي يصادفها الكتاب الورقي ،التخلص من قيود الكمية للطبعات وعدم نفادها ، كما أن الكتاب الإلكتروني يتيح التفاعل المباشر بين الكاتب والقارئ.

إن مناصري الكتاب الإلكتروني والمروجين له ، وكأنهم يخرجون من أذهاننا كل حميمية بالكتاب الورقي يؤكدون مسعاهم بالتأكيد على أن الكتاب الإلكتروني صار واقعا لا شك فيه، وأنه احتل الريادة في ومرتبته أضحت متقدمة على نظيره الورقي حيث أصبحت نسبة من يقرؤون ورقيا 30 % و70 % إلكترونيا، وأصبحت توجد مواقع للقراءة الإلكترونية للصحف والكتب بشتى أنواعها، كما توجد مواقع لبيع الكتب ورقيا وإلكترونيا مثل موقع «أمازون» بلغت نسبة مبيعاتها للورقية 20 %، بينما 80 % للإلكترونية، وإضافة إلى ذلك ظهور الأجهزة التي بها تقنية التصفح للكتب والصحف بطريقة إبداعية كما لو أنه تصفح ورقي عن طريق ملامسة الشاشة..هذا ليس عندنا بطبيعة الحال.
الكتاب الورقي لا يزال بخير
نحن إذا سلّمنا بهذه المزايا وهي موجودة فعلا، ويعرفها كل من امتلك مهارات استعمال الحاسوب، وكسب ثقافة إلكترونية مقبولة على الأقل ..لكن وكما أسلفنا فإن عدد هؤلاء قليل جدا مقارنة مع من لا يزالون مرتبطين بالكتاب الورقي، ثم لا يجب أن ننساق وراء أطروحة قُرب أفول الكتاب الورقي تأسّيًا بما وصل إليه الأمريكيون والأوروبيون من أن أيام الكتاب الورقي أصبحت معدودة، هذا غير صحيح ..كثير من رجال الإعلام العرب، والباحثين والكتاب الذين زاروا هذه البلدان، أو درسوا بها، أو هم متواجدون بها للدراسة أو العمل نفوْا أن تكون الرقمنة عمّت كل المطبوعات بما في ذلك الكتاب..هاهو الأستاذ عادل سالم مدير موقع ديوان العرب مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو إعلامي وكاتب، وباحث وروائي يؤكد أن الكتاب الورقي لا يزال بخير ويتصدر القائمة في أمريكا، وأن مثل هذه التساؤلات، أو الترويج لا تُطرح إلاّ من لدن إعلاميين، وكُتّاب عرب ،وما هو إلاّ انبهار طفولي بكل ما يظهر في الغرب..والحقيقة في رأيه أن مكانة الكتاب الورقي تتراجع ليس في مزاحمة الكتاب الإلكتروني له، ولكن بسبب انعدام الجمهور القارئ له.
وأضاف علينا ألاّ ننبهر كثيرا باستعمال الإنترنيت في بلداننا، فلا زلنا في عتبة هذه الشبكة، ومعظم الكتب العربية المنشورة في الشبكة والقابلة للقراءة، أو التحميل، إنما تُنشر فيها أملاً في الإقبال عليها لضعف ذلك ورقيا بسبب قلة القُرّاء العرب، والذين لا يقرؤون الكتاب ورقيا، تأكيدا لا يقرؤونه على الشبكة.
الكاتب البرتغالي الشهير خوسيه ساراماغو المتحصل على جائزة نوبل في الآداب سنة 1998 دون مراوغة أو زيف يدافع عن الكتاب الورقي:
«بالنسبة لي، فإن القراءة مستـــــحيلة بصورة كلية في شاشة جهاز الكمبيوتر. أعذروني، أنا آسف، لكنني أنتمي إلى زمن الكتاب وإلى زمن الورق، حيث بوســـع المرء أن يترك دمعة لتسقط على الصفحة. في حين أنه من المتعذر ترك دمعة لتسقط على الكمبيوتر. أعتقد أن الكتاب سيدوم طويلا». 
وأضاف ساراماغو:«يبدو إن الكتاب هو الشيء الوحيد باهظ الثمن في العالم. ونحن لا نقول إن تذكرة الدخول إلى حفلة غنائية باهظة الثمن، لكننا ندفع ثمنها. صحيح أن الكتاب باهظ الثمن، لكن المرء يحتفظ به في مكتبته، لكن الحفلة الغنائية تستمر لساعتين وينتهي الأمر، والذي يبقى لديك هو الذكرى، غير أنك تملك الكتاب في المكتبة فتقرأه وأنت تمر بمراحل حياتك المختلفة، وبهذه الحالة، فإن الكتاب يكون مختلفا لأنك أنت مختلف أيضا».
وليس هــــذا الأديب الـــشــهـيــــر وحـــده اليوم الـــذي صار مضطرا إلـــى الدفاع عن واحدة من أعـــظـــم مـتـــع الدنيا وآخر قلاعها وهي الــقـــراءة والكتاب. فقراءة الكتب تستحق التحية والعرفان للكم الهائل من المعرفة التي تربينا عليها، والتي لولاها لأصبحنا مجرد أميين لا حول لنا ولا قوة ولا معرفة ولا ثقافة.
ويزيد صاحب كتاب «تاريخ القراءة» العجيب البرتو مانغويل الكاتب الأرجنتيني أهمية، حيث يقول صراحة: «القراءة ضرورية للحياة كالتنفس. وأن تعلم القراءة بصوت مرتفع، أو القراءة بصمت، هي القدرة على تخزين كنوز خاصة من المفردات في الذاكرة، وهذه مقدرات مدهشة حصلنا عليها إلى حد بعيد بطريقة لا يمكن تفسيرها».
ويجد الفيلسوف سقراط دلائل أخرى على أهمية القراءة حينما يقول: «الكتب الموجودة على رفوفي لا تعرفني إلى أن أفتحها، ومع هذا فإنني مقتنع بأنها تخاطبني بالاسم، إنها تنتظر تعليقاتنا وآرائنا».
ومع أهمية القراءة يبقي الإخلاص للكتب والقراءة، نحب الكتاب لأنه مأوانا وعشقنا في الصغر والكبر، هو أيامنا الجميلة ودفء معرفتنا وبوصلة عقلنا، ومخدتنا التي لا تنام.
يودورا ويلتي الروائية الأميركية رأيها لا يختلف عمّن سبقوها:«لا أستطيع أن أتذكر لحظة في حياتي لم أكن فيها مشغوفة بالكتب؛ بها وبأغلفتها وشكل كعوبها وبالورق الذي طبعت عليه، وبرائحتها وثقلها بين ذراعي، بإحساسي بها وأنا أضمها». وتؤشر هذه العبارة على العلاقة الحميمة التي تقوم بين القراء والكتب التي يقرؤونها، وتفتح الباب على مصراعيه لتأمل ظاهرة اختفاء الكتاب في المستقبل في ما لو تم ذلك بتأثير عصر تكنولوجيا المعلومات وحلول الوسائط الجديدة لنقل المعلومات وتوفير المعرفة بديلاً عن الكتاب الورقي.
إن الإشكالية المطروحة اليوم في واقعنا المعيش كيف نرفع الأمية عن ملايين المواطنين، وكيف نُوقف تمددها السنوي، وما هي الميكانيزمات التي تجعلنا نجعل مستوى التعليم يرتفع، ويستوعب الجميع ويستمرّ إلى سنوات متقدمة..كيف نسعى مخلصين إلى جعْل معاهدنا، ومؤسساتنا التعليمية، وجامعاتنا تكون رحابًا للبحث العلمي الجاد ذي المستوى العالي، بدل الحفظ، وترديد ما يقدمه الأستاذ، وكذا تربية الطالب وتكوينه بالاعتماد على نفسه بدل النقل الحرفي للمعلومة والفكرة دون رويّة، أو انتهاج صيغة نسخ لصق من الشبكة إذا كان يتقن استعمالها..؟ كيف نجعل تعليمنا أكثر تطبيقا وممارسة عملية بدل النظري؟ كيف نربط منتوج التعليم بواقع المجتمع؟ كيف نجعل معاهدنا وجامعاتنا تتفتح على المحيط الاقتصادي والاجتماعي والثقافي فتصبح مؤثرة في المجتمع، وعامل تغيير إيجابي؟
الكتاب في حالتيْه يستغيث!!
وزارة التربية الوطنية عندنا أقرّت أخيرا بإلزام تلميذ المدرسة الابتدائية بأن يطالع أربعة كتب في كل سنة من سنوات هذه المرحلة الخمس..واقعنا في نشاط المقروئية يندى له الجبين، أن يضحك المدرس في وجهك مزهوا، والأستاذ بعفوية، وينفي أمامك أن يكون قد طالع كتابا واحدا طوال السنة ما عدا الكتب التي يــُدرّس بها تلاميذه،أو طلابه، ويده لا تمتد إلى أيّ كتاب من مكتبة المؤسسة إنْ في تخصّصه، أم في غيره من أبواب المعرفة، يعتبر ضربة خطيرة لعملية التربية نفسها.
إن التخلف في أغلب المجالات ينخرنا، وحتى إذا تحسّن مجالٌ في مرحلة ما سرعان ما يعود القهقرى لأننا لا نملك تقاليد، وعراقة تجذّر وترسّخ ما كسبناه، نوهم أنفسنا بأننا دخلنا عالم التقنية، وصرنا نملك مفاتيح المعلوماتية، ونتصرف فيها؛ فالمعلوماتية والتقانيات المعاصرة لا تتلخص في الهاتف النقال، ولا في الحاسوب، ولا في التمتع بالفضائيات فحسب؛ إنما أيضا عصرنة المرافق بهذه الوسائل، وجعلها أكثر سرعة، وأفضل خدمة من أنماط تسييرية تقليدية..بنوكنا لم تزل تقليدية في تسييرها، وبيرقراطيتها لم تتعصرن حتى فيما بينها، بريدنا خدماته متدنية، وهو المرفق الملازم للمواطن في يومياته..المواطن الجزائري المسكين الذي صار ذليلا يتحرّق شوقا لتسلّم دريهماته من هذا المرفق حاله يثير الشفقة.. إداراتنا لم تتمكن حتى الآن من التحكم في وثائق أحوالنا الشخصية، لتسليمها المواطن في حينها.
عــــــــــوْد على بدْءٍ
لا نقول بأن صاحب مشروع كتاب لكل طفل في العالم النامي واهمٌ، ممّا يعجّل بأفول نجْم الكتاب الورقي الذي رافق البشرية آلاف السنين، وغذّاها معرفيا بحلول 2015 واهمٌ ؛ بل مشروعه تطبيقيا يمكن أن يرى النور، إنما إنزال الكتاب الورقي من عليائه بحدود هذا التاريخ خاصة في عالمنا، وبخاصة في العالم العربي مجرّد أمنية.
أرى شخصيا أن الكتاب لا يزال له سحره الخاص مهما تطورت أدوات المعرفة، وتغيرت فلن تكون إحداها بديلا عن الأخرى، فمثلا حين اختُرعت السينما قيل لقد انتهى المسرح ، وعند اختراع التليفزيون قيل لقد انتهت السينما، وعندما اختُــرع الفيديو قيل انتهى التليفزيون، لكن بمرور الوقت تبين أن لا شيء يُــنهى شيئا آخر في مجال المعرفة، ولا وسيلة تصبح بديلا عن وسيلة أخرى ، لذلك أنا أؤمن بأن الكتاب الورقي لن يكون له نهاية كما يؤمن الكثيرون مثلي، والدليل على ذلك توجه الكثيرين قاصدين معرض الكتاب الدولي عندنا من كل أصقاع ربوع الجزائر، يعودون مثقلين بما اقتنوه، وسعادتهم أكثر عندما يشترون الكتاب بإمضاء مؤلفه، كما أن معارض الكتاب الأخرى في بقية الولايات الإقبال عليها في ازدياد، والكل يجد ضالّته فيها.
إن الكتاب الورقي في اعتقادي الشخصي باقٍ، ولا أحسب أنه سيتزحزح في المنظور القريب، ولا المتوسط، ولا حتى البعيد طالما حالنا هو هذا من التخلف ليس العلمي والفكري فحسب..تخلف يُحكم قبضته علينا في جميع المجالات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...