الإسلاموية والحداثة
عرض/ شرين يونس
يأتي كتاب الإسلاموية والحداثة ليروي حكاية
الحركة الإسلامية في إيران، من حيث هي منهج فكري وعملي انطلق ابتداء بوصفه بديلا عن
برنامج التحديث الذي امتد قرنا من الزمن وانتهى بفشله.
ويرى الكاتب أن التفاعل القائم بين الإسلام
والمعاصرة، خلق فرصا للتلاقح المتبادل، ولكن تحللهما إلى تيارين أيديولوجيين أشعل فتيل
معركة صفرية المحصلة.
-الكتاب: الإسلاموية والحداثة.. الخطاب
المتغير في إيران
-المؤلف: فرهنك رجائي
-عدد الصفحات: 400
-الناشر: مركز الإمارات للدراسات السياسية
والإستراتيجية, الإمارات
الطبعة: الأولى 2011
ويحاول المؤلف الاسترشاد بمجموعتين من الأسئلة
الأساسية، أولاهما ما الأسباب التي أتاحت لقادة الحركة ذات التوجهات الدينية الإسلامية
وأنصارها الإمساك بمقاليد السلطة، في وقت كانت فيه القوى الاجتماعية التقليدية والحديثة،
على حد سواء، قد شاركت في خلع السلالة البهلوية عن العرش؟
أما ثانيتهما فهي ما محتوى نظام الحكم البديل
الذي يقترحون إقامته، أهو قابل للنمو والبقاء أم أنه كما يصفه البعض عملية تنطوي على
مفارقة تاريخية تستهدف استعادة نظام الحكم الإسلامي التقليدي؟
قسم المؤلف أبناء الحركة الإسلامية التي
ظهرت كفعل مضاد لمشروع الحداثة وعلمانيته ذات الطابع الإقصائي، الذي بدأ تطبيقه بإيران
في الحقبة البهلوية، إلى أربعة أجيال متعاقبة، تعاقبت على تبني تيارات الإحياء والثورة
والراديكالية والاستعادة، حسب ما أفرزته الظروف المحلية والإقليمية وأيضا الدولية.
الجيل الأول.. سياسات الإحياء
عدد المؤلف الكثير من الظروف المحلية والدولية، التي أدت إلى ظهور الجيل الأول
من ذوي الاتجاهات الإسلامية، منها اعتماد الحقبة البهلوية على الجيش والقوى الخارجية،
كانت بريطانيا في عهد رضا شاه والولايات المتحدة الأميركية في عهد ابنه.
بالإضافة إلى دور الأب والابن في عرقلة
عملية التحديث في إيران وتشويشها، حيث وقفت السلطة الجديدة إلى جانب التغريب والحداثة
وليس التحديث، مشددة على منهج السلطة بدلا من الانعتاق والحرية، ففرضت الأحكام العرفية،
وتمت مراقبة وسائل الإعلام، وحظر تشكيل الجمعيات والمنظمات، وتهديد كل من يخالف الأوامر
بأقسى العقاب.
وتمخضت ردات فعل الإيرانيين من ذوي التوجهات الإسلامية على هذه التحديات السياسية
والفكرية، خاصة مع بروز للفكر الماركسي واليساري، عن ولادة أول أجيال الحركة الإسلامية،
الذي اتخذ موقفا دفاعيا باهتمامه بالعناصر الدينية للعقيدة الإسلامية، بعيدا عن مجال
السياسة.
وضمت هذه الحركة أناسا وجماعات مختلفة الميول
والمذاهب، غير أن الكاتب يولي اهتماما بتجمعين هامين، سماهما الكاتب بإسلام قم، وإسلام
طهران، الأول يتمثل في استجابة الأصوات المتمركزة في قم، انطلاقا من داخل مؤسساتها
التقليدية، واتسم حديثها بنرة محافظة.
" اعتماد
الحقبة البهلوية على الجيش والقوى الخارجية، أدى إلى ظهور الجيل الأول من ذوي الاتجاهات
الإسلامية "
بينما انطلق الآخر من داخل بيئة المؤسسات العصرية، وأبرزها معاهد التعليم العالي
الجديدة وبالتحديد جامعة طهران، حيث بدا أعضاء هذا المركز أكثر استعدادا للتكيف وفقا
للضرورات العصر الراهنة، فصاروا ينادون بإحياء الإسلام من جديد، وشعروا بأن عليهم ضمان
تقبل الجيل الإيراني الحديث النشأة داخل الجامعات الجديدة.
ونظرا للنهج التبريري الذي اتبعه هذا الجيل،
والمقاربة اللاسياسية التي تبناها، والدوغمائية التي اتسمت بها مواقفه، لم يكن أمام
أبنائه غير اتخاذ موقف الدفاع عن النفس، وإثبات صحة التعاليم والمبادئ الإسلامية، وصلاحيتها
للوقوف بوجه تحدي الحداثة، وتقديم المواعظ والوصايا لأولئك الذين انضموا إلى صفوفهم.
الجيل الثاني.. سياسات الثورة
يرى الكاتب أن ثمة أحداثا داخلية وخارجية هيأت لبروز ما يسميه الكاتب بالجيل
الثاني على مضمار تطور الخطاب الإسلامي في إيران، والذي اكتسب أبناؤه من الإسلاميين
الناشطين ما يكفي من الاقتناع والثقة للتفكير في إحلال خططهم ومشروعاتهم محل خطط ومشروعات
جماعات التحديث.
فعلى نطاق البيئة الداخلية، يشير الكاتب
إلى تعرض إيران لتصدع مزدوج على المستويين السياسي والاجتماعي، على المستوى الأول كان
النجاح حليف الحداثة، أما التصدع الآخر فتمثل في أن مجموعة جديدة فاسدة من الإيرانيين
هي التي تولت السلطة، فأصبح السلوك الأبرز لأجهزة الدولة يتميز باحتقار كل ما هو إيراني.
هذا إضافة إلى انهيار البنى الاجتماعية
والاقتصاد الإيراني وتحوله إلى اقتصاد ريعي بالاعتماد على عوائد النفط، وسيطرة حفنة
من رجال الأعمال الفاسدين، الذي سعوا لخلق مجتمع من جيل البيبسي، وعنوا باستيراد السلع
الاستهلاكية، ناهيك عن ارتكاز الدولة على دعامتي الجيش والقوى الأجنبية.
وعلى النطاق الدولي، جاء انتخاب جيمي كارتر
وإعلاؤه لقيم حقوق الإنسان، وما أدت إليه الحرب الباردة من عسكرة المنطقة، وتأجج الصراع
العربي-الإسرائيلي، وزيادة الشعور بفشل الأنظمة العلمانية في المنطقة بتوفير الأمن
لشعوبها.
وهنا يبرز الإمام الخميني على أنه أحد قادة
المعارضة الأكثر صراحة وتطرفا في المجاهرة بالدعوة إلى تنظيم المظاهرات والتحريض عليها،
وتوالت الأحداث، بدءا من انتفاضة 1963، التى أعدم قادتها أو سجنوا، أو نفوا للخارج،
وما تلاها من محاولة اغتيال الشاه في أبريل/نيسان 1964 التي وفرت للنظام لاعتقال ما
تبقى من قادة المعارضة، وصولا إلى ثورة 1979 بقيادة الخميني.
وأولى الخطاب الإسلامي في تلك المرحلة جل
اهتمامه لأفكار رئيسة ثلاث، هي تشخيص الآخر، من خلال شيطنة الشاه ومسانديه والغرب بالدرجة
الأولى، ورؤية الماضي وتفسيره على نحو رومانسي، وتشكيل مجتمع افتراضي بديل مناهض للعصرنة
والتغريب بشكل خاص، بمعنى إقامة حد فاصل بين الحداثة والتغريب من جهة، والاستفادة من
جميع العلوم التطبيقية العصرية من جهة أخرى.
" كان
النجاح حليف إسلام طهران في بلوغ هدف طرح هوية إيران بصورة رومانسية، فيما استطاع إسلام
قم طرح صورة للمستقبل البديل "
وكان النجاح حليف مجموعة طهران في بلوغ هدف طرح هوية إيران السابقة بصورة رومانسية،
فيما استطاعت مجموعة قم طرح صورة للمستقبل البديل.
وبحلول خريف عام 1982 دان الانتصار للإسلام
الفقهي، فأزاح من طريقه القوى العلمانية جميعا، أو أولئك الذين لم يتبعوا النسخة الفقهية
للإسلام، فأسس الإسلامويون "ديمقراطية عمودية"، ولم تسمح سوى بفرصة ضئيلة
متاحة أمام الأصوات الأفقية للتعبير عن نفسها من خلالها.
وازدادت هذه الصورة وضوحا في العقود اللاحقة،
عندما صارت الأيديولوجيا الإسلامية ترتبط ارتباطا مباشرا بالسلطة وبالمصالح السياسية،
وأمست أداة من أدوات التطرف والعنف السياسي.
الجيل الثالث.. سياسات الإسلاموية
بعد موت الخميني، كان هناك اعتقاد بأن ذلك سيضع حدا للسياسات الراديكالية والثورية،
خاصة مع تعهد رئيس الجمهورية الجديد (آنذاك) علي أكبر هاشمي رفسنجاني، بانفتاح إيران
أمام الغرب وإشاعة أوضاع طبيعية لولادة الجمهورية الثانية.
بيد أن عمر الفرحة لم يطل سوى ثلاث سنوات،
فما تكشف من أحداث أثبت أن وفاة الخميني لم تكن إلا إعلانا عن رحيل حاكم كهنوتي، وليس
إيذانا بانتهاء ثورة، فظهر الجيل الثالث الذي جاهر بالخطاب الإسلامي باعتباره جماعة
راديكالية، يصفها المؤلف بصفة "الإسلاموية"، رأى هذا الجيل في الثورة ظاهرة
كونية ضد الإلحاد،لا بد من أن تتواصل حتى يقضي على التحلل والفساد.
ورغم أن رافسنجاني شخصيا كان معتدلا، فإن
قناعاته الدينية والسياسية استندت من حيث الأساس إلى المذهب المحافظ البراغماتي، كما
برز خلال عهده قيود فرضت على النزعات الفئوية والتحزبية.
وما إن حل العام 1992، حتى كان كل من يشتبه
بأنه ليبرالي من أعضاء الحكومة قد طرد من منصبه، وفي طليعتهم خاتمي، ونوري ونجف آبادي،
وأتى بديلا عنهم من هو وثيق الصلة بمعسكر المحافظين والمنتمين إلى تيار اليمين المتشدد.
" تبنى
الجيل الثالث سياسة اغتيال المنشقين أو الزج بهم في السجن، وهو ما تمخض عنه هجرة واسعة
النطاق لطبقة المثقفين والمفكرين "
وبحسب الكاتب والكتاب فإنه وابتداء من منتصف العقد استطاعت القوى المتطرفة تحصين
نفسها خلف جدران واقية، وعمل الجيل الثالث بصورة غير مباشرة على صياغة خطاب بمفرادته
وبنيته، من شأنه إغلاق أبواب المجال العام، وخلق المشكلات والعقبات للطبقة المثقفة
الإيرانية، والطبقة الوسطى.
فصار المثقفون والمفكرون يساقون في الخفاء
إلى مقار الأجهزة الأمنية، وتبنى هذا الجيل سياسة اغتيال المنشقين أو الزج بهم في السجن،
وهو ما تمخض عنه هجرة واسعة النطاق لطبقة المثقفين والمفكرين.
الجيل الرابع.. سياسات الاستعادة
جاء انتخاب خاتمي رئيسا صيف العام 1997، ليجسد حالة تتحقق على أرض الواقع، فالحوار
والتوافق قد حلا بديلين للعنف والحماسة الثورية، فأشرت لبداية مرحلة جديدة من مراحل
الخطاب الإسلامي، فالرئيس الجديد محمد خاتمي جاء إلى السلطة نتيجة لتحالف لافت للنظر
جمع بين اليسار واليمين المعتدل ومنظمات المجتمع المدني الإيراني.
ويذكر المؤلف أنه، وعلى الصعيد الداخلي،
فإن عوامل من قبيل تعاظم قوة المجتمع المدني، والاهتمام بالرفاهية المادية، والانشغال
بقضية الهوية الإيرانية المعقدة وتحديثها، قد استدعت انتهاج نمط من السياسات يختلف
عن ذلك المشروع الثوري المبسط القائم على ثنائية "نحن وهم".
أما على الصعيد الدولي، فقد أسهمت مشروعات
الدمقرطة وتداعيات العولمة، واندلاع الحرب على الارهاب، والاهتمام بالمبادئ الأخلاقية
وحقوق الإنسان، وبروز قيم التعددية، وشكلت مناخا ملائما لتصاعد الأصوات الداعية إلى
التحديث والحوار والتسامح.
وفي المدة التي امتدت بين العامين 1997
و2005، أمسك تحالف أبناء الجيل الرابع هذا بمقاليد السلطة، ورغم أن كلا من الانتخابات
البرلمانية في فبراير/شباط 2004، والانتخابات الرئاسية للعام 2005، عدت انتكاسة لهذا
التحالف فإن عجلة الإصلاح ظلت تسير.
وفي وصفه للأصوات المعبرة عن هذا الجيل
يرى الكاتب أن هذا الجيل الجديد، يفضل الحوار على البندقية، وصار يكشف عن درجة عالية
من الثقة بالذات، ويعرض بشكل فاعل مفهومه الخاص، لكل من الدين ومشروع العصرنة، وهو
يقدر الإنجازات الحديثة حق قدرها، ويسعى جاهدا للمزج بين الدين والعصرنة.
الخاتمة.. سياسات التأرجح
يصف الكاتب حقبتي خاتمي وأحمدي نجاد وكلتاهما نتاج المد الثوري الإيراني، بأنهما
استحوذتا على اهتمام الأوساط السياسية الإيرانية في حقبة ما بعد الثورة، ومع أنهما
من حيث الظاهر تجسدان جهدا أريد به بلوغ الهدف عينه، أي تحويل إيران إلى لاعب دولي
مهم، والتعاطي معها بجدية على المستوى العالمي، إلا أن كلا منهما تعامل مع هذا الهدف
من خلال منظور مختلف.
" أثبتت
التجارب السابقة، سواء النازية أو الشيوعية عجز الأيديولوجيا عن توفير الأرضية الصلبية
اللازمة لبناء الحضارة، ومن ثم فإن تحويل الدين إلى أيديولوجيا سيولد عجزا مماثلا"
فمقاربة خاتمي تنتمي إلى جيل ما بعد تيار الإسلاموية، بينما أعلت تلك التي تبناها
أحمدي نجاد من مشاغل تيار الإسلاموية وهواجسه.
ويؤكد الكاتب في النهاية أن أكبر أعداء
التقدم هم العناصر المتطرفة في طرفي الجدال بين الإسلام والحداثة، نظرا إلى أنهما قد
اختزلا الاثنين إلى أيديولوجيتين، وإلى أدوات لتحقيق مصالح خاصة.
ويضيف أن الإسلامويين أدركوا أن العالم
الإسلامي المعاصر لم يبق ذلك العالم الإسلامي الذي ينتمي إلى العصور الوسطى، وعلى نحو
مماثل أدرك أنصار العلمانية أن الدين يشكل ركنا هاما من أركان الهوية الإيرانية.
وحول كيف يتيقن المرء من نجاح هذا الجيل
في مسعاه، فلا ينهار أمام موجة جديدة من التطرف، يرى الكاتب أن انتخاب الرئيس أحمدي
نجاد يفرز حالة تقع في صميم هذا الموضوع، مضيفا أن الطريق إلى بناء الحضارة ملأى بالعقبات،
وأن ما حدث في إيران عام 2005 ينسجم مع ما شهدته البلاد طوال العقدين الفائتين من تاريخها،
ولكن عبر رؤية بعيدة المدى يمكن تلمس شيء من التقدم.
وكما أثبتت التجارب السابقة، سواء النازية
في ألمانيا، والفاشية في إيطاليا، والشيوعية بالاتحاد السوفياتي والصين، عجز الأيديولوجيا
عن توفير الأرضية الصلبية اللازمة لبناء الحضارة، فإن تحويل الدين إلى أيديولوجيا سيولد
عجزا مماثلا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق