الأربعاء، 6 مارس 2013

المجلات الثقافية العربية..أمام الخط الأحمر!!؟


المجلات الثقافية العربية..أمام الخط الأحمر!!؟
بقلم: بشير خلف
ظهرت الحاجة إلى الدوريات كونها وسيلة اتصال عالمي بين الباحثين والعلماء، وذلك بنشر المقالات، والبحوث الأدبية والعلمية. والدوريات هي أداة لنشر المعرفة والإنتاجات الحديثة من الأفكار، وخاصة الدوريات العلمية المتخصصة التي صارت أكثر انتشاراً من الكتاب نفسه، وفي هذا الصدد يشير أحد المتخصصين إلى أن الدراسات قد أظهرت أن أكثر من 95% من الإشارات المصدرية التي يقتبسها العلماء، هي إلى دوريات علمية وإلى مطبوعات صادرة عن جمعيات علمية..كما أن الأمر لا يختلف كثيرا فيما يتعلق بالدوريات الثقافية، التي قد تكون نصف سنوية، أو فصلية، أو شهرية، أو أسبوعية.
تشكل المجلات الثقافية مؤشراً متحركاً في الخط البياني لثقافة كل شعب، وهي في ولادتها واستمرارها تحقق طموحات الكتاب والقراء في تطوير حياتهم،وتشبع نهم المثقفين في الجديد من مكوّنات المعرفة المعاصرة، كما أن هذه المجلات من خلال ما يُنشر بها من مواضيع ثقافية فكرية إبداعية لتعبر بصدق عن خصوصية حياة الأمة، ونبضها، وخياراتها، وقدرتها على التواصل مع تراثها وحاضرها، ومع ثقافات كل الشعوب الأخرى في العالم.
في العالم العربي هناك دائما جدلٌ حادٌّ بشأن مكانة المجلات الثقافية في تكوين النخب الثقافية، وكذلك في تنشيط المناخ الثقافي، ورفْـــده بشتى التيارات والاتجاهات، التي قد لا تتسع لها الكتب، وكلما برز موضوع المجلات الثقافية، بدا هذا الموضوع أكثر وضوحًا لطبيعة العلاقة الوثيقة بين هذا التطلع الطبيعي لدى النُخب الثقافية، وبين الوعي الثقافي الذي تشكل المجلات،والصحافة والكتب ملمحه البارز، بالإضافة إلى الركيزة التعليمية، متمثلة بالجامعات ومراكز الأبحاث..لكنه موضوع يدخل في البعض من البلاد العربية في متاهات التمييع، بل التغييب المقصود، ومنها بلادنا، لكون هناك منْ يرى أن الثقافة بكل مصادرها، وروافدها، ومشاهدها المختلفة ليست لها المكانة التي تحتلّها القطاعات الأخرى، ثم هي مجال حياتي غير منتج، وغير مؤثر في حيوات الناس اليوميين..في هذه الحالة حينما تغيب المجلة الثقافية، أو الصحيفة الأدبية، أو الملحق الأدبي لا تُـــلفِت نظر الأغلبية بالقدْر الذي تغيب فيه الصحيفة الرياضية، أو الملحق الرياضي على سبيل المثال.
المجلة الثقافية لا تدرّ ربْحًا
الإشكالية مطروحة أكثر لدى المثقفين الذين تخلو أياديهم من الإمكانات التي تساعدهم على إبراز هذه الدوريات، ووقوفها في الساحة كرافد ثقافي آني، وكفضاء لهم للتعبير عن هموم المجتمع وقضاياه، وحرصهم على أن تصدر في موعدها؛ بالنسبة للطرف الآخر الذي بيده الإمكانات يرى العكس فالثقافة في نظره لا تدرّ ربحًا، وليست وسيلة ملحّة كغيرها من المجالات الحياتية..فهل من ضررٍ يحصل لو حُجبت مجلة ثقافية عن الصدور؟
إن هذا الطرف الذي لا ينظر بعين الرضا للمثقف،مستمدٌّ تاريخيا من انتفاء الود بين الطرفيْن يرى بأن أن المجلات الثقافية فى الأغلب الأعم صحافة نخبة، وهذه النخبة هم المثقفون، فقراؤها محدودو العدد، وبالتالي هذه المجلات التي يستفيد منها الخصم ( المثقف)، ولا تغطي تكاليف إعدادها، وتوزيعها فهي تجاريا غير مربحة، وتكلف ـ خزينة الدولة ـ موارد هي في غنًى عنها. وواقعيا لا يوجد مثقفون متمتمرسون في القطاعات الحيوية ذات القرار السياسي، أو الثقافي منْ يفرض ضرورة مثل هذه الروافد الثقافية التي تتقدم عن الكتاب بحكم ظهورها الزمني المحدد .
كل دولة عربية تُعرف بمجلتها الثقافية
ما معنى أن لا تكون للجزائر حتى الآن ونحن على أعتاب نصف قرن من الانعتاق مجلة ثقافية تُعرف بها على غرار أغلب الدول العربية.. هذه الدول حتى في حالة عجْز هيئات، أو اتحادات من إصدار مجلة ثقافية، فوزارات الثقافة تتكفّل بذلك..فهذه الشقيقة تونس تُعرف بمجلة( الحياة الثقافية) التي تصدرها وزارة الثقافة، وها هي دولة الكويت معروفة بمجلة ( العربي) التي تصدرها وزارة الإعلام، وتلك سلطنة عُمان تُعرف بمجلتها الثرية( نزوى)، والمملكة العربية السعودية بمجلتيْها ( الفيصل)، و(المجلة العربية)، ودولة الإمارات بمجلتها ( دبي الثقافية)، وسوريا بمجلاتها العريقة والتي لم تتوقف، ويصدرها اتحاد الكُتّاب العرب: الموقف الأدبي، الأسبوع الأدبي، مجلة التراث، مجلة الآداب العالمية؛ كما أن وزارة الثقافة في هذا البلد تصدر مجلّتها الثقافية الشهرية( المعرفة).ومجلة( الخيال العلمي)، ومجلة ( أسامة) للطفولة.كما عُرف لبنان بالعديد من المجلات الثقافية منذ القديم وفي صدارتها مجلة( الآداب) والتي لا تزال تصدر بشكلها الجميل ومضمونها الثري كما خطط لها مؤسسها وراعيها الراحل سهيل إدريس رحمه الله..حتى العراق الشقيق وهو في محنه التي لا تحصى، ويومياته الدامية تُصدر وزارة الثقافة به مجلة( تشكيل)، ومجلة ( فنون)، وصحيفة( الاتجاه الثقافي)، إضافة إلى مجلات للأطفال.
الجزائر ..تفتقر إلى مجلة ثقافية تمثّلها
كانت الجزائر في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين تُعرف بمجلة( الثقافة) التي كانت فضاء للكاتب الجزائري، وزادا معرفيا للمثقف، وسفيرا للبلد في العالم العربي، وكانت برفقتها مجلة آمال لكل المبدعين..أين هي هذه المجلة الآن، وكذا رفيقتها..في بداية هذه العشرية من القرن الجديد سعى مخلصون إلى إعادة إصدارهما من طرف وزارة الثقافة، وصدرت عدة أعداد بثوب جميل، ومضمون ثري، وبمستوى عالٍ جدّا، إلاّ أن الأكشاك خلت منها، وحُرم المثقف، ووزعت أيامها على الإدارات التابعة لقطاع الثقافة، على الإداريين فقط ..ولا ندري هل لا زالت تصدر أم لا؟ واستبشرنا خيرا لمّا علمنا أن مجلة آمال سيعاد صدورها، واستُكتب العديد من الكتاب المبدعين، وخاصة منْ كتبوا بها أيام زمان، ووُعدوا بأن ستُرسل إليهم أعدادها الجديدة ـ ومنهم كاتب هذه الصدور ـ ولكنه حديث، وقيل أنها صدرت عدة أعداد منها.
الجاحظية الصرح الذي ملأ الفراغ وبامتياز
لمّا غابت المجلة الثقافية التي تمثل الجزائر كشقيقاتها العربيات كان المرحوم الطاهر وطار في جاحظيته يحاول أن يملأ هذا الفراغ، فكان بنشاطه، وعلاقاته، وندواته، وملتقياته وإصداراته يقدم صورة مشرقة للثقافة الجزائرية، فكانت مجلات الجاحظية :(القصيدة)، ( القصة)، ( التبيين) وغيرها من إصدارات الجاحظية ..هي البوّابة المشرقة التي يطلّ منها المثقف العربي على الثقافة الجزائرية، وآخر عدد منها كان العدد 33 من ( التبيين) الأخير، والذي صدر وصاحب اللاز على سرير المرض في فرنسا، وأشرف على إصداره الدكتور الشاعر الكاتب علي ملاّحي..في هذا العدد كتب المرحوم الطاهر وطار:«…من هنا من برزخ الحياة والموت،من سريري بمشفى القديس أنطوان بباريس أطلُّ على الجاحظية، فأراكم فردا فردا، أراكم، أرى أعينكم تجول في القاعة تستطلع طلعة عمّي الطاهر الدفّاقة..وكم أتمنّى لو أبرز من بينكم، فأعانقكم واحدا واحدا، عناق الوفاء، والإخاء.» 
السؤال الذي يطغى على محبّي " الجاحظية" والغيورين عليها، والمتحمّسين للثقافة الجزائرية: ما مستقبل هذا الصرح الثقافي؟ هل سيبقى محافظا على ريادته ومكانته؟ كيف ستكون مكانته في الساحة الثقافية مستقبلا وقد رحل رجله الأول المستميت؟
لئن كان هذا القحط الثقافي في بلدنا يفرض نفسه، وأكشاكنا، ومكتباتنا تخلو من الدوريات العلمية والمجلات الثقافية بالحرف العربي..ونظيراتها بالحرف الأجنبي تتواجد باستمرار، وتصل في حينها؛ هاهو بلد شقيق يحاذينا شرقا تتوفر فيه كل المجلات الثقافية التي تصدر في كل البلاد العربية، وتصل في حينها، بل هناك مجلات تصل وتباع في كبريات المدن في هذا البلد قبل حلول شهرها، ودائما موجودة.
بحكم الحاجة نلجأ إلى الشقيق
إننا ونحن نجاور هذا البلد الشقيق،وبحكم المسافة القصيرة التي تفصلنا عنه، وبحكم التنقل اليومي المكثف للمواطنين بين البلدين، وكذا أصحاب السيارات، وبعض أصحاب المكتبات فإن هذه المجلات الثقافية متواجدة عندنا دومًا، ومنها ما يتعرض للكساد كمجلة ( العربي)، وكتاب ( العربي)، وكتاب ( عالم المعرفة) وغيرها..حقيقة نحن ننعم ــ والشكر لله ــ من خلال هذه الحركية بالمجلات الثقافية التي تُجلب عن طريق سوّاق السيارات، أو أصحاب المكتبات بثمنها المحدّد لها من الناشر، ووفق الفوترة.
مجلات بين أيدينا كل بداية شهر
من الكويت الشقيق: مجلة العربي، مجلة العربي الصغير،كتاب العربي الفصلي: آخر كتاب وصلنا بعنوان" الثقافة العربية" في ظل وسائط الاتصال الحديثة ـ الجزء الأول ـ ،مجلة الكويت الشهرية، مجلة الثقافة العالمية، مجلة عالم الفكر، مجلة عالم المعرفة.من العربية السعودية: مجلة الفيصل، المجلة العربية، علامات للأبحاث والنقد.من الإمارات العربية: مجلة دبي الثقافية، مجلة سيدتي، مجلة زهرة الخليج، مجلة ماجد للأطفال.من لبنان : مجلة الآداب البيروتية.مجلة الجيل.مجلة دراسات عربية.مجلة كتابات معاصرة.من تونس الشقيقة: مجلة الحياة الثقافية الشهرية.من سلطنة عُمان: مجلة نزوى الثقافية الشهرية.
اكتفينا هنا بالمجلات الثقافية، ولم نشرْ إل العديد من المجلات الأخرى المتنوعة، وكذا مجلات الأطفال المتعددة.علمًا أن البعض من هذه المجلات دأب على إرفاق كل عدد شهري بهدية، وهو عادة ما يكون كتابا مهمّا جدا، ففي آخر عدد لمجلة "دبي الثقافية" كانت الهدية عبارة عن كتاب متوسط الحجم ذي 230 صفحة تأليف رائد السوريالية سلفادور دالي بعنوان " أنا والسريالية" والمجلة العربية السعودية الشهرية ترفق كل عدد بهدية وهو عبارة عن كتاب، ومن الكتب التي رافقت الأعداد الصادرة الأخيرة: أثر المرجعية الفكرية في تحليل الخطاب اللغوي، قصائد أعجبتنا للراحل غازي القصيبي، عالم الكتابة القصصية للطفل، العولمة والأدب العربي المعاصر، مالك بن نبي في ذكراه..كما أن كتاب عالم المعرفة يُرفق كلُّ عدد منه بكتاب ثمين وعادة ما يكون متضمنا محاضرات ملتقى فكري عربي أقيم في الكويت، ومن هذه الكتب الهدية:" الشعر العربي الحديث بجزئيه الأول والثاني " ، " الرواية العربية..ممكنات السرد الجزء الأول والثاني"..وهكذا…
أخيــــــــــرا…
هل يأتي الزمن الجميل، وتطلّ علينا كل مطلع شهر هذه الموائد الثقافية في مكتباتنا، وأكشاكنا على غرار غيرنا من الأشقاء؟ هل هذا مستحيل؟ هل تُضرُّ الميزانياتُ الضخمةُ المرصودة كل سنة للحفلات والمهرجانات، والأسابيع الثقافية الفلكلورية ما بين الولايات لاقتطاع نسبة ضئيلة منها لتوفير هذه المجلات، وتلكم الدوريات؟
سؤال نطرحه بكل براءة ..!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...