الاثنين، 11 مارس 2013


قراءة في كتاب " المحاضرات المسجدية "
قراءة : بشير خلف
الكتاب: نماذج من المحاضرات المسجدية
المؤلف: الأستاذ مهاوات عبد القادر
التخصص: أستاذ في الشريعة الإسلامية بالمركز الجامعي بالوادي
الناشر: دار بهاء الدين للنشر والتوزيع،مكتبة إقرأ بقسنطينة
الطبعة : الأولى 2009
الحجم : متوسط
الصفحات: 182
مقدمة
الخطاب الإسلامي كما تعرفه مصادر الفكر الإسلامي هو ذلك الخطاب الذي يعبر عن الأحكام الإسلامية في صورتها التوقيفية المستمدة من الوحي، أو في صورتها التوفيقية المستقرة في الفكر الإسلامي، والتي حازت إجماع الأمة، ولم تعد عرضة للخلاف، أو مطية للتأويل والتأويل المضاد. وبناء على هذا التعريف المختصر يمكن أن نقول إن الخطاب الإسلامي هو كل فكر، أو فقه، أو أدب أو فن، أو غير ذلك بشرط أن يكون صادرا من مشكاة الإسلام،ويعبر عن صبغته التشريعية، والفقهية والعقدية.
أمّا الخطاب المسجدي فليس المقصود به خطبة الجمعة فحسب، إنما يُقصد به أيضًا دروس الوعظ والإرشاد الديني المُقامة غالبا بين صلاتي المغرب والعشاء في المساجد، وكذا المحاضرات المسجدية التي يمكن للخطيب أن يكيفها، ويحوّلها إلى خطبة جمعة.
أغلب الذين لهم دراية بهذا الخطاب سواء أكانوا من أغلب روّاد المساجد المصلين الدائمين الحضور، أم من الذين لهم إلمامٌ معرفي يُقرّون بأن هناك أزمة في الخطاب المسجدي، وأن هذا الخطاب بعيد كل البعد عن الغايات التي من المفترض أن يصل إليها، لا من حيث الشكل، ولا من حيث المضمون، إذ صار من أوجب الواجبات القيام بتعديله، وإصلاحه، إنما منْ يقوم بذلك؟ وحتى فرضًا لو تمت عملية الإصلاح، فهل يُوجد الإمام، أو الخطيب الذي يقتنع بهذا الإصلاح، ويتشبع بقواعده، ويكون قادرا لا على التبليغ فقط، بل وعلى التأثير الإيجابي في الحضور، عكس الواقع الذي يصدمنا في أغلب المساجد حينما نلاحظ المصلين تتمايل رؤوسهم، أو تهوي إلى أسفل نتيجة راهن خطبة التي لا تؤثر فيهم لا من حيث الشكل وطريقة الإلقاء، ولا من حيث المضمون.
إن العلة الأساسية في الخطاب المسجدي تكمن في نوعية القائمين على العمل المسجدي، فغالبهم ممن يقومون بعملهم بحكم الوظيفة ومتطلباتها، ما يضعف روحية الاحتساب، ويوهن استشعار البعد الإيماني والأجر الأخروي، ويقلب أداءهم إلى أداء رسمي بروتوكولي، بكل ما في الأداء الوظيفي من روتين قاتل، وأداء متثاقل، يفتقد إلى حرارة التفاعل، والحس العالي بمسؤولية التكليف الشرعي قبل الوظيفي، لا سيما أن العمل المسجدي في طبيعته، ودوره يشكل رسالة عظيمة، تتمثل في نشر هدايات السماء، وإشاعة نور الوحي في الناس.
حتى يتخلص الخطاب المسجدي السائد من جموديته وتقليديته وانعزاليته، فان من الضروري بمكان، أن يخرج ذلك الخطاب من سكونيته، وجموديته، فما عاد يصلح أن يقال اليوم ما كان يقال قبل عشر سنوات، دون أخذ الاعتبار بكل التغيرات والمستجدات التي وقعت وتقع صباح مساء، كيف يتفاعل عامة المصلين مع خطاب تقليدي، حفظوه عن ظهر قلب، لا يعالج همومهم ولا يتفاعل مع مشاكلهم، فخطباؤهم ـ على الأغلب ـ يسردون على مسامعهم خطبا مكتوبة، ليست من بنات أفكارهم، بل هي في غالبها منقولة عن آخرين قيلت في أوقات ومناسبات قديمة، ومختلفة تماما عن الظروف والمناخات التي يعيشها الناس هذه الأيام.
الخطاب المسجدي ينبغي أن يسعى إلى تجديد الموضوعات التي يتناولها ويعالجها، فثمة قضايا ورؤى وأفكار، هي محل بحث ونظر ومناقشة في منابر ووسائل إعلامية عديدة، فهل يحسن بالخطاب المسجدي أن يدير ظهره لكل ذلك؟ ولا يعبأ به أو يلتفت إليه؟ أين الخطاب المسجدي اليوم من قضايا حيوية ملحة في واقعنا المعاصر، كالديمقراطية وحقوق الإنسان، ومؤسسات المجتمع المدني، وحقوق المرأة، والحريات، والشورى، والعدل، وقضايا البيئة، والحفاظ على الصحة، وطرق الوقاية، والتعامل التجاري، ومحاربة الربا، وأساليب الإنفاق، ومحاربة الفساد، والحفاظ عل الممتلكات العامة، والخاصة، وترسيخ الهوية من خلال تعزيز مكوناتها من لغة عربية، وتاريخ وغيرهما، وتوجيه الأُسر إلى طرق التنشئة السليمة للأبناء، ورصد التحولات الاجتماعية المتتابعة في حياتنا، وتأثيرات العولمة وتداعياتها على قيمنا وسلوكياتنا وعاداتنا، والأزمات المالية الخانقة التي تجتاح العالم بأسره؟ ..إن الخطاب المسجدي عندنا بكل أسف يغرّد بعيدا عن اهتمامات الناس وقضاياهم.
إن بقي الخطاب المسجدي على ما هو عليه، يعيد قول ما قيل من عقود خلت، ويكرر اجترار موضوعات ملّها عامة المصلين وسئموا سماعها، فان المسجد لن يعدو حينها أن يكون مكانا يستثقل الناس الذهاب إليه، ولولا التكليف الشرعي الإلزامي، في الاستماع إلى خطبة الجمعة لما وجد الخطباء التقليديون من يستمع إليهم، وحتما سينفضّ الناس من حولهم، ويتركونهم لوحدهم يخاطبون أنفسهم. 
أوّلاً : عرْض الكتاب
التقديم :
كان التقديم من الأستاذ الشيخ الأمين مناني الذي هو رجل تربية وعلوم شرعية، وأستاذ المؤلف، بل أستاذ أجيال ..ركز الأمين في هذا التقديم على نقاط ثلاث : محتوى الكتاب، المضمون، المنهجية المتبعة، حيث يرى أن المؤلف قد وفق في اختيار المواضيع لأنها تعالج قضايا في الصميم، ما أحوج الدعاة والكثير من أئمتنا، وجمهور المصلين إليها.ومن حيث الشكل فإن محاضرات الكتاب تصلح أن تكون محاضرات تُلقى، كما هو أصلها، والغرض الأساسي منها، كما تصلح أن تكون مقالات تُقرأ، أو خطبا على المنبر تُلقى، أو دروس وعظٍ وإرشاد.أمّا من حيث المنهجية فالملاحِظ لهذه المحاضرات يلحظها تصبّ في قالب أكاديمي منهجي، فالمؤلِف ذو منصب أكاديمي جامعي.
المقدمة:
ـــ هذه نماذج من المحاضرات المسجدية التي ألقيتها بمساجد متعددة ببلديات ولاية الوادي.
ـــ في الفترة الممتدة من سنة 1423 هـ / 2003 م إلى سنة 1430 هـ / 2009 م.
ـــ الغرض الأساس من عرض هذه النماذج من المحاضرات المسجدية:
1 ـ مساعدة الأئمة والأساتذة المحاضرين المبتدئين.
2 ـ الاستجابة لطلبات الأئمة، والأساتذة المحاضرين الموظفين والمتطوعين الذين هم في الميدان الدعوي.
3 ـ إثراء المكتبة الجزائرية بخاصة، والعربية والإسلامية عامة بكتاب يحوي مجموعة محاضرات على النمط الجزائري، وبقلم جزائري، مساهمة من المؤلف في حلّ عقدة أنّ علمَ وثقافة المغاربة في غالبهما شفاهيان.
4 ـ المساهمة في تجديد الخطاب المسجدي، والابتعاد به عن روتينية التطرق للمواضيع الموسمية التي تواكب المناسبات الدينية، والوطنية والعالمية، وكذا القضايا الاجتماعية والأخلاقية.
5 ـ تعميم الفائدة من هذه المحاضرات عندما تصل مكتوبة إلى سائر القراء سواء سمعوها أم لم يسمعوها.

وقد أشار المؤلف في مقدمته إلى بعض النقاط منها:
أ ـــ أنه اختار عشرين محاضرة وضمّنها الكتاب من بين محاضرات كثيرة سبق وأن ألقاها بعدة مساجد.
ب ـــ أساي الاختيار بُني على أن هذه النماذج يستفيد منها القارئ في كل زمان ومكان.
ج ـــ طريقة صياغة المحاضرات بنيت على قناعاته الخاصة وبنات أفكاره التي تولّدت من طول تلمذة على أيادي علماء ومشايخ ودعاة محليين وعالميين.
مضمون الكتاب
يحتوي الكتاب على عشرين محاضرة، مواضيعها كالتالي:
من العوامل التي تعين المسلم على ترشيد إنفاقه واستهلاكه، من بركات الاتحاد بين المسلمين، من الوسائل المعينة على تربية الأولاد تربية سليمة، بعض من أخلاق المسلم مع إخوانه من خلال سورة الحجرات، دعوة الآباء إلى تعليم أبنائهم القرآن الكريم، دعوة إلى قيام الليل، بعض من مكفِّرات الذنوب من خلال السنة النبوية، أعمال تفتح للمسلم أبواب الجنة الثمانية، عشر وقفات مع حديث الاستخارة، من ثمرات الصبر الجليلة، من فضائل العلم وآداب طالبه، من مظاهر أدب المؤمن مع الله تعالى، ما الذي ينبغي أن نفعله اتجاه ما يحدث لإخواننا المُعتدى عليهم في غزة، برنامج مقترح لليوم الرمضاني، دروس وعبر من غزوة بدر الكبرى، ما الذي ينبغي أن يفعله المسلم في العشر ألأواخر من ذي الحجة، من فضائل وصُور برّ الوالديْن، كيف ينال المسلم رحمة الله تعالى؟ من أسباب نصر الإسلام والمسلمين والتمكين لهما.
الكتاب قيّمٌ في مضمونه، وفنياته، وهو مفيد جدا للقراء، وأحسبُ أن فائدته ستكون لها آثار إيجابية جدا لو وُجّه إليه الأئمة والخطباء؛ حيث طريقة تقديم خُطب الجمعة روتينية، وأغلبها لا يحرّك في المصلين أدنى شعور، ثم إن العديد من خطب الجمعة مكرّرة، وأعرف أحد أئمة الجمعة يدون خطبه في كراسة ذا ت 288 صفحة إذ تحوي خطب السنة كلها، فما أن يفتتح الخطبة حتى تكون بين يديه، والعديد من المتتبعين والملاحظين الدقيقين لمواضيع ومضامين الخُطب المنبرية سرعان ما يتذكرون أنهم سمعوها سابقا من نفس الإمام، كلمة كلمة، وفقرة فقرة، ناهيك على أن العديد منهم لا يتفاعلون مع المناسبات الوطنية، وكذا ما يدعّم هوية الأمة، وكأنهم يعيشون في القرون الغابرة، وأنهم أيضا لا يحيوْن في وطن هم منه، وهو منهم، وما يضرّه يضرّهم، وما ينفعه ينفعهم، والغريب أنهم يتقاضوْن المرتب الشهري من خزينة هذا الوطن، بل لا أبالغ إن قلت أن بعضهم يشعر بأن انتماءه إلى دول البترو دولار الخليجية أكثر ممّا هو انتماء للجزائر.
ومن أجل هذا وددتُ لو أن الأستاذ عبد القادر المؤلف ضمّن كتابه محاضرات تصبّ في منحى هذه القضايا المستجدة اليوم في عصرنا، وكيف يوفق الإنسان المسلم بين ما جاء في دينه الإسلامي، وبين هذه المعاصرة التي تتسارع فيها الأحداث التي لا يصنعها الإنسان المسلم بقدْر ما هو ضحيّة فيها، فمواضيع المحاضرات مواضيع معروفة ومستهلكة، وأيّ مهتمّ بها سيجدها بسهولة لأن مراجعها كثيرة.
قضايا اليوم اقتحمت علينا ديارنا منها ما هو إيجابي، ومنها ما هو مدمّر لنا ولشبابنا: الآفات الاجتماعية التي تنخر شبابنا، وصارت جهارا نهارا، وسائل الاتصال الحديثة وما صارت تساهم فيه من إباحية وعلاقات واتصالات مشبوهة، التسارع نحو الربح السريع، البزنسة التي لا تفرق بين الحلال والحرام، الانحلال الأخلاقي، تفشي العمل بالربا، تعاطي الرشوة، الفساد الإداري والمالي، تخلّي الأسرة عن دورها في عملية التنشئة، محاربة الفقر الذي تعاني منه العديد من الأسر، مكافحة ظاهرة التسوّل الذي تحول إلى حرفة مربحة، وغيرها من القضايا التي تضرّ بالفرد مثلما تضرّ بالجماعة.
   إني أثمّن هذا العمل الطيّب، وأشدّ على يدي الأستاذ مهاوات عبد القادر..الأستاذ الباحث، الأستاذ الأكاديمي، الأستاذ الداعية، وهو الوحيد في منطقتنا، بل الوحيد في الجنوب الشرقي حسْب علمي من يعمل جاهدًا في توثيق هذه الخطب  المنبرية، وتلك المحاضرات المسجدية، هي جهود طيبة وذات فائدة سواء على المدى القصير أو المدى البعيد، اللهم تقبّلْ أعماله، وأجرْه عليها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...