زاوية الهامل صرح علمي وأدوار تاريخية حاسمة
تقع زاوية الهامل في الجنوب الغربي من مدينة
بوسعادة على المرتفعات المتاخمة لجبال أولاد نايل، تنتسب لمؤسسها الإمام والمربي والعالم
الربّاني الشيخ سيدي محمد بن أبي القاسم الشريف الحسني رحمه الله، المتوفي 1315 هـ
/ 1897م، الذي أسّسها سنة 1260هــ / 1844م .
تعتبر زاوية الهامل من أشهر الزوايا العلمية
في المغرب العربي الكبير، بالنظر إلى الدور الإيجابي الذي اضطلع به رجالاتها وما قدّموه
من جهود علمية وتربوية خدمة للوطن سواء إبّان الثورة التحريرية أو بعد الاستقلال، فقد
كان ولا يزال للزاوية دور فعال في الحفاظ على وحدة الأمة الدينية والوطنية ومقومات
شخصيتها الأساسية، في ظل ينابيع الإسلام الصافية وأخلاقه السمحة لتستمد منها الحياة،
وتواجه التحديات، متبعة في ذلك الطريقة الرحمانية المنتشرة بين طلبتها في شرق البلاد
وغربها ووسطها، ولها دور كبير في التكفل بالأسر الفقيرة كتقديم المساعدة لذوي الحاجات
من المعوزين واليتامى وأبناء السبيل، كما تتكفل مجانا بالطلبة الوافدين إليها طلبا
للعلم.
ازدهرت الزاوية القاسمية وذاع صيتها، مشرقا
ومغربا بعد سنوات قليلة من تأسيسها وصارت مركز إشعاع حضاري، حيث استقطبت الكثير من
العلماء والباحثين وأهل الفضل من داخل البلاد وخارجها حتى أصبحت مهدا إسلاميا كون عدد
كبير من العلماء والفقهاء من خريجيها مؤهلين علميا للإفتاء أو القضاء أو التدريس في
كبرى الحواضر العلمية داخل وخارج الوطن. تخرّج من الزاوية وأجيز جمع من العلماء الأعلام
من أبرزهم الشيخ محمد بن عبد الرحمن الديسي، الشيخ عبد السلام التازي الأستاذ بجامعة
القرويين، الشيخ محمد العاصمي، المفتي الحنفي بالجزائر، الشيخ أبو القاسم الحفناوي،
الشيخ محمد الملكي بن عزوز، الشيخ حمدان الونيسي، الشيخ عبد الحليم بن سماية، الشيخ
عاشور الخنقي، الشيخ محمد السنوسي التونسي، الشيخ محمد العربي الجزائري، الشيخ احمد
الأمين بن عزوز المدني، الشيخ الونوغي بن أبي مزراق المقراني، الشيخ عبد القادر بن
إبراهيم المسعدي، الشيخ عبد القادر المجاوي، الشيخ شعيب التلمساني، الشيخ مصطفى بن
السادات، والشيخ حميدة بن الطيب الجزائري المدني، وغيرهم كثير.
قرن ونصف من الوجود.. والآلاف من الطلبة
المتخرجين
على امتداد قرن ونصف القرن تخرّج من الزواية
الآلاف من طلبة العلم وقد فاق عددهم 1500 طالب من حفظة القرآن الكريم والمتفقهين في
الدين الذين بلغوا أرقى الدرجات العلمية، توزع أغلبهم على مختلف قطاعات النشاط الاجتماعي
على غرار التربية والتعليم، والقضاء، وأئمة مساجد، أساتذة جامعيين، وباحثين، ومؤطرين
ومسيرين في مختلف المؤسسات والهيئات. وبقيت الزاوية القاسمية تواصل أداء رسالتها التعليمية،
والتربية الاجتماعية وتعليم القرآن الكريم لإرساء مبادئ الإسلام وإحياء قيمه وإصلاح
المجتمع بالدين القيم والتوجيه الراشد لتوثيق أواصر الأخوة بين أفراد المجتمع وحمايته
من الأفكار الهدّامة والدعوات المشبوهة والترّهات الطائفية المفرّقة، والتيارات الدينية
المتشدّدة.
يبلغ عدد طلبة الزاوية هذا العام 380 طالبا
بينهم 70 مقيما، وخمسون (50( طالبة في فرع البنات، حيث يتخرّج منها كل عام عدد من حفظة
القرآن مزودين بحصيلة من العلم تؤهّلهم للالتحاق بالمعاهد الإسلامية لتكوين الإطارات
الدينية. بزاوية الهامل القاسمية مكتبة تضم مخطوطات تقدر بـ (761) عنوانا، نشرت فهرسة
لاثنين وخمسين عنوانا منها بعناية المستشرق رينيه باسييه عام 1897 م ونشرت فهرسا عاما
للمخطوطات بالمكتبة القاسمية من إعداد محمد فؤاد القاسمي الحسني طبعت في دار المغرب
الإسلامي بلبنان.
مكتبة ثرية بالمخطوطات
وتضم المكتبة مجموعة من المطبوعات الحجرية
النادرة منها ما طُبع بخط اليد ومنها ما طبع بخط الحرف المطبعي، وكذا مجموعة من المجلات
والجرائد القديمة التي صدرت في القرن 19 ميلادي معظمها من المغرب العربي، تضم كذلك
مجموعة من الوثائق القيّمة والرسائل تزيد عن خمسمائة (500) وثيقة في شكل وسائل وردت
من أعلام العالم الإسلامي إلى شيوخ الزاوية، وقد تكفّل شيوخ الزاوية بطبع ونشر عدة
كتب من بينها “المنح الربانية” للقسنطيني، طبع بتونس عام 1890، و”الزهر الباسم” للقاسمي،
طبع في تونس 1891، كما ساهموا وساعدوا في نشر وتحقيق كتب من بينها: “توهين المتين”
للديسي، و”البستان في ذكر علماء تلمسان”، و”منار الإشراف” للخنقي، و”ترتيب المدارك”
للقاضي عياض، كما نشرت دار الخليل القاسمي مجموعة من الرسائل والكتب نذكر منها: “ورد
الطريقة الرحمانية”، “شرح أبيات ابن عربي”، “الإرشاد” للثعالبي، “شرح سينية ابن باديس”
و”فتح المولى” لابن فكون.
وقد أثرى الزاوية اليوم فضيلة شيخ الزاوية
الحالية، حفظه الله، بما تستلزمه المكتبات الحديثة من وسائل، حيث قام بتوسيع مبناها
وإعادة تأثيثها بشكل ييسر تصنيفها وترتبيها.. وللنهوض برسالة الزاوية الحضارية أعد
القائمون عليها برنامجا يتضمّن توسعة هذه الأخيرة لتجديد هياكلها وبناء معهد للعلوم
الشرعية يراعي في مرافقه جميع الشروط والوسائل التربوية. ويكتسي البرنامج أهمية كبرى
نظرا لنتائجه المأمولة وثماره المرجوة وامتداد أثره الإيجابي في المستوى الوطني والإقليمي
ويهدف إلى إحياء تراث علمي جزائري أصيل باعتبار الزاوية ممثلا لتراث حضاري عميق متجذر،
لذا أصبح تجديدها أمرا ضروريا للقيام برسالتها الحضارية حتى تحقق الأهداف التربوية
والحفاظ على تراث الزاوية الثقافي. ويتضمن المشروع عدة مراحل منها: ترميم مباني الزاوية
القديمة وتحويل المساكن القديمة إلى مرافق منها مساكن للطلبة، النادي العلمي وكذا المتحف.
أما المباني الجديدة فتشمل: توسعة المسجد، دار القرآن، دار الضيافة، قاعة المحاضرات،
الإدارة والرواق الكبير للمعهد، المكتبة، إقامة الطلبة، مجمع خدمات، رواق المسجد وساحته،
دار الطلبة، دار الوافدين، مركز البحث في التراث الإسلامي، الجناح التربوي للمعهد،
بيوت الأساتذة، المطعم والوسائل العامة، الحديقة. ونشير في الأخير إلى أن شيخ الزاوية
الحالي يعمل جاهدا لترقية المستوى العلمي، إلى التكوين العالي، مع المحافظة على التعليم
القرآني، القاعدي والأساسي.
شيوخ الزوايا.. أنساب علمية راسخة
شيوخ الزاوية رحمهم الله منذ تأسيسها هم
على التوالي: السيدة زينب بنت محمد بن أبي القاسم، الشيخ محمد بن الحاج محمد بن أبي
القاسم، الشيخ المختار بن الحاج محمد بن أبي القاسم، الشيخ أبو القاسم بن الحاج محمد
بن أبي القاسم، الشيخ أحمد بن الحاج محمد بن أبي القاسم، الشيخ مصطفى بن محمد بن الحاج
محمد، الشيخ الحسن بن محمد بن الحاج محمد، الشيخ الخليل بن مصطفى بن محمد، الشيخ محمد
المأمون بن مصطفى بن محمد شيخ الزاوية الحالي ورئيس المعهد القاسمي للدراسات والعلوم
الإسلامية وكذا رئيس الرابطة الرحمانية للزوايا العلمية، عضو بالمجلس الأعلى الإسلامي
بالجزائر، رئيس هيئة الرقابة الشرعية لبنك البركة الجزائري، المستشار الشرعي لشركة
سلامة للتأمين بالجزائر. تضم الزاوية عدة مرافق من أهمها، المسجد الجامع وبيت القرآن،
وبيوت الطلبة، وقاعات الإطعام، سكن شيخ الزاوية وسكنات لإيواء الزائرين الوافدين إليها
كل سنة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق