عرفانا بالمسار الأدبي لصاحب « بحيرة الزيتون»
ملتقى دولي حول أبو العيد دودوبجيجل
بقلم: بشير خلف
ستنظم مديرية الثقافة لولاية جيجل ملتقى دولي حول أبي العيد دودو أيام 12 ـ 13 ـ 14 ماي 2009 بدار الثقافة عمر أو صديق.ينشط فعليات الملتقى مجموعة من الدكاترة والأساتذة الجامعيين، من مختلف الجامعات الجزائرية والأجنبية وتم تنصيب اللجنة العلمية لتحضير هذه التظاهرة العلمية المتكونة من عبد العزيز بوباكير، السعيد بوطاجين، عبد الحميد بورايو، عمر علان ،حسن بشاني، إلى جانب وجوه أدبية وطنية،
وحسب مصادر محلية تم تنصيب اللجنة العلمية ولجنة المتابعة التي ستسهر على ضمان السير الحسن لهذا الملتقى الذي يهدف إلى إعادة الاعتبار لهذه الشخصية الثقافية، أو التي تنحدر من قرية »تامنجر« ببلدية العنصر، والجدير ذكره أن مديرية الثقافة بالولاية، أنشأت موقع أنترنت خاص بالملتقى، ويعد الملتقى الأول منذ رحيل صاحب « بحيرة الزيتون » حيث تكرم خلال الملتقى زوجة الراحل النمساوية ووجوه ثقافية لها إسهاماتها على الساحة.
الدكتور أبو العيد دودو من مواليد 1934م بجيجل، قاص وناقد أدبي ومترجم، أستاذ جامعي، درس بمعهد عبد الحميد بن باديس ثم انتقل إلى جامع الزيتونة ومنه إلى دار المعلمين العليا ببغداد ثم إلى النمسا فتحصل من جامعتها على دكتوراه برسالة عن ابن نظيف الحموي سنة 1961م، درس بالجامعة التي تخرج منها ثم بجامعة كييل بألمانيا قبل أن يعود إلى الجزائر، ويشتغل أستاذا في قسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب جامعة الجزائر.
من مواليد 1934م بجيجل، تابع دودو مسيرة مجتمعه الجزائري في (صور سلوكية) ناقلا صورا دقيقة التفاصيل وفي غاية السذاجة المقصودة ليصل بالقارئ في النهاية إلى مواجهة الجدار مستعملا اسلوب كافكا السوداوي. ولم يقدر النقاد في الجزائر كتابات دودو حق قدرها لاعتبارات كثيرة, فأسلوبه الكلاسيكي الهادئ ونقده المر للواقع وخلو كتاباته من الألفاظ النابية والعنيفة, وعدم مشاركته في أي من الاوقات في التهليل لمشروع سياسي أيا كان صاحبه لم يجعل منه كل هذا كاتبا مثيرا للجدل كما هو الحال مع من جايله من الكتاب مثل الطاهر وطار و عبد الحميد بن هدوقة. لقد تابع الأديب بمرارة ماآل اليه المجتمع من انحدار للقيم وانحراف عن تلك المثل التي جاءت بها ثورة نوفمبر والتي عاد إلى أرض الوطن من أجل المساهمة في تجسيدها برغم المكانة التي وصل اليها بجده واجتهاده في جامعات الغرب. واتسمت كتاباته كلها بعد (بحيرة الزيتون) - التي كتبها عندما كان لايزال خارج البلاد- اتسمت بمرارة توحي بخيبة الامل. ودفعه هدوءه الرزين وأدبه الجم الذي يطبع شخص المربي فيه إلى رصد ظواهر من الحياة اليومية من حوله كلها إشارات تنذر بعواقب وخيمة.
وكادت قصة (الطعام والعيون) التي كتبها سنة 1975 والتي اعطى اسمها فيما بعد لمجموعته القصصية الاخيرة أن تكون نبوءة واضحة المعالم لما عرفته الجزائر بعد أكثر من عشريتين من ذلك التاريخ. كما ساعد اطلاعه الواسع على الأدب الألماني أو ذلك المكتوب باللاتينية على تبني أسلوب كتابة خاص به يتسم بالوضوح والايجاز وبالسخرية الظاهرة والمرارة المبطنة. كما وفرت له سنوات الترحال بين مجتمعات شتى وإقامته في كل من النمسا وألمانيا موقعا ينظر منه بوضوح أكبر إلى حجم التحولات في مجتمعه. إنتقل إلى رحمة الله تعالي اليوم الجمعة 16 جانفي2004
أعماله الأدبية -بحيرة الزيتون (قصص 1967م)، - التراب (مسرحية 1968م)، - دار الثلاثة (قصص 1971م)، - البشير (مسرحية 1981م)، - الطريق الفضي (1981م)، - الطعام والعيون (قصص 1998م)، - كتب وشخصيات (دراسة 1971م)، - الجزائر في مؤلفات الرحالين الألمان (دراسة 1975م)، صور سلوكية (تأملات اجتماعية)، الحمار الذهبي للوكيوس أبوليوس، مارتن هايدغر: أصل العمل الفني،….
تراجمه من الألمانية مد أبو العيد دودو بتنقله السهل بين اللغتين العربية و الألمانية جسورا بين الثقافتين فنقل إلى العربية بعض ما كتبه الرحالة الألمان عن المجتمع الجزائري قبل الاحتلال الفرنسي, وهي صفحات عمل المستعمر على تغييبها من تاريخ الجزائر, ومن بينها:
- القصة الاولى من ثلاثية (مالتسان): التي كتبها عن الجزائر في القرن التاسع عشر - مدخن الحشيش في الجزائر. - الجزائر في مؤلفات الرحالين الالمان الذي صدر سنة 1975 . - ثلاث سنوات في شمال غربي إفريقيا لمالتسان . - قسنطينة أيام أحمد باي لشلوصر.
تراجمه من اللاتينية وتعد ترجمته الكاملة إلى العربية من اللاتينية لأول رواية في تاريخ الانسانية الحمار الذهبي لابن مداوروش الأديب والفيلسوف لوكيوس أبوليوس من أنفس ماقدم للمكتبة العربية. وقد اختار دودو في ترجمته لهذه الرواية كلمات عربية قديمة نوعا ما كي يجعل القاري يعيش أجواء الأحداث في زمنها البعيد, زمن السحر وأمزجة الآلهة مما يكشف عن المتعة اللا متناهية التي صاحبته وهو يتنقل بالقارئ من قصة لأخرى تحتويها كما تتفتح الدمى الروسية الواحدة عن الأخرى. وقد عانى دودو كثيرا من مشكلة النشر ومازالت عشرات المخطوطات الابداعية في مختلف الميادين من ترجمة ودراسة وابداع أدبي تتكدس في بيته الصغير بأعالي العاصمة, كما يوجد غيرها لدى عدد كبير من دور النشر الجزائرية والأجنبية
تكريمات متأخرة مثلٌ معروفٌ ومشهورٌ عندنا في الجزائر يقول: « إذا مات الميت تطول رجلاه » الدكتور الراحل أبو العيددودو مات منذ أكثر من خمس سنوات وبالتحديد في 16 جانفي 2004 وبدا لجامعة جيجل وهي منطقة ولادته ونشأته أن تكرّمه إلاّ الآن وتقيم ملتقى له وتكرّم أرملته، وحسب الخبر الذي اطلعنا عليه يعتبر هذا الملتقى الأول باسم الراحل ..الرجل في سنواته الأخيرة عانى من مرض خطير في دمه أقعده عن الحركة والنشاط الأكاديمي، أعرض عنه الأصدقاء والخلاّن، وتخلت عنه الجامعة وبخاصة جامعة الجزائر التي سلخ الشطر الأكبر من عمره فيها، ورأس معهد الأدب بها لمدة إحدى عشر سنة به، وشحّت عنه الدولة بالعلاج ، إلى أن تُوفي حزينا على نكران الجميل..لله درّك فليرحمْك الله. إن رابطة الفكر والإبداع وهي جمعية ثقافية بولاية الوادي بالجزائر تشرفت بالاحتفاء به وتكريمه في ندوتها الفكرية الثالثة الموسومة ب( الإبداع بين التنظير والممارسة) التي انعقدت بالوادي يومي: 22/23 مارس 2003 ، حيث سُرّ المرحوم لهذا التكريم الذي حظي به في ولاية من ولايات الجنوب الجزائري حيث الأصالة، والغيرة على هوية الأمة الجزائرية، والاعتراف بالفضل لأهله، أرسل للرابطة نسخة من كل عمل كتبه، أو ترجمه، أو أبدع فيه، ونبذة مطوّلة عنحياته، وكان يتابع مجريات الندوة عن طريق الهاتف ساعة بساعة. كان تكريم مثقفي الوادي له حضورا مكثفا في الندوة من ناحية، وما كان التكريم المادي له كهدنا بالتكريمات البريستيجية بالديكور والأضواء، والكلمات الرنانة الاستعراضية، وبلوحة تشريف مزخرفة، أو بباقة من الزهور الاصطناعية، فكان التكريم مجموعة فاخرة ومنوعة من الأدوات والآلات التي تؤثث البيت، وتثري مطبخه، ولا ولن أنسى رحمه الله بعد أن أرسلناها إليه بالجزائر العاصمة من الوادي وهو متأثر، يشكر للرابطة سعيها وهو يقول لي: « والله يا سي بشير بعد هذا العمر الطويل في الحياة، وفي العلم، والعمل الأكاديمي ، وحالتي الصحية المتدهورة جرّاء ذلك حتى أني عجزت على الحضور لندوتكم ، بعد هذا كله مطبخي يفتقر لِما أرسلتموه إليّ، إني أثمّن ما قمتم به » إن ملتقى ولاية جيجل للدكتور الراحل عملٌ جليلٌ ..لكنه متأخّرٌ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق