الاثنين، 4 مارس 2013

الروائي السوري الكبير نبيل سليمان:


 الروائي السوري الكبير
   نبيل سليمان:
 "صوت النخبة ما زال حيا في الشارع
  ولا مجال للتطبيع الثقافي مع اليهود"

نبيل سليمان صوت روائي عربي كبير، عاش في الجزائر مدة طويلة، ويعرف عن قرب المشهد الثقافي الجزائري، وخاصة الرواية، حيث كان عضوا في لجنة تحكيم جائزة مالك حداد للرواية، التي رافق عبرها العديد من الأصوات الشابة، كما كان صديقا مقربا للعديد من الروائيين والمثقفين الجزائريين، في هذا الحوار الذي خص به "الشروق" يعود سليمان إلى خلفيات الاعتداء عليه في 2001، ويقدم خلاصة نظرته وخبرته في النقد للرواية، ورأيه في الشارع الثقافي، وتفاعلاته مع محرقة غزة الأخيرة.

* أنتظر نتائج التحقيق في الاعتداء علي منذ سبع سنوات ولا أستبعد الأسباب السياسية.
* الأنظمة الاستبدادية أرجعت المثقف العربي إلى عصر محاكم التفتيش.
* الكتابة الروائية اليوم صارت مطية للسياسيين والشعراء الفاشلين.
كما يكشف عن معارضته الكاملة لأي شكل من أشكال التطبيع الثقافي مع الكيان الصهيوني، حتى مع نخبته التي نوصف بـ "المعتدلة"، قبل أن ينتهي إلى أنه "وللتأثير في الرأي العام الإسرائيلي أو الغربي سبل كثيرة وجديرة، فقط لو تصدق النية وتصح العزيمة، بعيدا عن تبعية الثقافي للسياسي المحلي والعالمي".

* أثارت مؤخرا تصريحاتك بمؤتمر الرواية العربية الكثير من ردود الفعل بقولك إن الرواية العربية اليوم تنتج "أكواماً من الزبالة" منذ عشر سنوات، وتعاني آفة الاستسهال والجهالة، ومن النقد الصحافي الذي يعوق نضج التجارب السردية. هذا نقلته عنك الصحافة اللبنانية. ماذا كنت تقصد؟
- منذ سنوات وأنا أحذر من الغثّ الذي يطفو به فوران الرواية العربية. صار كل من هب ودبّ يكتب الرواية، تماماً كما كان مع الشعر منذ سبعينيات القرن الماضي، وحتى هذا اليوم. هذا سياسي متقاعد يكتب الرواية، وهذا سياسي فاشل يكتب الرواية، وهذه متصابية تكتب الرواية، وهذا عاطل مدلل أو مراهق بائس أو شاعر خائب أو… يكتب أو تكتب الرواية. والنتيجة هي (أكوام من الزبالة). أما المصيبة، فهي أنك مضطر لقراءة الغث والسمين حتى لا تظلم أحدا، فلا ترمي في المزبلة إلا ما هو أهل لها. والمصيبة أيضاً أنه ينبري لك من يقع في أخطاء الواجب المدرسية النحوية والإملائية، فيزعق بتعاليه على التراث اللغوي والأدبي، ويدعي مروقه على السنن وهو الجاهل بأقلها. والمصيبة أيضاً هي في هذا النقد المجامل أو العجول أو الشللي أو العصبوي أو الجاهل الذي يسوق الزبالة الروائية، ممّا يزيد العقبات أمام التجارب الشبابية المتميزة، بل ويعرقل نمو ونضج المشهد الروائي بعامة.
ولكي لا يتصيّد متصيد في هذا القول، أذكّر بأنني كتبت في السنوات العشر الأخيرة عمّا يربو على مئتي رواية عربية، أغلبها من إنتاج الشباب، ومن الأعمال الأولى لأصحابها، من شتى البلاد العربية، فمن الجزائر وحدها كتبت عن بشير مفتي ورشيدة خوازم وسارة حيدر وعمر حلاونجي وعمارة لخوص وياسمينة صالح وزهرة ديك، عدا عن السابقين من بن هدوڤة إلى بوجدرة والطاهر وطار وأحلام مستغانمي وجيلالي خلاص وأمين الزاوي وواسيني الأعرج وإبراهيم السعدي وسواهم.
* منذ سنوات والعرب يرشحون إلى نوبل ولا يظفرون بها.. لماذا برأيك؟ وهل فعلاً أن الرواية العربية اليوم لم تصل بعد إلى النضج العالمي؟
- أما أن الرواية العربية لم تصل بعد إلى النضج العالمي، فهذا ما يدحضه ما حققته الرواية العربية منذ ثلاثة عقود حتى اليوم، وعلى يد مختلف الأجيال والتجارب. وإذا كان في تواتر وتنوع ترجمة الرواية العربية إلى مختلف اللغات، ما يؤشر إلى المكانة الرفيعة المتحققة للرواية العربية، فلا ينبغي أيضاً أن نغفل أن للترجمة شبهاتها وتعقيداتها وعواملها غير الإبداعية. لكن الأهم من ذلك هو الالتباس الذي تنطوي عليه عبارة (النضج العالمي). فهل المقصود النضج بالمعايير النقدية الصينية أم اليابانية مثلاً؟ أم هي عقدة (الفرنجة) أي الغرب الأوروبي، بل والأمريكي؟.. من يتابع الرواية الفرنسية مثلا لا يخفى عنه المستوى المتواضع الغالب في السنوات الأخيرة، دون أن تغفل العين عن قمة مثل قمة لوكليزيو. ولكن بالمقارنة (الخبيرة بالطبع) بين الرواية العربية والرواية الفرنسية في العقدين الأخيرين مثلاً، سيتبين، وبالمعايير النقدية الغربية نفسها، كم هي الكفة راجحة لصالح الرواية العربية، أو على الأقل كم هو الميزان متوازن.
* التاريخ مؤشر مهم في رواياتك، خاصة في رواية "مدارات الشرق". برأيك هل يمكن فصل التاريخ عن الرواية؟ أليس التاريخ رواية حقيقية والرواية تاريخ ممكن الحدوث؟
- بالطبع يمكن الفصل بين التاريخ والرواية. بل هذا الفصل ضروري. فالتاريخ ليس رواية حقيقية البتّة، بينما الرواية هي حقاً تاريخ ممكن الحدوث.
لقد علمتني (مدارات الشرق)، بل ومعها رواية (أطياف العرش) ورواية (في غيابها) أيضاً، كيف تتمثّل الرواية التاريخ حتى ليغدو من نسغها وفي نسغها. كما تعلمت مما كتبت ومما كتب غيري من الروايات التي تشتبك بالتاريخ، أن الروائي يخفق إخفاقاً ذريعاً إذا حاول أن يحل محل المؤرخ، والعكس صحيح.
* سبق أن تعرضت للضرب من قبل مجهولين وأدخلت المستشفى. وفي التصريحات التي نقلتها عنك الصحافة العربية يومها لم تستبعد أن تكون أسباب الاعتداء سياسية.. ما هي تلك الأسباب؟
- في فجر31 / 01 / 2002 كان ذلك الاعتداء الذي لم يصل التحقيق فيه إلى نتيجة حتى اليوم. وقد جرى يومئذٍ في دمشق توزيع فاكس من مجهول فيه مقتطفات من بعض كتبي. وأشارت إلى ذلك بعض الصحف (الحياة البيروتية مثلاً) وذكرت أن تلك الكتب قد تكون أثارت بعض المتدينين فقاموا بالاعتداء. أليس هذا الفاكس الذي ظل مجهول المصدر، مريباً؟ أليست له إشارة سياسية؟ ومن جهة أخرى، فكيف تأتّى لرئيس اتحاد الكتاب يومئذٍ (علي عقلة عرسان) أن يجزم بأن سبب الاعتداء شخصي، وذلك بعد ساعات معدودات من فتح التحقيق؟ ولماذا منعت إعادة طباعة كتابي (إيديولوجية السلطة: بحث في الكتاب المدرسي السوري) بعد الاعتداء، مع أنه كان قد صدر قبل ذلك في ثلاث طبعات وافقت عليها الرقابة؟ على أية حال، ومهما تكن أسباب الاعتداء، فإنني كمواطن متمسك بسيادة القانون، لا زلت أنتظر نتائج التحقيق بعد سبع سنوات.
* تعرف الأدب الجزائري عن قرب، وكان لك دورك في لجنة "جائزة مالك حداد". ما هو انطباعك عن هذه التجارب؟
ـ لعل معرفتي بالأدب في الجزائر تكون قديمة ووثيقة ومتواصلة. وإذا كان التحكيم في جائزة (مالك حداد) قد عرفني على بعض المخطوطات والأصوات الجديدة، فقد كان في ذلك الكثير من المحاولات الغضّة أو البدائية والساذجة. وبعد فرز هذه المحاولات تبيّن لي وللحكم الآخر (يمنى العيد) عدد آخر من التجارب الجديدة الجادة والواعدة. وقد تعودت في مثل هذه الحالات أن أنتظر الرهان على العمل الثاني لمن فاز أو فازت بالجائزة. ولعلي لا أبالغ إذا قلت: يكفي أن تقدم كل جائزة محترمة اسماً أو اسمين.

* يرى البعض أن الرواية الجزائرية اليوم تعاني من ثنائية طغيان الخطاب السياسي والأبطال المثقفين. ما هو رأيك؟
- هذا صحيح إلى حد كبير. ففي حدود اطلاعي على الرواية في الجزائر، لا تزال السياسة هاجساً مكيناً. كما أن البطل المثقف يحتل الصدارة، بهمومه السياسية وغير السياسية، بفرديته وفصاميته وانفصامه ووطأة الجسد والجنس وسواهما. وليس هذا كله حاضرا بقوة لدى الأصوات الجديدة فقط، بل لدى الجميع. ولا يخفى بطبيعة الحال كم كان للسنوات الدامية من أثر في وسم الرواية بتلك السمات.
* في عصر الانترنيت وزمن السرعة ما زال المثقفون العرب يتعرضون للتكفير ومنع كتبهم. برأيك لماذا لم يفلح العالم العربي في تجاوز عصر "محاكم التفتيش"؟
- تعددت الأسباب والموت واحد. ومن تلك الأسباب التي جعلت العالم العربي مقيماً في عصر محاكم التفتيش حتى اليوم، أعدّ أولاً الأنظمة الحاكمة الاستبدادية التي تناصب الثقافة والمثقفين العداء. كما أعد أولاً الأنظمة الأخلاقية والاجتماعية والأصولية المتفشية في النسيج الاجتماعي. وأعدد أولاً أيضاً ذلك الرهط الكبير من المثقفين أنفسهم، حيث ترى المثقف الانتهازي والمثقف البوق للسلطان السياسي أو للسلطان الاجتماعي.. ألم أقل لك: تعددت الأسباب والموت واحد؟
* كنت من المقربين من الدكتور أمين الزاوي الذي أقيل مؤخرا من المكتبة بسبب تصريحات أدونيس. كيف تقرأ أنت تصريحات أدونيس بحكم هذه العلاقة؟
- أمقت كلمة (المقربين)، وعلى كل حال، الكلمة مجافية لواقع الحال. فصلتي بأمين الزاوي ليست بنت اليوم، بل بنت عقود خلت. وعلى أية حال فما قاله أدونيس في الجزائر، كما اطلعت عليه من الصحف، وكما سمعته من أدونيس، هو من آرائه المطروحة في أكثر من منبر أو كتاب أو مناسبة. وأقل ما يقال هنا هو أنه آن الأوان لأن نكون قادرين على الإصغاء لأي رأي، وعلى محاورته والاختلاف معه. وبغير ذلك، بغير الاعتراف بالرأي الآخر والتفاعل معه، سنظل ندور في هذه الحلقة المفرغة من العماء والأحادية.
* ألا تعتقدون بأن الهجمة الإسرائيلية الأخيرة على غزة أطلقت الرصاصة الأخيرة في رأس النخبة العربية التي لم نسمع لها صوتاً، وإن كان لها صوت فقد تاه بين أصوات تجار السياسة والسلاح؟
- كما أنه ليس من مثقف عربي واحد موحد، كذلك ليس من نخبة عربية واحدة موحدة. هناك مثقف ومثقف، نخبة ونخبة، وبالأحرى: هناك مثقفون بالجمع، ونخب بالجمع، وهذا يعني أن صوت النخبة الذي تاه بين أصوات تجار السياسة والسلاح، هو صوت تلك الفئة البقية الباقية من المثقفين الذين لم يرتهنوا للسلطان السياسي ولا للسلطان الديني ولا للسلطان الاجتماعي ولا للسلطان العولمي ولا لأي سلطان، مهما تكن براقعه المعنوية الغربية والأمريكية والحداثية وما بعد وما قبل الحداثية. هذه الفئة، هذه النخبة، تاه صوتها بين الفضائيات والمؤتمرات والمقالات، لكنه لم يته بين المظاهرات المنددة بالحرب الإسرائيلية على غزة، وبالتواطؤ العربي والديماغوجيا العربية القومية والدينية. عن رأس هذه النخبة التي تاه صوتها، ترتد الرصاصة الإسرائيلية الأخيرة كما ارتد ما سبقها. ويبدو أن هذه الرصاصة قد ارتدت أيضاً عن رأس النخب السياسية والثقافية العربية الأخرى، من النخبة الحاكمة المستبدة إلى النخبة الاقتصادية الأكبر فسادا من سيدها السياسي المحلي ومن سادتها في العالم. وكذلك هو أمر النخبة المثقفة التي اختارت أن تكون بوقاً باسم الديكتاتورية أو الديمقراطية الأمريكية أو الاستبداد الأصولي… فجميع هذه النخب يبدو أنها مستمرة في الميدان مثل استمرار الوحش الإسرائيلي، ولكن إلى متى؟
* كمثقف عربي لامع ومسموع الصوت، ألا تعتقد بأن مبدأ عدم التطبيع مع إسرائيل بدأ يفقد بريقه مع استسلام بعض المثقفين العرب للمغريات الغربية؟ ثم ألا تعتقد بأن النخبة العربية من واجبها اليوم أن تفتح قنوات الحوار مع مثقفين إسرائيليين ويهود معروفين بالاعتدال من أجل التأثير في الرأيين العامين الإسرائيلي والغربي؟
- دعك من الضجيج الكذوب والمفتعل، وقولي لي: كم هو عدد المثقفين العرب الذين استسلموا لما تذكر من مغريات؟ وإلى محدودية عددهم المحدودة، كم بينهم من الأسماء البارزة في الثقافة العربية؟..لا يزال الجسم الأساسي والفعال للثقافة العربية ضد التطبيع. وها هي مصر خير شاهد، بعد ثلاثين سنة من كامب ديفيد. ها هي الأردن خير شاهد بعد كل هذا الزمن الذي انقضى على معاهدة وادي عربة. أما فتح الحوار مع مثقفين إسرائيليين ويهود معتدلين، فليس إلا برقعاً آخر من براقع التطبيع، إذا لم يفرق بين الإسرائيلي الصهيوني واليهودي الصهيوني واليهودي غير الصهيوني. والسؤال الذي يطرح هنا هو: هل من إسرائيلي غير صهيوني؟ حتى من ينادي بما بعد الصهيونية؟.. للتأثير في الرأي العام الإسرائيلي أو الغربي سبل كثيرة وجديرة، فقط لو تصدق النية وتصح العزيمة، بعيداً عن تبعية الثقافي للسياسي المحلي والعالمي.
                                      من هو نبيل سليمان؟
ولد في برج صافيتا عام 1945، وتلقى تعليمه في اللاذقية وتخرج في جامعة دمشق حاملاً الإجازة في اللغة العربية عام 1967. عمل مدرساً وأسس دار "الحوار" للنشر في اللاذقية. وهو متفرغ للكتابة منذ عام 1990، وعضو جمعية القصة والرواية. من أشهر مؤلفاته:
1 ـ "ينداح الطوفان"- رواية - دمشق 1970،
2 ـ "السجن"- رواية - بيروت 1972،
3 ـ "ثلج الصيف" - رواية - دمشق 1973،
4 ـ "الأدب والأيدلوجيا في سورية" - بالاشتراك مع بوعلي ياسين - بيروت 1974،
5 ـ "جرماتي" - رواية - القاهرة 1977،
6 ـ "النسوية في الكتاب المدرسي" - دراسة - دمشق 1978 (الطبعة الثانية بعنوان: أيديولوجية السلطة، بحث في الكتاب المدرسي) 1988،
7 ـ "النقد الأدبي في سورية". ج1 - بيروت 1979،
8 ـ "معارك ثقافية في سورية" - بالاشتراك مع بوعلي ياسين ومحمد كامل الخطيب -  بيروت1979
9 ـ الماركسية والتراث العربي الإسلامي" 1980،
10ـ "المسلة" - رواية - بيروت 1981،
11 ـ "الرواية السورية" - دراسة - دمشق 1983. (الطبعة الثانية بعنوان حوارية الواقع والخطاب الروائي)1998،
12 ـ "مساهمة في نقد النقد الأدبي" - دراسة - بيروت 1983،
13 ـ "وعي الذات والعالم" - دراسة - اللاذقية 1985،
14 ـ "هزائم مبكرة" - رواية - دمشق 1985،
15 ـ "أسئلة الواقعية والالتزام" - دراسة - اللاذقية 1985،
16 ـ "قيس يبكي" - قصة- اللاذقية 1988،
17 ـ "في الإبداع والنقد" - دراسة - اللاذقية 1989،
18 ـ "مدارات الشرق"- رواية- ج1-
19 ـ "الأشرعة"- اللاذقية 1990 - ج2 -
20 ـ "بنات نعش"- اللاذقية 1990 - ج3
21 ـ "التيجان"- اللاذقية 1993 - ج4-
22 - "الشقائق" رواية - اللاذقية 1993،
23 - "أطياف العرش" - رواية - دار الشروق - القاهرة 1995،
24 - "فتنة السرد والنقد" 1994،
25 - "سيرة القارئ" 1996.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر : الشروق اليومي بتاريخ: 24 /01/ 2009


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  لن تكون أية لغة "صعبة" بعد الآن بفضل هذا الاختراع الياباني الذكي كتب: بشير خلف        يُعدّ التحدث بلغة أجنبية مهارة مطلوبة ...