الاثنين، 4 مارس 2013

النخبة المثقفة تتحمل جزءا من الخيانة


الشاعر المصري أحمد فؤاد ضيف الجزائر

النخبة المثقفة تتحمل جزءا من الخيانة

حل بالجزائر، أخيرا، الشاعر المصري المعروف أحمد فؤاد نجم الذي عرف، سنوات طويلة، بمواقفه الجريئة وكتابته الناقدة بحدة لراهن الأنظمة التي يتهمها بالتواطؤ والتعامل مع الكيان الصهيوني ضد القضية الفلسطينية. التقينا الشاعر، بعد ظهيرة أمس، في حوار مفتوح، حول همومه وتأملاته للراهن المعاش وكان هذا الحوار…
س :بعد تجربة شعرية دامت قرابة الأربعين سنة تميزت بالخطاب الصريح والناقم على سير الأنظمة العربية، نلاحظ أن الأمس مثل اليوم، وكأن شيئا لم يتغير والشعوب العربية تعيش جميعها نفس حالة البؤس؟
ج : كيف تنتظر التغيير في أنظمة عربية تورث نفسها لنفسها منذ أكثـر من أربعين سنة. تتغير الرؤوس وتظل الأنظمة الفاسدة نفسها. لكن، باعتقادي إن ما جرى مؤخرا من عدوان صهيوني همجي أعاد الشعوب وبعض الأنظمة 
إلى جادة الصواب. أعادتنا تلك الأحداث إلى التفكير في أنفسنا والتفكير بجدية في تحمل مسؤولياتنا.
س :الشاعر الفرنسي الكبير لويس أراغون قال عنك: ”شاعر يحمل قوة تسقط الأسوار” وأما الرئيس الراحل أنور السادات يقول إنك: ”شاعر بذيء”. أي الانطباعين أصح؟
ج : (يضحك) لست أعتقد أنه يصح تصديق كلام رئيس والطعن في مصداقية كلام شاعر معروف.
كنت ولا تزال تنتقد كثيرا الرئيس أنور السادات الذي رحل منذ أكثـر من عشرين سنة؟
أنتقده لأنه وقع على اتفاقية - أقصد اتفاقية كامب ديفيد ÷ بشكل فرداني 
ولم يستشر الشعب في قراره الذي أعتبره وصمة عار في تاريخ مصر.س :سبق أن تنبأت بموت الرئيس أنور السادات، فكيف تتوقع نهاية الرئيس الحالي حسني مبارك؟
ج : لا يزال الوقت مبكرا نوعا ما للتنبؤ بنهاية الرئيس حسني مبارك، ولكن سأعلنها عما قريب.
س : ألا تتوقع نهايته مقتولا مثل السادات؟
ج : في اعتقادي إن القتل أرحم على الرئيس حسني مبارك.
س : هنالك توقعات تفيد بأن الابن جمال مبارك سيكون خليفة والده في القريب العاجل؟
ج : فليكن. الابن يرث أباه، هذه سنة الأنظمة العربية. حدث نفس الشيء، منذ سنوات قليلة، مع النظام السوري. كما قلت سابقا الأنظمة العربية تظل نفسها إنما الأسماء فقط من تتغير.
س : أنت، منذ البدء، مصر على عدم تقبل التعامل مع جمال مبارك؟
ج : بالتأكيد. أنا أرفضه. لأن قرار تعيين الرئيس من تحت. من القاعدة وليس بأمر رئاسي.

س : لو اقترح عليك تقلد منصب سياسي في السلطة هل تقبل؟
ج : أبدا. (كررها ثلاث مرات) أنا لا أدعوهم ولا أنصح أي طرف إغرائي بأي منصب لأنني نذرت على نفسي عدم الخوض والتلاعب بمشاعر وطموحات الشعب مثلهم. أنا لا أمتلك سوى الرغبة في كبح جماح تعسفية السلطة.
س : ألا يعني ذلك أنك غير قادر على اتخاذ القرار ولا تمتلك منهجية تغيير؟
ج : كلا. يجب ألا نتحدث ونطلق كلمة التغيير” جزافا من منطلق كونها عبارة سهلة التداول. الجميع يدعي إمكانية التغيير، إنما أنا شخصيا، أرى بأن التغيير ينطلق من صلب قرارات المجتمع، من الأوساط الشعبية العامة التي تعيش أقراح الوطن اليومية. يجب أن ينطلق التغيير من صوت وبؤس أولئك الأناس ”الغلابة”.
باعتقادي إنك تمتلك وصفة لتغيير الأنظمة العربية الفاسدة التي طالما انتقدتها عبر نصوصك في السجن؟
بلى، أنا أمتلك وصفات كثيرة. ولكن وجب توفر العديد من الظروف، غير الممكن بلوغها اليوم.

س : لو كنت رئيسا لجمهورية مصر ما هو أول قرار كنت ستتخذه؟
ج : سأفرج بداية عن جميع المعتقلين السياسيين، كل المعتقلين من أجل قضايا سياسية دونما استثناء.
س : وما هي الوصفة التي تمتلكها بغية حل النزاع في الشرق الوسط؟
ج : الشعب الوحيد من يمكنه حل قضية الشرق الأوسط، وأنا أراهن على الجهاد المسلح. لا بد من فتح الحدود للشباب المتطوع والراغب في رفع السلاح ومواجهة العدو الصهيوني. أخبرك شيئا مهما، لو سقطت أنظمة دولتي مصر وسوريا ستحل القضية الفلسطينية في بضع سنوات. العائق الوحيد هي تعسفية أنظمة هذه الدول لا أكثـر، فالقناعات الشعبية وآراء الشارع متفقة حول أهمية رفع السلاح ولا بديل عن رفع السلاح.
س : في ظل حالة الفوضى السائدة اليوم في الوطن العربي، وتواصل استفحال تعسفية وظلم الأنظمة الحاكمة، ما هو دور النخبة المثقفة وقيمتها ضمن مساعي التغيير؟
ج : أي دور يمكنها القيام به. (يبتسم) ”فينها النخبة دي”. أنا أنكر أصلا دور النخبة في إيجاد سبيل التغيير. النخبة المثقفة في الوطن العربي هي سبب كل الكوارث التي تعصف ببلادنا، من المحيط إلى الخليج. لأنها، بكل بساطة، لا تتعامل مع الناس وإنما تعمل وتجتهد إلى سلك طرق الخذلان والخنوع لفائدة الأنظمة السياسية. النخبة المثقفة تتحمل جزءا من الخيانة..
س : معروف عنك أنك شاعر متمرد أثار سخط النظام الحاكم في مصر مدة عقود طويلة. كم مرة دخلت السجن؟
ج : لا أستطيع أن أتذكر جيدا أو أعد كم مرة دخلت السجن. تنقلت عبر كثير من المعتقلات في بلادي لأسباب سياسية وغير سياسية. لكن أخبرك أن مجمل الفترة التي قضيتها في المعتقلات بلغت 18 سنة خلال فترتي حكم أنور السادات ثم الرئيس الحالي حسني مبارك، كانت على مراحل متفرقة، إلا أني والله لم يزدني السجن سوى عزيمة. كنت أكتب وأطالع وأظل على صلة بهموم الناس.
س : ليس أول مرة تزور فيها الجزائر، فقد سبق أن عشت في هذا البلد؟
ج : صحيح. هذه ليست أولى زياراتي إلى الجزائر. عشت في هذا البلد حوالي سنة، ما بين 1983 و.1984 كما أني تزوجت من ممثلة جزائرية هي السيدة صونيا، وبالتالي فالجزائر ليست غريبة عني وأعرفها وأحبها أيضا.

الحمد لله أنا لا أعاني من الفقر الفنّي في كتاباتي السياسية

*من المستحيل أن ينجو المثقف العربي من السؤال السياسي، ولا أي كان ممن يعمل في المجال الفنّي والأدبي عموما، بحيث لا يوجد عمل إبداعي أو فنّي خال من السياسة. فأنت تخرج من البيت وتذهب إلى العمل وتذهب إلى المحلات لتشتري بضاعة… هذا عمل سياسي، وتعاط لمفهوم السياسة، فالإنسان حيوان سياسي مثلما أشار عدة فلاسفة من العصر القديم أو الحديث، أي لا وجود لمثقف معزول عن السياسة، فالإنسان سياسي بطبعه وبشرط وجوده. فيما يخصني أنا لم أنج من السؤال السياسي، وأرجو ألا أنجو منه، بل كان هو هاجس الإبداع والشعر بالنسبة لي، بل قدر الشاعر والمبدع العربي عموما أن يكون مسكونا بالسؤال السياسي، خاصة في ظل المراحل التي مرّت بها الأمّة العربية في تاريخها الحديث.

*إذا كانت للمثقف حسابات، وإذا كان المثقف غير ملتزم بقضايا أمّته، وعصره، ويحصر واقعه وسعيه وراء إنجازات ذاتية، شخصية، فسرعان ما يتخلى عنه كل من يحيط به، ويجد نفسه على الهامش معزولا عن الحياة والناس، بمعنى المثقف الذي تتخلى عنه السياسة هو الذي تخلى عنها في بداية وعيه كمثقف، فإن لم يصدّق نفسه كمثقف فسوف تحسم فيه السياسة.

*أفصح عن الظلم الذي يعاني منه شعبي وأمّتي، أفصح عن الطموح واستشراف المستقبل الأفضل، فعندما يسألونني: هل مازال لديك أمل؟ أقول: نعم، لي أمل. فعندما أطلب من مصر أن تلد مولودا جديدا فهذا ليس بجديد، فهي فعلت أكثـر من مرّة في التاريخ، الكلّ يعرف أن الرجل الإغريقي والمؤرخ هيرودوت هو من نقلوا عنه العبارة الخائبة ”إن مصر هبة النيل”، النيل موجود في السودان، وفي إثيوبيا أيضا، فمصر ليست ”هبة النيل” مثلما قال هذا الإغريقي، إنها هبة المصريين، نعم مصر هبة المصريين، هبة الفلاح المصري. هو دور مصر الحضاري، إنّها شمعة مستقرة في قاع النهر كلّما أظلم العالم تطفو على السطح، هو دور حضاري قامت به من قبل وعبر تاريخها العريق القديم، قامت به أيضا بعد الإسلام وأثناء الإسلام، فأنا لا أطلب منها المستحيل، عندما أطلب منها أن تستيقظ وتلعب دورها الحضاري، فأنا لم أتفاءل من قبل أكثـر من تفاؤلي اليوم، عندما تنتهي الأنظمة العربية وينتهي بها الأمر إلى التآكل وإلى الخنوع، إعدام صدام حسين مثلا فضيحة لهم كلّهم، وصدّام حاكم مستبد، لكن فقط لأنه أبدى شجاعة أربع دقائق أصبح بطلا، وهو يذكرنا بعبد الناصر الذي كان له ضحايا كثـر، لكنّه كان شجاعا فسار في جنازته خمسة ملايين من البشر، أما السادات فقد هربوا بجنازته وأخرجوها بطريقة شبه سريّة لما سجّله من خنوع وغياب الشجاعة.

*صدّام حسين استحوذ على قلوب الناس، قلوب كل العرب، وذلك الإحساس الرهيب كون أن الإعدام حصل يوم عيد الأضحى، كان بصقة في وجوههم، وهذه البصقة كانت منذ اغتصاب فلسطين وضياع لبنان ثم العراق. فليس بجديد علينا الإهانة ومحاربة مشاعرنا وتحطيم معنوياتنا، لقد تعودنا على الإهانات.
*أنا إنسان أحب الحياة حبّا كبيرا. أنا أحبّ أحمد فؤاد نجم كثيرا.. ولو أستطيع فإني أريد أن أبدأ الحياة من جديد، فإني سأختار أن أكون هكذا، أختار أن أكون أحمد فؤاد نجم اليتيم، الفقير، الذي رفض الخروج من مصر ومن أحلامه ومن معانيها… الذي رفض الخروج من نفسه، ومن حبّه لمصر، وللعرب، وللإنسان، رغم ما عاناه من ظلم. كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ”ما تمنيت أن أرى رجلا في الجاهلية مثل عنترة بن شداد” وكان يقول للناس: ”علّموا أولادكم حديث وشعر هذا الفارس”. ثم أريد أن أخبركم شيئا وهو أن أشعر شعراء العرب هم أفرس فرسانهم إن صحّ التعبير، وهي ليست صدفة، فالشاعر الذي لا يفهم الفروسية ولا يمارسها ولا يكون رجل القبيلة وحاميها لن يكون شاعرا كبيرا عند قومه. والشاعر الذي لا يكون فارسا بأي طريقة وفي أي مجال فأحرى به أن ينصرف إلى شغل آخر، ينصرف إلى الزراعة أو أي شيء آخر، فالفروسية ولو في الأفكار والمعاني هي شرط الشاعرية.

* الحمد لله أنا لا أعاني من الفقر الفنّي في كتاباتي السياسية كما صنّفتها، بالعكس أنا يمكن أن أكون النموذج الفني بالنسبة للذي يريد العمل في السياسة والنضال، إذ لابد أن يكون هناك بعد جمالي. فقد حصل استفتاء حول شعري: هل فيه فنيات أم لا؟ لكن عندما أذهب إلى أي بلد عربي أجد الناس يحفظون شعري، والذي يسعدني ويطربني ويهبني الأمل هو أن الشباب الجديد هو الذي يحفظ شعري، فهم المستقبل، وبالتالي يمكن القول إن نفاذ قصائدي عائد إلى اشتغالي عليه فنيا وأدبيا، فالقصيدة بالنسبة لي ليست خطابا سياسيا فقط، بل يجب أن تتوفر على الشرط الأدبي والفني الذي يكسبها مكانة في العقول وفي القلوب أيضا، وعندما تقول ”هذه قصيدة” يعني آليا فيها فن وإلاّ ما كانت لتعدّ قصيدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...