مرّة أخرى بين الكتاب الورقي والكتاب الإلكتروني..
بشير خلف
كـــثُـــر الحديث في الآونة الأخيرة عن مآل الكتاب الورقي،وقد أخذ نجْمُ الكتاب الإلكتروني يظهر بقوّة في نظر البعض الذين دافعوا بحماس عن هذه الوسيلة الثقافية والتعليمية الحديثة، ورأوْا أن الرهان عليه يجب أن يؤخذ مأخذ الجد،بل من هؤلاء منْ دافع بقوة عن هذه الوسيلة، وارتأى أن الكتاب الإلكتروني للكبار صار واقعًا لا ريب فيه، وفرض نفسه، ويجب الحديث الآن عن كتاب الطفل الإلكتروني.
ظهر هذا الحديث خصوصًا أيام: "مهرجان القراءة في احتفاء" الذي نظمته وزارة الثقافة أخيرًا في فترة 15 إلى 24 سبتمبر من هذه السنة، وشمل أغلب ولايات الوطن، من ذلك أن إحدى الولايات الجنوبية انتظمت بها ندوة علمية موضوعها" الطفل والكتاب" قُدّمت بها مجموعة من المداخلات لأساتذة متخصصين من عدة جامعات وطنية حول المطالعة،وواقع القراءة لدى الطفل الجزائري،وصعوبات التحصيل واكتساب المهارات،وإشكالية انعدام استثمار القراءة، وتوظيفها في اكتساب المعارف، والعزوف عن القراءة لدى الكبار مثلما هو الأمر لدى المراهقين، وتلاميذ الطفولة المتأخرة..إلاّ أنها مداخلات أكاديمية لا تمسّ واقع الطفل الجزائري في يومياته التعليمية، ولا في مستواه العلمي الحقيقي.
من مداخلات الندوة العلمية هذه مداخلة عنوانها" الطفل والكتاب الإلكتروني" بعد أن عرّف المحاضر الكتاب الإلكتروني، ومزاياه الكثيرة،وواقعه في الدول المتقدمة، دعا الحاضرين إلى ألأخذ به، والتشبث به، كما وجّه الدعوة إلى السلطات التربوية للشروع في برمجته ضمْن المناهج التعليمية بدءًا بالسنوات التعليمية الأولى، وأوضح بالصورة مواقع الطفل على الشبكة.لا ننكر أن أغلب مؤسساتنا التعليمية في كل مراحلها صارت تمتلك الحواسيب، والكثير منها مربوط بالشبكة العنكبوتية، إذ وزارة التربية بذلت جهودا كبيرة في تعميمها، غي أن الواقع الميداني يكشف على أن أغلبها يُحرم منه التلاميذ والطلبة..هو في خدمة الإدارة والمدرسين، والأساتذة أكثر.
كما انتظمت ندوة علمية أخرى في الأيام الأخيرة بإحدى مدن الهضاب، قُــدمت فيها محاضرة بعنوان" القراءة الإلكترونية، والقراءة الورقية" تطرّق فيها الحاضرون إلى إيجابيات وسلبيات الكتاب الإلكتروني، وخطره على الكتاب الورقي، خاصة أن الأول صار منتشرا وفي متناول الأطفال، وهو الوسيلة الجذّابة العصرية المواكبة للتطورات التكنولوجية التي تزرع في التلميذ حبّ المطالعة، ويرى المحاضر أن قراءة الكتب الإلكترونية حتى وإن انطلقت بطيئة فإنها تسارعت الآن وأضحت تشكل تهديدا لمبيعات الكتب الورقية.
وتأكيدا فإن التطرق إلى هذا الموضوع لم يتوقف عند هذه الندوة، أو تلك إنْ هنا، أو هناك، إذ الموضوع طُرح وسيطرح طالما نحن نشعر بأن هناك أزمة واقعية نعايشها يوميا اسمها " أزمة المقرؤية" مثلما هي مطروحة عند أنصاف المتعلمين، وأشباه المثقفين، فهي موجودة أكثر لدى" المثقفين" و " النُّخب" بكل أطيافها؛ وقبل أن نتكلم عن الكتاب الإلكتروني، والوثيقة الإلكترونية، والصحيفة الإلكترونية، علينا أن نُقرّ بحقيقة مؤلمة أن أبناءنا مهما كانت أعمارهم، ومستوياتهم التعليمية لا يحسنون" أداء القراءة" ولم يتعلموا كيفية القراءة الحـــقّة، التي تتجاوز استنطاق الرموز، والربط بينها لتأليف الكلمة أو الجملة.
إن الكتاب الإلكتروني لا ينطق وحده على شاشة الحاسوب، إذ يحتاج إلى قارئٍ تغلّب على مهارات أداء القراءة سواء الجهرية، أو الصامتة، كما تعلم كيف يستثمر القراءة في الفهم، والتحليل، ومحاورة الكاتب، بل ومشاركته أفكاره إنْ سلْبًا أو إيجابًا أي أن يكون متلقّيًّا واعيا..
المنطق يفرض علينا أن ننزل إلى واقع أبنائنا، وأطفالنا، ونتقرّب من واقعهم التعليمي اليومي، ونكتشف مواطن الخلل حتى نساعدهم على توظيف القراءة كوسيلة للتعلم، واكتشاف المحيط الطبيعي، والاجتماعي، والثقافي، وأداة تقنية لا كتساب المعارف، وكذا إنتاجها، ومشاركة الإنسانية في إغناء موروثها الثقافي.
يدافعون عن الكتاب الإلكتروني بحماس، ويدللون على ارتفاع مبيعاته في الولايات المتحدة بمليوني دولار ونصف سنويا، ويتغافلون عن عشرات الطلبة الجدد الذين يأتونهم من الثانويات بمستوى ضعيف في اللغة، وعجْزٍ حتى في التعبير الوظيفي، وأخطاء فادحة في النطق والكتابة، وعوض أن يتدارك هؤلاء الطلبة ضعفهم، وينكبّون بجدٍّ لتدارك ضعفهم، يواجهون ذلك منذ السداسي الأول بالاحتجاج على أساتذتهم الذين يمنحونهم علامات في رأيهم متدنّية، وتناسوْا أن المرض فيهم، وليس في الأساتذة..هو واقعٌ الكل يعرفه..لكن؟!
وحتى فرضًا أننا سلّمنا ببزوغ نجْم اكتساح الكتاب الإلكتروني، واحتلاله الريادة في واقعنا الثقافي والتربوي، والإعلامي ..
ــ فكم عدد الجزائريين الذين يتقنون استعمال الحاسوب؟
ــ وكم عدد العائلات التي تملك الحاسوب في منازلها؟
ــ إذا كان الكتاب الإلكتروني صار يهدد الكتاب الورقي في مبيعاته..ماذا نقول عن معرض الكتاب ومبيعاته ،والإقبال الكبير عليه الذي انتظم ببلادنا أخيرا، وككل سنة؟
ــ ماذا نقول عن معارض الكتاب الدولية كل سنة، ومبيعاتها تتضاعف، ومنها معرض فرانكفورت بألمانيا الشهير؟
الكتاب الإلكتروني بقدْر ما فيه من إيجابيات لا يخلو من صعوبات منها التعب الذي يلحق العيْنيْن أثناء قراءته، وفي حالة طبْعه تكون كلفته أكثر من الكتاب الورقي..ليست القضية قضية مفاضلة بين هذا الكتاب أو ذاك، إنما قضية واقع ثقافي وتعليمي لم يؤسس لفعْل المطالعة كوسيلة فعّالة للتعلم، واكتشاف المجهول، وتحصيل المعارف ..
حينما ندرّب أبناءنا على ذلك، وحينما نواصل ترسيخ ذلك لدى الجميع قد نقترب من الكتاب الإلكتروني الذي نستفيد من مزاياه الكثيرة لمّا نتقن أداء القراءة، ونُحسن استثمارها، حيث كل الوسائط التكنولوجية المعاصرة تتطلب استنطاقها بالحروف والكلمات، وفهْم المنطوق..
هي ليست وسائط صمّاء نوظفها بأمزجتنا، وحسْب هوانا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق