طائر الشعر في الوادي..يصدح ويصنع المتعة
بقلم: بشير خلفاختتمت فعاليات الملتقى الثالث للشعر الفصيح مساء يوم الإثنين 07/03/2011 بدار الثقافة بمدينة الوادي والذي انتظم أيام: 05/06/07 من هذا الشهر وهي الطبعة التي كانت مميّزة عن سابقتيْها لنوعية الحضور المتكوّن من مبدعين، ومثقفين بامتياز، وطلبة وطالبات الآداب بالمركز الجامعي بالوادي، وما أضاف للملتقى تألقاً نوعية الشعراء المشاركين الذين قدموا من أغلب ولايات الوطن سواء كضيوف شرف، أو مشاركين باعتبار هؤلاء الضيوف قامات في الشعر الجزائري المعاصر كالشاعر عيسى لحيلح، والشاعر التونسي جمال الصليليعي،والشاعر الفيلسوف الباحث الدكتور عمر أزراج، وبــــوزيد حرز الله، أحمد عبد الكريم. ومن المحاضرين الدكتور عمر أزراج، والدكتور ناصر لوحيشي، حيث دُعي للملتقى عشرون شاعرا، إضافة إلى شعراء الولاية.
بقلم: بشير خلفاختتمت فعاليات الملتقى الثالث للشعر الفصيح مساء يوم الإثنين 07/03/2011 بدار الثقافة بمدينة الوادي والذي انتظم أيام: 05/06/07 من هذا الشهر وهي الطبعة التي كانت مميّزة عن سابقتيْها لنوعية الحضور المتكوّن من مبدعين، ومثقفين بامتياز، وطلبة وطالبات الآداب بالمركز الجامعي بالوادي، وما أضاف للملتقى تألقاً نوعية الشعراء المشاركين الذين قدموا من أغلب ولايات الوطن سواء كضيوف شرف، أو مشاركين باعتبار هؤلاء الضيوف قامات في الشعر الجزائري المعاصر كالشاعر عيسى لحيلح، والشاعر التونسي جمال الصليليعي،والشاعر الفيلسوف الباحث الدكتور عمر أزراج، وبــــوزيد حرز الله، أحمد عبد الكريم. ومن المحاضرين الدكتور عمر أزراج، والدكتور ناصر لوحيشي، حيث دُعي للملتقى عشرون شاعرا، إضافة إلى شعراء الولاية.
حفل الافتتاح
الأستاذ حسن مرموري مدير الثقافة بالولاية في كلمته الافتتاحية التي رحّب فيها بدْءَا بالضيوف وبالحضور الذي اكتظّت به القاعة الكبرى بدار الثقافة بيّن بأن ملتقى هذه السنة يتميّز بـأنه :
ــ ينعقد بعد أيّام قليلة من الاحتفال باليوم العربي للغة العربية الذي يصادف الفاتح من مارس من كل سنة، والذي أقرّته المنظمة العربية للتربية والعلوم " الإليسكو "
ـــ تزامن مع تظاهرة تلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية، لذلك كان الملتقى تحت عنوان " توظيف الثقافة الإسلامية في الشعر الجزائري المعاصر".
ـــ الحرص على الوصول بالملتقى إلى أن يكون مغاربيا.
ـــ تزامن مع تظاهرة تلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية، لذلك كان الملتقى تحت عنوان " توظيف الثقافة الإسلامية في الشعر الجزائري المعاصر".
ـــ الحرص على الوصول بالملتقى إلى أن يكون مغاربيا.
وقد تأسف المدير على عدم حضور الشعراء المغاربيين، باستثناء تونس ، وبطبيعة الحال يعود ذلك إلى ظروف هذه الدول آنيًا..فطموح القطاع الثقافي والجمعيات الثقافية، والمثقفين، والمبدعين هو ترسيم الملتقى في ولاية الوادي.
بعد هذه الكلمة تمّ عرْض لوحة فنية جميلة تقاطع فيها الإبداع الشعري بالأداء المسرحي, النغم الموسيقي، واللحن الغنائي ..عرْضٌ شدّ إليه الحضور كان بعنوان:" أشرع الصمت " من إبداع وإخراج الفنان المسرحي المبدع فتحي صحراوي.حاول من خلالها هذا الشاب المتألق أن يفصح عن موهبة أخرى في هذا المجال من خلال توظيف قدراته الفنية المسرحية لمسرحة الشعر والشعراء هذا العالم العصي، وغير الطيع عادة على أهل المسرح باعتباره فنا نخبويا، ويتطلب إدراكا ثقافيا، وذوقا شعريا عاليا أكثر من التذوق الفني المسرحي.
قدم المخرج فتحي تراكيب شعرية لمجموعة من شعراء المدينة مفعمة بتدخلات موفقة لعازف الكمان الرائع مناني الذي مثل بقاءه في واجهة اللوحة الفنية مركز ارتكاز، والعمل ككل والحالمة الحمامة التي كانت ترقص لتلامس قلوب المشاهدين بذلك المشهد الذي كان الأقرب إلى روح الفن، فتأرجحت تدخلات الشعراء بين المُجيد للقراءة، والمتواضع، وبين المستقل البعيد عن لغة المسرح رغم القصائد المختارة بعناية لتضيف الفنانة الرائعة سهيلة العلمي بصوتها القوي لمسة جمالية فنية، بل شكلت لوحدها عنوانا آخر للإبداع
ولطاقات المدينة فأبهرت الجمهور بأدائها الجميل للقصائد العربية .
قدم المخرج في ظرف وجيز لغة شعرية ممسرحة صعبة المنال استنطق الأشرعة الصامتة حينا لتصمت هي أحيانا أخرى بين مسرحة الشعر، وشعرية المسرح، وبين تمثيل القصيدة، وقصيدة التمثيل، وبين الحرية الأفق المنشود، وبين مقاربة الحرية في عمل فني يقاربها ويلامسها بأصوات، وأداء شاعري لشعراء لأول مرة يقفون على خشبة المسرح الذي احتفى بالضيوف، وجمهور الشعر.
الأمسية الشعرية الأولى
مساء اليوم الثاني كان لعرس الشعر، والشعر وحده إذْ تميز بتألق واضح للشعراء في أول أمسية شعرية صال، وجال فيها الشاعر الجزائري عيسى لحيلح بقصائده الرائعة العميقة حينا، والمباشرة أحيانًا أخرى ليضيف إليها الشاعر المعروف بوزيد حرز الله فحولة أخرى إلى فحولة لحيلح، ليخترق جدار الصمت بأدائه المميز، ويصنع أجواء شاعرية جميلة من تلاه مباشرة ضيف الجزائر جمال الدين الصليعي من تونس الشقيقة الذي كان أجمل وأجمل بطريقته المميزة التي استمر فيها بلغة الخطابة الشعرية المميزة، ليجعلك تمله في البداية لكنك ما تفتأ تعشق طريقته في الأداء، وتستمر معه إلى النهاية.
لتعلو المنصة أصوات أخرى كالشاعر صوالح محمد، والشاعر عادل محلو، والشاعر ذو الصوت الجهوري القوي صالح خطاب الذي أعاد إلى القاعة ألقها، ورونقها بقصيدته "دمعة" والشاعر عيداني عبد الكريم، والشاعر أحمد عبد الكريم..وبشير ونيسي، ليعلن هؤلاء الشعراء عن انتفاضتهم ضد الصمت، ونطقوا بلغة المتنبي فصاحة وجمالا، ورونقا وأداء، وحضورا لتتألق المدينة في استضافتها لشعراء من الطراز النقي، والفصيح .
محاضرات الملتقى
صباح اليوم الثاني وحسْب ما كان مبرمجًا من المفترض أن تُقدّم محاضرتان: الأولى للأستاذ علاوة كوسة بعنوان:" الظاهرة القرآنية في الشعر الجزائري المعاصر.والمحاضرة الثانية للأستاذ يوسف بديدة بعنوان" توظيف الرموز الإسلامية في الشعر الجزائري المعاصر( شعراء المنطقة نموذجًا).وباعتبار المحاضر من هؤلاء الشعراء فكان التجاوب والتتبع من الحضور جيّدا لأنه تكلّم عن واقع شعري معيش، ومشاهد ويصبّ يوميا في منْحى المشهد الثقافي والإبداعي بالمنطقة.
غير أن تغيّب الأستاذ علاوة كوسة جعل المنظمين يعوّضونه بالدكتور ناصر لوحيشيالذي التحق بالملتقى أخيرًا بمحاضرة عنوانها:" الرمز الديني في الشعر الجزائري المعاصر" المحاضرة الأخيرة بقدْر ما كانت مميّزة، إذْ ركّزت على محطّات مهمة في فضائية الشعر الجزائري المعاصر، إلاّ أنها كانت مبتورة، ولم ترو عطش الحضور لموضوع مهمٍّ كهذا: توظيف الثقافة الإسلامية في الشعر الجزائري المعاصر، أعقب المحاضرتيْن نقاش معمّقٌ أثرى الموضوع وأزال الظلّ عن كثير من نقاط الظل.
أمّا محاضرة اليوم الثالث والأخيرة كانت مميّزة بحقٍّ لأهميتها كموضوع مرتبط بالإبداعية الشعرية العربية من ناحية، ومكانة صاحبها الذي هو قامة من قامات الثقافة العربية عامة، والجزائرية بخاصّة..ذلكم هو الدكتور عمر أزراج، حيث كانت محاضرته بعنوان:" توظيف الشاعر البياتي للتراث الإسلامي"
بدءا الدكتور عمر أزراج من المثقفين والشعراء الجزائريين الذين بدؤوا الكتابة، ونشْر أشعارهم في دواوين في بداية السبعينيات، ومن الذين ظهروا على الساحة الثقافية بامتياز، ولمّا ضاق ذرْعًا بما كان في الساحة، ولا يتوافق مع قناعاته كمثقف آثر الرحيل، واختار الهجرة الاختيارية إلى بريطانيا أين قضى بها ما ينيف عن ربْع قرْن ليعود أخيرا إلى الجزائر ليستمرّ في زياراته ورحلاته العلمية للعديد من الدول..تجربة طويلة في الكتابة، والبحث، واللقاءات الكثيرة مع المفكرين، والفلاسفة، ومن أجل ذلك أصبغ عليه العديد من المفكرين والمثقفين عندنا:" فيلسوف الجزائر".
لمّح الدكتور عمر أزراج بما أنه سيتكلم عن البياتي، وتوظيفه للتراث، والرمز في القصيدة الشعرية؛ فإنه يعرف الكثير عن البياتي، إذ التقى به وتحاور معه..في أثناء المحاضرة توقف عمر عند مفهوم التراث، ومكانته في الإبداعية الشعرية العربية وغير العربية ليؤكد على أن التراث معطٌى إنساني مفتوح للإنسانية كلها، وليس معطى مغلقًا محصورًا لهذه الأمة أو تلك وحدها؛ فالتراث هو تراثات مفتوحة على كل التجارب الإنسانية..ثم إننا لا نتحكم دائمًا في هذه التراثات، بل أحيانًا هي التي تتحكم فينا وتحرّكنا إمّا إيجابيا إلى الأمام كما هو الحال في دول الغرب، وبعض دول آسيا، وإمّا سلبًا، وجرّا أحيانا إلى الوراء كما هو الحال لدى العرب.
قد لا نعير اهتمامًا للتراث، ونتصوّر أننا نتجاوزه، ونعزف عنه، إنما هو قائمٌ فينا..إنما الخطر أن يكون التراث، أو تلكم التراثات متصارعة داخل الفرد الواحد، أو داخل الجماعات، ممّا يؤدي إلى تشكيل إثنيات ثقافية داخل الثقافة الواحدة، أو هويات أقليات داخل الهُويّة الواحدة، فتصبح إثنيات مطالب تجزئيية، ووسيلة تبريرية لتدخّل الآخر تحت ذريعة" حماية الأقلية، أو الأقليات".
وفي كل الحالات فإن الشاعر العربي عندما يلجأ إلى المخزون الثقافي موظفًا التراث ليس فرارا من واقعٍ قد يكون بئيسًا، إنما من أجل تشكيل عالم آخر يتخيّله أفضل،أو من أجل توظيف الرمز كتيمة ترمز إلى الخير والجمال، والحق، وصولاً إلى الحرية التي طالما حلم بها المبدع العربي سيّما الشاعر، إنما في رأي المحاضر أن هذا المخزون الثقافي قد يكون مدمّرًا ووسيلة تناقض الفن والجمال، فيصير التراث لدى الشعراء تراثات كما هو الحال في لبنان، يكون وسيلة من أجل ترسيخ الطائفية..الشعر اللبناني المعاصر موزاييك ثقافي..موزاييك هويّاتي.
ما هو مطلوب من الشاعر العربي المعاصر أن يتجاوز هذه الموزاييك، وأن يفتح آفاقًا لتجاوز هذه الإثنيات، وتلكم الهويّات، حتى أن هناك من المنظرين منْ نبّه إلى أنه من المطلوب من كل شاعر إذا ما تجاوز سن الخمس وعشرين سنة إن يكون له حسٌّ تاريخي يساعده في إبداعه أن يستحضر رموز التاريخ، وفق مقولة" إليوت" فالهروب من الذات، والانغماس في الكون معناه أن الشاعر دخل التاريخ الإنساني، عكس الفكر الديكارتي الذي يرى أن" الأنا" فوق التراث..
إن الشاعر حسْب المحاضر بقدْر ما يوظف التراث فإنه يهرب منه، ومن هنا فعلاقة الشاعر بالتراث علاقة مساءلة، وإشكالية بامتياز، إذ التراث ظاهرة تاريخية في صراع دائمًا مع ذاتها ومع الآخر، وتساءل:
كيف يمكن للشاعر أن يوظف التراث في القصيدة؟
ليستدلّ بالشاعر الراحل عبد الوهّاب البياتي في ذلك من خلال توظيفه" للغزالة" لعدة رموز تراثية تاريخية، ليصل في النهاية إلى أنها " الحرية" المقموعة دومًا عبْر الحقب التاريخية العربية قمعًا، ونفيا، وتهميشًا..فالتراث عند البياتي ليس حالة معيّنة مقصودة في القصيدة..إنما الرمز في كل حالاته يتحول إلى عالم شعري.
محاضرة شدّت إليها الحضور، وارتأى المحاضر أن يكون التعقيب في شكل تساؤلات، حتى يتقاطع التعقيب مع المحاضرة، فتتداعى الأفكار لتثري الموضوع ..فكان له وللقاعة ما أراد، حيث تمتع الجميع، ورضي على هذا النوع من المحاضرات الراقية.
الجلسة الأخيرة ..للشعر وحده قبل الاختتام
الجلسة الأخيرة من الملتقى كانت للشعر بامتياز حيث الحضور النخبوي المميّز الذي لم تسعْه قاعة دار الثقافة، إذْ تتالى على المنصة أكثر من عشرين شاعرا من ولايات: تمنراست،البرج، وهران، المسيلة، وغيرها، وكانت الحصة الأوفر لشعراء ولاية الوادي..شعراء حداثيون، وشعراء تقليديون، وجمهور تجاوب مع الكل، وصفّق لكل الشعراء فانتشى طربًا لجمالية القصيدة: ابن النوي، السعيد المثردي، مراد بوبكر، البشير المثردي، وغيرهم…تنافس الشعراء وقدّموا أحسن ما أبدعوا، فكان الحضور رائعًا في حسْن التلقّي..في هذه الأمسية الشعرية الجميلة، كل الشعراء أوجدوا لهم مساحة في فضاءات الفن والإبداع، كما أوجدوا للشعر جمهورًا ذا ذوقٍ عالٍ في تذوّق الشعر، والإستئناس به، ودخول عوالمه، وعوالم الشعراء.
مسْك الختام..
قبل إعلان نتائج المسابقة الوطنية للشعر الفصيح، كرّم القطاع الثقافي: مديرية الثقافة بالولاية، دار الثقافة، رابطة الفكر والإبداع، الجمعية الوطنية الثقافية الأمين العمودي، فرع اتحاد الكُتّاب الجزائريين الأستاذ أحمد بن صبّان مدير المحطة الجهوية للتلفزة بورقلة على مرافقة هذه المحطة، وتغطيتها للمشهد الثقافي بولاية الوادي دون تأخر.ثم وُزّعت الشهادات الشرفية على كل منْ ساهموا في تحضير وتسيير ملتقى الشعر الفصيح.
المسابقة الوطنية للشعر الفصيح
إن هذه المسابقة التي شارك فيها 209 مشارك ومشاركة من الجزائر، ومصر، والعراق، وسوريا، وبعد التصفية وفقًا لشروط المسابقة بقيت 145 مشاركة تستوفي شروط المسابقة من حيث الشكل، أمّا المواصفات الفنية الإبداعية توقفت عند 25 مشاركة تقاربت فيها النصوص إبداعيا ممّا استعصى على لجنة القراءة الوصول إلى النتائج النهائية، وفي النهاية كانت النتائج كالتالي، وقد أُعلن عنها في اختتام الملتقى:
الجائزة الأولى:
للشاعر ياسين ميّه مفتاح من وهران، وقيمتها خمسون ألف دينار.
الجائزة الثانية:
للشاعر سهيلي مروان من البرج، وقيمتها ثلاثون ألف دينار
الجائزة الثالثة:
للشاعر بشير بن عبد الرحمن من بوسعادة، وقيمتها المالية عشرون ألف دينار.
وبإعلان نتائج مسابقة الشعر الوطنية أُسدل الستار عن تظاهرة ثقافية إبداعية جميلة عبارة عن عرسٍ تحضره كل ولايات الوطن ممثلة بشعرائها رسل المحبة والسلام، لتدوّن أعمال الملتقى من محاضرات وقصائد رشحتها لجنة القراءة كأعمال مميّزة في كتاب يحمل عنوان الملتقى الثاث يُوزع أثناء انعقاد الطبعة الرابعة على غرار هذه السنة حينما وُزّع على الحاضرين كتابُ الطبعة الثانية في طبعة جميلة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق