الخميس، 28 فبراير 2013

الشاعرة سعاد الصباح


سعاد الصباح
            سعاد محمد الصباح، (22 مايو 1942 - ). شاعرة وكاتبة وناقدة كويتية حاصلة على درجة الدكتوراه في الاقتصاد والعلوم السياسة، وهي المؤسسة لدار سعاد الصباح للنشر والتوزيع عام 1985. تجيد اللغتين الإنجليزية والفرنسية بالإضافة للغتها العربية الأم. تم تكريمها في العديد من الدول لإصداراتها الشعرية وإنجازاتها الأدبية ومقالاتها الاقتصادية والسياسية.           
 
                               جسمي نخلة تشرب من شطّ العرب
إنني بنت الكويت
بنت هذا الشاطئ النائم فوق الرمل ..كالظبي الجميل
في عيوني تتلاقى أنجم الليل ..وأشجار النخيل
من هنا أبحر أجدادي جميعا…
ثم عادوا يحملون المستحيلْ
                            ****
إنني بنت الكويت…
ومع اللؤلؤ في البحر ترعرعتُ …ولمْلمْتُ محارا ونجوما
آهٍ … كم كان البحر حنونا وكريما…
ثم جاء النفط شيطانا رجيما …
فانبطحنا عند رجليْه رجالا ونساء…
وعبدناه صباحا ومساء
ونسيْنا خُلُق الصحراء، والنخوة، والقهوة، والمهباج
والشعر القديما…
وغرقنا في التفاهات، هدمْنا
كلّ ما كان مُضيئا ..وأصيلاً..وعظيماً..
                  ****
إنني بنت الكويت
غرفتي الشمس، ومن بعض أسمائي الصباحْ
وجدودي اخترعوا الأمواج، والبحر، وموسيقى الرياحْ
صادقوا الموتَ فلا الخيل استراحتْ
من أمانيهم، ولا السيف استراحْ
ثمّ حلّتْ لعنة النفط علينا
فاستبحْنا كلّ ما ليس يُباحْ
فالبساتين فراشٌ للهوى
والنساء الأجنبيات يعطّرْن ليالينا الملاحْ
والدنانير على الأقدام تُرمى…
وعلى الأجساد تصطفّ القِداحْ
هكذا يا وطني، تُرفع رايات الكفاحْ
هكذا يبكي على الحائط سيْفٌ أثريٌّ لأبي …
هكذا من يأسه يبكي السلاح …
                      ****
وطني أصبحتُ لا أعرفه
هل هو البازار، والشِّكاتُ من غير رصيدٍ…ودكاكين القمار؟
هل هو الخمسون هامورا يجوبون البحار؟
هل هو الشعب الكويتي الذي تذبحه المافيات في ضوء النهار؟
فاغضبي أيتها الأرض التي ما شاركت في الحرب إلاّ بالصراخْ
والتي ما أنجبتْ بعد مخاضٍ مُوجعٍ …
غيرَ فرسان المَناخْ…
                ****
اغضبي أيتها الأرض التي نامت طويلا في فراشٍ من ذهبْ
اغضبي أيتها الأرض التي تشربُ بترولاً …وتبني عرْشها فوق الحطبْ
اغضبي أيتها الأرض التي أسكرها المال…وأعْماها البطرْ
إنني أرفض أنْ أعتبر النفط قدرْ
فأنا لا أعبد النار…ولا أرمي بأطفالي طعاما للَهبْ
يا بلادي …أُخرجي من نشوة العُمُلات …والأسهم…
وانضمّي إلى جيش العرب…
إنّ في لبنان أطفالاً يموتون …وعِرْضًا يُغتصبْ
اغضبي أيتها الأرض، فإن الأرض لا يفْلحُها إلاّ الغضبْ…
                  ****
إنني بنت الكويتْ
كلّما مرّ ببالي عربُ اليوم…بكيتْ
كلّما فكّرتُ في حال قريش، بعد أنْ مات رسول الله…
خانتني دموعي…فبكيتْ
كلّما فكّرتُ في البصرة ذات المعطف المبتلّ بالماء…
وفي النخل الذي يرفع عند الفجر كفّيْه إلى الله…
تجلّى وجـــهُ أمّي…فبكيتْ
كلّما فكّرتُ في بغداد والكرخ…
وفي الجيش العراقيّ الذي يرفع عن أولادنا العارَ …بكيتْ
كلّما استفسرتُ أهل الحيّ عن موقفهم
وتساءلتُ بحزنٍ:
هل يصير الدم ماء؟
هل يصير الدمُ ماء؟
لم أجد في الرّبْع منْ يسمع صوتي…فبكيتْ
كلّما فكّرتُ فيمن كفروا في صلة التاريخ، والأرحام، والقربى
فلم ينصروا بغداد في المعركة الكبرى…بكيتْ
كيف سدّوا يا تُرى آذانهم؟
حين بغدادُ لهم سقْـفٌ…وبيتْ
                 ****
كلّما أبصرتُ في الحُلم صلاح الدين
يستجدي فُتات الخبز في القدس…
ويستعْطي على باب السيوف العربية
كلّما شاهدتُه تائها، يسأل في الصحراء عن أحياء طيٍّ، وتميم، وغُزيا…
كلّما شاهدتُه في مركز البوليس، مرميًّا على الحائط
من غير كفيلٍ أو هويّه..
صحْتُ من أعماق جرحي:
أيها العصر الشعوبيّ الذي صار فيه السيف
يحتاج لإبراز الهويّهْ !!!
                  ****
إنني بنت الكويتْ
كلّما مرّ ببالي عربُ اليوم …بكيتْ
كلّما فكرتُ في حال قريش، بعد أن مات رسول الله…
خانتني دموعي…فبكبتْ
كلّما أبصرتُ هذا الوطن الممتدّ بين القهر…والقهر…بكيتْ
كلّما حدّقتُ في خارطة الأمس، وفي خارطة اليوم…بكيتْ
كلّما شاهدتُ عصفورا بروما…أو بباريس..يغنّي دون أن يشعر بالخوف …بكيتْ
كلّما شاهدت طفلا عربيا
يشرب البغضاء من ثدْي الإذاعات…بكيتْ
كلّما شاهدتُ جيشا عربيا يطلق النار على الشعب…بكيتْ
كلما حدثني الحاكم عن عشْق الجماهير له
وعن الشورى، وعن حريّة الرأي…بكيتْ
كلّما استجوبني بوليس قطْرٍ عربي…
عن تفاصيل جوازي…
عـــدْتُ من حيث أتيتْ…
                  ****
إنني بنت الكويتْ
هل من الممكن أن يصبح قلبي…يابسا مثل حصان من خشب؟
باردا مثل حصان من خشب؟
هل من الممكن إلغاء انتمائي للعرب…؟
              ****
إن جسمي نخلةٌ تشرب من شطّ العرب
ودمي تنصبّ فيه كلُّ أنهار العرب…
وعلى صفحة نفسي ارتسمتْ
كلّ أخطاء، وأحزان، وآمال العربْ
سوف أبقى دائما أنتظر المهديِّ يأتينا
وفي عــيْـنـيْه عصفور يغني …وقمرْ
وتباشير مطرْ…
سوف أبقى دائما أبحث عن صفصافة…
عن نجمة…عن جنّةٍ خلْف السرابْ
سوف أبقى دائما أنتظر الورد الذي يطلع من تحت الخرابْ
                                                                                   نوفمبر 1984
                           
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...