الأربعاء، 27 فبراير 2013

العلم الوطني


العلم الوطني الجزائري ..رمز الوحدة والتواصل
بشير خلف
مـــــــــــدخل
اهتم العرب بالأعلام منذ القِدَم، وكانت لها مكانة في الحروب والمناسبات الاجتماعية والحياة اليومية.
والعلم عند العرب هو الراية وهو اللواء، وقد استخدموا أعلامًا مختلفة رفعوا بعضها على حصونهم، ودل بعضها على قوافلهم، وتقدمهم خفاقة في الحروب، كما حرصوا على نشرها في الصحارى والقفار لهداية الضالين فيها.
قبل الإسلام كان لكل قبيلة علم خاص بها يميزها عن غيرها تحمله في السفر، وتعلقه على الرمح ،ويرفعه الرجال إذا اندلع القتال، وكان سقوطه يعني توقُّع الهزيمة؛ لذلك كان الذي يحمل العلم من أشجع الرجال وأقواهم، لأن بقاء العلم ورؤية المحاربين له تشجيع لهم على مواصلة القتال.
وبلغت أهمية الرأية قبل الإسلام أن قصيّ بن كلاب حاكم مكة وزعيمها استحدث منصبًا يشبه إلى حد كبير ما يسمى الآن وزير الدفاع، وضمن مسؤوليات مَنْ يشغله الاحتفاظ باللواء، فإذا أخرجه، التف حوله الرجال مستعدين، واجتمع الشيوخ في دار الندوة للنظر في أمور مهمة.

أول راية في الإسلام
بعد ظهور الإسلام كانت أول راية في الإسلام هي التي كانت مرفرفة فوق الرسول -صلى الله عليه وسلم- يوم دخوله المدينة قادمًا من مكة، فقد أسرع أحد الأنصار من أهل المدينة ونشر عمامته على رُمحه، وسار أمام الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكان شعار المسلمين يوم غزوة بدر هو الصوف الأبيض يعلقونه في نواصي الخيل وأذنابها، وأول لواء عقده الرسول -صلى الله عليه وسلم- على رُمح، كان علمًا أبيض عقده لأبي مرشد، واستمر حمله في كل غزوة، وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يحدد حامل راية المسلمين في كل غزوة، ومن يخلفه إذا استشهد، ثم من يأتي بعده، وهكذا.

حاملو الراية ..أفضل وأخلص الرجال
أما من يحمل الأعلام من جند ومجاهدين وقادة، فإنهم كانوا من أفضل الرجال وأخلصهم،فقد قدموا أنفسهم رخيصة لله تعالى،من أجل أن تبقى الأعلام و الرايات عالية مرفرفة، جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لأُعطِيَنّ الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، فأعطاها علياً.
واتبع أبو بكر وعمر هذه السنة؛ وقد اشتهرت أيام الرسول والخلفاء الراشدين الراية الحمراء.

ألوان الراية في العهود الإسلامية
الراية أيام الأمويين فاشتهرت البيضاء، أما العباسيون فكانت رايتهم سوداء، وبعض خلفائهم زيَّنها بهلال مُذهَّب. واتخذ الفاطميون في مصر رايات بيضاء، كانوا يُكثرون من استخدامها في احتفالاتهم العديدة وحروبهم، ولذلك أعدوا لها قاعة خاصة، ودارًا لصناعتها سُميت دار البنود.
منطقة شمال إفريقيا من أعرق الأمم
وبمراجعة صفحات التاريخ في هذا الشأن نجد منطقة شمال إفريقيا من أعرق الأمم التي استعملت العلم، أو الراية منذ عصور قديمة،حيث كان لكل حُـكم أو إمارة أو دولة راية تدل على السلطة أو الحاكم بها.
وقد تنوع استعمال الألوية و الرايات في المواكب المختلفة،كالمواكب الحربية و العسكرية، و المواكب الدينية كالعيدين و الجنائزية، و المواكب السياسية والاجتماعية كالسفر وعقد البيعة،بما يعبر عن عظمة الدولة و قوتها.
تاريخ الراية الجزائرية
والجزائر كغيرها من الأمم عرفت الراية، في مختلف الفترات التي مرت بها،إلى أن تطورت مع الحركة الجهادية المقاومة للاستعمار الفرنسي ،ثم مع الحركة الوطنية المعبرة عن فلسفة الثورة والاستقلال،إلى أن صار في شكله النهائي المعروف اليوم.
إن من مميزات العلم الجزائري خلال الخلافة العثمانية هو اللون الأحمر الذي كان اللون الأساسي في البلدان الإسلامية مشيرا إلى أن مصادر فرنسية ذكرت أن النقيب جو فروا انتزع عند دخول القوات الفرنسية الغازية الأراضي الجزائرية علمًا أحمر من على حصن الداي. ونقلت كتب التاريخ رسما لعلم الداي حسين الذي كان عبارة عن قطعة من الحرير الأحمر وسطها مقص مفتوح بلون الذهبي يرمز لذي الفقار سيف الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.
وبعد ذلك صممت المقاومة الشعبية بقيادة الأمير عبد القادر لواء جديدا أعلاه وأسفله من الحرير الأخضر، ووسطه من الحرير الأبيض رُسمت عليه يد مبسوطة محاطة بعبارات “نصر من الله وفتح قريب” و”ناصر عبد القادر بن محي الدين”وكان كل من الرسم والكتابة كانتا باللون الذهبي.
وفي سنة 1933 أفرد نجم شمال إفريقيا برنامجا خاصا تمحور حول فكرة الاستقلال بجميع الوسائل، وبناء على هذه الفكرة وفي سنة 1934 تم إعداد أول نسخة للعلم الجزائري بالألوان الثلاثة الحالية “الأحمر والأخضر والأبيض” والتي كان يُـــقصد بها الجزائر البيضاء، وتونس الخضراء، واللون الأحمر لمراكش.
علم حزب نجم شمال إفريقيا
وتم التظاهر بهذا العلم في باريس سنة 1935 بمناسبة الاحتفال بالعيد الوطني الفرنسي في 14 جويلية، وكذلك سنة 1937 خلال المسيرة التي قادها مصالي الحاج مُـــحاطا بأعضاء قيادة حزب نجم شمال إفريقيا. أما العلم الجزائري بشكله الحالي فقد رسم في أبريل 1945 من طرف لجنة ثلاثية شكلت بقرار من اللجنة المديرة لحزب الشعب الجزائري من أجل وضْع رمز للمطالبة باستعادة السيادة الوطنية، وتكونت اللجنة من حسين عسلة والشاذلي المكي وشوقي مصطفاي الذي قال أن اللجنة استلهمت فكرة تصميم العلم من راية الأمير عبد القادر إلى جانب نسخة علم حزب نجم شمال إفريقيا.
دلالات أشكال وألوان العلم الوطني
عرفت مواصفات أي مكونات العلم الوطني الجزائري تفسيريْن : تفسير ديني، وتفسير سياسي، فقد ذهب:
1 ــ أنصار الخلفية الإسلامية إلى القول بشأن العلم الوطني إلى أن:
اللون الأبيض يرمز إلى المرجعية الإسلامية مستندين إلى تبني خير الدين في مطلع القرن السادس عشر اللون الأبيض كشعار إسلامي في حروبه ضد النصارى الأوروبيين، وكذلك كان الشأن بالنسبة للأمير عبد القادر، والشيخ المقراني وغيرهما من قادة المقاومة الشعبية..وكذا إلى راية الرسول صلى الله عليه وسلم ذات اللون الأبيض.
أمّا النجمة والهلال حسْب التفسير الديني أيضا بدورهما يحملان نفس التفسير، فالهلال رمز الإسلام، لأنه أصل التاريخ الهجري، والنجمة الخماسية تمثل الأركان الخمسة للإسلام، ولدى البعض الآخر الصلوات الخمس.
أمّا اللون الأحمر فإنه يحمل معنى الجهاد، ويعود هذا اللون إلى راية الخليفة عمر بن الخطاب، وكذا إلى العثمانيين كانت رايتهم ذات لون أحمر.
2 ــ إن الخلفية الإسلامية للعلم يقابلها تفسير آخر يمكن تفسيره بالتفسير الشامل:الديني، والاجتماعي،والسياسي، والوطني ..هذا الاتجاه يرى في اللون الأخضر الأمل الذي يعبّر عن طموحنا كجزائريين في التقدم، والأبيض رمز السلام بين بني البشر،والأحمر إيمانًا بفضيلة العمل، وأخيرا الهلال والنجمة رمزا ارتباطنا بالإسلام..بينما هناك من صنّاع التيار الاستقلالي منْ أعطى تفسيرا آخر لألوان العلم الوطني الجزائري المعاصر كرمزٍ للوطنية المغاربية، فاللون الأبيض هو رمز الجزائر البيضاء، والأخضر رمز تونس الخضراء، والأحمر رمز مراكش الحمراء.
العلم الوطني ذو قسميْن متساويين
ويتضمن العلم قسمين متساويين أخضر وأبيض من جهة العمود أو السارية وبينهما هلال ونجمة باللون الأحمر وقد أعطيت دلالة لكل لون ورمز فالأبيض رمز السلم بين البشرية، والأخضر التطلع إلى التقدم والرخاء، أما الأحمر فهو رمز فضيلة العمل الإنساني والهلال والنجمة دلالة للانتماء إلى الإسلام.
تم تصور وانجاز العلم الوطني الحالي بمحل يقع في 18 شارع سوق الجمعة بالقصبة السفلى كما قام بتنفيذ التصميم الخياطان المناضلان عبد الرحمن سماعي وسيد أحمد العمراني. وقد اعتمد هذا العلم لاحقا من قبل المؤتمر الأول لحركة انتصار الحريات الديمقراطية في منتصف فبراير 1947
الراية الجزائرية ..وقائع وشهداء
ارتبط حمْلُ الراية الجزائرية كرمز للتعبير عن الذات المتميزة عن الآخر بوقائع، وأحداث كرّست خصائص، وأشكال العلم الوطني في قلوب، وعقول الجزائريين، ممّا جعلهم يتسابقون للفوز بشرف حمله في المظاهرات، والتجمعات، فإذا كان نجم شمال إفريقيا بقيادة مصالي الحاج نظّم مظاهرات في الجزائر العاصمة منذ سنة 1934 ، فإن أهمّها مظاهرة 14 جويلية 1937 والتي حمل خلالها الراية الجزائرية شخص يدعى عبد الرحمن وكان عاملا بسيطا يشتغل سائق سيارة، وكان الجزائريون يتسابقون لتقبيل العلم الوطني، ويرفعون أيديهم بالدعاء وعيونهم ملأى بدموع الفرح، والنساء يزغردن.
وكانت المناسبة الثانية يوم الفاتح ماي 1945 عندما نظم الجزائريون مظاهرات في العديد من المدن الجزائرية، ومنها مدينة الجزائر التي تعرّض فيها المتظاهرون لإطلاق الرصاص في شارع العربي بن مهيدي، وهم يقتربون من البريد المركزي..طلقات الرصاص التي كانت كثيفة واستهدفت حملة الراية الوطنية، حيث سقط الشهداء: غزالي الحفاف،أحمد بوعلام الله،عبد القادر زبار،وعبد القادر قاضي، ورغم سقوط الشهداء، وجرْح 19 شخصا في المظاهرة، واعتقال 32 فإن الراية الجزائرية التي تضمّخت بدماء الشهداء وجدت منْ يواصل حملها في نفس المكان من جديد، ويخاطر بحياته، ويسارع لإنقاذها، وهو ما أقدم عليه المناضل الوطني محمد زكال.
إلاّ أن مظاهرات 8 0 ماي 1945 التي كانت تحت الراية الوطنية أعم وأكثر عددا، وأكثر ضحايا، ومنهم حاملي الراية الوطنية..ومنذ ذاك التاريخ دخلت الراية الوطنية مرحلة جديدة، إذْ أخذت بُعْدا سياسيا، واجتماعيا، ونفسيا أضْفى عليها طابعًا من القدسية لدى الإنسان الجزائري الذي يرى نفسه فيه.
الراية الوطنية في ظل ثورة نوفمبر 1954
قبل الثورة المباركة كانت الراية الوطنية قد أصبحت لدى الكثير من الأسر الجزائرية التي لها علاقة بالحركة الوطنية من الرموز المقدسة يمثل اكتسابها، والاحتفاظ بها علامة من علامات التفاخر، والزهو فضلاً عن دافع التحدي تجاه الاستعمار الفرنسي، وإنْ كان ليس بالشكل المعروف الآن.
ثم إن جبهة التحرير الوطني قد اتخذته راية للكفاح في سبيل تحرير الجزائر ابتداء من الفاتح نوفمبر 1954 وفي خلال الثورة انتشرت الراية الوطنية انتشارا واسعا لدى الشعب الجزائري، وما صارت حكرًا على جيش التحرير الوطني وحده..

الجزائريون تحت راية واحدة في 11 ديسمبر
أخذت الراية الوطنية بعدا وطنيا خلال مظاهرا 11 ديسمبر 1960 التي اجتاحت أغلب المدن الجزائرية لمّا زار الجنرال دوقول الجزائر في هذا التاريخ ، حيث تميّزت هذه المظاهرات براية وطنية موحدة، وهي نفي الراية الموجودة الآن، عكس مظاهرات 08 ماي 1945.
إن عامة الشعب الجزائري لم تعرف العلم إلا في مظاهرات 11 ديسمبر 1960 عندما تمت تزكيته بدماء الشعب الجزائري من أدنى البلاد إلى أقصاها في هذه المظاهرات التاريخية.
الراية الوطنية في ظل الاستقلال
يُعدّ العلم الوطني لأي دولة دليلا وتعبيرا سياسيا، وقانونيا على وجودها واستقلالها..فالدولة يمكنها الوجود دون إقرارها لدستور، ويُعترف بها كعضو في الأسرة الدولية، فرمز الدولة خارج حدودها هو علمُها، لا دستورها.
وانطلاقًا من هذه الحقيقة السياسية ــ القانونية، فإن الجزائر ومنذ وقْف إطلاق النار في 19 مارس سنة 1962 بادرت إلى الضبط الدقيق للمقاييس الشكلية للراية الوطنية دون المساس بمكوّنات، ورموز وأشكال الراية الوطنية، كما عرفها الشعب الجزائري، وناضل تحتها في مرحلتي الحركة الوطنية، والثورة التحريرية.

وبتنصيب المجلس الوطني التأسيسي في الجزائر تمّ تناول موضوع الراية الوطنية ليُقرّ هذا المجلس في 25 أفريل 1963 القانون رقم 145/63 والذي يتضمّن تحديد مواصفات ومقاييس العلم الوطني الجزائري وهو القانون الذي صدر في الجريدة الرسمية بتاريخ 30 أفريل 1963 وتضمّنت ديباجة هذا القانون ما يلي:
" إن العلم الوطني هو رمز السيادة الوطنية ..إن الجزائر أصبحت مستقلّة، واعترفت بها هيئة الأمم المتحدة، فأصبح لزامًا عليها أن تختار رسميا علمها الوطني، وهذا العلم موجود من قبلُ إنه ذلك العلم الذي تبنّاه تلقائيا الشعب الجزائري في الأرياف، كما في المدن، إنه ذلك العلم الذي رضي الشهداء بالتضحية، والاستشهاد من أجله، وتجمّع خلفه كل المواطنين داخل الوطن وخارجه."
ملحق القانون 63- 145 ، المؤرخ في 25 أفريل 1963
والمتضمن تحديد خصائص ومميزات العلم الوطني الجزائري

كما أن الدستور الجزائري وضع العلم الوطني ضمْن المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري، أي أن العلم الوطني يمثل أحد ركائز السيادة الوطنية، ولذلك فإن أيّ مساس به هو مساسٌ بسيادة الدولة الجزائرية، ومبادئ المجتمع الجزائري، وتترتب عنه عقوبات صارمة، وهو ما أقرّه المشرّع الجزائري من خلال قانون العقوبات الصادر في 13 فيفري 1982 في المادة 160 التي تقضي بتجريم فعْل تمزيق، أو تشويه، أو تدنيس العلم الجزائري عمْدًا، وعلانية وتقرير عقوبة سجْن من خمس إلى عشر سنوات.
إن العلم الوطني مثل النشيد الوطني، والعملة الوطنية ..رمزٌ لوحدة الأمة، وتعبير عن وحدة الشعور، والتضحيات،، والمطامح، والقيم الخالدة للشعب الجزائري وتضحيته.كما أن العلم الوطني الجزائري ظلّ رمز تواصل بين مختلف الأجيال الجزائرية من جهة، وأداة تعميق للمبادئ والأسس التي يقوم عليها المجتمع الجزائري.

المراجع:

ــ مدوّنة العلم الوطني الجزائري
ــ علم الجزائر.ويكيبيديا – الموسوعة الحرة
ــ الرموز الوطنية.موقع رئاسة الجمهورية الجزائرية.
ــ تاريخ العلم الجزائري – منتديات خنشلة التعليمية.
ــ الأستاذ فاضل عبد القادر.تاريخ العلم الجزائري/ منتديات الأقلام
ــ د.عامل رخيلة.العلم الوطني رمز الوحدة والتواصل.يومية الشروق اليومي.العدد302 الأربعاء 31 أكتوبر 2001

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...