الخميس، 28 فبراير 2013

من عيون الشعر الغزلي


من عيون الشعر الغزلي
الحب عاطفة نبيلة عرفها الإنسان منذ بدايته الأولى، وهو فضيلة الفضائل لأنه ينطوي على قيمة أخلاقية كبرى هي النية الطيبة. وقد شغلت هذه العاطفة كثيرا من الفنانين والأدباء فقاموا بالتعبير عنها في أعمالهم منذ القدم إلى الآن محاولين تجلية هذه القيمة الإنسانية بصور فنية موحية.
وللحب تسميات عديدة حسب درجاته ومنها : الصبابة والهوى والعشق والشغف والهيام …

الحب في الأدب العربي القديم :
برز الحب في الأدب العربي في إطار غرض شعري يسمى الغزل غير أن هذا الغرض اتخذ مسلكين عبر من خلالهما الشعراء عن مظاهر عاطفة الحب.
أ – المسلك الأول :
ويطلق عليه الغزل الإباحي أو الفاحش وقد يسعى فيه الشعراء نحو تحقيق المتعة المادية عن طريق وصف مفاتن المرأة واستعراض النزوات والمغامرات الغرامية بكلام يجاوز حدود الأخلاق أحيانا عند امرئ القيس مثلا. ومن أعلامه بشار بن برد وعمر بن أبي ربيعة وأبو نواس.
ب – المسلك الثاني :
ويطلق عليه الغزل العفيف أو العذري حيث يتعلق فيه الشاعر بامرأة واحدة، ويبدي استعداده التام للتضحية من أجل عاطفته. ولو تاه في الصحراء وهجره الأهل ومن سمات هذا الشعر أنه يتعامل مع المرأة بنوع من التعالي والترفع عن كل نزوع مادي. لذلك لم يتعلق شعراء هذا الغرض الشعري بمفاتن المرأة الجسدية. وعادة ما يكون الغزل العذري نتيجة حرمان الشاعر من الزواج بمن يهواها قلبه فيزداد تعلقا بها لدرجة تشبه الجنون فيبقى تائها ينظم فيها شعرا إلى حين وفاته ومن أعلامه : قيس بن الملوح وكانت محبوبته ليلى وجميل بن معمر مع بثينة.
هذه قصيدة من أجمل القصائد التي قيلت في الغزل وهي ليزيد بن معاوية وهي قصيدة جملية وخصوصا الأبيات الأخيرة:
خذوا بدمي ذات الوشاح فـــإنـــــني   ** رأيتُ بعيني في أناملها دمــــــــــــي
أغــــــــــار عليها من أبيها وأمـــها  **  ومن خطوة المسواك إن دار في الفم
أغار على أعطافها من ثيــــــــابها   ** إذا ألبستها فوق جسم منعـــــــــــــــم
وأحسد أقداحا تقبلُ ثـــــــــــــغرها    **  إذا أوضعتها موضع المزج ِفي الفــم
خذوا بدمي منها فإني قــــــــــتيلها   **   فلا مقـــــــصدي ألا تقوتوا تنعـــــمي
ولا تقتلوها إن ظفرتم بقــــــــــتلها  **    ولكن سلوها كيف حل لها دمـــــــــي

وقولوا لها يا منية النفس إنــــــــني **   قتيل الهوى والعشق لــــو كنتِ تعلمي
ولا تحسبوا أني قـــــــــتلت بصارم **   ولكن رمتني من رباها بأسهـــــــــــم
لها حكم لقمـان وصـورة يــــوسـف **  ونـــــــــغـمـة داود وعــــــفـة مـريـم
ولي حزن يعقوب ووحشـه يونـس   **  وآلام أيـــوب وحـســــــــــــــــرة آدم
ولو قبـل مبكاهـا بــــــكيـت صبابـة  **  لكنت شفيت النفـس قبـل التـــــــــنـدم
ولكن بكت قبلي فــــهيج لـي البكـاء **  بكاهـا فــــــــــــكـان الفضـل للمتـقـدم ِ
بكيت على من زين الحسن وجههـا **  ولـــــــيس لها مثـل يعـرب وأعـجمـي
مدنيـة الألحـاظ مكيـة الحــــــــشـى **   هلالــــــــــــــيـة العينيـن طائيـة الـفـم

وممشوطة بالمسك قد فــاح نشْرهـا **  بـــثغـرٍ كـأن الـدرَّ فــــــــــيـه منـظـم
أشارت بطرف العين خيفـة أهــلهـا   **  إشـارة محـزون ٍِ ولــم تـــــــــــتكـلـم ِ
فأيقنت أن الطرف قـــد قـال مرحبـا   ** وأهــــــــــلا وسهـلا بالحبيـب المتيـم
فو الله لـولا الله والخـوف والـــرجـا  **  لعانـــــقتهـا بيـن الحطــــيـم ِ وزمـزم
وقــــــــــبلتهـا تسعـا وتسعيـن قبـلـة  ** براقـــــــة ًبالكـفّ ِوالـخـدِّ والـفـــــــم
ووسدتهـا زنـدي وقـــــبلـت ثغرهـــــا**  وكانت حــــلالا لي ولو كنـت محـرم

ولمّـا تلاقـــــــــينـا وجــدت بنــــانـهـا **  مخضّــــــــبـة تحكـي عصـارة عنـدم
فقلت خضبت الكـــف بعـدي..هـــكـذا **   يكـون جـزاء المُـــــــــستهـام ِ المتيـم ِ
فقالت وأبدت في الحشى حرّ الجوى **  مـــــــــــقالة من فـي القـول لـم يتبـرم
وعيشـك ما هـذا خضـاباً عرفـــــتـهُ **   فلا تـــــــكُ بالبهتان ِ والـزور متهمـي
ولكـــــــــــــــننـي لمـا رأيـتـك نائياً   **  وقــــــد كنتَ كفّي وزنـدي ومعصمـي
بكيت دمًا يـوم النـوى فــــــمسحتـهُ** فاحمرّت بـــــــــــــــــــــنانيا من دمـــــي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...