من قبائل الجزائر:قبيلة أولاد احميد
وكيف استوطنوا قرية قمار بالجزائر.
بقلم: المرحوم الشيخ محمد الطاهر تليلي
أولاد احميد قبيلة كبيرة تتفرع إلى بطون كثيرة، منها ثلاثة بطون في قمار وهم المحاسنة، والمحاوشة والخشارمة. والسبب في استيطانهم قرية قمار على ما يذكرونه هم، وينشرونه في حكاياتهم، فهم يقولون إنّ أصلهم من المغرب الأقصى من بلدة، أو ناحية من نواحي فاس تسمى صنبر، وهم ينتسبون إلى قبيلة تسمى عنبر.
ولما أراد سلطان المغرب أن يجعل عليهم ضريبة سنوية كغيرهم من المواطنين امتنعوا من أدائها واختاروا الهجرة إلى بلاد أخرى. وفي هجرتهم هذه مروا ببسكرة فاختاروا الإقامة فيها وفي زيبانها(44)، فطلب منهم صالح باي(45) أن ينخرطوا في سلك عسكره، ولهم عليه ما شاؤوا من تجلة، وإكرام وكسوة وطعام، وتعظيم واحترام لِـــما رآه منهم من شجاعة، وإقدام وبطولة والتزام، فانخرطوا في عسكره امتثالاً لأمره، وبقوْا كذلك مدة إلى أن وقعت واقعة بين الباي صالح (وهو صالح باي) وبين ابن جلاب(46) فكانت الغلبة لابن جلاب.
فأمر صالح باي اثنين من أولاد احميد ليشغلا بالمناوشة جيش الجلابي حينًا من الدهر، فتأخرا كذلك حتى لحق بهما عسكر الجلابي فتعجب من أمرهما وقال لهما كيف صبرتما، ولم تفرا كما فر غيركما وبقيتما تناوشان الجيش، فقالا إننا نعلم أننا مغلوبان ولكن طاعة لأميرنا، ثم سألهما عن نسبهما فانتسبا له، فأشار عليهما بأن ينخرطا، هما وقومهما، في عسكره ويسبغ عليهم من نعمه الظاهرة والباطنة ما لا يعرفه باي صالح ولا داي طالح(47)، فلحق الأحميديان بقومهما في عسكر الباي، وأعلموهم بما دار بينهما وبين الجلابي، فخرجوا من عسكر الباي، ودخلوا في عسكر الجلابي فلامهم الباي، وافتك منهم ما أغاروا عليه من غنم وإبل، فأوعدوه بأنهم لا يتركون في صحراء الزاب مفلوقة الشارب، يعنون الإبل.
وذهبوا إلى تقرت حسب اتفاقهم مع الجلابي، فأسكنهم ديارًا في تقرت، وأعطاهم أرضًا للغراسة والعمارة، منها بورخيص مكان معروف في تقرت، ومنها عين ماء مخصوصة بهم، فاستمروا كذلك حتى أحسوا "بالتهم"، وهو مرض وبيل، فخرجوا من تقرت ونزلوا بمكان يقال له سيف (ساعي)(48)، ثم أحسوا "بالتهم" في سيف ساعي، ومكثوا فيه كذلك، وهم قوم رُماة، وأصحاب صيد، فكان من عادتهم أن يطاردوا الغزلان والنعام. فخرج ذات مرة أخوان يتبعان الظليم (ذكر النعام)، فواحد منهما وقع على قمار والآخر وقع على الوادي، فكل نزيل أعجبه منـزله. فذهب كل واحد إلى قومه وأشار عليهم بالمكان الذي نزل به وأعجبه، فرحل أولاد احميد من سيف ساعي منقسمين على أنفسهم قسمين: قسم قصد قرية قمار، وقسم قصد قرية الواد.
وكيف استوطنوا قرية قمار بالجزائر.
بقلم: المرحوم الشيخ محمد الطاهر تليلي
أولاد احميد قبيلة كبيرة تتفرع إلى بطون كثيرة، منها ثلاثة بطون في قمار وهم المحاسنة، والمحاوشة والخشارمة. والسبب في استيطانهم قرية قمار على ما يذكرونه هم، وينشرونه في حكاياتهم، فهم يقولون إنّ أصلهم من المغرب الأقصى من بلدة، أو ناحية من نواحي فاس تسمى صنبر، وهم ينتسبون إلى قبيلة تسمى عنبر.
ولما أراد سلطان المغرب أن يجعل عليهم ضريبة سنوية كغيرهم من المواطنين امتنعوا من أدائها واختاروا الهجرة إلى بلاد أخرى. وفي هجرتهم هذه مروا ببسكرة فاختاروا الإقامة فيها وفي زيبانها(44)، فطلب منهم صالح باي(45) أن ينخرطوا في سلك عسكره، ولهم عليه ما شاؤوا من تجلة، وإكرام وكسوة وطعام، وتعظيم واحترام لِـــما رآه منهم من شجاعة، وإقدام وبطولة والتزام، فانخرطوا في عسكره امتثالاً لأمره، وبقوْا كذلك مدة إلى أن وقعت واقعة بين الباي صالح (وهو صالح باي) وبين ابن جلاب(46) فكانت الغلبة لابن جلاب.
فأمر صالح باي اثنين من أولاد احميد ليشغلا بالمناوشة جيش الجلابي حينًا من الدهر، فتأخرا كذلك حتى لحق بهما عسكر الجلابي فتعجب من أمرهما وقال لهما كيف صبرتما، ولم تفرا كما فر غيركما وبقيتما تناوشان الجيش، فقالا إننا نعلم أننا مغلوبان ولكن طاعة لأميرنا، ثم سألهما عن نسبهما فانتسبا له، فأشار عليهما بأن ينخرطا، هما وقومهما، في عسكره ويسبغ عليهم من نعمه الظاهرة والباطنة ما لا يعرفه باي صالح ولا داي طالح(47)، فلحق الأحميديان بقومهما في عسكر الباي، وأعلموهم بما دار بينهما وبين الجلابي، فخرجوا من عسكر الباي، ودخلوا في عسكر الجلابي فلامهم الباي، وافتك منهم ما أغاروا عليه من غنم وإبل، فأوعدوه بأنهم لا يتركون في صحراء الزاب مفلوقة الشارب، يعنون الإبل.
وذهبوا إلى تقرت حسب اتفاقهم مع الجلابي، فأسكنهم ديارًا في تقرت، وأعطاهم أرضًا للغراسة والعمارة، منها بورخيص مكان معروف في تقرت، ومنها عين ماء مخصوصة بهم، فاستمروا كذلك حتى أحسوا "بالتهم"، وهو مرض وبيل، فخرجوا من تقرت ونزلوا بمكان يقال له سيف (ساعي)(48)، ثم أحسوا "بالتهم" في سيف ساعي، ومكثوا فيه كذلك، وهم قوم رُماة، وأصحاب صيد، فكان من عادتهم أن يطاردوا الغزلان والنعام. فخرج ذات مرة أخوان يتبعان الظليم (ذكر النعام)، فواحد منهما وقع على قمار والآخر وقع على الوادي، فكل نزيل أعجبه منـزله. فذهب كل واحد إلى قومه وأشار عليهم بالمكان الذي نزل به وأعجبه، فرحل أولاد احميد من سيف ساعي منقسمين على أنفسهم قسمين: قسم قصد قرية قمار، وقسم قصد قرية الواد.
فالفريق الذي توجه إلى قمار ينـزل بها في الخريف، ويرحل عنها إلى الصحراء في بقية الفصول. وكان أهل قمار يعطونهم التمر في الخريف. حتى وقعت في القرية واقعة صُورتها أنّ قمار منقسمة بالأعمدة قسمين من أجل شنآن وقع بينهم قبيل هذه الواقعة، فحقد أولاد عزاز على الصيايدة لأسباب تذكر في موضع آخر، فأغرى أولاد عزاز أولاد احميد على قتل رجل دأبه التعرض للمارة في الطريق يسمى صالح بن (نقط بالأصل قدر كلمة) فانتُدب له رجل من أولاد احميد، وهو راقد معترض الطريق، فحذره ثم قتله، فثار ثائر الصيايدة، وقامت قيامتهم، وعزموا على أنهم لا يقبلون بعد اليوم احميديًا يُــساكنهم في القرية، فتوسط بعض العقلاء كعلي بن عمار بن الحاج، والشيخ عمار بن رمضان الشابي، فلم يُجْدِ التوسط نفعًا، فصمم الصيايدة على المنع، وعزم غيرهم على القبول، فنـزل أولاد احميد قرية البليدة(49) وهجموا على النخل يقطعون ويأكلون، فلم يستطع أحد من أولاد قمار أن يمنعهم من فعلهم ذلك، بل عزم الاحمديون على دخول القرية ومساكنة أهلها.
وعاد الشيخ عمار بن رمضان إلى قمار بعدما يئس من الصلح بين الطرفين، وخرج الصيايدة إلى شمال القرية واستعدوا للمقاتلة. وقد أمر الشيخ عمار ابن رمضان أولاد احميد بأن لا يبدؤوا بإطلاق الرصاص فامتثلوا، وابتدأ بإطلاق الرصاص أهل قمار، ووقعت مناوشة، وأحيط بالصيايدة من داخل القرية ومن خارجها فلا يخرج أحد من القرية إلا ويضربه من يرصدهم، ولا يستطيع أن يفر إلى القرية، فقتل في هذه المناوشة أكثر من أربعة عشر رجلاً من الصيايدة. وقد فر أثناءها الشيخ عمار بن رمضان، حتى وقعت الهدنة.
المصدر: فذلكة تاريخية عن منطقة سُوف (بالجزائر) تأليف الشيخ محمد الطاهر التليلي
مجلة العرب العدد الجديد (ذو القعدة وذو الحجة 1424)
مجلة العرب العدد الجديد (ذو القعدة وذو الحجة 1424)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق