الخميس، 28 فبراير 2013

مفهومنا للجمال


مفهومنا للجمال
بقلم: بشير خلف
إن كل إنسان منا هو بحد ذاته وحدة معالجة جمالية مستقلة في تركيبها ووظيفتها.. وكل وحدة من هذه الوحدات عرضة للتغيير والتبديل من حين إلى آخر. وآلية التذوق في وحدة المعالجة هذه.. تتمثل بعناصر أربعة رئيسية لا يمكن الفصل بينها من الناحية النفسية، والوظيفية لان كلاً منها يؤثر في الآخر.. ويتأثر به.. اللهم إلا البيئة التي تقتصر هنا على التأثير. 
وهذه العناصر هي:‏
1
ـ البيئة: اجتماعية, اقتصادية, دينية.
2ـ الانفعالات: عواطف, ميول ,أهواء.‏
3ـ الغرائز: عضوية, نفسية, اجتماعية.‏
4ـ المعرفة: التعلم, الثقافة, الخبرة.‏

البـيـئة:‏
تلعب البيئة دوراً هاماً وواضحاً ، وكبيراً في صياغة الذوق الجمالي الفردي والجمعي لدى الإنسان..إذ تجعل له نظرته الخاصة ومعاييره المحددة كفرد ، وكعضو في الجماعة لخصائص الجمال… فهي تحبّـب إليه مثلاً بعضَ الألوان دون غيرها.. في الوقت الذي تكوِّن لديه سُلّمٌ قيميٌِّ خاصٌّ للدلالات ، والمعاني ، والحقائق , كما يُسهِم هذا السّلّمُ في تحديد رؤيته ، وفهمه للتناظر، والرشاقة، والكمال، والتفرد .. وهذا ما يمكن التعبير عنه بأن البيئة بكل مستوياتها تُـسهم في نصيب آخر من صياغة القيم المعلوماتية الجمالية لكل عنصر من عناصر الجمال في منظومة الخصائص الجمالية العامة.‏
الانفعالات:‏
لا تقل الانفعالات العاطفية، أو الوجدانية أهمية عن البيئة في تحديد الذوق الجمالي لدى الإنسان ، ولا تنفصل عنها في أداء هذا الدور، وممارسته انطلاقاً من جدلية العلاقة بينهما ففي حين تسهم البيئة في نسخ الجماعة في شخوص أفرادها..فإن الانفعالات تختص بمنح الأفراد هويات استقلالهم عن الجماعة ، وإن كنا لا نستطيع إنكار اثر البيئة في تأصيل هذه الانفعالات.. فإننا لا نستطيع أن ننكر أن هذه الانفعالات هي التي تهب كل فرد ذاتَه، وتحميه من الذوبان الكلي في شخص الجماعة ؛ ولذلك تأتي انفعالات كل شخص لتُعـدِّلَ من قيَّم مصفوفة الخصائص الجمالية التي وضعتها البيئة فيه.‏
المعــرفة :‏
يأتي العامل المعرفي بمختلف مدلولاته عنصراً أخيراً من عناصر بناء وحدة المعالجة الجمالية ، وقلنا انه العنصر الأخير لأنه يكون هنا بمثابة المتغير المستقل ، ووحدة المعالجة هي المتغير التابع.. وبالتالي فإن كل ما يطرأ من تطور على المتغير المستقبل( المعرفة ) يستلزم تغييراً أكيداً في المتغير التابع ( وحدة المعالجة الجمالية ) وبهذا المعنى, فإن العامل المعرفي هو الذي يُفترض أن يكون دائماً العنصر الموجّه والمصحح والمطور لآلية التذوق الجمالية ، أو للبرامج التي تعتمد عليها وحدة المعالجة في فكِّ الإشارات المعلوماتية المستقلة .
ولا تقلّ المعرفة أهمية عن العناصر السابقة كما لا تنفصل عنها في عملية بناء وحدة المعالجة الجمالية.. فهي تتعاضد معها، وتتكامل في هذه العملية.. وعلى هذا النحو تكون وحدة معالجة الإشارة الجمالية قد تحددت وأخذت صيغتها الواضحة المستقلة من حيث تحديد موقف الذات من مختلف الموضوعات الجمالية وخصائصها ، وتبلور اتجاهها ، أو ميلها إلى صنف معين من الجماليات ، أو إلى ضرب محدد من الخصائص الجمالية.. ومستقلة من حيث تباينها عن الذوات الأخرى في رؤيتها ومعالجتها للموضوعات والخصائص الجمالية.
إن لكلّ إنسان رؤيةً وردودَ فعل حول الجمال كمفهوم ، والجمال كانطباع تُجاه أشياء مادية وروحية مختلفة يتذوّق جمالها عقليا ، تترك في نفسه إحساسا بالبهجة ، ونشوة ، ودهشة .. فهو المقياس الذي يحدّد جمال المادة التي تترك لدى المُتلقّي الانطباع والإحساس بالبهجة سواء كان عن طريق التأمّل العقلي ، أو السمع ، أو النظر ، أو التذوّق .
الجمال هو الانسجام الحاصل
ولكي يكون لدى الإنسان إحساسٌ جماليٌّ راقٍ ، يستلزم لذلك تربيةٌ للذوق الفني والجمالي ؛ وقد كان للفلاسفة المسلمين مفاهيم في الجمال ، وإن أشهر هذه المفاهيم التي لعبت دورا مهمّا في النظرية الجمالية عندهم هو مفهوم التناسق ، وقد لقي مفهوم التناسق الكوني الذي ظهر عند الفيثاغوريين اليونانيين تأثيرا لدى الفلاسفة المسلمين ، وخصوصا عند إخوان الصفا الذين طوّروا مفهوم التناسق بشكل يتّفق مع بحثهم حوّل نظريات الموسيقى ، كما استفادوا ـ الفلاسفة ـ من آراء أفلاطون المثالية الذي يرى 
أن الجمال من مُكوّنات الشيء الجميل ، أي أن له في نفسه قيمةٌ ذاتيةّ ، وأرسطو الذي يعتقد أن الجمال هو الانسجام الحاصل من خلال وِحْدة تجْمعُ في داخلها التنوّع ، والاختلاف في كلٍّ منسجمٍ ..وأفلوطين يعتقد أن الجمال هو تلك الحياة التي وهبها الله مخلوقاته ، ونفخ فيها من روحه ؛ ومن ثمّ فالشيء الجميل هو الذي يشعُّ بالحياة .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...