الثلاثاء، 26 فبراير 2013

الصورة..وسيطً سحريٌّ يشكّل عالمنا

الصورة..وسيطً سحريٌّ يشكّل عالمنا
بشير خلف
من سمات عصرنا الراهن أنه «عصر الصورة»، مما يعني هيمنة الصورة، وسيادتها لتكون إحدى أهم أدوات عالمنا المعرفية والثقافية والاقتصادية والإعلامية، والصورة ليست أمراً مستجداً في التاريخ الإنساني، وإنما تحولت من الهامش إلى المركز، ومن الحضور الجزئي إلى موقع الهيمنة، والسيادة على غيرها من العناصر والأدوات الثقافية والإعلامية.




بكل تأكيد إن عصرنا باتفاق جميع الآراء هو عصر الصورة، وأننا نعيشه بحقٍّ؛ ومن ثمّ فإن الشكل الثقافي في عصرنا هو " ثقافة الصورة"وفي مواجهة هذه الظاهرة التي هي ليست جديدة بالرغم من زحفها الكاسح في كل المجالات، وصارت هي الموجه للوقائع، والأحداث اليومية في كل بقاع العالم، والمتتبع لهذه الوقائع وبخاصّة في عالمنا العربي يخلص إلى أن الصورة ما صارت وسيلة فنية وإعلامية فحسب؛ إنما وسيلة خطيرة لزعزعة الهويّات، وتفتيت التلاحم الجمعي، وزرْع الشك داخل المجتمع الواحد..بل وسيلة مدمّرة لتجزئة الدولة الواحدة، والأمثلة عديدة فيما يجري حولنا هذه الأيام.
في العديد من المناطق ـ وليس العالم العربي بطبيعة الحال ـ تفجّرت احتجاجاتٌ انتقادية لا ترى في هذه الظاهرة.. ظاهرة هيمنة الصورة إلاّ تهديدًا مدمّرًا للهُويّات، وإلغاء لأنماط ثقافية سائدة جهدت الإنسانية مجتمعة في إنجازها قرونًا وقرونًا من السنين؛ وبالرغم من بعض الحقيقة في هذه المقاربات النقدية، فإن الاستسلام للحديث عن ثقافة الصورة كشرٍّ مطلق، إنما يفوّت علينا فرصة الاستفادة بفوائد كثيرة قد تكون موجودة في ثناياها.
لقد باتت الصورة جزءًا من الواقع المعيش في زمننا، وربما صارت بديلاً له، بل حتى أداة تصنيع لعالم متخيل - غير حقيقي - ينوب عن العالم الحقيقي لأهداف وغايات لا يمكن أن تكون حميدة في معظمها، وإن كان بعضها حميدًا، من زاوية واقعنا العربي، فالصورة تعيد إنتاج العالم فتغدو حدثا محسوسًا مما يقوي من دورها ويفرض وصايتها على المشاهد الذي تبتلعه بهيمنتها، ولا تدع له فرصة للتأمل، وهي بالطبع وافد يحمل في جعبته من الخبايا ما يحمل.

في عالمنا العربي العديد من المفكرين، وأهل الاختصاص يخشوْن سطوة الصورة وتأثيرها المدمّر في تفتيت الهُويّات المتضعضعة أصلا أيامنا هذه، والبعض الآخر يرى بدلاً من ذلك الاستفادة من هذه الوسائط المعاصرة بما في ذلك الصورة، وأنْ لا نبقى مكتوفي الأيدي أمامها؛ بل علينا الدخول في رحابها مستفيدين مثلما نحن منتجين، ومساهمين في صنعها، وتوظيفها في كل مجالات التنمية. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...