الخميس، 28 فبراير 2013

في مفهومالجمال


في مفهومالجمال
بقلم : بشير خلف
من قديم شغل الجمالُ الناس في كل بقاع الأرض في كنهه، في مفهومه، في موضوعاته، في تفسيره؛ إلاّ أن ما لم يختلفوا فيه أنه موجود وذو تأثير إيجابي على حياتهم..وبقدر ما خاض فيه الفكر الغربي منذ القديم وقبل الإسلام حتى عصرنا هذا فإنه لم يف الجمال حقّه، بقدْر ما كان الفكر الإسلامي وعبْر كل مراحله حتى عصرنا هذا وبعده إلى يوم الدين أكثر تحليلا وأعمق فهما للجمال.
ما هو الجمال لغة واصطلاحا؟
ورد في لسان العرب أن :
« الجمال مصدر الجميل ، والفعل جَمُلَ »، وقوله عزّ وجلّ :«وَلَـكُمْ فِيهَا جَـمَالٌ حِـينَ تُـرِيحُونَ وَحِـينَ تَـسْرحُونَ » .{ النحل : 6 } ، أي البهاء والحسن والجمال . والحسن يكون في الخُلُق والخَلْق . وقد جمُل الرجل ( بالضمّ) جمالا فهو جميلٌ ، والجُمّال ( بالضم والتشديد ) : أجملُ من الجميل . وجمّلَه أي زيّنه . وجمّلتْها أي زيّنتْها ، والتجمّل : تكلّف الجميل . وجمّل الله عليك تجميلا : إذا دعوتَ له أن يجعله الله جميلا حسنا ، وامرأة جمْلاء وجميلة . قال ابن الأثير : والجمال يقع على الصُّور والمعاني …ومنه الحديث الشريف : " إن الله جميلٌ يحبّ الجمال " ، أي حسَنُ الأفعال ، كاملُ الأوصاف . والمجاملة : المعاملة بالجميل .(1)

وللإمام القرطبي تعريفٌ بديعٌ للجمال ، فقد قال :
« الجمال يكون في الصورة وتركيب الخِلْقة ، ويكون في الأخلاق والعاطفة ، ويكون في الأفـعال :

فأمّا جمال الأخلاق : فكوْنُـها من الصفات المحمودة من العلم والحكمة والعدل . وأمّا جمال الأفعال : فهو وجودها ملائمةٌ لمصالح الخلْق ، وقاضيةٌ لجلْب المنافع فيهم ، وصرْف الشرّ عنهم .

وأمّا جمال الخِلْقة : فهو أمرٌ يدركه البصر ، ويُلقيه في القلب متلائما ، فتعْلَـقُ به النفس من غير معرفة بوجه ذلك ، ولا نِـسْبتُه لأحدٍ من البشر ، وجمالُ الأنعام والدواب من جمال الخِلْقة ، وهو مرئيٌّ بالأبصار ، موافقٌ للبصائر .» (2 )

إننا حينما نفكر في الجمال ، وكُـنهه ، ومجالاته ، وصُوره ، ومعاييره ، ونتخيّل شكْلَ الحياة بدون الجمال والفنون والآداب ، وطُغيان القُبْح المتغلغل في كل مجالات حياتنا ، والظلم المتفشّي بين الأفراد والجماعات والأمم ، وروح السيطرة ، وظاهرة الإقصاء ..سندرك دون ريب مدى حاجتنا إلى لمساتالجمال للتهدئة ، والقضاء على الغلوّ ، وإلى التربية الجمالية الشاملة ، والمتكاملة لكلّ الأفراد ، بدون مراعاة الأعمار ، ومراحل السنين ؛ وهذا ما أكّده رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، حيث ما ترك أيّ نوع من أنواع الجمال إلاّ وقد أشار إليه ، وحثّنا عليه ، ورغّبنا فيه ، وحذّرنا ممّا يُنافيه .

جمال الأخلاق : نراه في قوله صلّى الله عليه وسلّم : " البرّ حُـسْن الخُلُق . " رواه مسلم ، وفي قوله صلى الله عليه وسلّم : " أكْملُ المؤمنين إيمانا أحسنُهم خُلُقا ." رواه الترمذي ، إضافة إلى ما رواه ابن ماجة من أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، سُئل : ما أكْثر ما يُدخِـل الجنة ؟ قال : " التقوى وحُسْنُ الخُلُق ."

أمّا جمال الأفعال : نراه فيما رواه أحمد من أنّ رجلا قال : يا رسول الله ، أيّ الناس خيرٌ ؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم : " مَنْ طال عُمُرهُ وحَسُن عملُــه ." أمّا جمال الخِلْقة : فنراه فيما رواه أحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه ، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول : " اللهمّ أحْسنتَ خَلْقي فأحْسنْ خُلُقي .(3) "

الجمال في الاصطلاح الجمال ضدّ القبح ، وهو الحُسْن والزينة ، ومنه الحديث : ( إن الله جميلٌ يحبّ الجمال .) أي حُسْن الأفعال ، كامل الأوصاف . واصطلاحا : الجمال حُسْن الشيء ، ونضْرته وكماله على وجْه يليق به ؛ ومعنى ذلك : أن كل شيء جماله وحُسْنه كامنٌ في كماله اللائق به ، فإنْ كانت جميع خصوصياته وكمالاته الممكنة كائنةً فيه ، فهو في غايةالجمال …فالخط الجميل هو الذي جمع ما يليق بالخط من تناسب الحروف ، وتوازيها ، واستقامة ترتيبها ، وحُسن انتظامها ، فكل شيء له خصوصياته الجمالية ، فما يُجمّل الإنسانَ لا يجمل الحيوانَ ممّا هو من خصوصياته ، وما يجمّل فنّ الخط لا يجمّل فن الأصوات ، وما يجمّل الأواني ويزخرفها غير ما يجمل الثياب ، وهكذا في سائر الموجودات .

كما أن الجمال في التعريف الاصطلاحي هو ذلك الذي يتّسم بالتناسق ، والنظام والانسجام ، بحيث يَـنِـمُّ عن معنى ، ويكون له مغزى محدّدٌ ..والجمال لا يرتبط في نظر البعض من الفلاسفة وعلماء الجمال ، والاجتماع بفكرة السعادة ، أو بفكرة الفائدة ، أو المنفعة ، كما لا تربطه علاقةٌ بالخير والشرّ.(4)

ويضيف الدكتور علي عبد المعطي محمد في كتابه السابق ( مقدمات في الفلسفة ) بأن للجمال معنييْن : معنى واسعٌ ، ومعنى ضيّقٌ ؛ فالمعنى الواسع للجمال يوازي " الطيب "الجمالي وهذا المعنى العام له درجاتٌ متفاوتةٌ في الاستعمال ، كما أنه يختلف من حالة إلى أُخْرى . أمّا المعنى الضيّق للجمال فيعني ما يشعر به الإنسان العادي في داخله ، وما يحسّه من مشاعر وإحساسات جمالية .. والجمالبالمعنى الواسع قد يكون بسيطا أو مركّبا : الجمال البسيط مثل النغمة البسيطة ، الوردة المتفتّحة ، الوجه الممتلئ شبابا وحيوية ، أمّا الجمال المركّب فهو يتّسم بالتعقيد في البناء ، وبالجهد في الفهم ، وبالعمق في المعنى . وفي الحقيقة هذا الرأي قابلٌ للدحض لمّا نتعرّض للجمال في الفكر الإسلامي .
هوامش:
1 ـ ابن منظور: لسان العرب.ج:11 ص:12
2 ـ الإمام القرطبي: الجامع في أحكام القرآن.ج:10 ص:71
3 ـ عبد الله محمد عبد المعطي:أطفالنا.دار التوزيع والنشر الإسلامية ط2
4 ـ د.علي عبد المعطي محمد:مقدمات في الفلسفة.ص:148 دار النهضة العربية .بيروت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الغزو الفكري وهْمٌ أم حقيقة كتب: بشير خلف       حينما أصدر المفكر الإسلامي، المصري، والمؤلف، والمحقق، وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأ...