البعد الفلسفي للثورة الجزائرية
بشير خلف
مــــدخل
طبيعي جدا أن يمجد كل شعب أو أي أمة تاريخها وبطولاتها، وأن تضع لذلك أعيادا وتخلد أبطالها بالنصب التذكارية وتسمي المعالم العمرانية بأسمائهم. ولا ضرر إن بلغ ذلك حد الهوس بذكراهم والتفاخر على الغير بمناقبهم.لكن هل حقيقة الثورة الجزائرية تحمل تلك المعاني والحكايات التي تروى عنها؟
طرْح هذا السؤال ليس من باب التشكيك بل سعيا لمعرفة هذه الحقيقة خاصة أن بعض الشباب اليوم قد قل اهتمامه بهذه الأمجاد بل وصل الحد عند البعض إلى إسقاط كل أزماته ومشاكله الاجتماعية والسياسية على ماضيه وتاريخه. ولا نقصد هنا الكل- ويعتبر آخرون أن جيل الثورة قد أخذ البلاد إلى التخلف و الفساد.
إذن البداية كانت من الفكرة والمبدإ،والاحتفال بالأمجاد إنما هو احتفال بانتصار القضية العادلة لأمة ظُلمتْ واستُعبدت.
فالكلام عن أي ثورة أو حدث تاريخي دون الاهتمام بالفكرة أو بالأفكار القابعة وراء أحداثها يصبح غير مجدٍ،أي البعد الفلسفي للثورة؛ لأنه لا يعكس ما تنطوي عليه تلك الأحداث من إحساس وقصد وإرادة وعواطف، ولأن الحقيقة التاريخية لا تتوقف في النهاية على الواقع وإنما على المهمة التي نذر الإنسان نفسه لها تجاه ذلك الواقع.
كل الثورات العظيمة في العالم شرقًا وغربًا تستند إلى فلسفات تنطلق من واقع وآمال وطموح شعوبها، ولا تنطلق من الفراغ.
إن قراءة واقع الثورة التحريرية يدفعنا إلى إشكالية مقاربته مع المفاهيم المعرفية التي تلتقي جميعها في شكل من أشكالها بمعنى الثورة، فتحديد كل من مفهومي الفلسفة والثورة يجعلنا نميز الثورة عن غيرها من الأشكال الأخرى الرافضة للواقع، والفلسفة عن غيرها من أنواع التأمل غير الفاعل فيه.
مفاهيم معرفية
فالثورة والانقلاب والعصيان والانتفاضة والحرب.. كلها مصطلحات تتداخل مفاهيمها من جهة إرادة التغيير والعمل لأجله، لكنها تتميز عن بعضها من جوانب عدة، فالثورة مصطلح يراد به من حيث معناه اللغوي الهيجان والغضب، ومن ثم توصف التحولات الكونية والطبيعية بالثورة. وهي من المنظور الإسلامي دعوة للعودة إلى الدين من خلال مطالبته بالقطيعة مع كل رموز الشرك، كما أنها تعني التبديل السريع والعنيف في الغالب في السياسة وفي نظام الحكم.
والثورة تختلف عن الانقلاب الذي يهدف في الغالب إلى الاستيلاء على الحكم بدلا عن الأقلية أو الأكثرية الممسكة به، وتختلف عن العصيان الذي هو انتفاضة مسلحة ضد السلطة القائمة دونما مشروع سياسي أو اجتماعي واضح. كما تختلف عن الانتفاضة التي هي حركة جماهيرية موجهة في الغالب ضد الظلم بمختلف أشكاله السياسية والاجتماعية، والتي تقتصر بداية على رفض الواقع القائم وتبقى دائما الممهد الأول للثورة.
أما الحرب التي تعني بصورة عامة القتال المسلح بين دولتين أو أكثر أو بين مجموعتين اجتماعيتين داخل الدولة أو الأمة، فإن الثورة لا تأخذ الجانب العسكري كأساس أول وأوحد لها.
لأجل هذا فإن ثورة نوفمبر ثورة تحريرية أخذت في بدايتها شكل المقاومة، شأن كل ثورة ترفض أن تبقى بعد ذلك عند حدودها كما فعلت العديد من الانتفاضات الوطنية التي سبقتها.
وفي ظل ظروف اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية جد مزرية مثلت بحق واقعا متخلفا، عملت الثورة على إحداث القطيعة معه، إذ انفجرت في وجه الاستعمار المهزوم نفسيا أمام ضياع الهند الصينية منه واستقلال كل من تونس والمغرب.
مقاربات الثورة الجزائرية
وثورة نوفمبر تميزت بالعديد من المقاربات التي حاولت التعرف على ما تمثله من استمرارية أو قطيعة أو إبداع أو أتباع لتلك الأفكار والتيارات الأيديولوجية الفلسفية الوطنية منها والعالمية، وهي المقاربات التي يمكن تلخيصها في ثلاثة أنواع هي:
1- المقاربات الإسلامية التي تستند إلى الفكر الإسلامي الجزائري المعاصر ورجالاته ومن ضمنهم العديد من رجالات جمعية العلماء المسلمين يمثلون أساسها، ومفادها أن فلسفة نوفمبر كانت شكلا ومضمونا فلسفة ثورية جهادية.
وهذه المقاربة تظهر واضحة لدى المفكر مالك بن نبي حين يشير إلى أن ثورة نوفمبر استمدت روحها من تاريخنا الإسلامي المجيد.
2- المقاربات العلمية والعلمانية، وترى أن ثورة أول نوفمبر كحدث شأنه شأن أي حدث ثوري آخر لم يولد من فراغ، بل كان وليد جهود الشعب الجزائري النضالية عبر تاريخه الطويل، والنتاج المباشر للحركة الوطنية التي كانت - كما أكد بيان الثورة - قد اقتربت من مراحلها الأخيرة.
فجبهة التحرير الوطني هي بنت المبادرة الشعبية وامتداد أيديولوجي لحزب الشعب وحركة انتصار الحريات، وهي لم تفعل في الحقيقة سوى إحياء النضال القاعدي من خلال مضاعفة إمكانيات وعدد الأقلية الفاعلة فيها.
3- المقاربات الشعبوية والماركسية، وهذه ترى أن ثورة نوفمبر امتداد تلقائي وانعكاس باهت لفلسفات شعبوية اشتراكية وماركسية، وهي بحكم التناقض الاستعماري ليست مجرد حركة وطنية وإنما حركة ثورية وطنية واجتماعية في نفس الوقت.. حركة ذات مضمون شعبوي في مفهومه الروسي تارة، مضافا إليه نبرة إسلامية عربية تارة أخرى.
وباعتبار أن ثورة أول نوفمبر - شأنها شأن الحدث المجسد لها- إذا كانت لم تولد من العدم بل من أيديولوجيا الحركة الوطنية الخاصة، فإن ذلك لا يعني أنها لم تمثل نوعا من القطيعة معها.
الحقيقة أن فلسفة ثورة نوفمبر إذا كانت قد تغذت من الفكرة الوطنية الجزائرية النابعة من الإسلام، فإنها لم تلبث بحكم تفاعلها مع الواقع أن أخذت إلى جانب ذلك أبعادا سياسية وفكرية جديدة مكنت لها من الوصول بالشعب الجزائري إلى الحرية والاستقلال.
فوحدة الشعب والأرض، الشمال والجنوب، الريف والمدينة، الأغنياء والفقراء، الما ضي والمستقبل.. كلها أسس ومبادئ متعارف عليها في كل ثورة.
فلسفة الثورة الجزائرية في بيان أول نوفمبر
ولكي نبين بوضوح هدفنا فإننا نسطر فيما يلي الخطوط العريضة لبرنامجنا السياسي.
1ــ الهدف:الاستقلال الوطني بواسطة:
ـ إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية.
ـ احترام جميع الحريات الأساسية دون تمييز عرقي أو ديني.
2ــ الأهداف الداخلية:
ـ التطهير السياسي بإعادة الحركة الوطنية إلى نهجها الحقيقي والقضاء على جميع مخلفات الفساد وروح الإصلاح التي كانت عاملا هاما في تخلفنا الحالي.
ـ تجميع و تنظيم جميع الطاقات السليمة لدى الشعب الجزائري لتصفية النظام الاستعماري.
3ــ الأهداف الخارجية:
ـ تدويل القضية الجزائرية.
ـ تحقيق وحدة شمال إفريقيا في داخل إطارها الطبيعي العربي و الإسلامي.
ـ في إطار ميثاق الأمم المتحدة نؤكد عطفنا الفعال تجاه جميع الأمم التي تساند قضيتنا التحريرية.
هذه المبادئ التي جاءت استنادا لبيان أول نوفمبر 1954 وهي: العمل وفق المبادئ الإسلامية، المحافظة على الوحدة الوطنية، تحديد الهدف الأساس، الإرادة الذاتية أو الاعتماد على النفس، الإدارة الجماعية للثورة التحريرية، احترام الحريات الأساسية للأفراد والجماعات.
إن الحقيقة التي يؤكدها تاريخ كل الثورات الدينية والسياسية التي عرفتها الإنسانية عبر مسيرتها الطويلة نحو حريتها، تؤكد فعلا المقولة التي ترى "أن الثورة يخطط لها العقلاء وتنفذها الدهماء ويستغلها الأعداء" وهو الأمر الذي لم تسلم منه ثورة نوفمبر.
فالواقع الذي تعيشه الجزائر اليوم واقع يبين أن تلك الفلسفة وتلك الثورة إذا كانتا عملاقتين في انتصاراتهما أثناء مرحلة التحرير، فإنهما قد منيتا أثناء معركة التعمير بهزائم وانتكاسات من طرف أعدائها الذين وجدوا في انحرافات بعض رجالها فرصتهم للتكالب عليها من كل اتجاه، بهدف تقويضها من الداخل بعدما استحال عليهم بالأمس مواجهتها من الخارج.
الذكرى 57 لاندلاع الثورة الجزائرية
نحتفل هذه الأيام بالذكرى 57 لثورتنا العظيمة التي حقّقت الكثير والكثير للشعب الجزائري، ولا يزال الكثير..كما حقق بيان أول نوفمبر الاستقلال الوطني وبناء الدولة الوطنية، وتحقيق مكاسب لا حصْر لها، ولتحقيق المزيد فنحن بحاجة إلى كــمْ من بيان لأول نوفمبر:
ـ نحتاج إلى بيان نوفمبر لإعلان ثورة في الأخلاق والقيم الروحية والإنسانية ليست غريبة عن الشعب الجزائرية بل تحتاج إلى إعادة بعثها في قالب أكثر عصرية وتماشيا مع روح هذا الشباب الراغب في التقدم ولنا في اليابان أنموذجا رائعا.
ـ ونحتاج إلى بيان نوفمبر لإعلان ثورة فكرية وعلمية بجامعاتنا ومعاهدنا وثانوياتنا ومدارسنا .
ـ ونحتاج لبيان نوفمبر لإعلان ثورة اقتصادية ترقى بالمجتمع وتشجع المبادرات والإبداع ولن يكون ذلك ممكنا حتى نرقى بإداراتنا وبنوكنا إلى مستوى ثقافة السوق ولنا في التجربة الإماراتية أنموذجا لاستقطاب المستثمرين ولخلق روح الإبداع الاقتصادي.
ـ ونحتاج لبيان أول نوفمبر للقضاء على الفساد الإداري والمالي، وإهدار الثروات والموارد، والرشوة والمحسوبية.
ـ نحتاج إلى بيان أول نوفمبر لحبّ بلادنا والغيرة عليها، وخدمتها بروح المواطنة الصادقة.
المراجع:
1ـ د.حمانة البخاري.فلسفة الثورة الجزائرية
2ـ منتديات الجلفة.فلسفة الثورة الجزائرية
3ـ بيان أول نوفمبر 1954
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق