الثلاثاء، 26 فبراير 2013

الانتهازية والسياسة


 الانتهازية والسياسة
بشير خلف
      إذا كان تعريف السياسة هو " فن الممكن" وهو ما اتفق عليه أهل الاختصاص، وبالتالي فإن الممارِس للسياسة بإمكانه أن يوظف كل الممكِـنات من أجل تحقيق مآربه، ومن بينها" الانتهازية"أي أن السياسي في بداية مشواره السياسي ينظر إلى نفسه، كما ينظر إليه الناس سيّما منْ أعطوْه أصواتهم على أنه يؤدي وظيفة سامية..وظيفة رجل الدولة الوطني، الحكيم، الغيور على مصالح أفراد المجتمع، ومؤسسات الدولة.
        يرى البعض صعوبة الالتقاء بين السياسة والأخلاق، معتبرين أن السياسة هي ما هو ممكن، والأخلاق هي ما يجب أن يكون وبين (الممكن) و(ما يجب أن يكون) تقاطعات قليلة في واقع مليء بالصراعات والتناقضات، ويزداد مادية وابتعادا عن المثالية يوما بعد يوم.
       أحدُ السياسيين الجزائريين  الراحلين عندما استعمل كلمة "السياسة فن الممكن" ربطها بالشرع والأخلاق والأعراف: "فن الممكن بمعنى استخدام المتاح والمشروع من الوسائل والأساليب لتحقيق الغايات المرسومة والأهداف المحددة،ونقصد بالوسائل الممكنة والمشروعة، الوسائل التي لا تخالف شريعة القانون ولا تهتك شريعة الأخلاق، ولا تدوس شريعة الأعراف الحميدة التي تحكم حياة المجتمعات المتحضرة والدول المتمدنة"
       وأما ميكيافيلي الفيلسوف الإيطالي يرى عكس ذلك، إذ أن السياسة فيها" الغاية تبرر الوسيلة." وبالتالي تقبل كل الوسائل أخلاقية كانت، أو غير أخلاقية مادامت ممكنة وتحقق الغاية المطلوبة. فالسياسي غايته الوصول إلى السلطة بأي وسيلة كانت، وعندها يصبح هدفه المحافظة عليها بشتى الطرق، والوسائل ويقدم كل التنازلات من أجل ذلك،(1) حتى ولو تحالف مع الشيطان، وداس على جثث ضحاياه.
   أي سرعان ما يتحول إلى رجل انتهازي ( دون تعميم )، لا يستعمل حكمته، وفطنته إلاّ من أجل بقائه على الكرسي لأطول مدة ممكنة، فيتحول من رجل المهمّات النظيفة،والسلوك السويّ، وخدمة المجتمع إلى تحقيق الرغبات الذاتية..وعندما تقترب مهمته من الانقضاء يشرع في تبييض صفحاته بالدنوّ من جمعيات المجتمع المدني، وبخاصة الشبابية والرياضية، والوعْــد بتقديم المساعدات، والشروع في تنفيذ ديكورات على واجهات البلدات، والقرى تحت مسمّى " المشاريع الحضرية"،حتى وإنْ تطلّب الأمر إزالة ما هو موجود وصالح ويؤدي وظيفته أحسن أداء،وتبديله بغيره،واقتلاع الأرصفة وأرضية الساحات، وتبليطها من جديد،والطواف على المساجد لأداء الصلوات في أوقاتها، والتواجد في الأسواق فيتقرّب من الناس، ويتحاور معهم، ويستمع إليهم، ويلبّي دعوات الأفراح، ويكون في مقدمة المشيعين للموتى، وفي صدارة المعزّين..كل ذلك من أجل البقاء في الكرسي لعهدة، أو عهدات أخرى…
         انتهازية السياسي تكلّم عنها المفكر الكبير مالك بن نبي في يومياته التي تنشرها يومية" الشروق"إذ يقول:« إذا عرّفنا السياسة بالمعنى العامي كفن تسيير شؤون الدولة، فإننا نمنح بالتالي للرجل السياسي" وظيفة" أكثر ممّا نمنحه مهمّة..وإذا انطلقنا من أنها وظيفة دولة، أي شيء مرحلي لا بدّ أن يزول، نفهم كيف أن هذه الوظيفة مؤقتة، والرجل السياسي يصبح رجلا انتهازيا لا يستعمل حكمته إلاّ لبقائه على الكرسي لمدة أطول.»(2)
        ما بقي على الاستحقاقات القادمة للمجالس المحلّية والوطنية غير سنة واحدة في بلادنا، والسباق بدأ بخطًًى متسارعة في هذا الثلاثي الأخير من السنة، وسيكون محمومًا لا شكّ في شهور السنة القادمة، المنصب السياسي كوظيفة مؤقتة غير دائمة ليُوظّفْ من أجل المصلحة الذاتية قبل كل شيء، والانتهازية ذات وجوه متعددة..وهي أقرب طريق لعدم ترْك" القصعة" يستولي عليها الغير.
       السؤال الجدير بالطرح:
ــ هل فعْلاً قد تتحول السياسة إلى انتهازية مكشوفة تنتفي منها القيم والأخلاق؟!
هوامش:
(1) ــ د.أبو مروان/ هل السياسة فن الممكن؟ مدونة الدكتور أبو مروان
(2) ــ يوميات مالك بن نبي/صحيفة الشروق اليومي.الحلقة 43
      

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...