شخصيات ثقافية..مآثر ومواقف ونصوص
بقلم: بشير خلف
مــــــدخل
الجزائر أنجبت شخصيات وأعلامًا أدبية وعلمية وسياسية وعسكرية على مرّ العصور،ولا تزال..هذه الشخصيات شاركت في نشْر،وترقية الفكر والمعارف والعلوم ليس بين ظهراني الجزائريين فحسب،بل وحتى خارج الجزائر مشرقا ومغربا؛ وقاومت هذه الشخصيات الوجود الأجنبي، ودافعت عن حمى الأرض، والعرض، والتراب الوطني، كما قامت بإصلاحات سياسية وإدارية هامّة داخل الجزائر،كما أن العديد من هذه الأسماء رحلت واغتربت لظروف، وأسباب كثيرة أحيانًا للتعمّق في كسْب المعارف،والاحتكاك بالعلماء،والاستفادة منهم في حلقات دروسهم، وكذا لزيارة البقاع المقدسة، أو ابتعادا عن الأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية السيّئة، ونكران البعض لجهودهم،وعلمهم،أو فرارًا من طغيان الحكّام،وتعسّفهم خوفًا من أمزجتهم المتقلّبة، ومؤامرات، ودسائس الحاشية، وتحاسد العلماء فيما بينهم، والتي ذهب ضحيتها عديد الأسماء اللامعة في تاريخ المغرب الإسلامي كأبي العباس الغبريني(ت:1300م)ومحمد بن الآبار(ت:1260م) وأبي زكريا يحي بن خلدون(ت: 11378م) و لسان الدين بن الخطيب(ت:1334م) ومحمد بن خميس التلمساني(ت:1309م).
إن شخصيات الجزائر وأعلامها عددهم كثيرٌ، وكل حقبة تميّزت بأسماء كان لها وزنها الوطني والسياسي والعلمي والثقافي والديني..لكن بكل أسفٍ إن الكثير من هذه الأسماء لا تزال مغمورة،كما أن الكثير من المخطوطات القديمة المخزّنة في المكتبات الخاصة الأسرية، وكذا في الزاوية وهي تحتوي على الكثير منها لم يُكشف عنها النقاب بعد..وبالرغم من ذاك فقد هبّ الشباب الجزائري أخيرا وشرع في التعريف بالكثير من أعلام الجزائر وشخصياتها في وسائل الاتصال والنشر الحديثة إنْ كان التعريف بالشخصيات المحلية، أو على مستوى الوطن.
هي جهود طيبة جدا، غير أننا نرى أن الأجدى بموازاة ذلك أن تكون في كتب تضمّ العديد من هذه الشخصيات سيّما في العصور السابقة، لأن العديد من الشخصيات الوطنية والسياسية المعاصرة أخذت على عاتقها بعد تقاعدها السياسي إصدار مذكراتها الشخصية كمشارِكة في الأحداث الوطنية،أو كشاهدة عليها.
إن المؤلفات التي صدرت وتؤرخ لشخصيات الجزائر ــ حسْب علمي ــ قليلة حتى الآن، من هذه الكتب التي صدرت سنة 2000 كتاب للدكتور عمر بن قينة عن اتحاد الكُتّاب العرب بسوريا الموسوم بـ "أعلام وأعمال في الفكر والثقافة والأدب". وتراجم مختصرة في بعض المعاجم كمعجم " ذاكرة الجزائر" لعاشور شرفي، و"موسوعة العلماء والأدباء" لخدوسي رابح، وكذا كتاب آخر صدر في هذه الأيام للأستاذ الباحث في التاريخ كواتي مسعود.شخصيات جزائرية ..مواقف وآثار ونصوص
في إطار التعريف بشخصيات الجزائر وأعلامها صدر في الأيام الأخيرة كتاب للأستاذ الجامعي الباحث، والمتخصص في التاريخ كواتي مسعود بعنوان:( شخصيات جزائرية..مواقف وآثار ونصوص) عن دار طليطلة بالمحمدية بالجزائر العاصمة..الكتاب يدخل ضمن إصدارات تلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية.هو من الحجم المتوسط ذو إخراج جيّد، وتصميم معبّرٍ يقع في 347 صفحة.محتويات الكتاب
بعد البيتين الشعريين لشاعر الجزائر الكبير محمد العيد آل خليفة اللذيْن كانا في صدارة الكتاب:
إن الجزائر لم تزلْ في نســلها
أمًّا ولودًا خـــــــصبة الأرحام
تلد النوابغ من خطيب مصقعٍ
أو شاعر يفتن أو رسّــــــــام
يُهدي الأستاذ مسعود كتابه إلى شباب الجزائر الذي يؤمن بهُويّته، وتاريخه، ولا يعيش في ضياع المجهول، كما يّهديه إلى تلامذته، وطلبته في جميع أطوار التعليم، وهو الأستاذ الذي درّس تباعًا في مراحل التعليم كلّها.
بعد المقدمة التي أسهب فيها الحديث عن شخصيات الجزائر،ومآثرها المختلفة والثرية تعرّض لـ 23شخصية جزائرية عاشت في حقبتي العصر الوسيط والتاريخ المعاصر من تاريخ الجزائر وهي على التوالي:
أبو القاسم يوسف البسكري،ابن أبي المليح الطبيب الشاعر،أبو يعقوب يوسف الورجلاني،محمد بن محرز الوهراني،حسن بن علي المسيلي أو الغزالي الصغير،يحي بن عبد المعطي الزواوي النحوي،الأمير يغمراسن مؤسس الدولة الزيانية، الغبريني البجائي العالم المظلوم،العلاّمة أحمد بن علي الملياني،ابن هدية القرشي التلمساني الكاتب المستشار المؤرخ،ابن خلدون وإقامته في قلعة بني سلامة، ابن قنفذ القسنطيني العلامة المؤرخ، الشيخ العدواني مؤرخا، خليفة بن حسن القماري، محمد الصالح خبشاش في الذكرى الثمانين لمولده، أحمد بن ذياب شاعر الوطنية،موسى لقبال المؤرخ الموسوعي، أحمد توفيق المدني وتراثه الفكري،الربيع بوشامة، مولاي بلحميسي مؤرخ البحرية الجزائرية، الدكتور عطاء الله دهينة وكتابه الغرب الإسلامي، الداي حسين والمقاومة المجهولة، محمد الشبوكي الشاعر الوطني.
وختم الباحث كتابه بذكر المراجع العديدة التي استند إليها باللغتين العربية والفرنسية فكان عددها بالعربية كتبا ومقالات 102 وبالفرنسية 16
إن خمسة عشر شخصية من شخصيات الكتاب عاشت بعد القرن العاشر الميلادي في رحاب الإمارات الإسلامية التي تكونت في المغرب الأوسط من إمارة الرستميين، والزيانيين إلى الموحدين والحماديين، والشخصيات السبع الأخيرة في الكتب عاشت في حقبتنا المعاصرة، وساهمت بفعالية في الحركة الوطنية، وثورة التحرير المباركة، ومرحلة البناء والتشييد فيما بعد الاستقلال بالفكر وبالقلم وبالجهاد الأصغر والأكبر.
ما ميّز الكتاب أن الشخصيات التي تطرّق إليها الباحث في كتابه تغطّي أغلب مناطق الوطن، كما أن منها الشاعر، والفقيه،والنحوي،والمؤرخ والمفكر، والباحث وغيرهم. مقدمة الكتاب
وممّا جاء في مقدمة الكتاب:(…إن عددا كبيرا من الرجال الذين أنجبتهم الجزائر عبر التاريخ انتشروا في الآفاق، وكان لهم الذكر الطيب في حواضر ومدن العالم الإسلامي في الأندلس كغرناطة، وقرطبة،والمغرب الأقصى، وتونس،وليبيا، والإسكندرية والقاهرة بمصر، ودمشق، وبلاد السودان، وكان لهم الدور الفعّال في نشْر العلوم، والمشاركة في إثراء الثقافة العربية الإسلامية في مجالات اللغة،والأدب،والعلوم الشرعية،والعلوم البحتة كالطب،والفلك، والرياضيات.ص:10)
(…والمثير للانتباه أن الجزائريين الذين عاشوا في دار الهجرة بالعالم الإسلامي، وتمكنوا من فرْض وجودهم بفضل قدراتهم الشخصية، وعلمهم الغزير الذي لا يُباع دومًا في الأسواق قد حفظ لنا التاريخ ذكراهم، ومواقفهم، ومآثرهم خلافًا للذين بقوْا في أرض الوطن فلا نعرف عنهم سوى النزر اليسير على الرغم من أنهم ليسوا أقلّ شأْنًا ومكانة من الذين غادروا الجزائر،وساحوا في أرض الله الواسعة، وهي قضية موضوعة للتساؤل والمناقشة لعلّ أحدنا في يوم ما يبحث في هذه المسألة بعمق، ويتقصّى الحقيقة لمعرفة خفاياها، وأسرارها انطلاقًا من الواقع التاريخي والوثائق المدعّمة لهذا الإشكال.ص:11)
ويؤكد الباحث مسعود كواتي على أن الظواهر التاريخية لعصر من العصور لا يمكن إسقاطها على مرحلة زمنية أخرى لأنها لا تتكرر، وإن تكررت فدومًا في ظروف وملابسات مختلفة، وبأشخاص مغايرة؛ فظاهرة الهجرة الاختيارية، أو القسرية لا تزال حاضرة إلى اليوم:
(…كم من شخصية جزائرية لا تجد مكانة تحت الشمس في وطننا، وتُسلط عليها الأضواء في الخارج سواء في فرنسا، أو ألمانيا،أو بريطانيا،أو الولايات المتحدة الأمريكية، أو في كندا، وأستراليا، واليابان، أو حتى في البلاد العربية الإسلامية فتبدأ بعض الأصوات حينئذ في الجزائر بالتفاخر بها، والترويج لها، ومحاولة الاستفادة منها إنْ كانت نواياها صادقة.فالكثير من الإطارات المتخرّجة من الجامعة الجزائرية في عدد كبير من التخصصات، وخاصة في الميادين العلمية،والتكنولوجية اتُّهِمت بضعف المستوى،وقلّة الخبرة،والأداء السيّئ في الميدان، وعانت التهميش؛ غير أنها وجدت نفسها في الخارج في الصفوف الأولى وضنْن مواكب المتفوقين حيث حازت على جوائز عالمية خارج النطاق السياسي، والإديولوجي، ولا نشتمّ منها رائحة المحاباة، أو تهمة التبعية اللغوية.ص:11)
بعض شخصيات الكتاب
حسن بن علي المسيلي
الباحث في كتابه وهو يترجم حيوات هذه الشخصيات يركز على المآثر والمواقف الإنسانية الراقية والأعمال الفكرية أكثر ممّا يركز على النشأة وحتى وإن ركز عليها فمن أجل إبراز المحيط المكاني والزماني الذي ترعرعت فيه الشخصية، وساعدها على التفتح والعطاء فحينما يتطرق مثلا لحسن بن علي المسيلي الملقب بــ " الغزالي الصغير" الذي عاش في القرن الثاني عشر ميلادي، وتوفي سنة 1184م يقول الباحث:
( تذكر المصادر أن المسيلي ألّف الكثير من المؤلفات منها " التذكرة في أصول علوم الدين" تحدث عنه القاضي الغبريني صاحب عنوان الدراية، «وهو كتاب حسن طالعته وكرّرت النظر فيه، فرأيته من أجمل الموضوعات في هذا الفن» وله أيضا ـ أي للمسيلي ـ " النبراس في الرد على منكر القياس" قال عنه الغبريني:«وهو كتاب مليح على ما أُخبرت عنه، ولم أره، وأنا شديد الحرص عليه.»
( إن هذه المؤلفات لا تخرج عن الموضوعات الشرعية، وذلك نظرا لثقافة المسيلي السائدة في عصره، وبحكم منصبه المتمثل في خطة القضاء، وتعتبر هذه المؤلفات في حكم المفقودة اليوم ولعل المستقبل يسمح بالتعرف على كل هذه المصنفات للاطلاع عن ثقافته، والمنابع التي استقى منها معارفه.ص:66)محمد الشبوكي المجاهد الشاعر
منطقة الشريعة بولاية تبسة أرض النضال والجهاد على غرار بقية أرجاء الجزائر حيث أنجبت مجموعة كبيرة من الشخصيات الوطنية والثورية لا يتسع المجال هنا لذكرهم منهم المجاهد الشاعر المرحوم محمد الشبوكي المتوفي سنة 2005 هذه الشخصية حسب رأي الباحث مسعود لم تنلْ ما تستحق من الاهتمام والدراسة والتكريم سوى شذرات قليلة ليست في مستوى عظمة الرجل، وتاريخه النضالي، والفكري.
لم يقتصر عمل الشبوكي في مجال التربية، بل شارك في النضال السياسي الوطني، حيث كان عضوًا عاملاً في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.أُلقي القبض عليه من طرف السلطات الفرنسية شهر فيفري سنة 1956 بسبب نشاطه الوطني والثوري حيث ذاق مرارة السجن والتعذيب في المعتقلات مدة ست سنوات إلى أن أُطلق سراحه يوم 13 مارس سنة 1962م.
للمجاهد والشاعر الشبوكي مجموعة من الأناشيد الوطنية والثورية تغنّى بها المجاهدون أيام الثورة، وتتغنّى بها الأجيال بعد الاستقلال منها النشيد الرائع:
جزائــــــــرنا يا بلاد الجدود
نهضنا نحطّم عنك القــــيود
ففيك برغم العدا ســــنسود
ونعصف بالظلم والظالمين
كما له أناشيد أخرى في أغراض مختلفة: وطنية،وقومية وكلها تبعث الحماس، وتُذكي الروح الوطنية في الشباب.وبــــعد
إن كتب شخصيات جزائرية للأستاذ الباحث كواتي مسعود إذا كان يترجم لحيوات وسير شخصيات جزائرية عاشت في فترات، ومراحل متباعدة من العصر الإسلامي الوسيط إلى السنوات الأخيرة من عصرنا قد خدمت الجزائر ثقافيا وفكريا وعلميا ووطنيا وجهاديا داخل الوطن وخارجه، وهي من الرموز التي نعتزّ ونفتخر بها، وأثرت الثقافة الوطنية بإنتاج كبير من الإصدارات، والأبحاث الجادة العميقة، فإنه يقينًا يثري الثقافة الجزائرية، ويُلفت نظر الباحثين والشباب خاصة إلى غنى الجزائر بعلمائها، ورجالاتها، وأعلامها في كل التخصصات منذ القديم.
إن هذا الكتاب ينضاف إلى كتابات الشخصيات الوطنية والسياسية التي صدرت وتصدر في السنوات الأخيرة المتتالية، وكذا إلى كتاب الدكتور عمر بن قينة "أعلام وأعمال في الفكر والثقافة والأدب" الذي صدر سنة 2000 عن اتحاد الكُتّاب العرب بسوريا والذي ترجم فيه لــ 16 شخصية هي:
الشاعر الناقد: ابن رشيق المسيلي،أبو العباس أحمد المقرْي ،ابن العنابي ،الأمير عبد القادر الشاعر الثائر،ابن قدور الجزائري المفكر المصلح،عبد الحميد بن باديس رجل الفكر والإصلاح ،العلاّمة الداعية المجاهد الفضيل الورتلاني رجل الفكر والسياسة،الغسيري الأديب الرحالة،أبو اليقظان ،محمدالبشير الإبراهيمي ،باعزيز ابن عمر المسلم العربي الجزائري (الأمازيغي) ،الشاعر العربي محمد العيد آل خليفة،شاهد القرن:مالك بن بني ،مالك حداد المبدع الذي عاش في صمت.. ومات فيه؟!،أحمد توفيق المدني المفكر.. الكاتب المنسي!،محمد الصالح رمضان رحلته .شخصيات لم يتطرق إليها الأستاذ مسعود كواتي في كتابه..الكتابان يتكاملان مثلما يتكاملان مع غيرهما من الإصدارات الأخرى التي تُظهر مآثر وسير عظماء الجزائر، وما أدّوْه لوطنهم وللإنسانية من نُبْلٍ وعطاء ثقافي وفكري وعلمي..
كتاب "شخصيات جزائرية..مواقف وآثار ونصوص" للأستاذ كواتي مسعود كتاب قيّمٌ بذل فه جهدا كبيرا بحثا ودراسة وإعدادًا ..إضافة طيّبة تُثرى بها المكتبة التاريخية الوطنية ببلادنا..الكتاب متوفر في المكتبات.
إن شخصيات الجزائر وأعلامها عددهم كثيرٌ، وكل حقبة تميّزت بأسماء كان لها وزنها الوطني والسياسي والعلمي والثقافي والديني..لكن بكل أسفٍ إن الكثير من هذه الأسماء لا تزال مغمورة،كما أن الكثير من المخطوطات القديمة المخزّنة في المكتبات الخاصة الأسرية، وكذا في الزاوية وهي تحتوي على الكثير منها لم يُكشف عنها النقاب بعد..وبالرغم من ذاك فقد هبّ الشباب الجزائري أخيرا وشرع في التعريف بالكثير من أعلام الجزائر وشخصياتها في وسائل الاتصال والنشر الحديثة إنْ كان التعريف بالشخصيات المحلية، أو على مستوى الوطن.
هي جهود طيبة جدا، غير أننا نرى أن الأجدى بموازاة ذلك أن تكون في كتب تضمّ العديد من هذه الشخصيات سيّما في العصور السابقة، لأن العديد من الشخصيات الوطنية والسياسية المعاصرة أخذت على عاتقها بعد تقاعدها السياسي إصدار مذكراتها الشخصية كمشارِكة في الأحداث الوطنية،أو كشاهدة عليها.
إن المؤلفات التي صدرت وتؤرخ لشخصيات الجزائر ــ حسْب علمي ــ قليلة حتى الآن، من هذه الكتب التي صدرت سنة 2000 كتاب للدكتور عمر بن قينة عن اتحاد الكُتّاب العرب بسوريا الموسوم بـ "أعلام وأعمال في الفكر والثقافة والأدب". وتراجم مختصرة في بعض المعاجم كمعجم " ذاكرة الجزائر" لعاشور شرفي، و"موسوعة العلماء والأدباء" لخدوسي رابح، وكذا كتاب آخر صدر في هذه الأيام للأستاذ الباحث في التاريخ كواتي مسعود.شخصيات جزائرية ..مواقف وآثار ونصوص
في إطار التعريف بشخصيات الجزائر وأعلامها صدر في الأيام الأخيرة كتاب للأستاذ الجامعي الباحث، والمتخصص في التاريخ كواتي مسعود بعنوان:( شخصيات جزائرية..مواقف وآثار ونصوص) عن دار طليطلة بالمحمدية بالجزائر العاصمة..الكتاب يدخل ضمن إصدارات تلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية.هو من الحجم المتوسط ذو إخراج جيّد، وتصميم معبّرٍ يقع في 347 صفحة.محتويات الكتاب
بعد البيتين الشعريين لشاعر الجزائر الكبير محمد العيد آل خليفة اللذيْن كانا في صدارة الكتاب:
إن الجزائر لم تزلْ في نســلها
أمًّا ولودًا خـــــــصبة الأرحام
تلد النوابغ من خطيب مصقعٍ
أو شاعر يفتن أو رسّــــــــام
يُهدي الأستاذ مسعود كتابه إلى شباب الجزائر الذي يؤمن بهُويّته، وتاريخه، ولا يعيش في ضياع المجهول، كما يّهديه إلى تلامذته، وطلبته في جميع أطوار التعليم، وهو الأستاذ الذي درّس تباعًا في مراحل التعليم كلّها.
بعد المقدمة التي أسهب فيها الحديث عن شخصيات الجزائر،ومآثرها المختلفة والثرية تعرّض لـ 23شخصية جزائرية عاشت في حقبتي العصر الوسيط والتاريخ المعاصر من تاريخ الجزائر وهي على التوالي:
أبو القاسم يوسف البسكري،ابن أبي المليح الطبيب الشاعر،أبو يعقوب يوسف الورجلاني،محمد بن محرز الوهراني،حسن بن علي المسيلي أو الغزالي الصغير،يحي بن عبد المعطي الزواوي النحوي،الأمير يغمراسن مؤسس الدولة الزيانية، الغبريني البجائي العالم المظلوم،العلاّمة أحمد بن علي الملياني،ابن هدية القرشي التلمساني الكاتب المستشار المؤرخ،ابن خلدون وإقامته في قلعة بني سلامة، ابن قنفذ القسنطيني العلامة المؤرخ، الشيخ العدواني مؤرخا، خليفة بن حسن القماري، محمد الصالح خبشاش في الذكرى الثمانين لمولده، أحمد بن ذياب شاعر الوطنية،موسى لقبال المؤرخ الموسوعي، أحمد توفيق المدني وتراثه الفكري،الربيع بوشامة، مولاي بلحميسي مؤرخ البحرية الجزائرية، الدكتور عطاء الله دهينة وكتابه الغرب الإسلامي، الداي حسين والمقاومة المجهولة، محمد الشبوكي الشاعر الوطني.
وختم الباحث كتابه بذكر المراجع العديدة التي استند إليها باللغتين العربية والفرنسية فكان عددها بالعربية كتبا ومقالات 102 وبالفرنسية 16
إن خمسة عشر شخصية من شخصيات الكتاب عاشت بعد القرن العاشر الميلادي في رحاب الإمارات الإسلامية التي تكونت في المغرب الأوسط من إمارة الرستميين، والزيانيين إلى الموحدين والحماديين، والشخصيات السبع الأخيرة في الكتب عاشت في حقبتنا المعاصرة، وساهمت بفعالية في الحركة الوطنية، وثورة التحرير المباركة، ومرحلة البناء والتشييد فيما بعد الاستقلال بالفكر وبالقلم وبالجهاد الأصغر والأكبر.
ما ميّز الكتاب أن الشخصيات التي تطرّق إليها الباحث في كتابه تغطّي أغلب مناطق الوطن، كما أن منها الشاعر، والفقيه،والنحوي،والمؤرخ والمفكر، والباحث وغيرهم. مقدمة الكتاب
وممّا جاء في مقدمة الكتاب:(…إن عددا كبيرا من الرجال الذين أنجبتهم الجزائر عبر التاريخ انتشروا في الآفاق، وكان لهم الذكر الطيب في حواضر ومدن العالم الإسلامي في الأندلس كغرناطة، وقرطبة،والمغرب الأقصى، وتونس،وليبيا، والإسكندرية والقاهرة بمصر، ودمشق، وبلاد السودان، وكان لهم الدور الفعّال في نشْر العلوم، والمشاركة في إثراء الثقافة العربية الإسلامية في مجالات اللغة،والأدب،والعلوم الشرعية،والعلوم البحتة كالطب،والفلك، والرياضيات.ص:10)
(…والمثير للانتباه أن الجزائريين الذين عاشوا في دار الهجرة بالعالم الإسلامي، وتمكنوا من فرْض وجودهم بفضل قدراتهم الشخصية، وعلمهم الغزير الذي لا يُباع دومًا في الأسواق قد حفظ لنا التاريخ ذكراهم، ومواقفهم، ومآثرهم خلافًا للذين بقوْا في أرض الوطن فلا نعرف عنهم سوى النزر اليسير على الرغم من أنهم ليسوا أقلّ شأْنًا ومكانة من الذين غادروا الجزائر،وساحوا في أرض الله الواسعة، وهي قضية موضوعة للتساؤل والمناقشة لعلّ أحدنا في يوم ما يبحث في هذه المسألة بعمق، ويتقصّى الحقيقة لمعرفة خفاياها، وأسرارها انطلاقًا من الواقع التاريخي والوثائق المدعّمة لهذا الإشكال.ص:11)
ويؤكد الباحث مسعود كواتي على أن الظواهر التاريخية لعصر من العصور لا يمكن إسقاطها على مرحلة زمنية أخرى لأنها لا تتكرر، وإن تكررت فدومًا في ظروف وملابسات مختلفة، وبأشخاص مغايرة؛ فظاهرة الهجرة الاختيارية، أو القسرية لا تزال حاضرة إلى اليوم:
(…كم من شخصية جزائرية لا تجد مكانة تحت الشمس في وطننا، وتُسلط عليها الأضواء في الخارج سواء في فرنسا، أو ألمانيا،أو بريطانيا،أو الولايات المتحدة الأمريكية، أو في كندا، وأستراليا، واليابان، أو حتى في البلاد العربية الإسلامية فتبدأ بعض الأصوات حينئذ في الجزائر بالتفاخر بها، والترويج لها، ومحاولة الاستفادة منها إنْ كانت نواياها صادقة.فالكثير من الإطارات المتخرّجة من الجامعة الجزائرية في عدد كبير من التخصصات، وخاصة في الميادين العلمية،والتكنولوجية اتُّهِمت بضعف المستوى،وقلّة الخبرة،والأداء السيّئ في الميدان، وعانت التهميش؛ غير أنها وجدت نفسها في الخارج في الصفوف الأولى وضنْن مواكب المتفوقين حيث حازت على جوائز عالمية خارج النطاق السياسي، والإديولوجي، ولا نشتمّ منها رائحة المحاباة، أو تهمة التبعية اللغوية.ص:11)
بعض شخصيات الكتاب
حسن بن علي المسيلي
الباحث في كتابه وهو يترجم حيوات هذه الشخصيات يركز على المآثر والمواقف الإنسانية الراقية والأعمال الفكرية أكثر ممّا يركز على النشأة وحتى وإن ركز عليها فمن أجل إبراز المحيط المكاني والزماني الذي ترعرعت فيه الشخصية، وساعدها على التفتح والعطاء فحينما يتطرق مثلا لحسن بن علي المسيلي الملقب بــ " الغزالي الصغير" الذي عاش في القرن الثاني عشر ميلادي، وتوفي سنة 1184م يقول الباحث:
( تذكر المصادر أن المسيلي ألّف الكثير من المؤلفات منها " التذكرة في أصول علوم الدين" تحدث عنه القاضي الغبريني صاحب عنوان الدراية، «وهو كتاب حسن طالعته وكرّرت النظر فيه، فرأيته من أجمل الموضوعات في هذا الفن» وله أيضا ـ أي للمسيلي ـ " النبراس في الرد على منكر القياس" قال عنه الغبريني:«وهو كتاب مليح على ما أُخبرت عنه، ولم أره، وأنا شديد الحرص عليه.»
( إن هذه المؤلفات لا تخرج عن الموضوعات الشرعية، وذلك نظرا لثقافة المسيلي السائدة في عصره، وبحكم منصبه المتمثل في خطة القضاء، وتعتبر هذه المؤلفات في حكم المفقودة اليوم ولعل المستقبل يسمح بالتعرف على كل هذه المصنفات للاطلاع عن ثقافته، والمنابع التي استقى منها معارفه.ص:66)محمد الشبوكي المجاهد الشاعر
منطقة الشريعة بولاية تبسة أرض النضال والجهاد على غرار بقية أرجاء الجزائر حيث أنجبت مجموعة كبيرة من الشخصيات الوطنية والثورية لا يتسع المجال هنا لذكرهم منهم المجاهد الشاعر المرحوم محمد الشبوكي المتوفي سنة 2005 هذه الشخصية حسب رأي الباحث مسعود لم تنلْ ما تستحق من الاهتمام والدراسة والتكريم سوى شذرات قليلة ليست في مستوى عظمة الرجل، وتاريخه النضالي، والفكري.
لم يقتصر عمل الشبوكي في مجال التربية، بل شارك في النضال السياسي الوطني، حيث كان عضوًا عاملاً في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.أُلقي القبض عليه من طرف السلطات الفرنسية شهر فيفري سنة 1956 بسبب نشاطه الوطني والثوري حيث ذاق مرارة السجن والتعذيب في المعتقلات مدة ست سنوات إلى أن أُطلق سراحه يوم 13 مارس سنة 1962م.
للمجاهد والشاعر الشبوكي مجموعة من الأناشيد الوطنية والثورية تغنّى بها المجاهدون أيام الثورة، وتتغنّى بها الأجيال بعد الاستقلال منها النشيد الرائع:
جزائــــــــرنا يا بلاد الجدود
نهضنا نحطّم عنك القــــيود
ففيك برغم العدا ســــنسود
ونعصف بالظلم والظالمين
كما له أناشيد أخرى في أغراض مختلفة: وطنية،وقومية وكلها تبعث الحماس، وتُذكي الروح الوطنية في الشباب.وبــــعد
إن كتب شخصيات جزائرية للأستاذ الباحث كواتي مسعود إذا كان يترجم لحيوات وسير شخصيات جزائرية عاشت في فترات، ومراحل متباعدة من العصر الإسلامي الوسيط إلى السنوات الأخيرة من عصرنا قد خدمت الجزائر ثقافيا وفكريا وعلميا ووطنيا وجهاديا داخل الوطن وخارجه، وهي من الرموز التي نعتزّ ونفتخر بها، وأثرت الثقافة الوطنية بإنتاج كبير من الإصدارات، والأبحاث الجادة العميقة، فإنه يقينًا يثري الثقافة الجزائرية، ويُلفت نظر الباحثين والشباب خاصة إلى غنى الجزائر بعلمائها، ورجالاتها، وأعلامها في كل التخصصات منذ القديم.
إن هذا الكتاب ينضاف إلى كتابات الشخصيات الوطنية والسياسية التي صدرت وتصدر في السنوات الأخيرة المتتالية، وكذا إلى كتاب الدكتور عمر بن قينة "أعلام وأعمال في الفكر والثقافة والأدب" الذي صدر سنة 2000 عن اتحاد الكُتّاب العرب بسوريا والذي ترجم فيه لــ 16 شخصية هي:
الشاعر الناقد: ابن رشيق المسيلي،أبو العباس أحمد المقرْي ،ابن العنابي ،الأمير عبد القادر الشاعر الثائر،ابن قدور الجزائري المفكر المصلح،عبد الحميد بن باديس رجل الفكر والإصلاح ،العلاّمة الداعية المجاهد الفضيل الورتلاني رجل الفكر والسياسة،الغسيري الأديب الرحالة،أبو اليقظان ،محمدالبشير الإبراهيمي ،باعزيز ابن عمر المسلم العربي الجزائري (الأمازيغي) ،الشاعر العربي محمد العيد آل خليفة،شاهد القرن:مالك بن بني ،مالك حداد المبدع الذي عاش في صمت.. ومات فيه؟!،أحمد توفيق المدني المفكر.. الكاتب المنسي!،محمد الصالح رمضان رحلته .شخصيات لم يتطرق إليها الأستاذ مسعود كواتي في كتابه..الكتابان يتكاملان مثلما يتكاملان مع غيرهما من الإصدارات الأخرى التي تُظهر مآثر وسير عظماء الجزائر، وما أدّوْه لوطنهم وللإنسانية من نُبْلٍ وعطاء ثقافي وفكري وعلمي..
كتاب "شخصيات جزائرية..مواقف وآثار ونصوص" للأستاذ كواتي مسعود كتاب قيّمٌ بذل فه جهدا كبيرا بحثا ودراسة وإعدادًا ..إضافة طيّبة تُثرى بها المكتبة التاريخية الوطنية ببلادنا..الكتاب متوفر في المكتبات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق